الباحث القرآني
﴿واذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكم ومِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكم بِهِ إذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وأطَعْنا واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ .
عَطَفَ عَلى جُمْلَةِ ﴿ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكم مِن حَرَجٍ﴾ [المائدة: ٦] الآيَةَ الواقِعَةَ تَذْيِيلًا لِقَوْلِهِ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ﴾ [المائدة: ٦] الآيَةَ. والكَلامُ مُرْتَبِطٌ بِما افْتُتِحَتْ بِهِ السُّورَةُ مِن قَوْلِهِ: ﴿أوْفُوا بِالعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] لِأنَّ في التَّذْكِيرِ بِالنِّعْمَةِ تَعْرِيضًا بِالحَثِّ عَلى الوَفاءِ.
ذَكَّرَهم بِنِعَمٍ مَضَتْ تَذْكِيرًا يُقْصَدُ مِنهُ الحَثُّ عَلى الشُّكْرِ وعَلى الوَفاءِ (p-١٣٣)بِالعُهُودِ، والمُرادُ مِنَ النِّعْمَةِ جِنْسُها لا نِعْمَةٌ مُعَيَّنَةٌ، وهي ما في الإسْلامِ مِنِ العِزِّ والتَّمْكِينِ في الأرْضِ وذَهابِ أحْوالِ الجاهِلِيَّةِ وصَلاحِ أحْوالِ الأُمَّةِ.
والمِيثاقُ: العَهْدُ، وواثَقَ: عاهَدَ. وأُطْلِقَ فِعْلُ واثَقَ عَلى مَعْنى المِيثاقِ الَّذِي أعْطاهُ المُسْلِمُونَ، وعَلى وعْدِ اللَّهِ لَهم ما وعَدَهم عَلى الوَفاءِ بِعَهْدِهِمْ. فَفي صِيغَةِ ”واثَقَكم“ اسْتِعْمالُ اللَّفْظِ في حَقِيقَتِهِ ومَجازِهِ.
و(إذْ) اسْمُ زَمانٍ عُرِفَ هُنا بِالإضافَةِ إلى قَوْلٍ مَعْلُومٍ عِنْدَ المُخاطَبِينَ.
والمُسْلِمُونَ عاهَدُوا اللَّهَ في زَمَنِ الرَّسُولِ ﷺ عِدَّةَ عُهُودٍ: أوَّلُها عَهْدُ الإسْلامِ كَما تَقَدَّمَ في صَدْرِ هَذِهِ السُّورَةِ. ومِنها عَهْدُ المُسْلِمِينَ عِنْدَما يُلاقُونَ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وهو البَيْعَةُ أنْ لا يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا ولا يَسْرِقُوا ولا يَزْنُوا ولا يَقْتُلُوا أوْلادَهم ولا يَأْتُوا بِبُهْتانٍ يَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أيْدِيهِمْ وأرْجُلِهِمْ ولا يَعْصُونَهُ في مَعْرُوفٍ، وهو عَيْنُ العَهْدِ الَّذِي ذَكَرَهُ القُرْآنُ في سُورَةِ المُمْتَحِنَةِ عِنْدَ ذِكْرِ بَيْعَةِ النِّساءِ المُؤْمِناتِ، كَما ورَدَ في الصَّحِيحِ أنَّهُ كانَ يُبايِعُ المُؤْمِنِينَ عَلى مِثْلِ ذَلِكَ. ومِنها بَيْعَةُ الأنْصارِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ في مَوْسِمِ الحَجِّ سَنَةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ مِنَ البَعْثَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ، وكانُوا ثَلاثَةً وسَبْعِينَ رَجُلًا التَقَوْا بِرَسُولِ اللَّهِ بَعْدَ المَوْسِمِ في العَقَبَةِ ومَعَهُمُ العَبّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَبايَعُوا عَلى أنْ يَمْنَعُوا رَسُولَ اللَّهِ كَما يَمْنَعُونَ نِساءَهم وأبْناءَهم، وعَلى أنَّهم يَأْوُونَهُ إذا هاجَرَ إلَيْهِمْ. وقَدْ تَقَدَّمَ هَذِهِ البَيْعَةَ بَيْعَتانِ إحْداهُما سَنَةَ إحْدى عَشْرَةَ مِنَ البَعْثَةِ، بايَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الخَزْرَجِ في مَوْسِمِ الحَجِّ. والثّانِيَةُ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مِنَ البَعْثَةِ، بايَعَ اثْنا عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الخَزْرَجِ في مَوْسِمِ الحَجِّ بِالعَقَبَةِ لِيُبَلِّغُوا الإسْلامَ إلى قَوْمِهِمْ. ومِنَ المَواثِيقِ مِيثاقُ بَيْعَةِ الرِّضْوانِ في الحُدَيْبِيَةِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ سَنَةَ سِتٍّ مِنِ الهِجْرَةِ، وفي كُلِّ ذَلِكَ واثَقُوا عَلى السَّمْعِ والطّاعَةِ في المَنشَطِ والمَكْرَهِ.
ومَعْنى سَمِعْنا وأطَعْنا الِاعْتِرافُ بِالتَّبْلِيغِ، والِاعْتِرافُ بِأنَّهم سَمِعُوا ما طُلِبَ مِنهُمُ العَهْدُ عَلَيْهِ. فالسَّمْعُ أُرِيدَ بِهِ العِلْمُ بِما واثَقُوا عَلَيْهِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ سَمِعْنا مَجازًا في الِامْتِثالِ، وأطَعْنا تَأْكِيدًا لَهُ. وهَذا مِنَ اسْتِعْمالِ سَمِعَ، ومِنهُ قَوْلُهم: بايَعُوا عَلى السَّمْعِ والطّاعَةِ. وقالَ النّابِغَةُ يَذْكُرُ حالَةَ مَن لَدْغَتْهُ حَيَّةٌ فَأخَذُوا يَرْقُونَهُ:(p-١٣٤)
؎تَناذَرَها الرّاقُونَ مِن سُوءِ سَمْعِها
أيْ مِن سُوءِ طاعَتِها لِلرُّقْيَةِ، أيْ عَدَمِ نَجاحِ الرُّقْيَةِ في سُمِّها. وعَقَّبَ ذَلِكَ بِالأمْرِ بِالتَّقْوى؛ لِأنَّ النِّعْمَةَ تَسْتَحِقُّ أنْ يُشْكَرَ مُسْدِيها. وشُكْرُ اللَّهِ تَقْواهُ.
وجُمْلَةُ ﴿إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ تَذْيِيلٌ لِلتَّحْذِيرِ مِن إضْمارِ المَعاصِي ومِن تَوَهُّمِ أنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ إلّا ما يَبْدُو مِنهم.
وحَرْفُ (إنَّ) أفادَ أنَّ الجُمْلَةَ عِلَّةٌ لِما قَبْلَها عَلى الأُسْلُوبِ المُقَرَّرِ في البَلاغَةِ في قَوْلِ بَشّارٍ:
؎إنَّ ذاكَ النَّجاحَ في التَّبْكِيرِ
{"ayah":"وَٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَمِیثَـٰقَهُ ٱلَّذِی وَاثَقَكُم بِهِۦۤ إِذۡ قُلۡتُمۡ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق