الباحث القرآني
﴿ما خَلَقْنا السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما إلّا بِالحَقِّ وأجَلٍ مُسَمًّى والَّذِينَ كَفَرُوا عَمّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ﴾
لَمّا كانَ مِن أهَمِّ ما جاءَ بِهِ القُرْآنُ إثْباتُ وحْدانِيَّةِ اللَّهِ تَعالى، وإثْباتُ البَعْثِ والجَزاءِ - لِتَوَقُّفِ حُصُولِ فائِدَةِ الإنْذارِ عَلى إثْباتِهِما - جُعِلَ قَوْلُهُ ﴿تَنْزِيلُ الكِتابِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ﴾ [الأحقاف: ٢] تَمْهِيدًا لِلِاسْتِدْلالِ عَلى إثْباتِ الوَحْدانِيَّةِ والبَعْثِ والجَزاءِ، فَجُعِلَ خَلْقُ السَّماواتِ والأرْضِ مَحَلَّ اتِّفاقٍ، ورُتِّبَ عَلَيْهِ أنَّهُ ما كانَ ذَلِكَ الخَلْقُ إلّا مُلابِسًا لِلْحَقِّ، وتَقْتَضِي مُلابَسَتُهُ لِلْحَقِّ أنَّهُ لا يَكُونُ خَلْقًا عَبَثًا، بَلْ هو دالٌّ عَلى أنَّهُ يَعْقُبُهُ جَزاءٌ عَلى ما يَفْعَلُهُ المَخْلُوقُونَ.
واسْتِثْناءُ ”بِالحَقِّ“ مِن أحْوالٍ عامَّةٍ، أيْ ما خَلَقْناهُما إلّا في حالَةِ المُصاحَبَةِ لِلْحَقِّ.
وقَوْلُهُ ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا عَمّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ الضَّمِيرِ المُقَدَّرِ في مُتَعَلِّقِ الجارِّ والمَجْرُورِ مِن قَوْلِهِ بِالحَقِّ، فَيَكُونُ المَقْصُودُ مِنَ الحالِ (p-٨)التَّعْجِيبُ مِنهم ولَيْسَ ذَلِكَ عَطْفًا لِأنَّ الإخْبارَ عَنِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالإعْراضِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ إذْ هو مَعْلُومٌ، والتَّقْدِيرُ: إلّا خَلْقًا كائِنًا بِمُلابَسَةِ الحَقِّ في حالِ إعْراضِ الَّذِينَ كَفَرُوا عَمّا أُنْذِرُوا بِهِ مِمّا دَلَّ عَلَيْهِ الخَلْقُ بِالحَقِّ.
وصاحِبُ الحالِ هو ﴿السَّماواتِ والأرْضَ﴾، والمَعْنى: ما خَلَقْناهُما إلّا في حالَةِ مُلابَسَةِ الحَقِّ لَهُما وتَعْيِينِ أجْلٍ لَهُما. وإعْراضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَمّا أُنْذِرُوا بِهِ مِن آياتِ القُرْآنِ الَّتِي تُذَكِّرُهم بِما في خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ مِن مُلابَسَةِ الحَقِّ.
وعَطْفُ ”وأجَلٍ مُسَمًّى“ عَلى ”بِالحَقِّ“ عَطْفُ الخاصِّ عَلى العامِّ لِلِاهْتِمامِ بِهِ كَعَطْفِ جِبْرِيلَ ومِيكائِيلَ عَلى مَلائِكَتِهِ في قَوْلِهِ - تَعالى - ”﴿ومَلائِكَتِهِ وجِبْرِيلِ ومِيكائِيلَ﴾ [البقرة: ٩٨]“ في سُورَةِ البَقَرَةِ، لِأنَّ دَلالَةَ الحُدُوثِ عَلى قَبُولِ الفَناءِ دَلالَةٌ عَقْلِيَّةٌ فَهي مِمّا يَقْتَضِيهِ الحَقُّ، وأنَّ تَعَرُّضَ السَّماواتِ والأرْضِ لِلْفَناءِ دَلِيلٌ عَلى وُقُوعِ البَعْثِ لِأنَّ انْعِدامَ هَذا العالَمِ يَقْتَضِي بِمُقْتَضى الحِكْمَةِ أنْ يَخْلُفَهُ عالَمٌ آخَرُ أعْظَمُ مِنهُ، عَلى سُنَّةِ تُدَرُّجِ المَخْلُوقاتِ في الكَمالِ، وقَدْ كانَ ظَنُّ الدَّهْرِيِّينَ قِدَمَ هَذا العالَمِ وبَقاءَهُ أكْبَرَ شُبْهَةٍ لَهم في إنْكارِهِمُ البَعْثَ ﴿وقالُوا ما هي إلّا حَياتُنا الدُّنْيا نَمُوتُ ونَحْيا وما يُهْلِكُنا إلّا الدَّهْرُ﴾ [الجاثية: ٢٤] . فالدَّهْرُ عِنْدَهم مُتَصَرِّفٌ وهو باقٍ غَيْرُ فانٍ، فَلَوْ جَوَّزُوا فَناءَ هَذا العالَمِ لَأمْكَنَ نُزُولُهم إلى النَّظَرِ في الأدِلَّةِ الَّتِي تَقْتَضِي حَياةً ثانِيَةً. فَجُمْلَةُ ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا عَمّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ﴾ مُرْتَبِطَةٌ بِالِاسْتِثْناءِ في قَوْلِهِ ”إلّا بِالحَقِّ“ أيْ هم مُعْرِضُونَ عَمّا أُنْذِرُوا بِهِ مِن وعِيدِ يَوْمِ البَعْثِ.
وحُذِفَ العائِدُ مِنَ الصِّلَةِ لِأنَّهُ ضَمِيرٌ مَنصُوبٌ بِـ ”أُنْذِرُوا“ . والتَّقْدِيرُ: عَمّا أُنْذِرُوهُ مُعْرِضُونَ.
ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ (ما) مَصْدَرِيَّةً فَلا يُقَدَّرُ بَعْدَها ضَمِيرٌ. والتَّقْدِيرُ عَنْ إنْذارِهِمْ مُعْرِضُونَ فَشَمِلَ كُلَّ إنْذارٍ أُنْذِرُوهُ.
وتَقْدِيمُ ”عَمّا أُنْذِرُوا“ عَلى مُتَعَلِّقِهِ وهو ”مُعْرِضُونَ“ لِلِاهْتِمامِ بِما أُنْذِرُوا، ويَتْبَعُ ذَلِكَ رِعايَةُ الفاصِلَةِ.
(p-٩)
{"ayah":"مَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَیۡنَهُمَاۤ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلࣲ مُّسَمࣰّىۚ وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ عَمَّاۤ أُنذِرُوا۟ مُعۡرِضُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق