الباحث القرآني
﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشاءُ وهْوَ القَوِيُّ العَزِيزُ﴾
هَذِهِ الجُمْلَةُ تَوْطِئَةٌ لِجُمْلَةِ ﴿مَن كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ في حَرْثِهِ﴾ [الشورى: ٢٠] لِأنَّ ما سَيُذْكَرُ في الجُمْلَةِ الآتِيَةِ هو أثَرٌ مِن آثارِ لُطْفِ اللَّهِ بِعِبادِهِ ورِفْقِهِ بِهِمْ وما يَسَّرَ مِنَ الرِّزْقِ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنهم والكُفّارِ في الدُّنْيا، ثُمَّ ما خَصَّ بِهِ المُؤْمِنِينَ مِن رِزْقِ الآخِرَةِ، فالجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا ابْتِدائِيًّا مُقَدَّمَةٌ لِاسْتِئْنافِ الجُمْلَةِ المُوَطَّأِ لَها، وهي جُمْلَةُ ﴿مَن كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ في حَرْثِهِ﴾ [الشورى: ٢٠] الآيَةَ.
ومَوْقِعُ جُمْلَةِ ﴿مَن كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ﴾ [الشورى: ٢٠] إلَخْ فَسَنُبَيِّنُهُ.
واللَّطِيفُ: البَرُّ القَوِيُّ البِرُّ. ويَدْخُلُ في هَذا كَثِيرٌ مِنَ النِّعَمِ. فَسَّرَ عَدَدٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ (اللَّطِيفَ) بِواهِبِ بَعْضِها وإنَّما هو تَفْسِيرُ تَمْثِيلٍ لا يَخُصُّ دَلالَةَ الوَصْفِ بِهِ. وفِعْلُ لَطَفَ مِن بابِ نَصَرَ يَتَعَدّى بِالباءِ كَما هُنا وبِاللّامِ كَما في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ﴾ [يوسف: ١٠٠] كَما تَقَدَّمَ في سُورَةِ يُوسُفَ. وتَقَدَّمَ تَحْقِيقُ مَعْنى اسْمِهِ تَعالى اللَّطِيفِ.
(p-٧٢)و(عِبادِهِ) عامٌّ لِجَمِيعِ العِبادِ، وهم نَوْعُ الإنْسانِ لِأنَّهُ جَمْعٌ مُضافٌ.
وجُمْلَةُ ﴿يَرْزُقُ مَن يَشاءُ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ مِنِ اسْمِ الجَلالَةِ، أوْ في مَوْضِعِ خَبَرٍ عَنْهُ.
والرِّزْقُ: إعْطاءُ ما يَنْفَعُ. وهو عِنْدَنا لا يَخْتَصُّ بِالحَلالِ وعِنْدَ المُعْتَزِلَةِ يَخْتَصُّ بِهِ والخِلافُ اصْطِلاحٌ.
والظّاهِرُ: أنَّ المُرادَ هَنا رِزْقُ الدُّنْيا لِأنَّ الكَلامَ تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ: ﴿مَن كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ﴾ [الشورى: ٢٠] .
والمَشِيئَةُ: مَشِيئَةُ تَقْدِيرِ الرِّزْقِ لِكُلِّ أحَدٍ مِنَ العِبادِ لِيَكُونَ عُمُومُ اللُّطْفِ لِلْعِبادِ باقِيًا، فَلا يَكُونُ قَوْلُهُ (مَن يَشاءُ) في مَعْنى التَّكْرِيرِ، إذْ يَصِيرُ هَكَذا: يَرْزُقُ مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ المَلْطُوفِ بِجَمِيعِهِمْ، وما الرِّزْقُ إلّا مِنَ اللُّطْفِ، فَيَصِيرُ بَعْضَ المَعْنى المُفادِ، فَلا جَرَمَ تَعَيَّنَ أنَّ المَشِيئَةَ هُنا مَصْرُوفَةٌ لِمَشِيئَةِ تَقْدِيرِ الرِّزْقِ بِمَقادِيرِهِ.
والمَعْنى: أنَّهُ لِلُطْفِهِ بِجَمِيعِ عِبادِهِ لا يَتْرُكُ أحَدًا مِنهم بِلا رِزْقٍ وأنَّهُ فَضَّلَ بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ في الرِّزْقِ جَرْيًا عَلى مَشِيئَتِهِ.
وهَذا المَعْنى يُثِيرُ مَسْألَةَ الخِلافِ بَيْنَ أئِمَّةِ أُصُولِ الدِّينِ في نِعْمَةِ الكافِرِ، ومِن فُرُوعِها رِزْقُ الكافِرِ. وعَنِ الشَّيْخِ أبِي الحَسَنِ الأشْعَرِيِّ أنَّ الكافِرَ غَيْرُ مُنْعَمٍ عَلَيْهِ نِعْمَةً دُنْيَوِيَّةً لِأنَّ مَلاذَ الكافِرِ اسْتِدْراجٌ لَمّا كانَتْ مُفْضِيَةً إلى العَذابِ في الآخِرَةِ فَكانَتْ غَيْرَ نِعْمَةٍ، ومُرادُهم بِالدُّنْيَوِيَّةِ مُقابِلُ الدِّينِيَّةِ. وكَأنَّ مُرادَ الشَّيْخِ بِهَذا تَحْقِيقُ مَعْنى غَضَبِ اللَّهِ عَلى الكافِرِينَ كَما جاءَ في آياتٍ كَثِيرَةٍ، فَمُرادُهُ: أنَّ الكافِرَ غَيْرُ مُنْعَمٍ عَلَيْهِ نِعْمَةَ رِضًا وكَرامَةً ولَكِنَّها نِعْمَةُ رَحْمَةٍ لِما لَهُ مِنِ انْتِسابِ المَخْلُوقِيَّةِ لِلَّهِ تَعالى.
وقالَ أبُو بَكْرٍ الباقِلّانِيُّ: الكافِرُ مُنْعَمٌ عَلَيْهِ نِعْمَةً دُنْيَوِيَّةً. وقالَتِ المُعْتَزِلَةُ: وهو مُنْعَمٌ عَلَيْهِ نِعْمَةً دُنْيَوِيَّةً ودِينِيَّةً: فالدُّنْيَوِيَّةُ ظاهِرَةٌ، والدِّينِيَّةُ كالقُدْرَةِ عَلى النَّظَرِ المُؤَدِّي إلى مَعْرِفَةِ اللَّهِ.
وهَذِهِ مَسْألَةٌ أرْجَعَ المُحَقِّقُونَ الخِلافَ فِيها إلى اللَّفْظِ والبِناءِ عَلى المُصْطَلَحاتِ (p-٧٣)والِاعْتِباراتِ المُوافِقَةِ لِدَقائِقِ المَذاهِبِ، إذْ لا يُنازِعُ أحَدٌ في نِعْمَةِ المُنَعَّمِينَ مِنهم وقَدْ قالَ تَعالى: ﴿وذَرْنِي والمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ﴾ [المزمل: ١١] .
وعَطْفُ ﴿وهُوَ القَوِيُّ العَزِيزُ﴾ عَلى صِفَةِ لَطِيفٍ أوْ عَلى جُمْلَةِ ﴿يَرْزُقُ مَن يَشاءُ﴾ وهو تَمْجِيدٌ لِلَّهِ تَعالى بِهاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ، ويُفِيدُ الِاحْتِراسَ مِن تَوَهُّمِ أنَّ لُطْفَهُ عَنْ عَجْزٍ أوْ مُصانَعَةٍ، فَإنَّهُ قَوِيٌّ عَزِيزٌ لا يَعْجِزُ ولا يُصانِعُ، أوْ عَنْ تَوَهُّمِ أنَّ رِزْقَهُ لِمَن يَشاءُ عَنْ شُحٍّ أوْ قِلَّةٍ فَإنَّهُ القَوِيُّ، والقَوِيُّ تَنْتَفِي عَنْهُ أسْبابُ الشُّحِّ، والعَزِيزُ يَنْتَفِي عَنْهُ سَبَبُ الفَقْرِ فَرِزْقُهُ لِمَن يَشاءُ بِما يَشاءُ مَنُوطٌ لِحِكْمَةٍ عَلِمَها في أحْوالِ خَلْقِهِ عامَّةً وخاصَّةً، قالَ تَعالى: ﴿ولَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا في الأرْضِ ولَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ﴾ [الشورى: ٢٧] الآيَةَ.
والإخْبارُ عَنِ اسْمِ الجَلالَةِ بِالمُسْنَدِ المُعَرَّفِ بِاللّامِ يُفِيدُ مَعْنى قَصْرِ القُوَّةِ والعِزَّةِ عَلَيْهِ تَعالى، وهو قَصْرُ الجِنْسِ لِلْمُبالَغَةِ لِكَمالِهِ فِيهِ تَعالى حَتّى كَأنَّ قُوَّةَ غَيْرِهِ وعِزَّةَ غَيْرِهِ عَدَمٌ.
{"ayah":"ٱللَّهُ لَطِیفُۢ بِعِبَادِهِۦ یَرۡزُقُ مَن یَشَاۤءُۖ وَهُوَ ٱلۡقَوِیُّ ٱلۡعَزِیزُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق