الباحث القرآني
(p-٣٤٧)﴿إنَّ المُتَّقِينَ في جَنّاتٍ وعُيُونٍ﴾ ﴿آخِذِينَ ما آتاهم رَبُّهم إنَّهم كانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ﴾ ﴿كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ﴾ ﴿وبِالأسْحارِ هم يَسْتَغْفِرُونَ﴾ ﴿وفِي أمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسّائِلِ والمَحْرُومِ﴾
اعْتِراضٌ قابَلَ بِهِ حالَ المُؤْمِنِينَ في يَوْمِ الدِّينِ جَرى عَلى عادَةِ القُرْآنِ في اتِّباعِ النِّذارَةِ بِالبِشارَةِ، والتَّرْهِيبِ بِالتَّرْغِيبِ.
وقَوْلُهُ إنَّ المُتَّقِينَ في جَنّاتٍ وعُيُونٍ نَظِيرُ قَوْلِهِ في سُورَةِ الدُّخانِ إنَّ المُتَّقِينَ في مَقامٍ أمِينٍ في جَنّاتٍ وعُيُونٍ.
وجَمَعَ ”جَنّاتٍ“ بِاعْتِبارِ جَمْعِ ”المُتَّقِينَ“ وهي جَنّاتٌ كَثِيرَةٌ مُخْتَلِفَةٌ وفي الحَدِيثِ: «إنَّها لِجِنانٌ كَثِيرَةٌ، وإنَّهُ لَفي الفِرْدَوْسِ»، وتَنْكِيرُ ”جَنّاتٍ“ لِلتَّعْظِيمِ.
ومَعْنى آخِذِينَ ما آتاهم رَبُّهم: أنَّهم قابِلُونِ ما أعْطاهم، أيْ راضُونَ بِهِ فالأخْذُ مُسْتَعْمَلٌ في صَرِيحِهِ وكِنايَتِهِ كِنايَةً رَمْزِيَّةً عَنْ كَوْنِ ما يُؤْتَوْنَهُ أكْمَلَ في جِنْسِهِ لِأنَّ مَدارِكَ الجَماعاتِ تَخْتَلِفُ في الِاسْتِجادَةِ حَتّى تَبْلُغَ نِهايَةَ الجَوْدَةِ فَيَسْتَوِي النّاسُ في اسْتَجادَتِهِ، وهي كِنايَةٌ تَلْوِيحِيَّةٌ.
وأيْضًا فالأخْذُ مُسْتَعْمَلٌ في حَقِيقَتِهِ ومَجازِهِ لِأنَّ ما يُؤْتِيهِمُ اللَّهُ بَعْضَهُ مِمّا يُتَناوَلُ بِاليَدِ كالفَواكِهِ والشَّرابِ والرَّياحِينِ، وبَعْضُهُ لا يُتَناوَلُ بِاليَدِ كالمَناظِرِ الجَمِيلَةِ والأصْواتِ الرَّقِيقَةِ والكَرامَةِ والرِّضْوانِ وذَلِكَ أكْثَرُ مِنَ الأوَّلِ.
فَإطْلاقُ الأخْذِ عَلى ذَلِكَ اسْتِعارَةٌ بِتَشْبِيهِ المَعْقُولِ بِالمَحْسُوسِ كَقَوْلِهِ تَعالى: خُذُوا ما آتَيْناكم بِقُوَّةٍ في سُورَةِ البَقَرَةِ، وقَوْلِهِ: وأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأحْسَنِها في سُورَةِ الأعْرافِ.
فاجْتَمَعَ في لَفْظِ ”آخِذِينَ“ كِنايَتانِ ومَجازٌ. رَوى أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ عَنِ النَّبِيءِ ﷺ «أنَّ اللَّهَ تَعالى يَقُولُ: يا أهْلَ الجَنَّةِ. فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنا وسَعْدَيْكَ والخَيْرُ في يَدَيْكَ. فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ ؟ فَيَقُولُونَ: وما لَنا لا نَرْضى يا رَبَّنا وقَدْ أعْطَيْتَنا ما لَمْ تُعْطِ أحَدًا مِن خَلْقِكَ فَيَقُولُ: ألا أُعْطِيكم أفْضَلَ مِن ذَلِكَ ؟ (p-٣٤٨)فَيَقُولُونَ: وأيُّ شَيْءٍ أفْضَلُ مِن ذَلِكَ ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكم رِضْوانِي فَلا أسْخَطُ عَلَيْكم بَعْدَهُ أبَدًا» . .
وفِي إيثارِ التَّعْبِيرِ عَنِ الجَلالَةِ بِوَصْفِ ”رَبُّ“ مُضافٍ إلى ضَمِيرِ المُتَّقِينَ مَعْنًى مِنِ اخْتِصاصِهِمْ بِالكَرامَةِ والإيماءِ إلى أنَّ سَبَبَ ما آتاهم هو إيمانُهم بِرُبُوبِيَّتِهِ المُخْتَصَّةِ بِهِمْ وهي المُطابِقَةُ لِصِفاتِ اللَّهِ تَعالى في نَفْسِ الأمْرِ.
وجُمْلَةُ إنَّهم كانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ إنَّ المُتَّقِينَ في جَنّاتٍ وعُيُونٍ، أيْ كانَ ذَلِكَ جَزاءً لَهم عَنْ إحْسانِهِمْ كَما قِيلَ لِلْمُشْرِكِينَ ذُوقُوا فِتْنَتَكم. والمُحْسِنُونَ: فاعِلُو الحَسَناتِ وهي الطّاعاتُ.
وفائِدَةُ الظَّرْفِ في قَوْلِهِ ”قَبْلَ ذَلِكَ“ أنْ يُؤْتى بِالإشارَةِ إلى ما ذُكِرَ مِنَ الجَنّاتِ والعُيُونِ وما آتاهم رَبُّهم مِمّا لا عَيْنٌ رَأتْ ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ولا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ، فَيَحْصُلُ بِسَبَبِ تِلْكَ الإشارَةِ تَعْظِيمُ شَأْنِ المُشارِ إلَيْهِ، ثُمَّ يُفادُ بِقَوْلِهِ ”قَبْلَ ذَلِكَ“، أيْ قَبْلَ التَّنَعُّمِ بِهِ أنَّهم كانُوا مُحْسِنِينَ، أيْ عامِلِينَ الحَسَناتِ كَما فَسَّرَهُ قَوْلُهُ كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ الآيَةَ. فالمَعْنى: أنَّهم كانُوا في الدُّنْيا مُطِيعِينَ لِلَّهِ تَعالى واثِقِينَ بِوَعْدِهِ ولَمْ يَرَوْهُ.
وجُمْلَةُ كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ بَدَلٌ مِن جُمْلَةِ كانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ بَدَلُ بَعْضٍ مِن كُلٍّ لِأنَّ هَذِهِ الخِصالَ الثَّلاثَ هي بَعْضٌ مِنَ الإحْسانِ في العَمَلِ. وهَذا كالمِثالِ لِأعْظَمِ إحْسانِهِمْ فَإنَّ ما ذُكِرَ مِن أعْمالِهِمْ دالٌّ عَلى شِدَّةِ طاعَتِهِمْ لِلَّهِ ابْتِغاءَ مَرْضاتِهِ بِبَذْلِ أشَدِّ ما يُبْذَلُ عَلى النَّفْسِ وهو شَيْئانِ.
أوَّلُهُما: راحَةُ النَّفْسِ في وقْتِ اشْتِدادِ حاجَتِها إلى الرّاحَةِ وهو اللَّيْلُ كُلُّهُ وخاصَّةً آخِرَهُ، إذْ يَكُونُ فِيهِ قائِمُ اللَّيْلِ قَدْ تَعِبَ واشْتَدَّ طَلَبُهُ لِلرّاحَةِ.
وثانِيهِما: المالُ الَّذِي تَشِحُّ بِهِ النُّفُوسُ غالِبًا، وقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الأعْمالُ الأرْبَعَةُ أصْلَيْ إصْلاحِ النَّفْسِ وإصْلاحِ النّاسِ. وذَلِكَ جِماعُ ما يَرْمِي إلَيْهِ التَّكْلِيفُ مِنَ الأعْمالِ فَإنَّ صَلاحَ النَّفْسِ تَزْكِيَةُ الباطِنِ والظّاهِرِ فَفي قِيامِ اللَّيْلِ إشارَةٌ إلى تَزْكِيَةِ النَّفْسِ بِاسْتِجْلابِ رِضا اللَّهِ تَعالى. وفي الِاسْتِغْفارِ تَزْكِيَةُ الظّاهِرِ بِالأقْوالِ الطَّيِّبَةِ الجالِبَةِ لِمَرْضاةِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ.
(p-٣٤٩)وفِي جَعْلِهِمُ الحَقَّ في أمْوالِهِمْ لِلسّائِلِينَ نَفْعٌ ظاهِرٌ لِلْمُحْتاجِ المُظْهِرِ لِحاجَتِهِ. وفي جَعْلِهِمُ الحَقَّ لِلْمَحْرُومِ نَفْعُ المُحْتاجِ المُتَعَفِّفِ عَنْ إظْهارِ حاجَتِهِ الصّابِرِ عَلى شِدَّةِ الِاحْتِياجِ.
وحَرْفُ (ما) في قَوْلِهِ: قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ مَزِيدٌ لِلتَّأْكِيدِ. وشاعَتْ زِيادَةُ (ما) بَعْدَ اسْمِ (قَلِيلٍ) و(كَثِيرٍ) وبَعْدَ فِعْلِ (قَلَّ) و”(كَثُرَ) و“ (طالَ) .
والمَعْنى: كانُوا يَهْجَعُونَ قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ. ولَيْسَتْ (ما) نافِيَةً.
والهُجُوعُ: النَّوْمُ الخَفِيفُ وهو الغِرارُ.
ودَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّهم كانُوا يَهْجَعُونَ قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ، وذَلِكَ اقْتِداءٌ بِأمْرِ اللَّهِ تَعالى نَبِيئَهُ ﷺ بِقَوْلِهِ قُمِ اللَّيْلَ إلّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أوِ انْقُصْ مِنهُ قَلِيلًا أوْ زِدْ عَلَيْهِ وقَدْ كانَ النَّبِيءُ ﷺ يَأْمُرُهم بِذَلِكَ كَما في حَدِيثِ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ قالَ لَهُ: لَمْ أُخْبَرْ أنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وتَصُومُ النَّهارَ قالَ: نَعَمْ. قالَ: لا تَفْعَلْ إنَّكَ إنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ نَفِهَتِ النَّفْسُ وهَجَمَتِ العَيْنُ. وقالَ لَهُ: قُمْ ونَمْ، فَإنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ولِأهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا» .
وقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الجُمْلَةُ عَلى خَصائِصَ مِنَ البَلاغَةِ.
أُولاها: فِعْلُ الكَوْنِ في قَوْلِهِ ”كانُوا“ الدّالُّ عَلى أنَّ خَبَرَها سُنَّةٌ مُتَقَرِّرَةٌ.
الثّانِي: العُدُولُ عَنْ أنْ يُقالَ: كانُوا يُقِيمُونَ اللَّيْلَ، أوْ كانُوا يُصَلُّونَ في جَوْفِ اللَّيْلِ، إلى قَوْلِهِ: قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ لِأنَّ في ذِكْرِ الهُجُوعِ تَذْكِيرًا بِالحالَةِ الَّتِي تَمِيلُ إلَيْها النُّفُوسُ فَتَغْلِبُها وتَصْرِفُها عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعالى وهو مِن قَبِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: تَتَجافى جُنُوبُهم عَنِ المَضاجِعِ، فَكانَ في الآيَةِ إطْنابٌ اقْتَضاهُ تَصْوِيرُ تِلْكَ الحالَةِ، والبَلِيغُ قَدْ يُورِدُ في كَلامِهِ ما لا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ اسْتِفادَةُ المَعْنى إذا كانَ يَرْمِي بِذَلِكَ إلى تَحْصِيلِ صُوَرِ الألْفاظِ المَزِيدَةِ.
الثّالِثُ: التَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ ”مِنَ اللَّيْلِ“ لِلتَّذْكِيرِ بِأنَّهم تَرَكُوا النَّوْمَ في الوَقْتِ الَّذِي مِن شَأْنِهِ اسْتِدْعاءُ النُّفُوسِ لِلنَّوْمِ فِيهِ زِيادَةً في تَصْوِيرِ جَلالِ قِيامِهِمُ اللَّيْلَ وإلّا فَإنَّ قَوْلَهُ كانُوا قَلِيلًا ما يَهْجَعُونَ يُفِيدُ أنَّهُ مِنَ اللَّيْلِ.
(p-٣٥٠)الرّابِعُ: تَقْيِيدُ الهُجُوعِ بِالقَلِيلِ لِلْإشارَةِ إلى أنَّهم لا يَسْتَكْمِلُونَ مُنْتَهى حَقِيقَةِ الهُجُوعِ بَلْ يَأْخُذُونَ مِنهُ قَلِيلًا. وهَذِهِ الخُصُوصِيَّةُ فاتَتْ أبا قَيْسِ بْنَ الأسْلَتِ في قَوْلِهِ:
؎قَدْ حَصَّتِ البَيْضَةُ راسِي فَما أُطْعَمُ نَوْمًا غَيْرَ تَهْجاعِ
الخامِسُ: المُبالَغَةُ في تَقْلِيلِ هُجُوعِهِمْ لِإفادَةِ أنَّهُ أقَلُّ ما يَهْجَعُهُ الهاجِعُ.
وانْتَصَبَ قَلِيلًا عَلى الظَّرْفِ لِأنَّهُ وُصِفَ بِالزَّمانِ بِقَوْلِهِ ”مِنَ اللَّيْلِ“ . والتَّقْدِيرُ: زَمَنًا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ، والعامِلُ في الظَّرْفِ ”يَهْجَعُونَ“ . و”مِنَ اللَّيْلِ“ تَبْعِيضٌ.
ثُمَّ أتْبَعَ ذَلِكَ بِأنَّهم يَسْتَغْفِرُونَ في السَّحَرِ، أيْ فَإذا آذَنَ اللَّيْلُ بِالِانْصِرامِ سَألُوا اللَّهَ أنْ يَغْفِرَ لَهم بَعْدَ أنْ قَدَّمُوا مِنَ التَّهَجُّدِ ما يَرْجُونَ أنْ يُزْلِفَهم إلى رِضا اللَّهِ تَعالى.
وهَذا دَلَّ عَلى أنَّ هُجُوعَهُمُ الَّذِي يَكُونُ في خِلالِ اللَّيْلِ قَبْلَ السَّحَرِ. فَأمّا في السَّحَرِ فَهم يَتَهَجَّدُونَ، ولِذَلِكَ فَسَّرابْنُ عُمَرَ ومُجاهِدٌ الِاسْتِغْفارَ بِالصَّلاةِ في السَّحَرِ. وهَذا نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعالى: والمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحارِ، ولَيْسَ المَقْصُودُ طَلَبَ الغُفْرانَ بِمُجَرَّدِ اللِّسانِ ولَوْ كانَ المُسْتَغْفِرُ في مَضْجَعِهِ إذْ لا تَظْهَرُ حِينَئِذٍ مَزِيَّةٌ لِتَقْيِيدِ الِاسْتِغْفارِ بِالكَوْنِ في الأسْحارِ.
والأسْحارُ: جَمْعٌ سَحَرٍ وهو آخِرُ اللَّيْلِ. وخُصَّ هَذا الوَقْتُ لِكَوْنِهِ يَكْثُرُ فِيهِ أنْ يَغْلِبَ النَّوْمُ عَلى الإنْسانِ فِيهِ فَصَلاتُهم واسْتِغْفارُهم فِيهِ أعْجَبُ مِن صَلاتِهِمْ في أجْزاءِ اللَّيْلِ الأُخْرى.
وجَمْعُ الأسْحارِ بِاعْتِبارِ تَكَرُّرِ قِيامِهِمْ في كُلِّ سَحَرٍ.
وتَقْدِيمُ بِـ ”الأسْحارِ“ عَلى ”يَسْتَغْفِرُونَ“ لِلِاهْتِمامِ بِهِ كَما عَلِمْتَ.
وصِيغَ اسْتِغْفارُهم بِأُسْلُوبِ إظْهارِ المُسْنَدِ إلَيْهِ دُونَ ضَمِيرِهِ لِقَصْدِ إظْهارِ الِاعْتِناءِ بِهِمْ ولِيَقَعَ الإخْبارُ عَنِ المُسْنَدِ إلَيْهِ بِالمُسْنَدِ الفِعْلِيِّ فَيُفِيدُ تَقَوِّي الخَبَرِ لِأنَّهُ (p-٣٥١)مِنَ النُّدْرَةِ بِحَيْثُ يَقْتَضِي التَّقْوِيَةَ لِأنَّ الِاسْتِغْفارَ في السَّحَرِ يَشُقُّ عَلى مَن يَقُومُ اللَّيْلَ لِأنَّ ذَلِكَ وقْتُ إعْيائِهِ.
فَهَذا الإسْنادُ عَلى طَرِيقَةِ قَوْلِهِمْ هو: يُعْطِي الجَزِيلَ.
وحَقُّ السّائِلِ والمَحْرُومِ: هو النَّصِيبُ الَّذِي يُعْطُونَهُ إيّاهُما، أُطْلِقَ عَلَيْهِ لَفْظُ الحَقِّ؛ إمّا لِأنَّ اللَّهَ أوْجَبَ عَلى المُسْلِمِينَ الصَّدَقَةَ بِما تَيَسَّرَ قَبْلَ أنْ يَفْرِضَ عَلَيْهِمُ الزَّكاةَ فَإنَّ الزَّكاةَ فُرِضَتْ بَعْدَ الهِجْرَةِ فَصارَتِ الصَّدَقَةُ حَقًّا لِلسّائِلِ والمَحْرُومِ، أوْ لِأنَّهم ألْزَمُوا ذَلِكَ أنْفُسَهم حَتّى صارَ كالحَقِّ لِلسّائِلِ والمَحْرُومِ.
وبِذَلِكَ يَتَأوَّلُ قَوْلُ مَن قالَ: إنَّ هَذا الحَقَّ هو الزَّكاةُ.
والسّائِلُ: الفَقِيرُ المُظْهِرُ فَقْرَهُ فَهو يَسْألُ النّاسَ، والمَحْرُومُ: الفَقِيرُ الَّذِي لا يُعْطى الصَّدَقَةَ لِظَنِّ النّاسِ أنَّهُ غَيْرُ مُحْتاجٍ مِن تَعَفُّفِهِ عَنْ إظْهارِ الفَقْرِ، وهو الصِّنْفُ الَّذِي قالَ اللَّهُ تَعالى في شَأْنِهِمْ يَحْسَبُهُمُ الجاهِلُ أغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ وقالَ النَّبِيءُ ﷺ: «لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ واللُّقْمَتانِ والأكْلَةُ والأكْلَتانِ ولَكِنَّ المِسْكِينَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ غِنًى ويَسْتَحْيِي ولا يَسْألُ النّاسَ إلْحافًا» .
وإطْلاقُ اسْمِ المَحْرُومِ لَيْسَ حَقِيقَةً لِأنَّهُ لَمْ يَسْألِ النّاسَ ويَحْرِمُوهُ ولَكِنْ لَمّا كانَ مَآلُ أمْرِهِ إلى ما يَئُولُ إلَيْهِ أمْرُ المَحْرُومِ أُطْلِقَ عَلَيْهِ لَفْظُ المَحْرُومِ تَشْبِيهًا بِهِ في أنَّهُ لا تَصِلُ إلَيْهِ مُمَكِّناتُ الرِّزْقِ بَعْدَ قُرْبِها مِنهُ فَكَأنَّهُ نالَهُ حِرْمانٌ.
والمَقْصُودُ مِن هَذِهِ الِاسْتِعارَةِ تَرْقِيقُ النُّفُوسِ عَلَيْهِ وحَثُّ النّاسِ عَلى البَحْثِ عَنْهُ لِيَضَعُوا صَدَقاتِهِمْ في مَوْضِعٍ يُحِبُّ اللَّهُ وضْعَها فِيهِ ونَظِيرُها في سُورَةِ المَعارِجِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: واخْتَلَفَ النّاسُ في المَحْرُومِ اخْتِلافًا هو عِنْدِي تَخْلِيطٌ مِنَ المُتَأخِّرِينَ إذِ المَعْنى واحِدٌ عَبَّرَ عُلَماءُ السَّلَفِ في ذَلِكَ بِعِباراتٍ عَلى جِهَةِ المِثالاتِ فَجَعَلَها المُتَأخِّرُونَ أقْوالًا. قُلْتُ ذَكَرَ القُرْطُبِيُّ أحَدَ عَشَرَ قَوْلًا كُلُّها أمْثِلَةٌ لِمَعْنى الحِرْمانِ، وهي مُتَفاوِتَةٌ في القُرْبِ مِن سِياقِ الآيَةِ فَما صَلَحَ مِنها لِأنْ يَكُونَ مِثالًا لِلْغَرَضِ قُبِلَ وما لَمْ يَصْلُحْ فَهو مَرْدُودٌ، مِثْلُ تَفْسِيرِ مَن فَسَّرَ المَحْرُومَ بِالكَلْبِ. وفي تَفْسِيرِ ابْنِ عَطِيَّةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ: أعْيانِي أنْ أعْلَمَ ما المَحْرُومُ. وزادَ القُرْطُبِيُّ في رِوايَةٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قالَ: لِي اليَوْمَ سَبْعُونَ سَنَةً مُنْذُ احْتَلَمْتُ أسْألُ عَنِ المَحْرُومِ فَما أنا اليَوْمَ بِأعْلَمَ مِنِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ.
{"ayahs_start":15,"ayahs":["إِنَّ ٱلۡمُتَّقِینَ فِی جَنَّـٰتࣲ وَعُیُونٍ","ءَاخِذِینَ مَاۤ ءَاتَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُوا۟ قَبۡلَ ذَ ٰلِكَ مُحۡسِنِینَ","كَانُوا۟ قَلِیلࣰا مِّنَ ٱلَّیۡلِ مَا یَهۡجَعُونَ","وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ یَسۡتَغۡفِرُونَ","وَفِیۤ أَمۡوَ ٰلِهِمۡ حَقࣱّ لِّلسَّاۤىِٕلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ"],"ayah":"إِنَّ ٱلۡمُتَّقِینَ فِی جَنَّـٰتࣲ وَعُیُونٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق