الباحث القرآني
﴿يَسْألُونَ أيّانَ يَوْمُ الدِّينِ﴾ ﴿يَوْمَ هم عَلى النّارِ يُفْتَنُونَ﴾ ﴿ذُوقُوا فِتْنَتَكم هَذا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾
هَذِهِ الجُمْلَةُ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ حالًا مِن ضَمِيرِ ”الخَرّاصُونَ“ وأنْ تَكُونَ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا ناشِئًا عَنْ جُمْلَةِ ﴿قُتِلَ الخَرّاصُونَ﴾ [الذاريات: ١٠] لِأنَّ جُمْلَةَ ﴿قُتِلَ الخَرّاصُونَ﴾ [الذاريات: ١٠] أفادَتْ تَعْجِيبًا مِن سُوءِ عُقُولِهِمْ وأحْوالِهِمْ فَهو مَثارُ سُؤالٍ في نَفْسِ السّامِعِ يَتَطَلَّبُ البَيانَ، فَأُجِيبَ بِأنَّهم يَسْألُونَ عَنْ يَوْمِ الدِّينِ سُؤالَ مُتَهَكِّمِينَ، يَعْنُونَ أنَّهُ لا وُقُوعَ لِيَوْمِ الدِّينِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿عَمَّ يَتَساءَلُونَ﴾ [النبإ: ١] ﴿عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ﴾ [النبإ: ٢] ﴿الَّذِي هم فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾ [النبإ: ٣] .
(p-٣٤٥)و﴿أيّانَ يَوْمُ الدِّينِ﴾ مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ ”يَسْألُونَ“ لِأنَّ في فِعْلِ السُّؤالِ مَعْنى القَوْلِ. فَتَقْدِيرُ الكَلامِ: يَقُولُونَ: أيّانَ يَوْمُ الدِّينِ. ولَكَ أنْ تَجْعَلَ جُمْلَةَ ﴿أيّانَ يَوْمُ الدِّينِ﴾ بَدَلًا مِن جُمْلَةِ ”يَسْألُونَ“ لِتَفْصِيلِ إجْمالِهِ وهو مِن نَوْعِ البَدَلِ المُطابِقِ.
و”أيّانَ“ اسْمُ اسْتِفْهامٍ عَنْ زَمانِ فِعْلٍ وهو في مَحَلِّ نَصْبٍ مَبْنِيٍّ عَلى الفَتْحِ، أيْ مَتى يَوْمُ الدِّينِ، ويَوْمُ الدِّينِ زَمانٌ فالسُّؤالُ عَنْ زَمانِهِ آيِلٌ إلى السُّؤالِ بِاعْتِبارِ وُقُوعِهِ، فالتَّقْدِيرُ: أيّانَ وُقُوعُ يَوْمِ الدِّينِ، أوْ حُلُولُهُ، كَما تَقُولُ: مَتى يَوْمُ رَمَضانَ أيْ مَتى ثُبُوتُهُ لِأنَّ أسْماءَ الزَّمانِ حَقُّها أنْ تَقَعَ ظُرُوفًا لِلْأحْداثِ لا لِلْأزْمِنَةِ.
وجُمْلَةُ ﴿يَوْمَ هم عَلى النّارِ يُفْتَنُونَ﴾ جَوابٌ لِسُؤالِهِمْ جَرى عَلى الأُسْلُوبِ الحَكِيمِ مِن تَلَقِّي السّائِلِ بِغَيْرِ ما يَتَطَلَّبُ إذْ هم حِينَ قالُوا: أيّانَ يَوْمُ الدِّينِ، أرادُوا التَّهَكُّمَ والإحالَةَ فَتَلَقِّي كَلامِهِمْ بِغَيْرِ مُرادِهِمْ لِأنَّ في الجَوابِ ما يَشْفِي وقْعَ تَهَكُّمِهِمْ عَلى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هي مَواقِيتُ لِلنّاسِ والحَجِّ﴾ [البقرة: ١٨٩] .
والمَعْنى: يَوْمُ الدِّينِ يَقَعُ يَوْمَ تَصْلَوْنَ النّارَ ويُقالُ لَكم: ذُوقُوا فِتْنَتَكم.
وانْتَصَبَ ﴿يَوْمَ هم عَلى النّارِ يُفْتَنُونَ﴾ عَلى الظَّرْفِيَّةِ وهو خَبَرٌ عَنْ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ السُّؤالُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: أيّانَ يَوْمُ الدِّينِ.
والتَّقْدِيرُ: يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ هم عَلى النّارِ يُفْتَنُونَ.
والفَتْنُ: التَّعْذِيبُ والتَّحْرِيقُ، أيْ يَوْمَ هم يُعَذَّبُونَ عَلى نارِ جَهَنَّمَ وأصْلُ الفَتْنِ الِاخْتِيارُ. وشاعَ إطْلاقُهُ عَلى مَعانٍ مِنها إذابَةُ الذَّهَبِ عَلى النّارِ في البَوْتَقَةِ لِاخْتِيارِ ما فِيهِ مِن مَعْدِنٍ غَيْرِ ذَهَبٍ، ولا يُذابُ إلّا بِحَرارَةِ نارٍ شَدِيدَةٍ فَهو هُنا كِنايَةٌ عَنِ الإحْراقِ الشَّدِيدِ.
وجُمْلَةُ ﴿ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ﴾ مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الخِطابُ، أيْ يُقالُ لَهم حِينَئِذٍ، أوْ مَقُولًا لَهم ذُوقُوا فِتْنَتَكم، أيْ عَذابَكم. والأمْرُ في قَوْلِهِ ”ذُوقُوا“ مُسْتَعْمَلٌ في التَّنْكِيلِ.
(p-٣٤٦)والذَّوْقُ: مُسْتَعارٌ لِلْإحْساسِ القَوِيِّ لِأنَّ اللِّسانَ أشَدُّ الأعْضاءِ إحْساسًا.
وإضافَةُ فِتْنَةٍ إلى ضَمِيرِ المُخاطَبِينَ يَوْمَئِذٍ مِن إضافَةِ المَصْدَرِ إلى مَفْعُولِهِ. وفي الإضافَةِ دَلالَةٌ عَلى اخْتِصاصِها لَهم لِأنَّهُمُ اسْتَحَقُّوها بِكُفْرِهِمْ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الإضافَةُ مِن إضافَةِ المَصْدَرِ إلى فاعِلِهِ. والمَعْنى: ذُوقُوا جَزاءَ فِتْنَتِكم. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أيْ تَكْذِيبِكم.
ويَقُومُ مِن هَذا الوَجْهِ أنْ يُجْعَلَ الكَلامُ مُوَجَّهًا بِتَذْكِيرِ المُخاطَبِينَ في ذَلِكَ اليَوْمِ ما كانُوا يَفْتِنُونَ بِهِ المُؤْمِنِينَ مِنَ التَّعْذِيبِ مِثْلَ ما فَتَنُوا بِلالًا وخَبّابًا وعَمّارًا وشُمَيْسَةَ وغَيْرَهم، أيْ هَذا جَزاءُ فِتْنَتِكم. وجَعَلَ المَذُوقَ فِتْنَتَهم إظْهارًا لِكَوْنِهِ جَزاءً عَنْ فِتْنَتِهِمُ المُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا نَدامَةً قالَ تَعالى مُوعِدًا إيّاهم ﴿إنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهم عَذابُ جَهَنَّمَ ولَهم عَذابُ الحَرِيقِ﴾ [البروج: ١٠] .
وإطْلاقُ اسْمِ العَمَلِ عَلى جَزائِهِ وارِدٌ في القُرْآنِ كَثِيرًا كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وتَجْعَلُونَ رِزْقَكم أنَّكم تُكَذِّبُونَ﴾ [الواقعة: ٨٢] أيْ تَجْعَلُونَ جَزاءَ رِزْقِ اللَّهِ إيّاكم أنَّكم تُكَذِّبُونَ وحْدانِيَّتَهُ.
والإشارَةُ في قَوْلِهِ: ﴿هَذا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ إلى الشَّيْءِ الحاضِرِ نُصْبَ أعْيُنِهِمْ، وهَكَذا الشَّأْنُ في مِثْلِهِ تَذْكِيرُ اسْمِ الإشارَةِ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ ولا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٦٨] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
ومَعْنى ﴿كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [يونس: ٥١] كُنْتُمْ تَطْلُبُونَ تَعْجِيلَهُ فالسِّينُ والتّاءُ لِلطَّلَبِ، أيْ كُنْتُمْ في الدُّنْيا تَسْألُونَ تَعْجِيلَهُ وهو طَلَبٌ يُرِيدُونَ بِهِ أنَّ ذَلِكَ مُحالٌ غَيْرُ واقِعٍ.
وأقْوالُهم في هَذا كَثِيرَةٌ حَكاها القُرْآنُ كَقَوْلِهِ: ﴿ويَقُولُونَ مَتى هَذا الوَعْدُ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ [يونس: ٤٨] .
والجُمْلَةُ اسْتِئْنافٌ في مَقامِ التَّوْبِيخِ وتَعْدِيدِ المَجارِمِ، كَما يُقالُ لِلْمُجْرِمِ: فَعَلْتَ كَذا، وهي مِن مَقُولِ القَوْلِ.
{"ayahs_start":12,"ayahs":["یَسۡـَٔلُونَ أَیَّانَ یَوۡمُ ٱلدِّینِ","یَوۡمَ هُمۡ عَلَى ٱلنَّارِ یُفۡتَنُونَ","ذُوقُوا۟ فِتۡنَتَكُمۡ هَـٰذَا ٱلَّذِی كُنتُم بِهِۦ تَسۡتَعۡجِلُونَ"],"ayah":"یَسۡـَٔلُونَ أَیَّانَ یَوۡمُ ٱلدِّینِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق