الباحث القرآني
﴿فاطِرُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾
خَبَرٌ ثانٍ عَنِ الضَّمِيرِ في قَوْلِهِ تَعالى: وهو عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وما بَيْنَهُما اعْتِراضٌ كَما عَلِمْتَ آنِفًا أعْقَبَ بِهِ أنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فَإنَّ خَلْقَ السَّماواتِ والأرْضِ مِن أبْرَزِ آثارِ صِفَةِ القُدْرَةِ المُنْفَرِدِ بِها.
والفاطِرُ: الخالِقُ، وتَقَدَّمَ في أوَّلِ سُورَةِ فاطِرٍ.
* * *
﴿جَعَلَ لَكم مِن أنْفُسِكم أزْواجًا ومِنَ الأنْعامِ أزْواجًا يَذْرَؤُكم فِيهِ﴾
جُمْلَةٌ في مَوْضِعِ الحالِ مِن ضَمِيرِ (فاطِرِ) لِأنَّ مَضْمُونَها حالٌ مِن أحْوالِ (p-٤٤)فَطْرِ السَّماواتِ والأرْضِ. فَإنَّ خَلْقَ الإنْسانِ والأنْعامِ مِن أعْجَبِ أحْوالِ خَلْقِ الأرْضِ.
ويَجُوزُ كَوْنُها خَبَرًا ثالِثًا عَنْ ضَمِيرِ وهو عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
والمَعْنى: قَدَّرَ في تَكْوِينِ نَوْعِ الإنْسانِ أزْواجًا لِأفْرادِهِ، ولَمّا كانَ ذَلِكَ التَّقْدِيرُ مُقارِنًا لِأصْلِ تَكْوِينِ النَّوْعِ جِيءَ فِيهِ بِالفِعْلِ الماضِي.
والخِطابُ في قَوْلِهِ: لَكم لِلنّاسِ كُلِّهِمْ. والخِطابُ التِفاتٌ مِنَ الغَيْبَةِ. واللّامُ لِلتَّعْلِيلِ. وتَقْدِيمُ لَكم عَلى غَيْرِهِ مِن مَعْمُولاتِ جَعَلَ لِيُعْرَفَ أنَّهُ مَعْمُولٌ لِذَلِكَ الفِعْلِ فَلا يُتَوَهَّمُ أنَّهُ صِفَةٌ لِـ أزْواجًا، ولِيَكُونَ التَّعْلِيلُ بِهِ مُلاحَظًا في المَعْطُوفِ بَقَوْلِهِ: ومِنَ الأنْعامِ أزْواجًا.
والأزْواجُ: جَمْعُ زَوْجٍ وهو الَّذِي يَنْضَمُّ إلى فَرْدٍ فَيَصِيرُ كِلاهُما زَوْجًا لِلْآخَرِ والمُرادُ هُنا: الذُّكُورُ والإناثُ مِنَ النّاسِ، أيْ جَعَلَ لِمَجْمُوعِكم أزْواجًا، فَلِلذُّكُورِ أزْواجٌ مِنَ الإناثِ، ولِلنِّساءِ أزْواجٌ مِنَ الرِّجالِ، وذَلِكَ لِأجْلِ الجَمِيعِ لِأنَّ بِذَلِكَ الجَعْلِ حَصَلَتْ لَذَّةُ التَّأنُّسِ ونِعْمَةُ النَّسْلِ.
ومَعْنى (مِن أنْفُسِكم) مِن نَوْعِكم، ومِن بَعْضِكم، كَقَوْلِهِ: فَسَلِّمُوا عَلى أنْفُسِكم وقَوْلِهِ: ﴿ولا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] . وكَوْنُ الأزْواجِ مِن أنْفُسِهِمْ كَمالٌ في النِّعْمَةِ لِأنَّهُ لَوْ جَعَلَ أحَدَ الزَّوْجَيْنِ مِن نَوْعٍ آخَرَ لَفاتَ نَعِيمُ الأُنْسِ، وأمّا زَعْمُ العَرَبِ في الجاهِلِيَّةِ أنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَتَزَوَّجُ جِنِّيَّةً أوْ غُولًا فَذَلِكَ مِنَ التَّكاذِيبِ وتَخَيُّلاتِ بَعْضِهِمْ، ورُبَّما عَرَضَ لِبَعْضِ النّاسِ خَبالٌ في العَقْلِ خاصٌّ بِذَلِكَ فَتَخَيَّلَ ذَلِكَ وتَحَدَّثَ بِهِ فَراجَ عَنْ كُلِّ أبْلَهَ.
وقَوْلُهُ: ﴿ومِنَ الأنْعامِ أزْواجًا﴾ عَطْفٌ عَلى (أزْواجًا) الأوَّلِ فَهو كَمَفْعُولٍ لِـ (جَعَلَ) والتَّقْدِيرُ: وجَعَلَ مِنَ الأنْعامِ أزْواجًا، أيْ جَعَلَ مِنها أزْواجًا بَعْضَها لِبَعْضٍ. وفائِدَةُ ذِكْرِ أزْواجِ الأنْعامِ دُونَ أزْواجِ الوَحْشِ: أنَّ في أنْواعِ الأنْعامِ فائِدَةً لِحَياةِ الإنْسانِ لِأنَّها تَعِيشُ مَعَهُ ولا تَنْفِرُ مِنهُ، ويَنْتَفِعُ بِألْبانِها، وأصْوافِها، ولُحُومِها، ونَسْلِها، وعَمَلِها مِن حَمْلٍ وحَرْثٍ، فَبِجَعْلِها أزْواجًا حَصَلَ مُعْظَمُ نَفْعِها لِلْإنْسانِ.
(p-٤٥)والذَّرْءُ: بَثُّ الخَلْقِ وتَكْثِيرُهُ، فَفِيهِ مَعْنى تَوالِي الطَّبَقاتِ عَلى مَرِّ الزَّمانِ إذْ لا مَنفَعَةَ لِلنّاسِ مِن أزْواجِ الأنْعامِ بِاعْتِبارِها أزْواجًا سِوى ما يَحْصُلُ مِن نَسْلِها.
وضَمِيرُ الخِطابِ في قَوْلِهِ (يَذْرَؤُكم) لِلْمُخاطَبِينَ بَقَوْلِهِ (جَعَلَ لَكم) . ومُرادُ شُمُولِهِ لِجَعْلِ أزْواجٍ مِنَ الأنْعامِ المُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ؛ لِأنَّ ذِكْرَ أزْواجِ الأنْعامِ لَمْ يَكُنْ هَمَلًا بَلْ مُرادًا مِنهُ زِيادَةُ المِنَّةِ فَإنَّ ذَرْءَ نَسْلِ الإنْسانِ نِعْمَةٌ لِلنّاسِ وذَرْءَ نَسْلِ الأنْعامِ نِعْمَةٌ أُخْرى لِلنّاسِ، ولِذَلِكَ اكْتَفى بِذِكْرِ الأزْواجِ في جانِبِ الأنْعامِ عَنْ ذِكْرِ الذَّرْءِ إذْ لا مَنفَعَةَ لِلنّاسِ في تَزاوُجِ الأنْعامِ سِوى ما يَحْصُلُ مِن نَسْلِها.
وإذْ كانَ الضَّمِيرُ ضَمِيرَ جَماعَةِ العُقَلاءِ وكانَ ضَمِيرَ خِطابٍ في حِينِ أنَّ الأنْعامَ لَيْسَتْ عُقَلاءَ ولا مُخاطَبَةً، فَقَدْ جاءَ في ذَلِكَ الضَّمِيرِ تَغْلِيبُ العُقَلاءِ إذْ لَمْ يُذْكَرْ ضَمِيرٌ صالِحٌ لِلْعُقَلاءِ وغَيْرِهِمْ كَأنْ يُقالَ: يَذَراكِ بِكَسْرِ الكافِ عَلى تَأْوِيلِ إرادَةِ خِطابِ الجَماعَةِ.
وجاءَ فِيهِ تَغْلِيبُ الخِطابِ عَلى الغَيْبَةِ، فَقَدْ جاءَ فِيهِ تَغْلِيبانِ. وهو تَغْلِيبٌ دَقِيقٌ؛ إذِ اجْتَمَعَ في لَفْظٍ واحِدٍ نَوْعانِ مِنَ التَّغْلِيبِ كَما أشارَ إلَيْهِ الكَشّافُ والسَّكّاكِيُّ في مَبْحَثِ التَّغْلِيبِ مِنَ المِفْتاحِ.
وضَمِيرُ (فِيهِ) عائِدٌ إلى الجَعْلِ المَفْهُومِ مِن قَوْلِهِ (جَعَلَ لَكم) أيْ في الجَعْلِ المَذْكُورِ عَلى حَدِّ قَوْلِهِ: اعْدِلُوا هو أقْرَبُ لِلتَّقْوى.
وجِيءَ بِالمُضارِعِ في (يَذْرَؤُكم) لِإفادَةِ التَّجَدُّدِ، والتَّجَدُّدُ أنْسَبُ بِالِامْتِنانِ.
وحَرْفُ (في) مُسْتَعارٌ لِمَعْنى السَّبَبِيَّةِ تَشْبِيهًا لِلسَّبَبِ بِالظَّرْفِ في احْتِوائِهِ عَلى مُسَبَّباتِهِ كاحْتِواءِ المَنبَعِ عَلى مائِهِ والمَعْدِنِ عَلى تُرابِهِ ومِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ولَكم في القِصاصِ حَياةٌ.
* * *
﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهْوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾
خَبَرٌ ثالِثٌ أوْ رابِعٌ عَنِ الضَّمِيرِ في قَوْلِهِ: ﴿وهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الشورى: ٩] . ومَوْقِعُ هَذِهِ الجُمْلَةِ كالنَّتِيجَةِ لِلدَّلِيلِ فَإنَّهُ لَمّا قَدَّمَ ما هو نِعَمٌ عَظِيمَةٌ تَبَيَّنَ أنَّ اللَّهَ لا يُماثِلُهُ (p-٤٦)شَيْءٌ مِنَ الأشْياءِ في تَدْبِيرِهِ وإنْعامِهِ.
ومَعْنى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ لَيْسَ مِثْلَهُ شَيْءٌ، فَأُقْحِمَتْ كافُ التَّشْبِيهِ عَلى (مِثْلِ) وهي بِمَعْناهُ لِأنَّ مَعْنى المِثْلِ هو التَّشْبِيهُ، فَتَعَيَّنَ أنَّ الكافَ مُفِيدَةٌ تَأْكِيدًا لِمَعْنى المِثْلِ، وهو مِنَ التَّأْكِيدِ اللَّفْظِيِّ بِاللَّفْظِ المُرادِفِ مِن غَيْرِ جِنْسِهِ، وحَسَّنَهُ أنَّ المُؤَكَّدَ اسْمٌ فَأشْبَهَ مَدْخُولَ كافِ التَّشْبِيهِ المُخالِفِ لِمَعْنى الكافِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ الثِّقَلُ الَّذِي في قَوْلِ خِطامٍ المُجاشِعِيِّ:
؎وصالِياتٍ كَكَما يُؤَثْفَيْنْ
وإذْ قَدْ كانَ المَثَلُ واقِعًا في حَيِّزِ النَّفْيِ فالكافُ تَأْكِيدٌ لِنَفْيِهِ فَكَأنَّهُ نَفى المِثْلَ عَنْهُ تَعالى بِجُمْلَتَيْنِ تَعْلِيمًا لِلْمُسْلِمِينَ كَيْفَ يُبْطِلُونَ مُماثَلَةَ الأصْنامِ لِلَّهِ تَعالى.
وهَذا الوَجْهُ هو رَأْيُ ثَعْلَبٍ وابْنِ جِنِّيٍّ والزَّجّاجِ والرّاغِبِ وأبِي البَقاءِ وابْنِ عَطِيَّةَ.
وجَعَلَهُ في الكَشّافِ وجْهًا ثانِيًا، وقَدَّمَ قَبْلَهُ أنْ تَكُونَ الكافُ غَيْرَ مَزِيدَةٍ، وأنَّ التَّقْدِيرَ: لَيْسَ شَبِيهَ مِثْلِهِ شَيْءٌ. والمُرادُ: لَيْسَ شِبْهَ ذاتِهِ شَيْءٌ، فَأثْبَتَ لِذاتِهِ مِثْلًا ثُمَّ نَفى عَنْ ذَلِكَ المِثْلِ أنْ يَكُونَ لَهُ مُماثِلٌ كِنايَةً عَنْ نَفْيِ المُماثِلِ لِذاتِ اللَّهِ تَعالى، أيْ بِطَرِيقِ لازِمِ اللّازِمِ لِأنَّهُ إذا نَفى المِثْلَ عَنْ مِثْلِهِ فَقَدِ انْتَفى المِثْلُ عَنْهُ إذْ لَوْ كانَ لَهُ مِثْلٌ لَمّا اسْتَقامَ قَوْلُكَ: لَيْسَ شَيْءٌ مِثْلَ مِثْلِهِ. وجَعَلَهُ مِن بابِ قَوْلِ العَرَبِ: فُلانٌ قَدْ أيْفَعَتْ لِداتُهُ، أيْ أيْفَعَ هو فَكُنِّيَ بِإيفاعِ لِداتِهِ عَنْ إيفاعِهِ.
وقَوْلِ رُقَيْقَةَ بِنْتِ صَيْفِيٍّ في حَدِيثِ سُقْيا عَبْدِ المُطَّلِبِ: ألا وفِيهِمُ الطَّيِّبُ الطّاهِرُ لِداتُهُ، أيْ ويَكُونُ مَعَهُمُ الطَّيِّبُ الطّاهِرُ يَعْنِي النَّبِيءَ ﷺ .
وتَبِعَهُ عَلى ذَلِكَ ابْنِ المُنِيرِ في الِانْتِصافِ. وبَعْضُ العُلَماءِ يَقُولُ: هو كَقَوْلِكَ لَيْسَ لِأخِي زَيْدٍ أخٌ، تُرِيدُ نَفْيَ أنْ يَكُونَ لِزَيْدٍ أخٌ لِأنَّهُ لَوْ كانَ لِزَيْدٍ أخٌ لَكانَ زَيْدٌ أخًا (p-٤٧)لِأخِيهِ فَلَمّا نَفَيْتَ أنْ يَكُونَ لِأخِيهِ أخٌ فَقَدْ نَفَيْتَ أنْ يَكُونَ لِزَيْدٍ أخٌ، ولا يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلى هَذا لِما في ذَلِكَ مِنَ التَّكَلُّفِ والإبْهامِ وكِلاهُما مِمّا يَنْبُو عَنْهُ المَقامُ.
وقَدْ شَمِلَ نَفْيُ المُماثَلَةِ إبْطالَ ما نَسَبُوا لِلَّهِ البَناتِ وهو مُناسَبَةُ وُقُوعِهِ عَقِبَ قَوْلِهِ: جَعَلَ لَكم مِن أنْفُسِكم أزْواجًا الآيَةَ.
وحَدِيثُ سُقْيا عَبْدِ المُطَّلِبِ، أيْ خَبَرُ اسْتِسْقائِهِ لِقُرَيْشٍ أنَّ رُقَيْقَةَ بِنْتَ أبِي صَيْفِيٍّ قالَتْ: تَتابَعَتْ عَلى قُرَيْشٍ سُنُونَ أقْحَلَتِ الضَّرْعَ وأدَقَّتِ العَظْمَ، فَبَيْنا أنا نائِمَةٌ إذا هاتِفٌ يَهْتِفُ: (يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنَّ هَذا النَّبِيءَ المَبْعُوثَ مِنكم قَدْ أظَلَّتْكم أيّامُهُ ألا فانْظُرُوا رَجُلًا مِنكم وسِيطًا عِظامًا جِسامًا أبْيَضَ أوْطَفَ الأهْدابِ سَهْلَ الخَدَّيْنِ أشَمَّ العِرْنِينِ فَلْيُخْلِصْ هو ووَلَدُهُ، ألا وفِيهِمُ الطَّيِّبُ الطّاهِرُ لِداتُهُ ولِيَهْبِطْ إلَيْهِ مِن كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ فَلْيَشُنُّوا مِنَ الماءِ ولْيَمَسُّوا مِنَ الطِّيبِ ثُمَّ لْيَرْتَقُوا أبا قُبَيْسٍ فَلْيَسْتَسْقِ الرَّجُلُ ولْيُؤَمِّنُوا فَعِثْتُمْ ما شِئْتُمْ) إلَخْ. قالُوا: وكانَ مَعَهُمُ النَّبِيءُ ﷺ وهو يَوْمَئِذٍ غُلامٌ.
واعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَفَتْ أنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مِنَ المَوْجُوداتِ مِثْلًا لِلَّهِ تَعالى. والمِثْلُ يُحْمَلُ عِنْدَ إطْلاقِهِ عَلى أكْمَلِ أفْرادِهِ، قالَ فَخْرُ الدِّينِ: (المِثْلانِ هُما: اللَّذانِ يَقُومُ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما مَقامَ الآخَرِ في حَقِيقَتِهِ وماهِيَّتِهِ) اهـ. فَلا يُسَمّى مِثْلًا حَقًّا إلّا المُماثِلُ في الحَقِيقَةِ والماهِيَّةِ وأجْزائِها ولَوازِمِها دُونَ العَوارِضِ، فالآيَةُ نَفَتْ أنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنَ المَوْجُوداتِ مُماثِلًا لِلَّهِ تَعالى في صِفاتِ ذاتِهِ؛ لِأنَّ ذاتَ اللَّهِ تَعالى لا يُماثِلُها ذَواتُ المَخْلُوقاتِ، ويَلْزَمُ مِن ذَلِكَ أنَّ كُلَّ ما ثَبَتَ لِلْمَخْلُوقاتِ في مَحْسُوسِ ذَواتِها فَهو مُنْتَفٍ عَنْ ذاتِ اللَّهِ تَعالى.
وبِذَلِكَ كانَتْ هَذِهِ الآيَةُ أصْلًا في تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعالى عَنِ الجَوارِحِ والحَواسِّ والأعْضاءِ عِنْدَ أهْلِ التَّأْوِيلِ، والَّذِينَ أثْبَتُوا لِلَّهِ تَعالى ما ورَدَ في القُرْآنِ مِمّا نُسَمِّيهِ بِالمُتَشابِهِ فَإنَّما أثْبَتُوهُ مَعَ التَّنْزِيهِ عَنْ ظاهِرِهِ إذْ لا خِلافَ في إعْمالِ قَوْلِهِ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وأنَّهُ لا شَبِيهَ لَهُ ولا نَظِيرَ لَهُ.
وإذْ قَدِ اتَّفَقْنا عَلى هَذا الأصْلِ لَمْ يَبْقَ خِلافٌ في تَأْوِيلِ النُّصُوصِ المُوهِمَةِ (p-٤٨)التَّشْبِيهَ، إلّا أنَّ تَأْوِيلَ سَلَفِنا كانَ تَأْوِيلًا جُمْلِيًّا، وتَأْوِيلَ خَلَفِهِمْ كانَ تَأْوِيلًا تَفْصِيلِيًّا كَتَأْوِيلِهِمُ اليَدَ بِالقُدْرَةِ، والعَيْنَ بِالعِلْمِ، وبَسْطَ اليَدَيْنِ بِالجُودِ، والوَجْهَ بِالذّاتِ، والنُّزُولَ بِتَمْثِيلِ حالِ الإجابَةِ والقَبُولِ بِحالِ نُزُولِ المُرْتَفِعِ مِن مَكانِهِ المُمْتَنِعِ إلى حَيْثُ يَكُونُ سائِلُوهُ لِيُنِيلَهم ما سَألُوهُ. ولِهَذا قالُوا: طَرِيقَةُ السَّلَفِ أسْلَمُ وطَرِيقَةُ الخَلَفِ أعْلَمُ.
ولَمّا أفادَ قَوْلُهُ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ صِفاتِ السُّلُوبِ أعْقَبَ بِإثْباتِ صِفَةِ العِلْمِ لِلَّهِ تَعالى وهي مِنَ الصِّفاتِ المَعْنَوِيَّةِ وذَلِكَ بِوَصْفِهِ بِـ السَّمِيعُ البَصِيرُ الدّالَّيْنِ عَلى تَعَلُّقِ عِلْمِهِ بِالمَوْجُوداتِ مِنَ المَسْمُوعاتِ والمُبْصَراتِ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ نَفْيَ مُماثَلَةِ الأشْياءِ لِلَّهِ تَعالى لا يُتَوَهَّمُ مِنهُ أنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنْ الِاتِّصافِ بِما اتَّصَفَتْ بِهِ المَخْلُوقاتُ مِن أوْصافِ الكَمالِ المَعْنَوِيَّةِ كالحَياةِ والعِلْمِ ولَكِنْ صِفاتُ المَخْلُوقاتِ لا تُشْبِهُ صِفاتِهِ تَعالى في كَمالِها لِأنَّها في المَخْلُوقاتِ عارِضَةٌ، وهي واجِبَةٌ لِلَّهِ تَعالى في مُنْتَهى الكَمالِ، فَكَوْنُهُ تَعالى سَمِيعًا وبَصِيرًا مِن جُمْلَةِ الصِّفاتِ الدّاخِلَةِ تَحْتَ ظِلالِ التَّأْوِيلِ بِالحَمْلِ عَلى عُمُومِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ فَلَمْ يَقْتَضِيا جارِحَتَيْنِ.
ولَقَدْ كانَ تَعْقِيبُ قَوْلِهِ ذَلِكَ بِهِما شَبِيهًا بِتَعْقِيبِ المَسْألَةِ بِمِثالِها.
{"ayah":"فَاطِرُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَ ٰجࣰا وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَـٰمِ أَزۡوَ ٰجࣰا یَذۡرَؤُكُمۡ فِیهِۚ لَیۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَیۡءࣱۖ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق