الباحث القرآني
﴿ونادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إنَّكم ماكِثُونَ﴾ ﴿لَقَدْ جِئْناكم بِالحَقِّ ولَكِنَّ أكْثَرَكم لِلْحَقِّ كارِهُونَ﴾
جُمْلَةُ ونادَوْا حالٌ مِن ضَمِيرِ ﴿وهم فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾ [الزخرف: ٧٥]، أوْ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿وهم فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾ [الزخرف: ٧٥] . وحُكِيَ نِداؤُهم بِصِيغَةِ الماضِي مَعَ أنَّهُ مِمّا سَيَقَعُ يَوْمَ القِيامَةِ، إمّا لِأنَّ إبْلاسَهم في عَذابِ جَهَنَّمَ وهو اليَأْسُ يَكُونُ بَعْدَ أنْ نادَوْا يا مالِكُ وأجابَهم بِما أجابَ بِهِ، وذَلِكَ إذا جَعَلْتَ جُمْلَةَ ”ونادَوْا“ حالِيَّةً، وإمّا لِتَنْزِيلِ الفِعْلِ المُسْتَقْبَلِ مَنزِلَةَ الماضِي في تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ تَخْرِيجًا لِلْكَلامِ عَلى خِلافِ مُقْتَضى الظّاهِرِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعالى ويَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ فَصَعِقَ مَن في السَّماواتِ ومَن في الأرْضِ وهَذا إنْ كانَتْ جُمْلَةُ ونادَوْا إلَخْ مَعْطُوفَةً.
و”مالِكُ“ المُنادى اسْمُ المَلَكِ المُوَكَّلِ بِجَهَنَّمَ خاطَبُوهُ لِيَرْفَعَ دَعْوَتَهم إلى اللَّهِ تَعالى شَفاعَةً.
(p-٢٦٠)واللّامُ في ﴿لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ﴾ لامُ الأمْرِ بِمَعْنى الدُّعاءِ.
وتَوْجِيهُ الأمْرِ إلى الغائِبِ لا يَكُونُ إلّا عَلى مَعْنى التَّبْلِيغِ كَما هُنا، أوْ تَنْزِيلِ الحاضِرِ مَنزِلَةَ الغائِبِ لِاعْتِبارٍ ما، مِثْلَ التَّعْظِيمِ في نَحْوِ قَوْلِ الوَزِيرِ لِلْخَلِيفَةِ لِيَرَ الخَلِيفَةُ رَأْيَهُ.
والقَضاءُ بِمَعْنى: الإماتَةِ كَقَوْلِهِ ﴿فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ﴾ [القصص: ١٥]، سَألُوا اللَّهَ أنْ يُزِيلَ عَنْهُمُ الحَياةَ لِيَسْتَرِيحُوا مِن إحْساسِ العَذابِ.
وهم إنَّما سَألُوا اللَّهَ أنْ يُمِيتَهم فَأُجِيبُوا بِأنَّهم ماكِثُونَ جَوابًا جامِعًا لِنَفْيِ الإماتَةِ ونَفْيِ الخُرُوجِ فَهو جَوابٌ قاطِعٌ لِما قَدْ يَسْألُونَهُ مِن بَعْدُ.
ومِنَ النَّوادِرِ المُتَعَلِّقَةِ بِهَذِهِ الآيَةِ ما رُوِيَ أنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَرَأ ”ونادَوْا يا مالِ“ بِحَذْفِ الكافِ عَلى التَّرْخِيمِ، فَذُكِرَتْ قِراءَتُهُ لِابْنِ عَبّاسٍ فَقالَ ”ما كانَ أشْغَلَ أهْلَ النّارِ عَنِ التَّرْخِيمِ“، قالَ في الكَشّافِ: وعَنْ بَعْضِهِمْ: حَسَّنَ التَّرْخِيمَ أنَّهم يَقْتَطِعُونَ بَعْضَ الِاسْمِ لِضَعْفِهِمْ وعِظَمَ ما هم فِيهِ ا ه. وأرادَ بِبَعْضِهِمُ ابْنَ جِنِّي فِيما ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ أنَّ ابْنَ جِنِّي قالَ: ولِلتَّرْخِيمِ في هَذا المَوْضِعِ سِرٌّ؛ وذَلِكَ أنَّهم لِعِظَمِ ما هم عَلَيْهِ ضَعُفَتْ وذُلَّتْ أنْفُسُهم وصَغُرَ كَلامُهم فَكانَ هَذا مِن مَواضِعِ الِاخْتِصارِ.
وفِي صَحِيحِ البُخارِيِّ «عَنْ يَعْلى بْنِ أُمَيَّةَ سَمِعْتُ النَّبِيءَ ﷺ يَقْرَأُ عَلى المِنبَرِ ﴿ونادَوْا يا مالِكُ﴾ بِإثْباتِ الكافِ» . قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وقِراءَةُ ”ونادَوْا يا مالِ“ رَواها أبُو الدَّرْداءِ عَنِ النَّبِيءِ ﷺ فَيَكُونُ النَّبِيءُ ﷺ قَرَأ بِالوَجْهَيْنِ وتَواتَرَتْ قِراءَةُ إثْباتِ الكافِ وبَقِيَتِ الأُخْرى مَرْوِيَّةً بِالآحادِ فَلَمْ تَكُنْ قُرْآنًا.
وجُمْلَةُ ﴿لَقَدْ جِئْناكم بِالحَقِّ﴾ إلى آخِرِها في مَوْضِعِ العِلَّةِ لِجُمْلَةِ ﴿إنَّكم ماكِثُونَ﴾ بِاعْتِبارِ تَمامِ الجُمْلَةِ وهو الِاسْتِدْراكُ بِقَوْلِهِ ﴿ولَكِنَّ أكْثَرَهم لِلْحَقِّ كارِهُونَ﴾ .
وضَمِيرُ ”جِئْناكم“ لِلْمَلائِكَةِ، والحَقُّ: الوَحْيُ الَّذِي نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ فَنَسَبَ مالِكٌ المَجِيءَ بِالحَقِّ إلى جَمْعِ المَلائِكَةِ عَلى طَرِيقَةِ اعْتِزازِ الفَرِيقِ والقَبِيلَةِ بِمَزايا (p-٢٦١)بَعْضِها، وهي طَرِيقَةٌ مَعْرُوفَةٌ في كَلامِ العَرَبِ كَقَوْلِ الحارِثِ بْنِ حِلِّزَةَ:
؎وفَكَكْنا غِلَّ امْرِئِ القَيْسِ عَنْهُ بَعْدَ ما طالَ حَبْسُهُ والعَناءُ
وإنَّما نُسِبَتْ كَراهَةُ الحَقِّ إلى أكْثَرِهِمْ دُونَ جَمِيعِهِمْ لِأنَّ المُشْرِكِينَ فَرِيقانِ أحَدُهُما سادَةٌ كُبَراءُ لِمِلَّةِ الكُفْرِ وهُمُ الَّذِينَ يَصُدُّونَ النّاسَ عَنِ الإيمانِ بِالإرْهابِ والتَّرْغِيبِ مِثْلُ أبِي جَهْلٍ حِينَ صَدَّ أبا طالِبٍ عِنْدَ احْتِضارِهِ عَنْ قَوْلِ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وقالَ أتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وثانِيهِما دَهْماءُ وعامَّةٌ وهم تَبَعٌ لِأئِمَّةِ الكُفْرِ. وقَدْ أشارَتْ إلى ذَلِكَ آياتٌ كَثِيرَةٌ مِنها قَوْلُهُ في سُورَةِ البَقَرَةِ ﴿إذْ تَبَرَّأ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾ [البقرة: ١٦٦] الآياتِ. فالفَرِيقُ الأوَّلُ هُمُ المُرادُ. مِن قَوْلِهِ ﴿ولَكِنَّ أكْثَرَكم لِلْحَقِّ كارِهُونَ﴾ وأُولَئِكَ إنَّما كَرِهُوا الحَقَّ لِأنَّهُ يَرْمِي إلى زَوالِ سُلْطانِهِمْ وتَعْطِيلِ مَنافِعِهِمْ.
وتَقْدِيمُ ”لِلْحَقِّ“ عَلى ”كارِهُونَ“ لِلِاهْتِمامِ بِالحَقِّ تَنْوِيهًا بِهِ، وفِيهِ إقامَةُ الفاصِلَةِ أيْضًا.
{"ayahs_start":77,"ayahs":["وَنَادَوۡا۟ یَـٰمَـٰلِكُ لِیَقۡضِ عَلَیۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ","لَقَدۡ جِئۡنَـٰكُم بِٱلۡحَقِّ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَكُمۡ لِلۡحَقِّ كَـٰرِهُونَ"],"ayah":"وَنَادَوۡا۟ یَـٰمَـٰلِكُ لِیَقۡضِ عَلَیۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق