الباحث القرآني
﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أكْبَرُ مِن مَقْتِكم أنْفُسَكم إذْ تُدْعَوْنَ إلى الإيمانِ فَتَكْفُرُونَ﴾ .
مُقابَلَةُ سُؤالِ المَلائِكَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالنَّعِيمِ الخالِصِ يَوْمَ القِيامَةِ بِما يُخاطَبُ بِهِ المُشْرِكُونَ يَوْمَئِذٍ مِنَ التَّوْبِيخِ والتَّنْدِيمِ وما يُراجَعُونَ بِهِ مِن طَلَبِ العَفْوِ مُؤْذِنَةٌ بِتَقْدِيرِ مَعْنى الوَعْدِ بِاسْتِجابَةِ دُعاءِ المَلائِكَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَطَيُّ ذِكْرِ ذَلِكَ ضَرْبٌ مِنَ الإيجازِ.
والِانْتِقالُ مِنهُ إلى بَيانِ ما سَيَحِلُّ بِالمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ ضَرْبٌ مِنَ الأُسْلُوبِ الحَكِيمِ لِأنَّ قَوْلَهُ ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ﴾ الآياتِ مُسْتَأْنَفٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا كَأنَّ سائِلًا (p-٩٥)سَألَ عَنْ تَقَبُّلِ دُعاءِ المَلائِكَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ فَأُجِيبَ بِأنَّ الأهَمَّ أنْ يَسْألَ عَنْ ضِدِّ ذَلِكَ، وفي هَذا الأُسْلُوبِ إيماءٌ ورَمْزٌ إلى أنَّ المُهِمَّ مِن هَذِهِ الآياتِ كُلِّها هو مَوْعِظَةُ أهْلِ الشِّرْكِ رُجُوعًا إلى قَوْلِهِ ”﴿وكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِماتُ رَبِّكَ عَلى الَّذِينَ كَفَرُوا أنَّهم أصْحابُ النّارِ﴾ [غافر: ٦]“، والمُرادُ بِ (الَّذِينَ كَفَرُوا) هُنا مُشْرِكُو أهِلِ مَكَّةَ، فَإنَّهُمُ المَقْصُودُ بِهَذِهِ الأخْبارِ كَما تَقَدَّمَ آنِفًا في قَوْلِهِ ﴿ويَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [غافر: ٧] .
والمَعْنى: أنَّهم يُنادِيهِمُ المَلائِكَةُ تَبْلِيغًا عَنْ رَبِّ العِزَّةِ، قالَ تَعالى ﴿أُولَئِكَ يُنادَوْنَ مِن مَكانٍ بَعِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٤] وهو بُعْدٌ عَنْ مَرْتَبَةِ الجَلالِ، أيْ يُنادَوْنَ وهم في جَهَنَّمَ كَما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﴿فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِن سَبِيلٍ﴾ [غافر: ١١] .
واللّامُ في ﴿لَمَقْتُ اللَّهِ﴾ لامُ القَسَمِ. والمَقْتُ: شِدَّةُ البُغْضِ.
و(إذْ تُدْعَوْنَ) ظَرْفٌ لِ ﴿مَقْتِكم أنْفُسَكُمْ﴾ .
و(إذْ) ظَرْفٌ لِلزَّمَنِ الماضِي، أيْ حِينَ كُنْتُمْ تُدْعَوْنَ إلى الإيمانِ عَلى لِسانِ الرَّسُولِ ﷺ وذَلِكَ في الدُّنْيا بِقَرِينَةِ (تُدْعَوْنَ)، وجِيءَ بِالمُضارِعِ في تُدْعَوْنَ وتَكْفُرُونَ لِلدَّلالَةِ عَلى تَكَرُّرِ دَعْوَتِهِمْ إلى الإيمانِ وتَكَرُّرَ كُفْرِهِمْ، أيْ تَجَدُّدِهِ.
ومَعْنى (﴿مَقْتِكم أنْفُسَكُمْ﴾) حِينَئِذٍ أنَّهم فَعَلُوا لِأنْفُسِهِمْ ما يُشْبِهُ المَقْتَ إذْ حَرَمُوها مِن فَضِيلَةِ الإيمانِ ومَحاسِنِ شَرائِعِهِ ورَضُوا لِأنْفُسِهِمْ دِينَ الكُفْرِ بَعْدَ أنْ أُوقِظُوا عَلى ما فِيهِ مِن ضَلالٍ ومَغَبَّةِ سُوءٍ، فَكانَ فِعْلُهم ذَلِكَ شَبِيهًا بِفِعْلِ المَرْءِ لِبَغِيضِهِ مِنَ الضُّرِّ والكَيْدِ، وهَذا كَما يُقالُ: فُلانٌ عَدُوُّ نَفْسِهِ. وفي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ «أنْ عُمَرَ قالَ لِنِساءٍ مِن قُرَيْشٍ يَسْألْنَ النَّبِيءَ ﷺ ويَسْتَكْثِرْنَ فَلَمّا دَخَلَ عُمَرُ ابْتَدَرْنَ الحِجابَ فَقالَ لَهُنَّ يا عَدُوّاتِ أنْفُسِهِنَّ أتَهَبْنَنِي ولا تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ» ﷺ .
فالمَقْتُ مُسْتَعارٌ لِقِلَّةِ التَّدَبُّرِ فِيما يَضُرُّ. وقَدْ أشارَ إلى وجْهِ هَذِهِ الِاسْتِعارَةِ قَوْلُهُ ﴿إذْ تُدْعَوْنَ إلى الإيمانِ فَتَكْفُرُونَ﴾ فَمَناطُ الكَلامِ هو (فَتَكْفُرُونَ) وفي ذِكْرِ (يُنادَوْنَ) ما يَدُلُّ عَلى كَلامٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَمْقَتُهُمُ اللَّهُ ويُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ إلَخْ.
(p-٩٦)ومَعْنى (مَقْتُ اللَّهِ): بُغْضُهُ إيّاهم وهو مَجازٌ مُرْسَلٌ أُطْلِقَ عَلى المُعامَلَةِ بِآثارِ البُغْضِ مِنَ التَّحْقِيرِ والعِقابِ فَهو أقْرَبُ إلى حَقِيقَةِ البُغْضِ لِأنَّ المُرادَ بِهِ أثَرُهُ وهو المُعامَلَةُ بِالنَّكالِ، وهو شائِعٌ شُيُوعَ نَظائِرِهِ مِمّا يُضافُ إلى اللَّهِ مِمّا تَسْتَحِيلُ حَقِيقَتُهُ عَلَيْهِ، وهَذا الخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ في التَّوْبِيخِ والتَّنْدِيمِ.
و(أكْبَرُ) بِمَعْنى أشَدَّ وأخْطَرَ أثَرًا، فَإطْلاقُ الكِبَرِ عَلَيْهِ مَجازٌ لِأنَّ الكِبَرَ مِن أوْصافِ الأجْسامِ لَكِنَّهُ شاعَ إطْلاقُهُ عَلى القُوَّةِ في المَعانِي. ولَمّا كانَ مَقْتُهم أنْفُسَهم حَرَمَهم مِنَ الإيمانِ الَّذِي هو سَبَبُ النَّجاةِ والصَّلاحِ وكانَ غَضَبُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أوْقَعَهم في العَذابِ كانَ مَقْتُ اللَّهِ إيّاهم أشَدَّ وأنْكى مِن مَقْتِهِمْ أنْفُسَهم لِأنَّ شِدَّةَ الإيلامِ أقْوى مِنَ الحِرْمانِ مِنَ الخَيْرِ.
والمَقْتُ الأوَّلُ قَرِيبٌ مِن قَوْلِهِ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ﴾ [البقرة: ١٦]، والمَقْتُ الثّانِي قَرِيبٌ مِن قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولا يَزِيدُ الكافِرِينَ كُفْرُهم عِنْدَ رَبِّهِمْ إلّا مَقْتًا﴾ [فاطر: ٣٩] وهو مَقْتُ العَذابِ. هَذا هو الوَجْهُ في تَفْسِيرِ الآيَةِ المُلاقِي لِتَناسُقِ نَظْمِها، ولِلْمُفَسِّرِينَ فِيها وُجُوهٌ أُخَرُ تَدْنُو وتَبْعُدُ مِمّا ذَكَرْنا فاسْتَعْرِضْها واحْكم فِيها.
و(أنْفُسَكم) يَتَنازَعُهُ مَقْتُ اللَّهِ، و(مَقْتِكم) فَهو مَفْعُولُ المَصْدَرَيْنِ المُضافَيْنِ إلى فاعِلَيْهِما.
وبُنِيَ فِعْلُ (تُدْعَوْنَ) إلى النّائِبِ لِلْعِلْمِ بِالفاعِلِ لِظُهُورِ أنَّ الدّاعِيَ هو الرَّسُولُ ﷺ أوِ الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ.
وتَفْرِيعُ (فَتَكْفُرُونَ) بِالفاءِ عَلى (تُدْعَوْنَ) يُفِيدُ أنَّهم أعْقَبُوا الدَّعْوَةَ بِالكُفْرِ، أيْ بِتَجْدِيدِ كُفْرِهِمُ السّابِقِ وبِإعْلانِهِ أيْ دُونَ أنْ يَتَمَهَّلُوا مُهْلَةَ النَّظَرِ والتَّدَبُّرِ فِيما دُعُوا إلَيْهِ.
{"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ یُنَادَوۡنَ لَمَقۡتُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُ مِن مَّقۡتِكُمۡ أَنفُسَكُمۡ إِذۡ تُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلۡإِیمَـٰنِ فَتَكۡفُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق