الباحث القرآني
﴿ولَقَدْ أرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إلى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ فَقالَ إنِّي رَسُولُ رَبِّ العالَمِينَ﴾ ﴿فَلَمّا جاءَهم بِآياتِنا إذا هم مِنها يَضْحَكُونَ﴾
قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ في أوَّلِ السُّورَةِ قَوْلَهُ ﴿وكَمْ أرْسَلْنا مِن نَبِيٍّ في الأوَّلِينَ وما يَأْتِيهِمْ مِن نَبِيٍّ إلّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ فَأهْلَكْنا أشَدَّ مِنهم بَطْشًا ومَضى مَثَلُ الأوَّلِينَ﴾ [الزخرف: ٦] . وساقَ بَعْدَ ذَلِكَ تَذْكِرَةً بِإبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ مَعَ قَوْمِهِ، وما تَفَرَّعَ عَلى ذَلِكَ مِن أحْوالِ أهْلِ الشِّرْكِ فَلَمّا تَقَضّى أُتْبِعَ بِتَنْظِيرِ حالِ الرَّسُولِ ﷺ مَعَ طُغاةِ قَوْمِهِ واسْتِهْزائِهِمْ بِحالِ مُوسى مَعَ فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ، فَإنَّ لِلْمِثْلِ والنَّظائِرِ شَأْنًا في إبْرازِ الحَقائِقِ وتَصْوِيرِ الحالَيْنِ تَصْوِيرًا يُفْضِي إلى تَرَقُّبِ ما كانَ لِإحْدى الحالَتَيْنِ مِن عَواقِبَ أنْ تَلْحَقَ أهْلَ الحالَةِ الأُخْرى، فَإنَّ فِرْعَوْنَ ومَلَأهُ تَلَقَّوْا مُوسى بِالإسْرافِ في الكُفْرِ وبِالِاسْتِهْزاءِ بِهِ وبِاسْتِضْعافِهِ إذْ لَمْ يَكُنْ ذا بَذْخَةٍ ولا مُحَلًّى بِحِلْيَةِ الثَّراءِ وكانَتْ مُناسِبَةً قَوْلَهُ: (p-٢٢٤)﴿واسْألْ مَن أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رُسُلِنا﴾ [الزخرف: ٤٥]، الآيَةُ هَيَّأتِ المَقامَ لِضَرْبِ المَثَلِ بِحالِ بَعْضِ الرُّسُلِ الَّذِينَ جاءُوا بِشَرِيعَةٍ عُظْمى قَبْلَ الإسْلامِ.
والمَقْصُودُ مِن هَذِهِ القِصَّةِ هو قَوْلُهُ فِيها ﴿فَلَمّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنهم فَأغْرَقْناهم أجْمَعِينَ﴾ [الزخرف: ٥٥] ﴿فَجَعَلْناهم سَلَفًا ومَثَلًا لِلْآخِرِينَ﴾ [الزخرف: ٥٦]، فَإنَّ المُرادَ بِالآخِرِينَ المُكَذِّبُونَ صَنادِيدُ قُرَيْشٍ.
ومِنَ المَقْصُودِ مِنها بِالخُصُوصِ هُنا: قَوْلُهُ ”ومَلَئِهِ“ أيْ عُظَماءِ قَوْمِهِ فَإنَّ ذَلِكَ شَبِيهٌ بِحالِ أبِي جَهْلٍ وأضْرابِهِ، وقَوْلُهُ ﴿فَلَمّا جاءَهم بِآياتِنا إذا هم مِنها يَضْحَكُونَ﴾ لِأنَّ حالَهم في ذَلِكَ مُشابِهٌ لِحالِ قُرَيْشٍ الَّذِي أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ ﴿وكَمْ أرْسَلْنا مِن نَبِيٍّ في الأوَّلِينَ وما يَأْتِيهِمْ مِن نَبِيٍّ إلّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [الزخرف: ٦]، وقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ﴿أمْ أنا خَيْرٌ مِن هَذا الَّذِي هو مَهِينٌ﴾ [الزخرف: ٥٢] لِأنَّهم أشْبَهُوا بِذَلِكَ حالَ أبِي جَهِلٍ ونَحْوِهِ في قَوْلِهِمْ ﴿لَوْلا نُزِّلَ هَذا القُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١] إلّا أنَّ كَلِمَةَ سادَةِ قُرَيْشٍ كانَتْ أقْرَبَ إلى الأدَبِ مِن كَلِمَةِ فِرْعَوْنَ لِأنَّ هَؤُلاءِ كانَ رَسُولُهم مِن قَوْمِهِمْ فَلَمْ يَتْرُكُوا جانِبَ الحَياءِ بِالمَرَّةِ وفِرْعَوْنُ كانَ رَسُولُهُ غَرِيبًا عَنْهم. وقَوْلُهُ ”﴿فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أساوِرَةٌ مِن ذَهَبٍ﴾ [الزخرف: ٥٣]“ لِأنَّهُ مُشابِهٌ لِما تَضَمَّنَهُ قَوْلُ صَنادِيدِ قُرَيْشٍ عَلى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ، فَإنَّ عَظَمَةَ ذَيْنِكَ الرَّجُلَيْنِ كانَتْ بِوَفْرَةِ المالِ، ولِذَلِكَ لَمْ يُذْكَرْ مِثْلُهُ في غَيْرِ هَذِهِ القِصَّةِ مِن قِصَصِ بِعْثَةِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، وقَوْلُهم يا أيُّها السّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ وهو مُضاهٍ لِقَوْلِهِ في قُرَيْشٍ ”﴿هَذا سِحْرٌ وإنّا بِهِ كافِرُونَ﴾ [الزخرف: ٣٠]“، وقَوْلُهُ ”﴿فَأغْرَقْناهم أجْمَعِينَ﴾ [الزخرف: ٥٥]“ الدّالُّ عَلى أنَّ اللَّهَ أهْلَكَهم كُلَّهم، وذَلِكَ إنْذارٌ بِما حَصَلَ مِنِ اسْتِئْصالِ صَنادِيدِ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ.
فَحَصَلَ مِنَ العِبْرَةِ مِن هَذِهِ القِصَّةِ أمْرانِ: أحَدُهُما: أنَّ الكُفّارَ والجَهَلَةَ يَتَمَسَّكُونَ بِمِثْلِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ في رَدِّ فَضْلِ الفُضَلاءِ فَيَتَمَسَّكُونَ بِخُيُوطِ العَنْكَبُوتِ مِنَ الأُمُورِ العَرَضِيَّةِ الَّتِي لا أثَرَ لَها في قِيمَةِ النُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ.
وثانِيهِما: أنَّ فِرْعَوْنَ صاحِبَ العَظَمَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ المَحْضَةِ صارَ مَقْهُورًا مَغْلُوبًا انْتَصَرَ عَلَيْهِ الَّذِي اسْتَضْعَفَهُ، وتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذِهِ الآيَةِ غَيْرَ مَرَّةٍ.
(p-٢٢٥)و(إذا) حَرْفُ مُفاجَأةٍ، أيْ يَدُلُّ عَلى أنَّ ما بَعْدَهُ حَصَلَ مِن غَيْرِ تَرَقُّبٍ فَتُفْتَتَحُ بِهِ الجُمْلَةُ الَّتِي يُفادُ مِنها حُصُولُ حادِثٍ عَلى وجْهِ المُفاجَأةِ.
ووَقَعَتِ الجُمْلَةُ الَّتِي فِيها (إذا) جَوابًا لِحَرْفِ (لَمّا)، وهي جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ و(لَمّا) تَقْتَضِي أنْ يَكُونَ جَوابُها جُمْلَةً فِعْلِيَّةً، لِأنَّ ما في (إذا) مِن مَعْنى المُفاجَأةِ يَقُومُ مَقامَ الجُمْلَةِ الفِعْلِيَّةِ.
والضَّحِكُ: كِنايَةً عَنِ الِاسْتِخْفافِ بِالآياتِ والتَّكْذِيبِ فَلا يَتَعَيَّنُ أنْ يَكُونَ كُلُّ الحاضِرِينَ صَدَرَ مِنهم ضَحِكٌ، ولا أنَّ ذَلِكَ وقَعَ عِنْدَ رُؤْيَةِ آيَةٍ إذْ لَعَلَّ بَعْضَها لا يَقْتَضِي الضَّحِكَ.
{"ayahs_start":46,"ayahs":["وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔایَـٰتِنَاۤ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِی۟هِۦ فَقَالَ إِنِّی رَسُولُ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","فَلَمَّا جَاۤءَهُم بِـَٔایَـٰتِنَاۤ إِذَا هُم مِّنۡهَا یَضۡحَكُونَ"],"ayah":"فَلَمَّا جَاۤءَهُم بِـَٔایَـٰتِنَاۤ إِذَا هُم مِّنۡهَا یَضۡحَكُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











