الباحث القرآني
﴿أهم خَيْرٌ أمْ قَوْمُ تُبَّعٍ والَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أهْلَكْناهم إنَّهم كانُوا مُجْرِمِينَ﴾
اسْتِئْنافٌ ناشِئٌ عَنْ قَوْلِهِ ﴿ولَقَدْ فَتَنّا قَبْلَهم قَوْمَ فِرْعَوْنَ﴾ [الدخان: ١٧] فَضَمِيرُ ”هم“ راجِعٌ إلى اسْمِ الإشارَةِ في قَوْلِهِ ﴿إنَّ هَؤُلاءِ لَيَقُولُونَ﴾ [الدخان: ٣٤] ﴿إنْ هي إلّا مَوْتَتُنا الأُولى﴾ [الدخان: ٣٥] فَبَعْدَ أنْ ضُرِبَ لَهُمُ المَثَلُ بِمَهْلِكِ قَوْمِ فِرْعَوْنَ زادَهم مَثَلًا آخَرَ هو أقْرَبُ إلى اعْتِبارِهِمْ بِهِ وهو مَهْلِكُ قَوْمٍ أقْرَبُ إلى بِلادِهِمْ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ وأُولَئِكَ قَوْمُ تُبَّعٍ فَإنَّ العَرَبَ يَتَسامَعُونَ بِعَظَمَةِ مَلِكِ تُبَّعٍ وقَوْمِهِ أهْلِ اليَمَنِ وكَثِيرٌ مِنَ العَرَبِ شاهَدُوا آثارَ قُوَّتِهِمْ وعَظَمَتِهِمْ في مَراحِلِ أسْفارِهِمْ وتَحادَثُوا بِما أصابَهم مِنَ الهُلْكِ بِسَيْلِ العَرِمِ.
وافْتُتِحَ الكَلامُ بِالِاسْتِفْهامِ التَّقْرِيرِيِّ لِاسْتِرْعاءِ الأسْماعِ لِمَضْمُونِهِ لِأنَّ كُلَّ أحَدٍ يَعْلَمُ أنَّ تُبَّعًا ومَن قَبْلَهُ مِنَ المُلُوكِ خَيْرٌ مِن هَؤُلاءِ المُشْرِكِينَ.
والمَعْنى: أنَّهم لَيْسُوا خَيْرًا مِن قَوْمِ تُبَّعٍ ومَن قَبْلَهم مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ اسْتَأْصَلَهُمُ اللَّهُ لِأجْلِ إجْرامِهِمْ فَلَمّا ماثَلُوهم في الإجْرامِ فَلا مَزِيَّةَ لَهم تَدْفَعُ عَنْهُمُ اسْتِئْصالَ الَّذِي أهْلَكَ اللَّهُ بِهِ أُمَمًا قَبْلَهم.
والِاسْتِفْهامُ في ﴿أهم خَيْرٌ أمْ قَوْمُ تُبَّعٍ﴾ تَقْرِيرِيٌّ إذْ لا يَسَعُهم إلّا أنْ يَعْتَرِفُوا بِأنَّ قَوْمَ تُبَّعٍ والَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ خَيْرٌ مِنهم لِأنَّهم كانُوا يَضْرِبُونَ بِهِمُ الأمْثالَ في القُوَّةِ (p-٣٠٩)والمَنَعَةِ. والمُرادُ بِالخَيْرِيَّةِ التَّفْضِيلُ في القُوَّةِ والمَنَعَةِ، كَما قالَ تَعالى بَعْدَ ذِكْرِ قَوْمِ فِرْعَوْنَ ﴿أكُفّارُكم خَيْرٌ مِن أُولَئِكُمْ﴾ [القمر: ٤٣] في سُورَةِ القَمَرِ.
وقَوْمُ تُبَّعٍ هم حِمْيَرُ وهم سُكّانُ اليَمَنِ وحَضْرَمَوْتَ مِن حِمْيَرَ وسَبَأٍ وقَدْ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعالى في سُورَةِ ق.
وتُبَّعٌ بِضَمِّ التّاءِ وتَشْدِيدِ المُوَحَّدَةِ لَقَبٌ لِمَن يَمْلِكُ جَمِيعَ بِلادِ اليَمَنِ حِمْيَرًا وسَبَأً وحَضْرَمَوْتَ، فَلا يُطْلَقُ عَلى المَلِكِ لَقَبُ تُبَّعٍ إلّا إذا مَلَكَ هَذِهِ المَواطِنَ الثَّلاثَةَ. قِيلَ سَمَّوْهُ تُبَّعًا بِاسْمِ الظِّلِّ لِأنَّهُ يَتْبَعُ الشَّمْسَ كَما يَتْبَعُ الظِّلُّ الشَّمْسَ، ومَعْنى ذَلِكَ: أنَّهُ يَسِيرُ بِغَزَواتِهِ إلى كُلِّ مَكانٍ تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، كَما قالَ تَعالى في ذِي القَرْنَيْنِ ﴿فَأتْبَعَ سَبَبًا حَتّى إذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ﴾ [الكهف: ٨٥] إلى قَوْلِهِ ﴿لَمْ نَجْعَلْ لَهم مِن دُونِها سِتْرًا﴾ [الكهف: ٩٠]، وقِيلَ لِأنَّهُ تَتَبَّعَهُ مُلُوكُ مَخالِيفِ اليَمَنِ، وتَخْضَعُ لَهُ جَمِيعُ الأقْيالِ والأذْواءِ مِن مُلُوكِ مَخالِيفِ اليَمَنِ وأذْوائِهِ، فَلِذَلِكَ لُقِّبَ تُبَّعًا لِأنَّهُ تَتَبَّعَهُ المُلُوكُ.
وتُبَّعٌ المُرادُ هُنا المُسَمّى أسْعَدُ والمُكَنّى أبا كَرِبٍ، كانَ قَدْ عَظُمَ سُلْطانُهُ وغَزا بِلادَ العَرَبِ ودَخَلَ مَكَّةَ ويَثْرِبَ وبَلَغَ العِراقَ. ويُقالُ: إنَّهُ الَّذِي بَنى مَدِينَةَ الحِيرَةِ في العِراقِ، وكانَتْ دَوْلَةُ تُبَّعٍ في سَنَةِ ألْفٍ قَبْلَ البَعْثَةِ المُحَمَّدِيَّةِ، وقِيلَ كانَ في حُدُودِ السَّبْعِمِائَةِ قَبْلَ بَعْثَةِ النَّبِيءِ ﷺ .
وتَعْلِيقُ الإهْلاكِ بِقَوْمِ تُبَّعٍ دُونَهُ يَقْتَضِي أنَّ تُبَّعًا نَجا مِن هَذا الإهْلاكِ وأنَّ الإهْلاكَ سُلِّطَ عَلى قَوْمِهِ، قالَتْ عائِشَةُ: ألا تَرى أنَّ اللَّهَ ذَمَّ قَوْمَهُ ولَمْ يَذُمَّهُ.
والمَرْوِيُّ عَنِ النَّبِيءِ ﷺ في مُسْنَدِ أحْمَدَ وغَيْرِهِ أنَّهُ قالَ: «لا تَسُبُّوا تُبَّعًا فَإنَّهُ كانَ قَدْ أسْلَمَ» وفي رِوايَةٍ: كانَ مُؤْمِنًا، وفَسَّرَهُ بَعْضُ العُلَماءِ بِأنَّهُ كانَ عَلى دِينِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ وأنَّهُ اهْتَدى إلى ذَلِكَ بِصُحْبَةِ حَبْرَيْنِ مِن أحْبارِ اليَهُودِ لَقِيَهُما بِيَثْرِبَ حِينَ غَزاها وذَلِكَ يَقْتَضِي نَجاتَهُ مِنِ الإهْلاكِ. ولَعَلَّ اللَّهَ أهْلَكَ قَوْمَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ أوْ في مَغِيبِهِ.
وجُمْلَةُ أهْلَكْناهم مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا لِما أثارَهُ الِاسْتِفْهامُ التَّقْرِيرِيُّ مِنَ السُّؤالِ عَنْ إبْهامِهِ ماذا أُرِيدَ بِهِ.
(p-٣١٠)وجُمْلَةُ ﴿إنَّهم كانُوا مُجْرِمِينَ﴾ تَعْلِيلٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ أهْلَكْناهم، أيْ أهْلَكْناهم عَنْ بَكْرَةِ أبِيهِمْ بِسَبَبِ إجْرامِهِمْ، أيْ شِرْكِهِمْ.
{"ayah":"أَهُمۡ خَیۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعࣲ وَٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَـٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُوا۟ مُجۡرِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق