الباحث القرآني
(p-٤٣)﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ ﴿هَذِهِ النّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ﴾ ﴿أفَسِحْرٌ هَذا أمْ أنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ﴾ ﴿اصْلَوْها فاصْبِرُوا أوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكم إنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ .
﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ﴾ بَدَلٌ مِن ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْرًا﴾ [الطور: ٩] وهو بَدَلُ اشْتِمالٍ.
والدَّعُّ: الدَّفْعُ العَنِيفُ، وذَلِكَ إهانَةٌ لَهم وغِلْظَةٌ عَلَيْهِمْ، أيْ: يَوْمَ يُساقُونَ إلى نارِ جَهَنَّمَ سَوْقًا بِدَفْعٍ، وفِيهِ تَمْثِيلُ حالِهِمْ بِأنَّهم خائِفُونَ مُتَقَهْقِرُونَ فَتَدْفَعُهُمُ المَلائِكَةُ المُوَكَّلُونَ بِإزْجائِهِمْ إلى النّارِ.
وتَأْكِيدُ يُدَعُّونَ بِ ”دَعًّا“ لِتُوَصِّلَ إلى إفادَةِ تَعْظِيمِهِ بِتَنْكِيرِهِ.
وجُمْلَةُ ﴿هَذِهِ النّارُ﴾ إلى آخِرِها مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ السِّياقُ. والقَوْلُ المَحْذُوفُ يُقَدَّرُ بِما هو حالٌ مِن ضَمِيرٍ ”يُدَعُّونَ“ . وتَقْدِيرُهُ: يُقالُ لَهم، أوْ مَقُولًا لَهم، والقائِلُ هُمُ المَلائِكَةُ المُوَكَّلُونَ بِإيصالِهِمْ إلى جَهَنَّمَ.
والإشارَةُ بِكَلِمَةِ ”هَذِهِ“ الَّذِي هو لِلْمُشارِ إلَيْهِ القَرِيبِ المُؤَنَّثِ تُومِئُ إلى أنَّهم بَلَغُوها وهم عَلى شِفاها، والمَقْصُودُ بِالإشارَةِ التَّوْطِئَةُ لِما سَيَرِدُ بَعْدَها مِن قَوْلِهِ ﴿الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ﴾ إلى ﴿لا تُبْصِرُونَ﴾ .
والمَوْصُولُ وصِلَتُهُ في قَوْلِهِ ﴿الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ﴾ لِتَنْبِيهِ المُخاطَبِينَ عَلى فَسادِ رَأْيِهِمْ إذْ كَذَّبُوا بِالحَشْرِ والعِقابِ فَرَأوْا ذَلِكَ عِيانًا.
وفَرَّعَ عَلى هَذا التَّنْبِيهِ تَنْبِيهٌ آخَرُ عَلى ضَلالَتِهِمْ في الدُّنْيا بِقَوْلِهِ ﴿أفَسِحْرٌ هَذا﴾ إذْ كانُوا حِينَ يَسْمَعُونَ الإنْذارَ يَوْمَ البَعْثِ والجَزاءِ يَقُولُونَ: هَذا سِحْرٌ، وإذا عُرِضَ عَلَيْهِمُ القُرْآنُ قالُوا: ﴿قُلُوبُنا في أكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إلَيْهِ وفي آذانِنا وقْرٌ ومِن بَيْنِنا وبَيْنِكَ حِجابٌ﴾ [فصلت: ٥] فَلِلْمُناسَبَةِ بَيْنَ ما في صِلَةِ المَوْصُولِ مِن مَعْنى التَّوْقِيفِ عَلى خَطَئِهِمْ وبَيْنَ التَّهَكُّمِ عَلَيْهِمْ بِما كانُوا يَقُولُونَهُ دَخَلَتْ فاءُ التَّفْرِيعِ وهو مِن جُمْلَةِ ما يُقالُ لَهُمُ المَحْكِيِّ بِالقَوْلِ المُقَدَّرِ.
(p-٤٤)و”أمْ“ مُنْقَطِعَةٌ، والِاسْتِفْهامُ الَّذِي تَقْتَضِيهِ أمْ بَعْدَها مُسْتَعْمَلٌ في التَّوْبِيخِ والتَّهَكُّمِ. والتَّقْدِيرُ: بَلْ أنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ.
ومَعْنى لا تُبْصِرُونَ: لا تُبْصِرُونَ المَرْئِيّاتِ كَما هي في الواقِعِ فَلَعَلَّكم تَزْعُمُونَ أنَّكم لا تَرَوْنَ نارًا كَما كُنْتُمْ في الدُّنْيا تَقُولُونَ: ﴿بَيْنِنا وبَيْنِكَ حِجابٌ﴾ [فصلت: ٥]، أيْ: فَلا نَراكَ، وتَقُولُونَ ﴿إنَّما سُكِّرَتْ أبْصارُنا﴾ [الحجر: ١٥] .
وجِيءَ بِالمُسْنَدِ إلَيْهِ مُخْبَرًا عَنْهُ بِخَبَرٍ فِعْلِيٍّ لِإفادَةِ تَقَوِّيِ الحُكْمِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: أمْ لا تُبْصِرُونَ؛ لِأنَّهُ لا يُفِيدُ تَقَوِيًّا، ولا: أمْ لا تُبْصِرُونَ أنْتُمْ؛ لِأنَّ مَجِيءَ الضَّمِيرِ المُنْفَصِلِ بَعْدَ الضَّمِيرِ المُتَّصِلِ يُفِيدُ تَقْرِيرَ المُسْنَدِ إلَيْهِ المَحْكُومِ عَلَيْهِ بِخِلافِ تَقْدِيمِ المُسْنَدِ إلَيْهِ فَإنَّهُ يُفِيدُ تَأْكِيدَ الحُكْمِ وتَقْوِيَتَهُ وهو أشَدُّ تَوْكِيدًا، وكُلُّ ذَلِكَ في طَرِيقَةِ التَّهَكُّمِ.
وجُمْلَةُ ”اصْلَوْها“ مُسْتَأْنَفَةٌ هي بِمَنزِلَةِ النَّتِيجَةِ المُتَرَقَّبَةِ مِنَ التَّوْبِيخِ والتَّغْلِيظِ السّابِقَيْنِ، أيْ: ادْخُلُوها فاصْطَلُوا بِنارِها يُقالُ: صَلِيَ النّارَ يَصْلاها، إذا قاسى حَرَّها.
والأمْرُ في اصْلَوْها إمّا مُكَنًّى بِهِ عَنِ الدُّخُولِ؛ لِأنَّ الدُّخُولَ لَها يَسْتَلْزِمُ الِاحْتِراقَ بِنارِها، وإمّا مُسْتَعْمَلٌ مَجازًا في التَّنْكِيلِ. وفُرِّعَ عَلى اصْلَوْها أمْرٌ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَ صَبْرِهِمْ عَلى حَرِّها وبَيْنَ عَدَمِ الصَّبْرِ وهو الجَزَعُ؛ لِأنَّ كِلَيْهِما لا يُخَفَّفانِ عَنْهم شَيْئًا مِنَ العَذابِ، ألّا تَرى أنَّهم يَقُولُونَ: ﴿سَواءٌ عَلَيْنا أجَزِعْنا أمْ صَبَرْنا ما لَنا مِن مَحِيصٍ﴾ [إبراهيم: ٢١]؛ لِأنَّ جُرْمَهم عَظِيمٌ لا مَطْمَعَ في تَخْفِيفِ جَزائِهِ.
و﴿سَواءٌ عَلَيْكُمْ﴾ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: ذَلِكَ سَواءٌ عَلَيْكم.
وجُمْلَةُ ﴿سَواءٌ عَلَيْكُمْ﴾ مُؤَكِّدَةٌ لِجُمْلَةِ ﴿فاصْبِرُوا أوْ لا تَصْبِرُوا﴾ فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ عَنْها ولَمْ تُعْطَفْ.
وجُمْلَةُ ﴿إنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ ﴿اصْلَوْها﴾ إذْ كَلِمَةُ إنَّما مُرَكَّبَةٌ مِن ”إنَّ“ وما ”الكافَّةِ، فَكَما يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِ“ إنَّ ”وحْدَها، كَذَلِكَ يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِها مَعَ“ ما ”الكافَّةِ، وعَلَيْهِ فَجُمْلَتا (p-٤٥)﴿فاصْبِرُوا أوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ﴾ مُعْتَرِضَتانِ بَيْنَ جُمْلَةِ“ اصْلَوْها " والجُمْلَةُ الواقِعَةُ تَعْلِيلًا لَها.
والحَصْرُ المُسْتَفادُ مِن كَلِمَةِ إنَّما قَصْرُ قَلْبٍ بِتَنْزِيلِ المُخاطَبِينَ مَنزِلَةَ مَن يَعْتَقِدُ أنَّ ما لَقَوْهُ مِنَ العَذابِ ظُلْمٌ لَمْ يَسْتَوْجِبُوا مِثْلَ ذَلِكَ مِن شِدَّةِ ما ظَهَرَ عَلَيْهِمْ مِنَ الفَزَعِ.
وعُدِيَّ تُجْزَوْنَ إلى ﴿ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ بِدُونِ الباءِ خِلافًا لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ ﴿كُلُوا واشْرَبُوا هَنِيئًا بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الطور: ١٩] لِيَشْمَلَ القَصْرُ مَفْعُولَ الفِعْلِ المَقْصُورِ، أيْ: تُجْزَوْنَ مِثْلَ عَمَلِكم لا أكْثَرَ مِنهُ فَيَنْتَفِيَ الظُّلْمُ عَنْ مِقْدارِ الجَزاءِ كَما انْتَفى الظُّلْمُ عَنْ أصْلِهِ، ولِهَذِهِ الخُصُوصِيَّةِ لَمْ يُعَلَّقْ مَعْمُولُ الفِعْلِ بِالباءِ إذْ جُعِلَ الجَزاءُ بِمَنزِلَةِ نَفْسِ الفِعْلِ.
{"ayahs_start":13,"ayahs":["یَوۡمَ یُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا","هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِی كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ","أَفَسِحۡرٌ هَـٰذَاۤ أَمۡ أَنتُمۡ لَا تُبۡصِرُونَ","ٱصۡلَوۡهَا فَٱصۡبِرُوۤا۟ أَوۡ لَا تَصۡبِرُوا۟ سَوَاۤءٌ عَلَیۡكُمۡۖ إِنَّمَا تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ"],"ayah":"ٱصۡلَوۡهَا فَٱصۡبِرُوۤا۟ أَوۡ لَا تَصۡبِرُوا۟ سَوَاۤءٌ عَلَیۡكُمۡۖ إِنَّمَا تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق