الباحث القرآني
﴿فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَن دُونِ اللَّهِ قُرْبانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهم وذَلِكَ إفْكُهم وما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾
تَفْرِيعٌ عَلى ما تَقَدَّمَ مِنَ المَوْعِظَةِ بِعَذابِ عادٍ المُفَصَّلِ، وبِعَذابِ أهْلِ القُرى المُجْمَلِ، فُرِّعَ عَلَيْهِ تَوْبِيخٌ مُوَجَّهٌ إلى آلِهَتِهِمْ إذْ قَعَدُوا عَنْ نَصْرِهِمْ وتَخْلِيصِهِمْ قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، والمَقْصُودُ تَوْجِيهُ التَّوْبِيخِ إلى الأُمَمِ المُهْلَكَةِ عَلى طَرِيقَةِ تَوْجِيهِ النَّهْيِ ونَحْوِهِ لِغَيْرِ المَنهِيِّ لِيَجْتَنِبَ المَنهِيُّ أسْبابَ المَنهِيِّ عَنْهُ كَقَوْلِهِمْ: لا أعْرِفَنَّكَ تَفْعَلْ كَذا، ولا أرَيَنَّكَ هُنا.
والمَقْصُودُ بِهَذا التَّوْبِيخِ تَخْطِئَةُ الأُمَمِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الأصْنامَ لِلنَّصْرِ والدَّفْعِ، وذَلِكَ مُسْتَعْمَلٌ تَعْرِيضًا بِالسّامِعِينَ المُماثِلِينَ لَهم في عِبادَةِ آلِهَةٍ مِن دُونِ اللَّهِ اسْتِتْمامًا لِلْمَوْعِظَةِ والتَّوْبِيخِ بِطَرِيقِ التَّنْظِيرِ وقِياسِ التَّمْثِيلِ، ولِذَلِكَ عَقَّبَ بِقَوْلِهِ بَلْ ضَلُّوا عَنْهم لِأنَّ التَّوْبِيخَ آلَ إلى مَعْنى نَفْيِ النَّصْرِ.
وحَرْفُ (لَوْلا) إذا دَخَلَ عَلى جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ كانَ أصْلُهُ الدَّلالَةَ عَلى التَّحْضِيضِ، أيْ تَحْضِيضِ فاعِلِ الفِعْلِ الَّذِي بَعْدَ (لَوْلا) عَلى تَحْصِيلِ ذَلِكَ الفِعْلِ، فَإذا كانَ (p-٥٦)الفاعِلُ غَيْرَ المُخاطَبِ بِالكَلامِ كانَتْ (لَوْلا) دالَّةً عَلى التَّوْبِيخِ ونَحْوِهِ إذْ لا طائِلَ في تَحْضِيضِ المُخاطَبِ عَلى فِعْلِ غَيْرِهِ.
والإتْيانُ بِالمَوْصُولِ لِما في الصِّلَةِ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلى الخَطَأِ والغَلَطِ في عِبادَتِهِمُ الأصْنامَ فَلَمْ تُغْنِ عَنْهم شَيْئًا، كَقَوْلِ عَبْدَةَ بْنِ الطَّبِيبِ:
؎إنَّ الَّذِينَ تَرَوْنَـهُـمْ إخْـوانَكُـمْ يَشْفِي غَلِيلَ صُدُورِهِمْ أنْ تُصْرَعُوا
وعُومِلَتِ الأصْنامُ مُعامَلَةَ العُقَلاءِ بِإطْلاقِ جَمْعِ العُقَلاءِ عَلَيْهِمْ جَرْيًا عَلى الغالِبِ في اسْتِعْمالِ العَرَبِ كَما تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ.
و”قُرْبانًا“ مُصْدَرٌ بِوَزْنِ غُفْرانٍ، مَنصُوبٌ عَلى المَفْعُولِ لِأجْلِهِ حِكايَةً لِزَعْمِهِمُ المَعْرُوفَ المَحْكِيَّ في قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿والَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أوْلِياءَ ما نَعْبُدُهم إلّا لِيُقَرِّبُونا إلى اللَّهِ زُلْفى﴾ [الزمر: ٣] . وهَذا المَصْدَرُ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ ”اتَّخَذُوا“ ومَفْعُولِهِ، و”مِن دُونِ اللَّهِ“ يَتَعَلَّقُ بِـ ”اتَّخَذُوا“ . و”دُونَ“ بِمَعْنى المُباعَدَةِ، أيْ مُتَجاوِزِينَ اللَّهَ في اتِّخاذِ الأصْنامِ آلِهَةً، وهو حِكايَةٌ لِحالِهِمْ لِزِيادَةِ تَشْوِيهِها وتَشْنِيعِها.
و(بَلْ) بِمَعْنى لَكِنْ إضْرابًا واسْتِدْراكًا بَعْدَ التَّوْبِيخِ لِأنَّهُ في مَعْنى النَّفْيِ، أيْ ما نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوهم آلِهَةً ولا قَرَّبُوهم إلى اللَّهِ لِيَدْفَعَ عَنْهُمُ العَذابَ، بَلْ ضَلُّوا عَنْهم، أيْ بَلْ غابُوا عَنْهم وقْتَ حُلُولِ العَذابِ بِهِمْ.
والضَّلالُ أصْلُهُ: عَدَمُ الِاهْتِداءِ لِلطَّرِيقِ واسْتُعِيرَ لِعَدَمِ النَّفْعِ بِالحُضُورِ اسْتِعارَةً تَهَكُّمِيَّةً، أيْ غابُوا عَنْهم ولَوْ حَضَرُوا لَنَصَرُوهم، وهَذا نَظِيرُ التَّهَكُّمِ في قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿وقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكم فَدَعَوْهم فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ﴾ [القصص: ٦٤] في سُورَةِ القَصَصِ.
وأمّا قَوْلُهُ وذَلِكَ إفْكُهم فَهو فَذْلَكَةٌ لِجُمْلَةِ فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ إلَخْ وقَرِينَةٌ عَلى الِاسْتِعارَةِ التَّهَكُّمِيَّةِ في قَوْلِهِ ضَلُّوا عَنْهم.
والإشارَةُ بِـ ذَلِكَ إلى ما تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبانًا آلِهَةً مَن زَعَمَ الأصْنامَ آلِهَةً وأنَّها تُقَرِّبُهم إلى اللَّهِ، والإفْكُ - بِكَسْرِ الهَمْزَةِ - والِافْتِراءُ: نَوْعٌ مِنَ الكَذِبِ وهو ابْتِكارُ الأخْبارِ الكاذِبَةِ ويُرادِفُ الِاخْتِلاقَ لِأنَّهُ مُشْتَقٌّ مِن فَرْيِ الجِلْدِ، فالِافْتِراءُ الكَذِبُ الَّذِي يَقُولُهُ، فَعَطْفُ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (p-٥٧)عَلى إفْكِهِمْ عَطْفُ الأخَصِّ عَلى الأعَمِّ، فَإنَّ زَعْمَهُمُ الأصْنامَ شُرَكاءَ لِلَّهِ كَذِبٌ مَرْوِيٌّ مِن قَبْلُ، فَهو إفْكٌ. وأمّا زَعْمُهم أنَّها تُقَرِّبُهم إلى اللَّهِ فَذَلِكَ افْتِراءٌ اخْتَرَعُوهُ.
وإقْحامُ فِعْلِ ”كانُوا“ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ افْتِراءَهم راسِخٌ فِيهِمْ. ومَجِيءُ يَفْتَرُونَ بِصِيغَةِ المُضارِعِ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ افْتِراءَهم مُتَكَرِّرٌ.
{"ayah":"فَلَوۡلَا نَصَرَهُمُ ٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرۡبَانًا ءَالِهَةَۢۖ بَلۡ ضَلُّوا۟ عَنۡهُمۡۚ وَذَ ٰلِكَ إِفۡكُهُمۡ وَمَا كَانُوا۟ یَفۡتَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











