الباحث القرآني
﴿وخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ بِالحَقِّ ولِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وهم لا يُظْلَمُونَ﴾
الجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ والواوُ اعْتِراضِيَّةٌ وهو اعْتِراضٌ بَيْنَ الكَلامِ المُتَقَدِّمِ وبَيْنَ ما فُرِّعَ عَلَيْهِ مِن قَوْلِهِ ﴿أفَرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَواهُ﴾ [الجاثية: ٢٣] هو كالدَّلِيلِ عَلى انْتِفاءِ أنْ يَكُونَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ الَّذِينَ هم في بُحْبُوحَةِ عَيْشٍ مُدَّةَ حَياتِهِمْ أنْ يَكُونُوا في نَعِيمٍ بَعْدَ مَماتِهِمْ كالَّذِينِ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ مُدَّةَ حَياتِهِمْ فَكانَ جَزاؤُهُمُ النَّعِيمَ بَعْدَ (p-٣٥٦)مَماتِهِمْ، أيْ بَعْدَ حَياتِهِمُ الثّانِيَةِ بِأنَّ خَلْقَ السَّماواتِ والأرْضِ بِالعَدْلِ يَسْتَدْعِي التَّفاوُتَ بَيْنَ المُسِيءِ والمُحْسِنِ، والِانْتِصافَ لِلْمُعْتَدى عَلَيْهِ مِنَ المُعْتَدِي.
ووَجْهُ الِاسْتِدْلالِ أنَّ خَلْقَ السَّماواتِ والأرْضِ تُبَيِّنُ كَوْنَهُ في تَمامِ الإتْقانِ والنِّظامِ بِحَيْثُ إنَّ دَلائِلَ إرادَةِ العَدْلِ في تَصارِيفِها قائِمَةٌ، وما أوْدَعَهُ الخالِقُ في المَخْلُوقاتِ مِنَ القُوى مُناسِبٌ لِتَحْصِيلِ ذَلِكَ النِّظامِ الَّذِي فِيهِ صَلاحُهم فَإذا اسْتَعْمَلُوها في الإفْسادِ والإساءَةِ كانَ مِن إتْمامِ إقامَةِ النِّظامِ أنْ يُعاقَبُوا عَلى تِلْكَ الإساءَةِ، والمُشاهَدُ أنَّ المُسِيءَ كَثِيرٌ ما عَكَفَ عَلى إساءَتِهِ حَتّى المَماتِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الجَزاءُ بَعْدَ المَوْتِ حَصَلَ اخْتِلالٌ في نِظامِ خَلْقِ المَخْلُوقاتِ وخَلْقِ القُوى الصّادِرِ عَنْها الإحْسانُ والإساءَةُ، وهَذا المَعْنى تَكَرَّرَ في آياتٍ كَثِيرَةٍ وكُلَّما ذُكِرَ شَيْءٌ مِنهُ أُتْبِعَ بِذِكْرِ الجَزاءِ، وقَدْ تَقَدَّمَ في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ قَوْلُهُ ﴿ويَتَفَكَّرُونَ في خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هَذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النّارِ﴾ [آل عمران: ١٩١] وقَوْلُهُ في سُورَةِ الدُّخانِ ﴿وما خَلَقْنا السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما لاعِبِينَ﴾ [الدخان: ٣٨] ما ﴿خَلَقْناهُما إلّا بِالحَقِّ ولَكِنَّ أكْثَرَهم لا يَعْلَمُونَ﴾ [الدخان: ٣٩] ﴿إنَّ يَوْمَ الفَصْلِ مِيقاتُهم أجْمَعِينَ﴾ [الدخان: ٤٠] .
والباءُ في قَوْلِهِ بِالحَقِّ لِلسَّبَبِيَّةِ أوْ لِلْمُلابَسَةِ، أيْ خَلْقًا لِلسَّبَبِ الحَقِّ أوْ مُلابِسًا لِلْحَقِّ لا يَتَخَلَّفُ الحَقُّ عَنْ حالٍ مِن أحْوالِهِ.
والحَقُّ: اسْمٌ جامِعٌ لِما شَأْنُهُ أنْ يُحَقَّ ويُثْبَتَ، ومِن شَأْنِ الحِكْمَةِ والحَكِيمِ أنْ يُقِيمَهُ، ولِذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ ”وخَلَقَ اللَّهُ“ فَإنَّ اسْمَ الجَلالَةِ جامِعٌ لِصِفاتِ الكَمالِ وتَصَرُّفاتِ الحِكْمَةِ.
وعُطِفُ ﴿ولِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ﴾ عَلى ”بِالحَقِّ“ لِأنَّ المَعْطُوفَ عَلَيْهِ المَجْرُورَ بِالياءِ فِيهِ مَعْنى التَّعْلِيلِ، وهَذا تَفْصِيلٌ بَعْدَ إجْمالٍ فَإنَّ الجَزاءَ عَلى الفِعْلِ بِما يُناسِبُهُ هو مِنَ الحَقِّ، ولِأنَّ تَعْلِيلَ الخَلْقِ بِعِلَّةِ الجَزاءِ مِن تَفْصِيلِ مَعْنى الحَقِّ وآثارِ كَوْنِ الحَقِّ سَبَبًا لِخَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ أوْ مُلابِسًا لِأحْوالِ خَلْقِهِما، فَظَهَرَتِ المُناسَبَةُ بَيْنَ الباءِ في المَعْطُوفِ عَلَيْهِ واللّامِ في المَعْطُوفِ.
والباءُ في بِما كَسَبَتْ لِلتَّعْوِيضِ. وما كَسَبَتْهُ النَّفْسُ لا تُجْزى بِهِ بَلْ تُجازى بِمِثْلِهِ وما يُناسِبُهُ، فالكَلامُ عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيْ بِمِثْلِ ما كَسَبَتْهُ. وهَذِهِ المُماثَلَةُ (p-٣٥٧)مُماثَلَةٌ في النَّوْعِ، وأمّا تَقْدِيرُ تِلْكَ المُماثَلَةِ فَذَلِكَ مَوْكُولٌ إلى اللَّهِ تَعالى ومُراعًى فِيهِ عَظَمَةُ عالَمِ الجَزاءِ في الخَيْرِ والشَّرِّ ومِقْدارُ تَمَرُّدِ المُسِيءِ وامْتِثالِ المُحْسِنِ، بِخِلافِ الحُدُودِ والزَّواجِرِ فَإنَّها مُقَدَّرَةٌ بِما يُناسِبُ عالَمَ الدُّنْيا مِنَ الضَّعْفِ.
ولِهَذا أعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ: ”ولا هم يُظْلَمُونَ“ فَضَمِيرُ ”هم“ عائِدٌ إلى كُلِّ نَفْسٍ، فَإنَّ ذَلِكَ الجَزاءَ مِمّا اقْتَضاهُ العَدْلُ الَّذِي جُعِلَ سَبَبًا أوْ مُلابِسًا لِخَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ وما فِيهِما، فَهو عَدْلٌ، فَلَيْسَ مِنَ الظُّلْمِ في شَيْءٍ فالمُجازى غَيْرُ مَظْلُومٍ، وبِالجَزاءِ أيْضًا يَنْتَفِي أثَرُ ظُلْمِ الظّالِمِ عَنِ المَظْلُومِ إذْ لَوْ تُرِكَ الجَزاءُ لاسْتَمَرَّ المَظْلُومُ مَظْلُومًا.
{"ayah":"وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَلِتُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا یُظۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق