الباحث القرآني

﴿بَلْ هم في شَكٍّ يَلْعَبُونَ﴾ (بَلْ) لِلْإضْرابِ الإبْطالِيِّ رُدَّ بِهِ أنْ يَكُونُوا مُوقِنِينَ ومُقِرِّينَ بِأنَّهُ رَبُّ السَّماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما فَإنَّ إقْرارَهم غَيْرُ صادِرٍ عَنْ عِلْمٍ ويَقِينٍ ثابِتٍ بَلْ هو كالعَدَمِ؛ لِأنَّهم خَلَطُوهُ بِالشَّكِّ واللَّعِبِ؛ فارْتَفَعَتْ عَنْهُ خاصِّيَّةُ اليَقِينِ والإقْرارِ الَّتِي هي الجَرْيُ عَلى مُوجَبِ العِلْمِ، فَإنَّ العِلْمَ إذا لَمْ يَجُرَّ صاحِبَهُ عَلى العَمَلِ بِهِ وتَجْدِيدِ مُلاحَظَتِهِ (p-٢٨٥)تَطَرَّقَ إلَيْهِ الذُّهُولُ ثُمَّ النِّسْيانُ فَضَعُفَ حَتّى صارَ شَكًّا لِانْحِجابِ الأدِلَّةِ الَّتِي يَرْسُخُ بِها في النَّفْسِ، أيْ هم شاكُّونَ في وحْدانِيَّةِ اللَّهِ تَعالى. والإتْيانُ بِحَرْفِ الظَّرْفِيَّةِ لِلدَّلالَةِ عَلى شِدَّةِ تَمَكُّنِ الشَّكِّ مِن نُفُوسِهِمْ حَتّى كَأنَّهُ ظَرْفٌ مُحِيطٌ بِهِمْ لا يَجِدُونَ عَنْهُ مَخْرَجًا، أيْ لا يُفارِقُهُمُ الشَّكُّ، فالظَّرْفِيَّةُ اسْتِعارَةٌ تَبَعِيَّةٌ مِثْلُ الِاسْتِعْلاءِ في قَوْلِهِ ﴿أُولَئِكَ عَلى هُدًى مِن رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٥] . وجُمْلَةُ يَلْعَبُونَ حالٌ مِن ضَمِيرِ ”هم“ أيِ اشْتَغَلُوا عَنِ النَّظَرِ في الأدِلَّةِ الَّتِي تُزِيلُ الشَّكَّ عَنْهم وتَجْعَلُهم مُهْتَدِينَ، بِالهُزْءِ واللَّعِبِ في تَلَقِّي دَعْوَةِ الرَّسُولِ ﷺ فَكَأنَّ انْغِماسَهم في الشَّكِّ مُقارِنًا لِحالِهِمْ مِنَ اللَّعِبِ، ولِهَذِهِ الجُمْلَةِ الحالِيَّةِ مَوْقِعٌ عَظِيمٌ إذْ بِها أُفِيدَ أنَّ الشَّكَّ حامِلٌ لَهم عَلى الهُزْءِ واللَّعِبِ، وأنَّ الشُّغْلَ بِاللَّعِبِ يَزِيدُ الشَّكَّ فِيهِمْ رُسُوخًا بِخِلافِ ما لَوْ قِيلَ: بَلْ هم في شَكٍّ ولَعِبٍ، فَتَفَطَّنْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب