الباحث القرآني
(p-٢٤٨)﴿مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ﴾ ﴿بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ﴾ .
خَبَرٌ آخَرُ عَنِ الرَّحْمَنِ قَصَدَ مِنهُ العِبْرَةَ بِخَلْقِ البِحارِ والأنْهارِ، وذَلِكَ خَلْقٌ عَجِيبٌ دالٌّ عَلى عَظَمَةِ قُدْرَةِ اللَّهِ وعِلْمِهِ وحِكْمَتِهِ.
ومُناسَبَةُ ذِكْرِهِ عَقِبَ ما قَبْلَهُ أنَّهُ لَمّا ذَكَرَ أنَّهُ سُبْحانَهُ رَبُّ المَشْرِقَيْنِ ورَبُّ المَغْرِبَيْنِ وكانَتِ الأبْحُرُ والأنْهارُ في جِهاتِ الأرْضِ ناسَبَ الاِنْتِقالَ إلى الاِعْتِبارِ بِخَلْقِهِما وبِالاِمْتِنانِ بِما أوْدَعَها مِن مَنافِعِ النّاسِ.
والمَرَجُ: لَهُ مَعانٍ كَثِيرَةٍ، وأوَّلُها في هَذا الكَلامِ أنَّهُ الإرْسالُ مِن قَوْلِهِمْ مَرَجَ الدّابَّةَ إذْ أرْسَلَها تَرْعى في المَرَجِ، وهو الأرْضُ الواسِعَةُ ذاتُ الكَلَأِ الَّذِي لا مالَ لَهُ، أيْ: تَرْكُها تَذْهَبُ حَيْثُ تَشاءُ.
والمَعْنى: أرْسَلَ البَحْرِينِ لا يَحْبِسُ ماءَهُما عَنِ الجَرْيِ حاجِزٌ. وهَذا تَهْيِئَةٌ لِقَوْلِهِ بَعْدَ ﴿يَلْتَقِيانِ﴾ ﴿بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ﴾ .
والمُرادُ: أنَّهُ خَلَقَهُما ومَرَجَهُما، لِأنَّهُ ما مَرَجَهُما إلّا عَقِبَ أنْ خَلَقَهُما.
ويَلْتَقِيانِ: يَتَّصِلانِ بِحَيْثُ يَصُبُّ أحَدُهُما في الآخَرِ.
والبَحْرُ: الماءُ الغامِرُ جُزْءًا عَظِيمًا مِنَ الأرْضِ يُطْلَقُ عَلى الماءِ المالِحِ والعَذْبِ.
والمُرادُ تَثْنِيَةُ نَوْعَيِ البَحْرِ وهُما البَحْرُ المِلْحُ والبَحْرُ العَذْبُ. كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وما يَسْتَوِي البَحْرانِ هَذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وهَذا مِلْحٌ أُجاجٌ﴾ [فاطر: ١٢] . والتَّعْرِيفُ تَعْرِيفُ العَهْدِ الجِنْسِيِّ.
فالمَقْصُودُ ما يَعْرِفُهُ العَرَبُ مِن هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ وهُما نَهْرُ الفُراتِ وبَحْرُ العَجَمِ المُسَمّى اليَوْمَ بِالخَلِيجِ الفارِسِيِّ. والتِقاؤُهُما انْصِبابُ ماءِ الفُراتِ في الخَلِيجِ الفارِسِيِّ. في شاطِئِ البَصْرَةِ، والبِلادِ الَّتِي عَلى الشّاطِئِ العَرَبِيِّ مِنَ الخَلِيجِ الفارِسِيِّ تُعْرَفُ عِنْدَ العَرَبِ بِبِلادِ البَحْرِينِ لِذَلِكَ.
والمُرادُ بِالبَرْزَخِ الَّذِي بَيْنَهُما: الفاصِلُ بَيْنَ الماءَيْنِ الحُلْوِ والمِلْحِ بِحَيْثُ لا يُغَيِّرُ أحَدُ البَحْرَيْنِ طَعْمَ الآخَرِ بِجِوارِهِ. وذَلِكَ بِما في كُلِّ ماءٍ مِنهُما مِن خَصائِصَ تَدْفَعُ (p-٢٤٩)عَنْهُ اخْتِلاطَ الآخَرِ بِهِ. وهَذا مِن مَسائِلِ الثِّقَلِ النَّوْعِيِّ. وذِكْرُ البَرْزَخِ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ، أيْ بَيْنَهُما مِثْلُ البَرْزَخِ وهو مَعْنى لا يَبْغِيانِ، أيْ لا يَبْغِي أحَدُهُما عَلى الآخَرِ، أيْ لا يَغْلِبُ عَلَيْهِ فَيُفْسِدُ طَعْمَهُ فاسْتُعِيرَ لِهَذِهِ الغَلَبَةِ لَفْظُ البَغْيِ الَّذِي حَقِيقَتُهُ الاِعْتِداءُ والتَّظَلُّمُ.
ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ التَّثْنِيَةُ تَثْنِيَةَ بَحْرَيْنِ مِلْحَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ، والتَّعْرِيفُ حِينَئِذٍ تَعْرِيفُ العَهْدِ الحُضُورِيِّ، فالمُرادُ: بَحْرانِ مَعْرُوفانِ لِلْعَرَبِ. فالأظْهَرُ أنَّ المُرادَ: البَحْرُ الأحْمَرُ الَّذِي عَلَيْهِ شُطُوطُ تِهامَةَ مَثَّلُ: جُدَّةُ ويَنْبُعُ النَّخْلِ، وبَحْرُ عُمانَ وهو بَحْرُ العَرَبِ الَّذِي عَلَيْهِ حَضْرَمَوْتُ وعَدَنُ مِن بِلادِ اليَمَنِ: والبَرْزَخُ: الحاجِزُ الفاصِلُ، والبَرْزَخُ الَّذِي بَيْنَ هَذَيْنِ البَحْرَيْنِ هو مَضِيقُ بابِ المَندَبِ حَيْثُ يَقَعُ مَرْسى عَدَنَ ومَرْسى زَيْلَعَ.
ولَمّا كانَ في خَلْقِ البَحْرَيْنِ نِعَمٌ عَلى النّاسِ عَظِيمَةٌ مِنها مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ فَإنَّهم يَسِيرُونَ فِيهِما كَما قالَ تَعالى ﴿وتَرى الفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ﴾ [النحل: ١٤] وقالَ ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكم في البَرِّ والبَحْرِ﴾ [يونس: ٢٢] واسْتِخْراجُ سَمَكِهِ والتَّطَهُّرُ بِمائِهِ. ومِنها مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ العُلَماءِ وهي ما لِأمْلاحِ البَحْرِ مِن تَأْثِيرٍ في تَنْقِيَةِ هَواءِ الأرْضِ واسْتِجْلابِ الأمْطارِ وتَلَقِّي الأجْرامِ الَّتِي تَنْزِلُ مِنَ الشُّهُبِ وغَيْرِ ذَلِكَ.
وجُمْلَةُ يَلْتَقِيانِ وجُمْلَةُ ﴿بَيْنَهُما بَرْزَخٌ﴾ حالانِ مِنَ البَحْرَيْنِ.
وجُمْلَةُ لا يَبْغِيانِ مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ ﴿بَيْنَهُما بَرْزَخٌ﴾ .
{"ayahs_start":19,"ayahs":["مَرَجَ ٱلۡبَحۡرَیۡنِ یَلۡتَقِیَانِ","بَیۡنَهُمَا بَرۡزَخࣱ لَّا یَبۡغِیَانِ"],"ayah":"بَیۡنَهُمَا بَرۡزَخࣱ لَّا یَبۡغِیَانِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











