الباحث القرآني
﴿ولَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ ولِيًّا ولا نَصِيرًا﴾ ﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾
هَذا عَطْفٌ عَلى قَوْلِهِ وكَفَّ أيْدِيَ النّاسِ عَنْكم عَلى أنَّ بَعْضَهُ مُتَعَلِّقٌ بِالمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وبَعْضَهُ مَعْطُوفٌ عَلى المَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَما بَيْنَهُما لَيْسَ مِن الِاعْتِراضِ.
والمَقْصُودُ مِن هَذا العَطْفِ التَّنْبِيهُ عَلى أنَّ كَفَّ أيْدِي النّاسِ عَنْهم نِعْمَةٌ عَلى المُسْلِمِينَ بِاسْتِبْقاءِ قُوَّتِهِمْ وعِدَّتِهِمْ ونَشاطِهِمْ.
ولَيْسَ الكَفُّ لِدَفْعِ غَلَبَةِ المُشْرِكِينَ إيّاهم لِأنَّ اللَّهَ قَدَّرَ لِلْمُسْلِمِينَ عاقِبَةَ النَّصْرِ فَلَوْ قاتَلَهُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهَزَمَهُمُ المُسْلِمُونَ ولَمْ يَجِدُوا نَصِيرًا، أيْ لَمْ يَنْتَصِرُوا بِجَمْعِهِمْ ولا بِمَن يُعِينُهم.
والمُرادُ بِالَّذِينَ كَفَرُوا ما أُرِيدَ بِالنّاسِ في قَوْلِهِ وكَفَّ أيْدِيَ النّاسِ عَنْكم. وكانَ مُقْتَضى الظّاهِرِ الإتْيانَ بِضَمِيرِ النّاسِ بِأنْ يُقالَ: ولَوْ قاتَلُوكم، فَعَدَلَ عَنْهُ إلى الِاسْمِ الظّاهِرِ لِما في الصِّلَةِ مِنَ الإيماءِ إلى وجْهِ بِناءِ الخَبَرِ وهو أنَّ الكُفْرَ هو سَبَبُ تَوْلِيَةِ الأدْبارِ في قِتالِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ.
(p-١٨٢)و”الأدْبارُ“ مَنصُوبٌ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ ثانٍ لِـ (ولَّوُا) ومَفْعُولُهُ الأوَّلُ مَحْذُوفٌ لِدَلالَةِ ضَمِيرِ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَيْهِ. والتَّقْدِيرُ: لَوَلَّوْكُمُ الأدْبارَ.
و”أل“ لِلْعَهْدِ، أيْ أدْبارَهم، ولِذَلِكَ يَقُولُ كَثِيرٌ مِنَ النُّحاةِ: إنَّ (أل) في مَثْلِهِ عِوَضٌ عَنِ المُضافِ إلَيْهِ وهو تَعْوِيضٌ مَعْنَوِيٌّ.
والتَّوْلِيَةُ: جَعْلُ الشَّيْءِ والِيًا، أيْ لَجَعَلُوا ظُهُورَهم تَلِيكم، أيِ ارْتَدُّوا إلى ورائِهِمْ فَصِرْتُمْ وراءَهم.
و(ثُمَّ) لِلتَّراخِي الرُّتَبِيِّ فَإنَّ عَدَمَ وِجْدانِ الوَلِيِّ والنَّصِيرِ أشُدُّ عَلى المُنْهَزِمِ مِنَ انْهِزامِهِ لِأنَّهُ حِينَ يَنْهَزِمُ قَدْ يَكُونُ لَهُ أمَلٌ بِأنْ يَسْتَنْصِرَ مَن يُنْجِدُهُ فَيَكُرُّ بِهِ عَلى الَّذِينَ هَزَمُوهُ فَإذا لَمْ يَجِدْ ولِيًّا ولا نَصِيرًا تَحَقَّقَ أنَّهُ غَيْرُ مُنْتَصِرٍ وأصْلُ الكَلامِ لَوَلَّوُا الأدْبارَ وما وجَدُوا ولِيًّا ولا نَصِيرًا.
والوَلِيُّ: المُوالِي والصَّدِيقُ، وهو أعَمُّ مِنَ النَّصِيرِ إذْ قَدْ يَكُونُ الوَلِيُّ غَيْرَ قادِرٍ عَلى إيواءِ ولَيِّهِ وإسْعافِهِ.
والسُّنَّةُ: الطَّرِيقَةُ والعادَةُ.
وانْتَصَبَ (سُنَّةَ اللَّهِ) نِيابَةً عَنِ المَفْعُولِ المُطْلَقِ الآتِي بَدَلًا مِن فِعْلِهِ لِإفادَةِ مَعْنى تَأْكِيدِ الفِعْلِ المَحْذُوفِ. والمَعْنى: سَنَّ اللَّهُ ذَلِكَ سُنَّةً، أيْ جَعَلَهُ عادَةً لَهُ يَنْصُرُ المُؤْمِنِينَ عَلى الكافِرِينَ إذا كانَتْ نِيَّةُ المُؤْمِنِينَ نَصْرَ دِينِ اللَّهِ كَما قالَ - تَعالى - ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكم ويُثَبِّتْ أقْدامَكُمْ﴾ [محمد: ٧] وقالَ ﴿ولَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنْصُرُهُ﴾ [الحج: ٤٠]، أيْ أنَّ اللَّهَ ضَمِنَ النَّصْرَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِأنْ تَكُونَ عاقِبَةُ حُرُوبِهِمْ نَصْرًا وإنْ كانُوا قَدْ يُغْلَبُونَ في بَعْضِ المَواقِعِ كَما وقَعَ يَوْمَ أُحُدٍ وقَدْ قالَ - تَعالى - والعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ وقالَ والعاقِبَةُ لِلتَّقْوى.
وإنَّما يَكُونُ كَمالُ النَّصْرِ عَلى حَسَبِ ضَرُورَةِ المُؤْمِنِينَ وعَلى حَسَبِ الإيمانِ والتَّقْوى، ولِذَلِكَ كانَ هَذا الوَعْدُ غالِبًا لِلرَّسُولِ ومَن مَعَهُ فَيَكُونُ النَّصْرُ تامًّا في حالَةِ الخَطَرِ كَما كانَ يَوْمَ بَدْرٍ، ويَكُونُ سِجالًا في حالَةِ السِّعَةِ كَما في وقْعَةِ أُحُدٍ وقَدْ دَلَّ عَلى ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيءِ ﷺ يَوْمَ بَدْرٍ: «اللَّهُمَّ إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ العِصابَةُ لا تَعْبُدُ في الأرْضِ» وقالَ اللَّهُ - تَعالى - ﴿قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ واصْبِرُوا إنَّ الأرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ والعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف: ١٢٨] (p-١٨٣)ويَكُونُ لِمَن بَعْدَ الرَّسُولِ ﷺ مِن جُيُوشِ المُسْلِمِينَ عَلى حَسَبِ تَمَسُّكِهِمْ بِوَصايا الرَّسُولِ ﷺ .
فَفِي صَحِيحِ البُخارِيِّ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيءِ ﷺ: «يَأْتِي زَمانٌ يَغْزُو فِئامٌ مِنَ النّاسِ فَيُقالُ: فِيكم مَن صَحِبَ النَّبِيءَ ؟ فَيُقالُ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَأْتِي زَمانٌ فَيُقالُ: فِيكم مَن صَحِبَ أصْحابَ النَّبِيءَ ؟ فَيُقالُ: نَعَمْ فَيُفْتَحُ ثُمَّ يَأْتِي زَمانٌ فَيُقالُ: فِيكم مَن صَحِبَ مَن صاحَبَ النَّبِيءِ ؟ فَيُقالُ: نَعَمْ فَيُفْتَحُ» .
ومَعْنى ”خَلَتْ“ مَضَتْ وسَبَقَتْ مِن أقْدَمِ عُصُورِ اجْتِلادِ الحَقِّ والباطِلِ، والمُضافُ إلَيْهِ (قَبْلُ) مَحْذُوفٌ نُوِيَ مَعْناهُ دُونَ لَفْظِهِ، أيْ لَيْسَ في الكَلامِ دالٌّ عَلى لَفْظِهِ ولَكِنْ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَعْنى الكَلامِ، فَلِذَلِكَ بُنِيَ ”قَبْلُ“ عَلى الضَّمِّ.
وفائِدَةُ هَذا الوَصْفِ الدَّلالَةُ عَلى اطِّرادِها وثَباتِها.
والمَعْنى: أنَّ ذَلِكَ سُنَّةُ اللَّهِ مَعَ الرُّسُلِ قالَ - تَعالى - كَتَبَ اللَّهُ لَأغْلِبَنَّ أنا ورُسُلِي إنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ.
ولَمّا وُصِفَتْ تِلْكَ السُّنَّةُ بِأنَّها راسِخَةٌ فِيما مَضى أعْقَبَ ذَلِكَ بِوَصْفِها بِالتَّحَقُّقِ في المُسْتَقْبَلِ تَعْمِيمًا لِلْأزْمِنَةِ بِقَوْلِهِ ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا لِأنَّ اطِّرادَ ذَلِكَ النَّصْرِ في مُخْتَلَفِ الأُمَمِ والعُصُورِ وإخْبارَ اللَّهِ - تَعالى - بِهِ عَلى لِسانِ رُسُلِهِ وأنْبِيائِهِ - يَدُلُّ عَلى أنَّ اللَّهَ أرادَ تَأْيِيدَ أحْزابِهِ فَيَعْلَمُ أنَّهُ لا يَسْتَطِيعُ كائِنٌ أنْ يَحُولَ دُونَ إرادَةِ اللَّهِ - تَعالى.
{"ayahs_start":22,"ayahs":["وَلَوۡ قَـٰتَلَكُمُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَوَلَّوُا۟ ٱلۡأَدۡبَـٰرَ ثُمَّ لَا یَجِدُونَ وَلِیࣰّا وَلَا نَصِیرࣰا","سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِی قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلُۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِیلࣰا"],"ayah":"سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِی قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلُۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











