الباحث القرآني
﴿يَسْألُهُ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ﴾ اسْتِئْنافٌ، والمَعْنى أنَّ النّاسَ تَنْقَرِضُ مِنهم أجْيالٌ وتَبْقى أجْيالٌ وكَلُّ باقٍ مُحْتاجٌ إلى أسْبابِ بَقائِهِ وصَلاحِ أحْوالِهِ فَهم في حاجَةٍ إلى الَّذِي لا يَفْنى وهو غَيْرُ مُحْتاجٍ إلَيْهِمْ. ولَمّا أفْضى الإخْبارُ إلى حاجَةِ النّاسِ إلَيْهِ تَعالى أتْبَعَ بِأنَّ الاِحْتِياجَ عامٌّ أهْلَ الأرْضِ وأهْلَ السَّماءِ. فالجَمِيعُ يَسْألُونَهُ، فَسُؤالُ أهْلِ السَّماواتِ وهُمُ المَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ويَسْتَغْفِرُونَ لِمَن في الأرْضِ ويَسْألُونَ رِضى اللَّهُ تَعالى، ومَن في الأرْضِ وهُمُ البَشَرُ يَسْألُونَهُ نِعَمَ الحَياةِ والنَّجاةِ في الآخِرَةِ ورَفْعَ الدَّرَجاتِ في الآخِرَةِ. وحَذَفَ مَفْعُولَ يَسْألُهُ لِإفادَةِ التَّعْمِيمِ، أيْ يَسْألُونَهُ حَوائِجَهم ومَهامِّهِمْ مِن طُلُوعِ الشَّمْسِ إلى غُرُوبِها.
* * *
﴿كُلُّ يَوْمٍ هو في شَأْنٍ﴾ .
يَجُوزُ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ حالًا مِن ضَمِيرِ النَّصْبِ في يَسْألُهُ أوْ تَذْيِيلًا لِجُمَلَةِ ﴿يَسْألُهُ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ﴾، أيْ كُلَّ يَوْمٍ هو في شَأْنٍ مِنَ الشُّئُونِ (p-٢٥٥)لِلسّائِلِينَ وغَيْرِهِمْ فَهو تَعالى يُبْرِمُ شُئُونًا مُخْتَلِفَةً مِن أحْوالِ المَوْجُوداتِ دَوامًا، ويَكُونُ (كُلَّ يَوْمٍ) ظَرْفًا مُتَعَلِّقًا بِالاِسْتِقْرارِ في قَوْلِهِ ﴿هُوَ في شَأْنٍ﴾، وقُدِّمَ عَلى ما فِيهِ مُتَعَلِّقُهُ لِلْاِهْتِمامِ بِإفادَةِ تَكَرُّرِ ذَلِكَ ودَوامِهِ. والمَعْنى: في شَأْنٍ مِن شُئُونِ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ مِنِ اسْتِجابَةِ سُؤْلٍ، ومِن زِيادَةٍ، ومِن حِرْمانٍ، ومِن تَأْخِيرِ الاِسْتِجابَةِ، ومِن تَعْوِيضٍ عَنِ المُؤَوَّلِ بِثَوابٍ، كَما ورَدَ في أحادِيثَ الدُّعاءِ أنَّ اسْتِجابَتَهُ تَكُونُ مُخْتَلِفَةً، وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠] .
ومَعْنى (في) عَلى هَذا التَّفْسِيرِ تَقْوِيَةُ ثُبُوتِ الشُّئُونِ لِلَّهِ تَعالى وهي شُئُونُ تَصَرُّفِهِ ومَظاهِرُ قُدْرَتِهِ، كَما قالَ الحُسَيْنُ بْنُ الفَضْلِ النَّيْسابُورِيُّ: شُئُونٌ يُبْدِيها لا شُئُونَ يَبْتَدِيها.
و(يَوْمٍ) مُسْتَعْمَلٌ مَجازًا في الوَقْتِ بِعَلاقَةِ الإطْلاقِ، إذِ المَعْنى: كُلُّ وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ ولَوْ لَحُظَةً، ولَيْسَ المُرادُ بِاليَوْمِ الوَقْتَ الخاصَّ الَّذِي يَمْتَدُّ مِنَ الفَجْرِ إلى الغُرُوبِ.
وإطْلاقُ اليَوْمِ ونَحْوِهُ عَلى مُطْلَقِ الزَّمانِ كَثِيرٌ في كَلامِ العَرَبِ كَقَوْلِهِمْ: الدَّهْرُ يَوْمانِ يَوْمٌ نُعُمٌ ويَوْمٌ بُؤْسٌ، وقالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:
؎وإنَّ غَدًا وإنَّ اليَوْمَ رَهْنٌ وبَعْدَ غَدٍ لِما لا تَعْلَمِينَ
أرادَ الزَّمانَ المُسْتَقْبَلَ والحاضِرَ والمُسْتَقْبَلَ البَعِيدَ وإلّا فَأيُّ فَرْقٍ بَيْنَ غَدٍ وبَعْدَ غَدٍ.
والشَّأْنُ: الشَّيْءُ العَظِيمُ والحَدَثُ المُهِمُّ مِن مَخْلُوقاتٍ وأعْمالٍ مِنَ السَّماواتِ والأرْضِ، وفي الحَدِيثِ «أنَّهُ تَعالى كُلُّ يَوْمٍ يَغْفِرُ ذَنْبًا ويُفَرِّجُ كَرْبًا ويَرْفَعُ أقْوامًا ويَضَعُ آخَرِينَ»، وهو تَعالى يَأْمُرُ ويَنْهى ويُحْيِي ويُمِيتُ ويُعْطِي ويَمْنَعُ ونَحْوَ ذَلِكَ وإذا كانَ في تَصَرُّفِهِ كُلُّ شَأْنٍ فَما هو أقَلُّ مِنَ الشَّأْنِ أوْلى بِكَوْنِهِ مِن تَصَرُّفِهِ.
والظَّرْفِيَّةُ المُسْتَعْمَلَةُ في حَرْفِ في ظَرْفِيَّةٌ مَجازِيَّةٌ مُسْتَعارَةٌ لِشِدَّةِ التَّلَبُّسِ (p-٢٥٦)والتَّعَلُّقِ بِتَصَرُّفاتِ اللَّهِ تَعالى بِمَنزِلَةِ إحاطَةِ الظَّرْفِ بِالمَظْرُوفِ أوْ بِأسْئِلَةِ المَخْلُوقاتِ الَّذِينَ في السَّماءِ والأرْضِ.
والمَعْنى: أنَّهُ تَعالى كُلُّ يَوْمٍ تَتَعَلَّقُ قُدْرَتُهُ بِأُمُورٍ يُبْرِزُها ويَتَعَلَّقُ أمْرُهُ التَّكْوِينِيُّ بِأُمُورٍ مِن إيجادٍ أوْ إعْدامٍ.
ومِن أحاسِنِ الكَلِمِ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ قَوْلُ الحُسَيْنِ بْنِ الفَضْلِ لَمّا سَألَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طاهِرٍ قائِلًا: قَدْ أشْكَلَ عَلَيَّ قَوْلُهُ هَذا: وقَدْ صَحَّ أنَّ القَلَمَ جَفَّ بِما هو كائِنٌ إلى يَوْمِ القِيامَةِ. فَقالَ: إنَّها شُئُونٌ يُبْدِيها لا شُئُونَ يَبْتَدِيها وقَدْ أجْمَلَ الحُسَيْنُ بْنُ الفَضْلِ الجَوابَ بِما يُقْنِعُ أمْثالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طاهِرٍ، وإنْ كانَ الإشْكالُ غَيْرَ وارِدٍ إذْ لَيْسَ في الآيَةِ أنَّ الشُّئُونَ تُخالِفُ ما سَطَرَهُ قَلَمُ العِلْمِ الإلَهِيِّ، عَلى أنَّ هَذا الجَوابَ لا يَجْرِي إلّا عَلى أحَدِ الوُجُوهِ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ ﴿كُلَّ يَوْمٍ هو في شَأْنٍ﴾ كَما عَلِمْتَ آنِفًا.
{"ayah":"یَسۡـَٔلُهُۥ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ كُلَّ یَوۡمٍ هُوَ فِی شَأۡنࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق