الباحث القرآني
﴿وجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِن فَوْقِها وبارَكَ فِيها وقَدَّرَ فِيها أقْواتَها في أرْبَعَةِ أيّامٍ سَواءً لِلسّائِلِينَ﴾ .
عَطْفٌ عَلى فِعْلِ الصِّلَةِ لا عَلى مَعْمُولِ الفِعْلِ، فَجُمْلَةُ ﴿وجَعَلَ فِيها رَواسِيَ﴾ إلَخْ صِلَةٌ ثانِيَةٌ في المَعْنى، ولِذَلِكَ جِيءَ بِفِعْلٍ آخَرَ غَيْرِ فِعْلِ خَلَقَ لِأنَّ هَذا الجَعْلَ تَكْوِينٌ آخَرُ حَصَلَ بَعْدَ خَلْقِ الأرْضِ وهو خَلْقُ أجْزاءٍ تَتَّصِلُ بِها إمّا مِن جِنْسِها كالجِبالِ وإمّا مِن غَيْرِ جِنْسِها كالأقْواتِ ولِذَلِكَ أعْقَبَ بِقَوْلِهِ ﴿فِي أرْبَعَةِ أيّامٍ﴾ بَعْدَ قَوْلِهِ ﴿فِي يَوْمَيْنِ﴾ [فصلت: ٩] .
والرَّواسِي: الثَّوابِتُ، وهو صِفَةٌ لِلْجِبالِ لِأنَّ الجِبالَ حِجارَةٌ لا تَنْتَقِلُ بِخِلافِ الرِّمالِ والكُثْبانِ، وهي كَثِيرَةٌ في بِلادِ العَرَبِ. وحُذِفَ المَوْصُوفُ لِدَلالَةِ الصِّفَةِ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿ومِن آياتِهِ الجَوارِي في البَحْرِ﴾ [الشورى: ٣٢] أيِ السُّفُنُ الجَوارِي. وقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وجَعَلْنا في الأرْضِ رَواسِيَ أنْ تَمِيدَ بِهِمْ﴾ [الأنبياء: ٣١] في سُورَةِ الأنْبِياءِ.
(p-٢٤٤)ووَصْفُ الرَّواسِي بِـ ﴿مِن فَوْقِها﴾ لِاسْتِحْضارِ الصُّورَةِ الرّائِعَةِ لِمَناظِرِ الجِبالِ، فَمِنها الجَمِيلُ المَنظَرِ المُجَلَّلُ بِالخُضْرَةِ أوِ المَكْسُوُّ بِالثُّلُوجِ، ومِنها الرَّهِيبُ المَرْأى مِثْلَ جِبالِ النّارِ البَراكِينِ، والجِبالِ المَعْدِنِيَّةِ السُّودِ.
وبارَكَ فِيها جَعَلَ فِيها البَرَكَةَ. والبَرَكَةُ: الخَيْرُ النّافِعُ، وفي الأرْضِ خَيْراتٌ كَثِيرَةٌ فِيها رِزْقُ الإنْسانِ وماشِيَتِهِ، وفِيها التُّرابُ والحِجارَةُ والمَعادِنُ، وكُلُّها بَرَكاتٌ.
وقَدَّرَ جَعَلَ قَدْرًا، أيْ مِقْدارًا، قالَ تَعالى ﴿قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطلاق: ٣]، والمِقْدارُ: النِّصابُ المَحْدُودُ بِالنَّوْعِ أوِ الكَمِّيَّةِ، فَمَعْنى ﴿قَدَّرَ فِيها أقْواتَها﴾ أنَّهُ خَلَقَ في الأرْضِ القُوى الَّتِي تَنْشَأُ مِنها الأقْواتُ وخَلَقَ أُصُولَ أجْناسِ الأقْواتِ وأنْواعَها مِنَ الحَبِّ لِلْحُبُوبِ، والكَلَأِ والكَمْأةِ، والنَّوى لِلثِّمارِ، والحَرارَةِ الَّتِي يَتَأثَّرُ بِها تَوَلُّدُ الحَيَوانِ مِنَ الدَّوابِّ والطَّيْرِ، وما يَتَوَلَّدُ مِنهُ الحِيتانُ ودَوابُّ البِحارِ والأنْهارِ.
ومِنَ التَّقْدِيرِ: تَقْدِيرُ كُلِّ نَوْعٍ بِما يَصْلُحُ لَهُ مِنَ الأوْقاتِ مِن حَرٍّ أوْ بَرْدٍ أوِ اعْتِدالٍ. وأشارَ إلى ذَلِكَ قَوْلُهُ ﴿واللَّهُ أنْبَتَكم مِنَ الأرْضِ نَباتًا﴾ [نوح: ١٧] ويَأْتِي القَوْلُ فِيهِ، وقَوْلُهُ ﴿وجَعَلَ لَكم سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ﴾ [النحل: ٨١] وقَوْلُهُ ﴿وجَعَلَ لَكم مِن جُلُودِ الأنْعامِ بُيُوتًا﴾ [النحل: ٨٠] الآيَةَ.
وجَمْعُ الأقْواتِ مُضافًا إلى ضَمِيرِ الأرْضِ يُفِيدُ العُمُومَ، أيْ جَمِيعُ أقْواتِها وعُمُومُهُ بِاعْتِبارِ تَعَدُّدِ المُقْتاتِينَ، فَلِلدَّوابِّ أقْواتٌ، ولِلطَّيْرِ أقْواتٌ، ولِلْوُحُوشِ أقْواتٌ، ولِلزَّواحِفِ أقْواتٌ، ولِلْحَشَراتِ أقْواتٌ، وجُعِلَ لِلْإنْسانِ جَمِيعُ تِلْكَ الأقْواتِ مِمّا اسْتَطابَ مِنها كَما أفادَهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكم ما في الأرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة: ٢٩] ومَضى الكَلامُ عَلَيْهِ في سُورَةِ البَقَرَةِ.
وقَوْلُهُ ﴿فِي أرْبَعَةِ أيّامٍ﴾ فَذْلَكَةٌ لِمَجْمُوعِ مُدَّةِ خَلْقِ الأرْضِ جِرْمِها، وما عَلَيْها مِن رَواسِيَ، وما فِيها مِنَ القُوى، فَدَخَلَ في هَذِهِ الأرْبَعَةِ الأيّامِ اليَوْمانِ اللَّذانِ في قَوْلِهِ ﴿فِي يَوْمَيْنِ﴾ [فصلت: ١٢] فَكَأنَّهُ قِيلَ: في يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ فَتِلْكَ أرْبَعَةُ أيّامٍ، فَقَوْلُهُ ﴿فِي أرْبَعَةِ أيّامٍ﴾ فَذْلَكَةٌ، وعُدِلَ عَنْ ذَلِكَ إلى ما في نَسْجِ الآيَةِ لِقَصْدِ الإيجازِ (p-٢٤٥)واعْتِمادًا عَلى ما يَأْتِي بَعْدَهُ مِن قَوْلِهِ ﴿فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ في يَوْمَيْنِ﴾ [فصلت: ١٢]، فَلَوْ كانَ اليَوْمانِ اللَّذانِ قَضى فِيهِما خَلْقَ السَّماواتِ زائِدَيْنِ عَلى سِتَّةِ أيّامٍ انْقَضَتْ في خَلْقِ الأرْضِ وما عَلَيْها لَصارَ مَجْمُوعُ الأيّامِ ثَمانِيَةً، وذَلِكَ يُنافِي الإشارَةَ إلى عِدَّةِ أيّامِ الأُسْبُوعِ، فَإنَّ اليَوْمَ السّابِعَ يَوْمُ فَراغٍ مِنَ التَّكْوِينِ. وحِكْمَةُ التَّمْدِيدِ لِلْخَلْقِ أنْ يَقَعَ عَلى صِفَةٍ كامِلَةٍ مُتَناسِبَةٍ.
(﴿وسَواءٌ﴾ [يس: ١٠]) قَرَأهُ الجُمْهُورُ بِالنَّصْبِ عَلى الحالِ مِن أيّامٍ أيْ كامِلَةً لا نَقْصَ فِيها ولا زِيادَةَ. وقَرَأهُ أبُو جَعْفَرٍ مَرْفُوعًا عَلى الِابْتِداءِ بِتَقْدِيرِ: هي سَواءٌ. وقَرَأهُ يَعْقُوبُ مَجْرُورًا عَلى الوَصْفِ لِأيّامٍ.
ولِلسّائِلِينَ يَتَنازَعُهُ كُلٌّ مِن أفْعالِ ”جَعَلَ، وبارَكَ، وقَدَّرَ“ فَيَكُونُ لِلسّائِلِينَ جَمْعُ سائِلٍ بِمَعْنى الطّالِبِ لِلْمَعْرِفَةِ، ويَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِمَحْذُوفٍ، أيْ بَيَّنّا ذَلِكَ لِلسّائِلِينَ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ (لِلسّائِلِينَ) مُتَعَلِّقًا بِفِعْلِ ﴿قَدَّرَ فِيها أقْواتَها﴾ فَيَكُونُ المُرادُ بِالسّائِلِينَ الطّالِبِينَ لِلْقُوتِ.
{"ayah":"وَجَعَلَ فِیهَا رَوَ ٰسِیَ مِن فَوۡقِهَا وَبَـٰرَكَ فِیهَا وَقَدَّرَ فِیهَاۤ أَقۡوَ ٰتَهَا فِیۤ أَرۡبَعَةِ أَیَّامࣲ سَوَاۤءࣰ لِّلسَّاۤىِٕلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق