الباحث القرآني
﴿كَمْ تَرَكُوا مِن جَنّاتٍ وعُيُونٍ﴾ ﴿وزُرُوعٍ ومَقامٍ كَرِيمٍ﴾ ﴿ونَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ﴾ ﴿كَذَلِكَ﴾ [الدخان: ٢٨]
اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ مَسُوقٌ لِلْعِبْرَةِ بِعَواقِبِ الظّالِمِينَ المَغْرُورِينَ بِما هم فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ والقُوَّةِ، غُرُورًا أنْساهم مُراقَبَةَ اللَّهِ فِيما يُرْضِيهِ، فَمَوْقِعُ هَذا الِاسْتِئْنافِ مُوقِعُ النَّتِيجَةِ مِنَ الدَّلِيلِ أوِ البَيانِ مِنَ الإجْمالِ لِما في قَوْلِهِ ﴿ولَقَدْ فَتَنّا قَبْلَهم قَوْمَ فِرْعَوْنَ﴾ [الدخان: ١٧] مِنَ التَّنْظِيرِ الإجْمالِيِّ.
وضَمِيرُ تَرَكُوا عائِدٌ إلى ما عادَ إلَيْهِ ضَمِيرُ ﴿إنَّهم جُنْدٌ مُغْرَقُونَ﴾ [الدخان: ٢٤] .
والتَّرْكُ حَقِيقَتُهُ: إلْقاءُ شَيْءٍ في مَكانٍ مُتَنَقِّلٍ عَنْهُ إبْقاءً اخْتِيارِيًّا، ويُطْلَقُ مَجازًا عَلى مُفارَقَةِ المَكانِ والشَّيْءِ الَّذِي في مَكانِ غَلَبَةٍ دُونَ اخْتِيارٍ وهو مَجازٌ مَشْهُورٌ يُقالُ: تَرَكَ المَيِّتُ مالًا، ومِنهُ سُمِّي مُخَلَّفُ المَيِّتِ تَرِكَةً وهو هُنا مِن هَذا القَبِيلِ.
وفِعْلُ ”تَرَكُوا“ مُؤْذِنٌ بِأنَّهم أُغْرِقُوا وأُعْدِمُوا، وذَلِكَ مُقْتَضى أنَّ ما أمَرَ اللَّهُ بِهِ مُوسى مِنَ الإسْراءِ بِبَنِي إسْرائِيلَ وما مَعَهُ مِنِ اتِّباعِ فِرْعَوْنَ إيّاهم وانْفِلاقِ البَحْرِ (p-٣٠٢)وإزْلافِ بَنِي إسْرائِيلَ واقْتِحامِ فِرْعَوْنَ بِجُنُودِهِ البَحْرَ، وانْضِمامِ البَحْرِ عَلَيْهِمْ قَدْ تَمَّ، فَفي الكَلامِ إيجازُ حَذْفِ جُمَلٍ كَثِيرَةٍ يَدُلُّ عَلَيْها ”كَمْ تَرَكُوا“ .
و(كَمْ) اسْمٌ لِعَدَدٍ كَثِيرٍ مُبْهَمٍ يُفَسِّرُ نَوْعَهُ مُمَيَّزٌ بَعْدَ (كَمْ) مَجْرُورٌ بِـ (مِن) مَذْكُورَةٍ أوْ مَحْذُوفَةٍ.
وحُكْمُ (كَمْ) كالأسْماءِ تَكُونُ عَلى حَسَبِ العَوامِلِ. وإذْ كانَ لَها صَدْرُ الكَلامِ لِأنَّها في الأصْلِ اسْتِفْهامٌ فَلا تَكُونُ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ ولا خَبَرَ (كانَ) ولا (إنَّ) وإذا كانَتْ مَعْمُولَةً لِلْأفْعالِ وجَبَ تَقْدِيمُها عَلى عامِلِها.
وانْتَصَبَ (كَمْ) هُنا عَلى المَفْعُولِ بِهِ لِـ ”تَرَكُوا“ أيْ تَرَكُوا كَثِيرًا مِن جَنّاتٍ. و(مِن) مُمَيِّزَةٌ لِمُبْهَمِ العَدَدِ في (كَمْ) .
والمَقامُ بِفَتْحِ المِيمِ: مَكانُ القِيامِ، والقِيامُ هُنا مَجازٌ في مَعْنى التَّمَكُّنِ مِنَ المَكانِ.
والكَرِيمُ مِن كُلِّ نَوْعٍ أنْفَسُهُ وخَيْرُهُ، والمُرادُ بِهِ: المَساكِنُ والدِّيارُ والأسْواقُ ونَحْوُها مِمّا كانَ لَهم في مَدِينَةِ (مَنفِسِينَ) .
والنَّعْمَةُ بِفَتْحِ النُّونِ: اسْمٌ لِلتَّنَعُّمِ مَصُوغٌ عَلى وزْنَةِ المَرَّةِ. ولَيْسَ المُرادُ بِهِ المَرَّةَ بَلْ مُطْلَقُ المَصْدَرِ بِاعْتِبارِ أنَّ مَجْمُوعَ أحْوالِ النَّعِيمِ صارَ كالشَّيْءِ الواحِدِ وهو أبْلَغُ وأجْمَعُ في تَصْوِيرِ مَعْنى المَصْدَرِ، وهَذا هو المُناسِبُ لِفِعْلِ تَرَكُوا لِأنَّ المَتْرُوكَ هو أشْخاصُ الأُمُورِ الَّتِي يُنْعَمُ بِها ولَيْسَ المَتْرُوكُ وهو المَعْنى المَصْدَرِيُّ.
و”فاكِهِينَ“ مُتَّصِفِينَ بِالفُكاهَةِ بِضَمِّ الفاءِ وهي اللَّعِبُ والمَزْحُ، أيْ كانُوا مَغْمُورِينَ في النِّعْمَةِ لاعِبِينَ في تِلْكَ النِّعْمَةِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ ”فاكِهِينَ“ بِصِيغَةِ اسْمِ الفاعِلِ. وقَرَأهُ حَفْصٌ وأبُو جَعْفَرٍ ”فَكِهِينَ“ بِدُونِ ألِفٍ عَلى أنَّهُ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ.
وقَوْلُهُ كَذَلِكَ راجِعٌ لِفِعْلِ ”تَرَكُوا“ . والتَّقْدِيرُ: تَرْكًا مِثْلَ ذَلِكَ التَّرْكِ.
والإشارَةُ إلى مُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ الكَلامُ ومَعْنى الكافِ، وهَذا التَّرْكِيبُ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ ﴿كَذَلِكَ وقَدْ أحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْرًا﴾ [الكهف: ٩١] في سُورَةِ الكَهْفِ.
{"ayahs_start":25,"ayahs":["كَمۡ تَرَكُوا۟ مِن جَنَّـٰتࣲ وَعُیُونࣲ","وَزُرُوعࣲ وَمَقَامࣲ كَرِیمࣲ","وَنَعۡمَةࣲ كَانُوا۟ فِیهَا فَـٰكِهِینَ"],"ayah":"كَمۡ تَرَكُوا۟ مِن جَنَّـٰتࣲ وَعُیُونࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











