الباحث القرآني
﴿يا مَعْشَرَ الجِنِّ والإنْسِ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِن أقْطارِ السَّماواتِ والأرْضِ فانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إلّا بِسُلْطانٍ﴾ .
هَذا مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ سِياقُ الكَلامِ السّابِقِ واللّاحِقِ، ولَيْسَ خِطابًا لِلْإنْسِ والجِنَّ في الحَياةِ الدُّنْيا. والتَّقْدِيرُ: فَنَقُولُ لَكم كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ويَوْمَ يَحْشُرُهم جَمِيعًا يا مَعْشَرَ الجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإنْسِ﴾ [الأنعام: ١٢٨] الآيَةِ، أيْ فَنَقُولُ: يا مَعْشَرَ الجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإنْسِ، وقَدْ تَقَدَّمَ في سُورَةِ الأنْعامِ.
والمَعْشَرُ: اسْمٌ لِلْجَمْعِ الكَثِيرِ الَّذِي يُعَدُّ عَشَرَةً عَشَرَةً دُونَ آحادٍ.
وهَذا إعْلانٌ لَهم بِأنَّهم في قَبْضَةِ اللَّهِ تَعالى لا يَجِدُونَ مَنجى مِنها، وهو تَرْوِيعٌ لِلضّالِّينَ والمُضِلِّينَ مِنَ الجِنِّ والإنْسِ بِما يَتَرَقَّبُهم مِنَ الجَزاءِ السَّئِّ لِأنَّ مِثْلَ هَذا لا يُقالُ لِجَمْعٍ مُخْتَلِطٍ إلّا والمَقْصُودُ أهْلُ الجِنايَةِ مِنهم فَقَوْلُهُ ﴿يا مَعْشَرَ الجِنِّ والإنْسِ﴾ عامٌ مُرادٌ بِهِ الخُصُوصَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ ﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ﴾ [الرحمن: ٣٥] إلَخْ.
والنُّفُوذُ والنَّفاذُ: جَوازُ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ وخُرُوجُهُ مِنهُ. والشَّرْطُ مُسْتَعْمَلٌ في التَّعْجِيزِ، وكَذَلِكَ الأمْرُ الَّذِي هو جَوابُ هَذا الشَّرْطِ مِن قَوْلِهِ فانْفُذُوا، أيْ وأنْتُمْ لا تَسْتَطِيعُونَ الهُرُوبَ.
(p-٢٥٩)والمَعْنى: إنْ قَدَرْتُمْ عَلى الاِنْفِلاتِ مِن هَذا المَوْقِفِ فافْلِتُوا. وهَذا مُؤْذِنٌ بِالتَّعْرِيضِ بِالتَّخْوِيفِ مِمّا سَيَظْهَرُ في ذَلِكَ المَوْقِفِ مِنَ العِقابِ لِأهْلِ التَّضْلِيلِ.
والأقْطارُ: جَمْعُ قُطْرٍ بِضَمِّ القافِ وسُكُونِ الطّاءِ وهو النّاحِيَةُ الواسِعَةُ مِنَ المَكانِ الأوْسَعِ، وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِن أقْطارِها﴾ [الأحزاب: ١٤] في سُورَةِ الأحْزابِ.
وذَكَرَ السَّماواتِ والأرْضَ لِتَحْقِيقِ إحاطَةِ الجِهاتِ كُلِّها تَحْقِيقًا لِلتَّعْجِيزِ، أيْ: فَهَذِهِ السَّماواتُ والأرْضُ أمامَكم فَإنِ اسْتَطَعْتُمْ فاخْرُجُوا مِن جِهَةٍ مِنها فِرارًا مِن مَوْقِفِكم هَذا، وذَلِكَ أنَّ تَعَدُّدَ الأمْكِنَةِ يُسَهِّلُ الهُرُوبَ مِن إحْدى جِهاتِها.
والأرْضُ المَذْكُورَةُ هُنا إمّا أنْ تَكُونَ الأرْضَ المَذْكُورَةَ في الدُّنْيا وذَلِكَ حِينَ البَعْثِ، وإمّا أنْ تَكُونَ أرْضَ الحَشْرِ وهي الَّتِي سَمّاها القُرْآنُ السّاهِرَةَ في سُورَةِ النّازِعاتِ، وقالَ تَعالى ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ والسَّماواتُ﴾ [إبراهيم: ٤٨]، وإمّا أنْ يَكُونَ ذَلِكَ جارِيًا مَجْرى المَثَلِ المُسْتَعْمَلِ لِلْمُبالَغَةِ في إحاطَةِ الجِهاتِ كَقَوْلِ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: أيُّ أرْضٍ تُقِلُّنِي، وأيُّ سَماءٍ تُظِلُّنِي.
وهَذِهِ المَعانِي لا تَتَنافى، وهي مِن حَدِّ إعْجازِ القُرْآنِ.
وجُمْلَةُ ﴿لا تَنْفُذُونَ إلّا بِسُلْطانٍ﴾ بَيانٌ لِلتَّعْجِيزِ الَّذِي في الجُمْلَةِ قَبْلَهُ فَإنَّ السُّلْطانَ: القُدْرَةُ، أيْ لا تَنْفُذُونَ مِن هَذا المَأْزِقِ إلّا بِقُدْرَةٍ عَظِيمَةٍ تَفُوقُ قُدْرَةَ اللَّهِ الَّذِي حَشَرَكم لِهَذا المَوْقِفِ، وأنّى لَكم هاتِهِ القُوَّةُ.
وهَذا عَلى طَرِيقِ قَوْلِهِ ﴿وما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ﴾ [الشعراء: ٢١٠] ﴿وما يَنْبَغِي لَهم وما يَسْتَطِيعُونَ﴾ [الشعراء: ٢١١]، أيْ ما صَعِدُوا إلى السَّماءِ فَيَتَنَزَّلُوا بِهِ.
{"ayah":"یَـٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُوا۟ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُوا۟ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلۡطَـٰنࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق