الباحث القرآني
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللَّهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ ولا تُبْطِلُوا أعْمالَكُمْ﴾
اعْتِراضٌ بَيْنَ جُمْلَةِ ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وشاقُّوا الرَّسُولَ﴾ [محمد: ٣٢]، وبَيْنَ جُمْلَةِ ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وهم كُفّارٌ﴾ [محمد: ٣٤] وُجِّهَ بِهِ (p-١٢٧)الخِطابُ إلى المُؤْمِنِينَ بِالأمْرِ بِطاعَةِ اللَّهِ ورَسُولِهِ ﷺ وتَجَنُّبِ ما يُبْطِلُ الأعْمالَ الصّالِحَةَ اعْتِبارًا بِما حُكِيَ مِن حالِ المُشْرِكِينَ في الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ومُشاقَّةِ الرَّسُولِ ﷺ .
فَوَصْفُ الإيمانِ في قَوْلِهِ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ مُقابِلُ وصْفِ الكُفْرِ في قَوْلِهِ ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [محمد: ٣٢]، وطاعَةُ اللَّهِ مُقابِلُ الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وطاعَةُ الرَّسُولِ ضِدُّ مُشاقَّةِ الرَّسُولِ ﷺ، والنَّهْيُ عَنْ إبْطالِ الأعْمالِ ضِدُّ بُطْلانِ أعْمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا.
فَطاعَةُ الرَّسُولِ ﷺ الَّتِي أُمِرُوا بِها هي امْتِثالُ ما أمَرَ بِهِ ونَهى عَنْهُ مِن أحْكامِ الدِّينِ. وأمّا ما لَيْسَ داخِلًا تَحْتَ التَّشْرِيعِ فَطاعَةُ أمْرِ الرَّسُولِ ﷺ فِيهِ طاعَةُ انْتِصاحٍ وأدَبٍ، ألا تَرى أنَّ بَرِيرَةَ لَمْ تُطِعْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ في مُراجَعَةِ زَوْجِها مُغِيثٍ لَمّا عَلِمَتْ أنَّ أمْرَهُ إيّاها لَيْسَ بِعَزْمٍ.
والإبْطالُ: جَعْلُ الشَّيْءِ باطِلًا، أيْ لا فائِدَةَ مِنهُ، فالإبْطالُ تَتَّصِفُ بِهِ الأشْياءُ المَوْجُودَةُ.
ومَعْنى النَّهْيِ عَنْ إبْطالِهِمُ الأعْمالَ: النَّهْيُ عَنْ أسْبابِ إبْطالِها، فَهَذا مَهْيَعُ قَوْلِهِ ﴿ولا تُبْطِلُوا أعْمالَكُمْ﴾ . وتَسْمَحُ مَحامِلُهُ بِأنْ يَشْمَلَ النَّهْيَ والتَّحْذِيرَ عَنْ كُلِّ ما بَيَّنَ الدِّينُ أنَّهُ مُبْطِلٌ لِلْعَمَلِ كُلًّا أوْ بَعْضًا مِثْلَ الرِّدَّةِ ومِثْلَ الرِّياءِ في العَمَلِ الصّالِحِ فَإنَّهُ يُبْطِلُ ثَوابَهُ. وهو عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ - تَعالى - ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكم بِالمَنِّ والأذى﴾ [البقرة: ٢٦٤] . وكانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَخْشى أنْ يَكُونَ ارْتِكابُ الفَواحِشِ مُبْطِلًا لِثَوابِ الأعْمالِ الصّالِحَةِ ويَحْمِلُ هَذِهِ الآيَةَ عَلى ذَلِكَ، وقَدْ قالَتْ عائِشَةُ لَمّا بَلَغَها أنَّ زَيْدَ بْنَ أرْقَمَ عَقَدَ عَقْدًا تَراهُ عائِشَةُ حَرامًا أخْبَرُوا زَيْدًا أنَّهُ أبْطَلَ جِهادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إنْ لَمْ يَتْرُكْ فَعْلَهُ هَذا ولَعَلَّها أرادَتْ بِذَلِكَ التَّحْذِيرَ وإلّا فَما وجْهُ تَخْصِيصِ الإحْباطِ بِجِهادِهِ وإنَّما عَلِمَتْ أنَّهُ كانَ أنْفَسُ عَمَلٍ عِنْدَهُ.
وعَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ والزُّهْرِيِّ لا تُبْطِلُوا أعْمالَكم بِالمَعاصِي الكَبائِرِ.
ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ في الِاسْتِيعابِ: أنَّ زَيْدَ بْنَ أرْقَمَ قالَ «غَزا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً وغَزَوْتُ مِنها مَعَهُ سَبْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً» .
وهَذِهِ كُلُّها مِن مُخْتَلِفِ الأفْهامِ في المَعْنِيِّ بِإبْطالِ الأعْمالِ وما يُبْطِلُها وأحْسَنُ (p-١٢٨)أقْوالِ السَّلَفِ في ذَلِكَ ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ كُنّا نَرى أنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِن حَسَناتِنا إلّا مَقْبُولًا حَتّى نَزَلَ ﴿ولا تُبْطِلُوا أعْمالَكُمْ﴾، فَقُلْنا: ما هَذا الَّذِي يُبْطِلُ أعْمالَنا ؟ فَقُلْنا: الكَبائِرُ المُوجِباتُ والفَواحِشُ حَتّى نَزَلَ ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشاءُ﴾ [النساء: ٤٨] فَكَفَفْنا عَنِ القَوْلِ في ذَلِكَ وكُنّا نَخافُ عَلى مَن أصابَ الكَبائِرَ ونَرْجُو لِمَن لَمْ يُصِبْها ا هـ. فَأبانَ أنَّ ذَلِكَ مَحامِلُ مُحْتَمَلَةٌ لا جَزْمَ فِيها.
وعَنْ مُقاتِلٍ لا تُبْطِلُوا أعْمالَكم بِالمَنِّ وقالَ: هَذا خِطابٌ لِقَوْمٍ مِن بَنِي أسَدٍ أسْلَمُوا وقالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: قَدْ آثَرْناكَ وجِئْناكَ بِنُفُوسِنا وأهْلِنا، يَمُنُّونَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةُ ونَزَلَ فِيهِمْ أيْضًا قَوْلُهُ - تَعالى - ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أنْ أسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلامَكُمْ﴾ [الحجرات: ١٧] .
وهَذِهِ مَحامِلُ ناشِئَةٌ عَنِ الرَّأْيِ والتَّوَقُّعِ، والَّذِي جاءَ بِهِ القُرْآنُ وبَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ أنَّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ولَمْ يَجِئْ: أنَّ السَّيِّئاتِ يُذْهِبْنَ الحَسَناتِ، وقالَ ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وإنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها ويُؤْتِ مِن لَدُنْهُ أجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٤٠] .
وتَمَسَّكَ المُعْتَزِلَةُ بِهاتِهِ الآيَةِ فَزَعَمُوا أنَّ الكَبائِرَ تُحْبِطُ الطّاعاتِ.
ومِنَ العَجَبِ أنَّهم يَنْفُونَ عَنِ اللَّهِ الظُّلْمَ ولا يُسَلِّمُونَ ظاهِرَ قَوْلِهِ ﴿لا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ﴾ [الأنبياء: ٢٣]، ومَعَ ذَلِكَ يَجْعَلُونَ اللَّهَ يُبْطِلُ الحَسَناتِ إذا ارْتَكَبَ صاحِبُها سَيِّئَةً.
ونَحْنُ نَرى أنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَسْطُورٌ في صُحُفِ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ وأنَّ الحَسَنَةَ مُضاعَفَةٌ والسَّيِّئَةَ بِمِقْدارِها. وهَذا أصْلٌ تَواتَرَ مَعْناهُ في الكِتابِ وصَحِيحُ الآثارِ، فَكَيْفَ يُنْبَذُ بِالقِيلِ والقالِ مَن أهْلِ الأخْبارِ ؟
وحَمَلَ بَعْضُ عُلَمائِنا قَوْلَهُ تَعالى ﴿ولا تُبْطِلُوا أعْمالَكُمْ﴾ عَلى مَعْنى النَّهْيِ عَنْ قَطْعِ العَمَلِ المُتَقَرَّبِ بِهِ إلى اللَّهِ تَعالى. وإطْلاقُ الإبْطالِ عَلى القَطْعِ وعَدَمِ الإتْمامِ يُشْبِهُ أنَّهُ مَجازٌ، أيْ لا تَتْرُكُوا العَمَلَ الصّالِحَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ، فَأخَذُوا مِنهُ أنَّ النَّفْلَ يَجِبُ بِالشُّرُوعِ لِأنَّهُ مِنَ الأعْمالِ، وهو قَوْلُ أبِي حَنِيفَةَ في النَّوافِلِ مُطْلَقًا. ونَسَبَ ابْنُ العَرَبِيِّ في الأحْكامِ مِثْلَهُ إلى مالِكٍ. ومِثْلُهُ القُرْطُبِيُّ وابْنُ الفُرْسِ. ونَقَلَ (p-١٢٩)الشَّيْخُ الجَدُّ في حاشِيَتِهِ عَلى المَحَلِّيِّ عَنِ القَرافِيِّ في شَرْحِ المَحْصُولِ ونَقْلَ حَلُولُو في شَرْحِ جَمْعِ الجَوامِعِ عَنِ القَرافِيِّ في الذَّخِيرَةِ: أنَّ مالِكًا قالَ بِوُجُوبِ سَبْعِ نَوافِلَ بِالشُّرُوعِ، وهي: الصَّلاةُ والصِّيامُ والحَجُّ والعُمْرَةُ والِاعْتِكافُ والِائْتِمامُ وطَوافُ التَّطَوُّعِ دُونَ غَيْرِها نَحْوُ الوُضُوءِ والصَّدَقَةِ والوَقْفِ والسَّفَرِ لِلْجِهادِ، وزادَ حَلُولُو إلْحاقَ الضَّحِيَّةِ بِالنَّوافِلِ الَّتِي تَجِبُ بِالشُّرُوعِ ولَمْ أقِفْ عَلى مَأْخَذِ القَرافِيِّ ذَلِكَ ولا عَلى مَأْخَذِ حَلُولُو في الأخِيرِ.
ولَمْ يَرَ الشّافِعِيُّ وُجُوبًا بِالشُّرُوعِ في شَيْءٍ مِنَ النَّوافِلِ وهو الظّاهِرُ.
{"ayah":"۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُوا۟ ٱلرَّسُولَ وَلَا تُبۡطِلُوۤا۟ أَعۡمَـٰلَكُمۡ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











