الباحث القرآني
﴿سَنَفْرُغُ لَكم أيُّها الثَّقَلانِ﴾ .
هَذا تَخَلُّصٌ مِنَ الاِعْتِبارِ بِأحْوالِ الحَياةِ العاجِلَةِ إلى التَّذْكِيرِ بِأحْوالِ الآخِرَةِ والجَزاءِ فِيها انْتَقَلَ إلَيْهِ بِمُناسَبَةِ اشْتِمالِ ما سَبَقَ مِن دَلائِلَ سَعَةِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى، عَلى تَعْرِيضٍ بِأنَّ فاعِلَ ذَلِكَ أهْلٌ لِلتَّوْحِيدِ بِالإلَهِيَّةِ، ومُسْتَحَقُّ الإفْرادِ بِالعِبادَةِ، وإذْ قَدْ كانَ المُخاطَبُونَ بِذَلِكَ مُشْرِكِينَ مَعَ اللَّهِ في العِبادَةِ انْتَقَلَ إلى تَهْدِيدِهِمْ بِأنَّهم وأوْلِياءَهم مِنَ الجِنِّ المُسَوِّلِينَ لَهم عِبادَةَ الأصْنامِ سَيُعْرَضُونَ عَلى حُكْمِ اللَّهِ فِيهِمْ.
(p-٢٥٧)وحَرْفُ التَّنْفِيسِ مُسْتَعْمَلٌ في مُطْلَقِ التَّرْكِيبِ المُكَنّى بِهِ عَنِ التَّحْقِيقِ، كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿قالَ سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكم رَبِّي﴾ [يوسف: ٩٨] في سُورَةِ يُوسُفَ.
والفَراغُ لِلشَّيْءِ: الخُلُوُّ عَمّا يُشْغِلُ عَنْهُ، وهو تَمْثِيلٌ لِلْاِعْتِناءِ بِالشَّيْءِ، شَبَّهَ حالَ المُقْبِلِ عَلى عَمَلٍ دُونَ عَمَلٍ آخَرَ بِحالِ الوِعاءِ الَّذِي أُفْرِغَ مِمّا فِيهِ لِيُمْلَأ بِشَيْءٍ آخَرَ.
وهَذا التَّمْثِيلُ صالِحٌ لِلْاِسْتِعْمالِ في الاِعْتِناءِ كَما في قَوْلِ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لِابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمانِ افْرُغْ إلى أضْيافِكَ أيْ تَخَلَّ عَنْ كُلِّ شُغْلٍ لِتَشْتَغِلَ بِأضْيافِكَ وتَتَوَفَّرُ عَلى قِراهم وصالِحٌ لِلْاِسْتِعْمالِ في الوَعِيدِ، كَقَوْلِ جَرِيرٍ:
؎ألانَ وقَدْ فَرَغْتُ إلى نَمِيرٍ فَهَذا حِينَ كُنْتُ لَها عَذابًا
والمُناسِبُ لِسِياقِ الآيَةِ بِاعْتِبارِ السّابِقِ واللّاحِقِ، أنْ تُحْمَلَ عَلى مَعْنى الإقْبالِ عَلى أُمُورِ الثَّقَلَيْنِ في الآخِرَةِ، لِأنَّ بَعْدَهُ ﴿يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ﴾ [الرحمن: ٤١]، وهَذا لِكُفّارِ الثَّقَلَيْنِ وهُمُ الأكْثَرُ في حِينِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ.
والثَّقَلانِ: تَثْنِيَةُ ثَقَلٍ، وهَذا المُثَنّى اسْمٌ مُفْرَدٌ لِمَجْمُوعِ الإنْسِ والجِنِّ.
وأحْسَبُ أنَّ الثَّقَلَ هو الإنْسانُ لِأنَّهُ مَحْمُولٌ عَلى الأرْضِ، فَهو كالثِّقَلِ عَلى الدّابَّةِ، وأنَّ إطْلاقَ هَذا المُثَنّى عَلى الإنْسِ والجِنِّ مِن بابِ التَّغْلِيبِ، وقِيلَ غَيْرَ هَذا مِمّا لا يَرْتَضِيهِ المُتَأمِّلُ. وقَدْ عُدَّ هَذا اللَّفْظُ بِهَذا المَعْنى مِمّا يُسْتَعْمَلُ إلّا بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ فَلا يُطْلَقُ عَلى نَوْعِ الإنْسانِ بِانْفِرادِهِ اسْمُ الثَّقَلِ ولِذَلِكَ فَهو مُثَنّى اللَّفْظِ مُفْرَدُ الإطْلاقِ. وأظُنُّ أنَّ هَذا اللَّفْظَ لَمْ يُطْلَقْ عَلى مَجْمُوعِ النَّوْعَيْنِ قَبْلَ القُرْآنِ فَهو مِن أعْلامِ الأجْناسِ بِالغَلَبَةِ، ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ أهْلُ الإسْلامِ، قالَ ذُو الرُّمَّةِ:
؎ومِيَّةُ أحْسَنُ الثَّقَلَيْنِ وجْهًا ∗∗∗ وسالِفَةً وأحْسَنُهُ قَذالًا
أرادَ وأحْسَنُ الثَّقَلَيْنِ، وجَعَلَ الضَّمِيرَ لَهُ مُفْرَدًا. وقَدْ أخْطَأ في اسْتِعْمالِهِ إذْ لا عَلاقَةَ لِلْجِنِّ في شَيْءٍ مِن غَرَضِهِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ سَنَفْرُغُ بِالنُّونِ. وقَرَأهُ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ بِالياءِ المَفْتُوحَةِ عَلى أنَّ الضَّمِيرَ عائِدٌ إلى اللَّهِ تَعالى عَلى طَرِيقَةِ الاِلْتِفاتِ.
(p-٢٥٨)وكُتِبَ أيُّها في المُصْحَفِ بِهاءٍ لَيْسَ بَعْدَها ألْفٌ وهو رَسْمٌ مُراعى فِيهِ حالَ النُّطْقِ بِالكَلِمَةِ في الوَصْلِ إذْ لا يُوقَفُ عَلى مِثْلِهِ، فَقَرَأها الجُمْهُورُ بِفَتْحَةٍ عَلى الهاءِ دُونَ ألِفٍ في حالَتَيِ الوَصْلِ والوَقْفِ. وقَرَأها أبُو عَمْرٍو، والكِسائِيُّ بِألِفٍ بَعْدَ الهاءِ في الوَقْفِ. وقَرَأهُ ابْنُ عامِرٍ بِضَمِّ الهاءِ تَبَعًا لِضَمِّ الياءِ الَّتِي قَبْلَها وهَذا مِنَ الإتِّباعِ.
{"ayah":"سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَیُّهَ ٱلثَّقَلَانِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











