الباحث القرآني
(p-١٧٣)﴿إنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ في الأرْضِ قالُوا ألَمْ تَكُنْ أرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولَئِكَ مَأْواهم جَهَنَّمُ وساءَتْ مَصِيرًا﴾ ﴿إلّا المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ والوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً ولا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا﴾ ﴿فَأُولَئِكَ عَسى اللَّهُ أنْ يَعْفُوَ عَنْهم وكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ .
فَلَمّا جاءَ ذِكْرُ القاعِدِينَ عَنِ الجِهادِ مِنَ المُؤْمِنِينَ بِعُذْرٍ وبِدُونِهِ، في الآيَةِ السّالِفَةِ، كانَ حالُ القاعِدِينَ عَنْ إظْهارِ إسْلامِهِمْ مِنَ الَّذِينَ عَزَمُوا عَلَيْهِ بِمَكَّةَ، أوِ اتَّبَعُوهُ ثُمَّ صَدَّهم أهْلُ مَكَّةَ عَنْهُ وفَتَنُوهم حَتّى أرْجَعُوهم إلى عِبادَةِ الأصْنامِ بِعُذْرٍ وبِدُونِهِ، بِحَيْثُ يَخْطُرُ بِبالِ السّامِعِ أنْ يَتَساءَلَ عَنْ مَصِيرِهِمْ إنْ هُمُ اسْتَمَرُّوا عَلى ذَلِكَ حَتّى ماتُوا.
فَجاءَتْ هَذِهِ الآيَةُ مُجِيبَةً عَمّا يَجِيشُ بِنُفُوسِ السّامِعِينَ مِنَ التَّساؤُلِ عَنْ مَصِيرِ أُولَئِكَ، فَكانَ مَوْقِعُها اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا لِسائِلٍ مُتَرَدِّدٍ، ولِذَلِكَ فُصِّلَتْ، ولِذَلِكَ صُدِّرَتْ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ، فَإنَّ حالَهم يُوجِبُ شَكًّا في أنْ يَكُونُوا مُلْحَقِينَ بِالكُفّارِ، كَيْفَ وهم قَدْ ظَهَرَ مَيْلُهم إلى الإسْلامِ، ومِنهم مَن دَخَلَ فِيهِ بِالفِعْلِ ثُمَّ صُدَّ عَنْهُ أوْ فُتِنَ لِأجْلِهِ.
والمَوْصُولُ هُنا في قُوَّةِ المُعَرَّفِ بِلامِ الجِنْسِ، ولَيْسَ المُرادُ شَخْصًا أوْ طائِفَةً بَلْ جِنْسَ مَن ماتَ ظالِمًا نَفْسَهُ، ولِما في الصِّلَةِ مِنَ الإشْعارِ بِعِلَّةِ الحُكْمِ وهو قَوْلُهُ فَأُولَئِكَ مَأْواهم جَهَنَّمُ، أيْ لِأنَّهم ظَلَمُوا أنْفُسَهم.
ومَعْنى تَوَفّاهُمُ تُمِيتُهم وتَقْبِضُ أرْواحَهم، فالمَعْنى: أنَّ الَّذِينَ يَمُوتُونَ ظالِمِي أنْفُسِهِمْ، فَعَدَلَ عَنْ يَمُوتُونَ أوْ يُتَوَفَّوْنَ إلى تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ لِيَكُونَ وسِيلَةً لِبَيانِ شَناعَةِ فِتْنَتِهِمْ عِنْدَ المَوْتِ.
والمَلائِكَةُ جَمْعٌ أُرِيدَ بِهِ الجِنْسُ، فاسْتَوى في إفادَةِ مَعْنى الجِنْسِ جَمْعُهُ - كَما هُنا - ومُفْرَدُهُ كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿قُلْ يَتَوَفّاكم مَلَكُ المَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾ [السجدة: ١١] فَيَجُوزُ (p-١٧٤)أنْ يَكُونَ مَلَكُ المَوْتِ الَّذِي يَقْبِضُ أرْواحَ النّاسِ واحِدًا، بِقُوَّةٍ مِنهُ تَصِلُ إلى كُلِّ هالِكٍ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ لِكُلِّ هالِكٍ مَلَكٌ يَقْبِضُ رُوحَهُ، وهَذا أوْضَحُ، ويُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿إنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ﴾ إلى قَوْلِهِ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ.
وتَوَفّاهُمُ فِعْلُ مُضِيٍّ يُقالُ: تَوَفّاهُ اللَّهُ، وتَوَفّاهُ مَلَكُ المَوْتِ، وإنَّما لَمْ يُقْرَنْ بِعَلامَةِ تَأْنِيثِ فاعِلِ الفِعْلِ، لِأنَّ تَأْنِيثَ صِيَغِ جُمُوعِ التَّكْسِيرِ تَأْنِيثٌ لَفْظِيٌّ لا حَقِيقِيٌّ فَيَجُوزُ لَحاقَ تاءِ التَّأْنِيثِ لِفِعْلِها، تَقُولُ: غَزَتِ العَرَبُ، وغَزا العَرَبُ.
وظُلْمُ النَّفْسِ: أنْ يَفْعَلَ أحَدٌ فِعْلًا يَؤُولُ إلى مَضَرَّتِهِ، فَهو ظالِمٌ لِنَفْسِهِ، لِأنَّهُ فَعَلَ بِنَفْسِهِ ما لَيْسَ مِن شَأْنِ العُقَلاءِ أنْ يَفْعَلُوهُ لِوَخامَةِ عُقْباهُ. والظُّلْمُ هو الشَّيْءُ الَّذِي لا يَحِقُّ فِعْلُهُ ولا تَرْضى بِهِ النُّفُوسُ السَّلِيمَةُ والشَّرائِعُ، واشْتُهِرَ إطْلاقُ ظُلْمِ النَّفْسِ في القُرْآنِ عَلى الكُفْرِ وعَلى المَعْصِيَةِ.
وقَدِ اخْتُلِفَ في المُرادِ بِهِ في هَذِهِ الآيَةِ، فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: المُرادُ بِهِ الكُفْرُ، وأنَّها نَزَلَتْ في قَوْمٍ مِن أهْلِ مَكَّةَ كانُوا قَدْ أسْلَمُوا حِينَ كانَ الرَّسُولُ ﷺ بِمَكَّةَ، فَلَمّا هاجَرَ أقامُوا مَعَ قَوْمِهِمْ بِمَكَّةَ فَفَتَنُوهم فارْتَدُّوا، وخَرَجُوا يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ المُشْرِكِينَ فَكَثَّرُوا سَوادَ المُشْرِكِينَ، فَقُتِلُوا بِبَدْرٍ كافِرِينَ، فَقالَ: المُسْلِمُونَ: كانَ أصْحابُنا هَؤُلاءِ مُسْلِمِينَ ولَكِنَّهم أُكْرِهُوا عَلى الكُفْرِ والخُرُوجِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِيهِمْ.
رَواهُ البُخارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالُوا: وكانَ مِنهم أبُو قَيْسِ بْنُ الفاكِهِ، والحارِثُ بْنُ زَمْعَةَ، وأبُو قَيْسِ بْنُ الوَلِيدِ بْنِ المُغِيرَةِ، وعَلِيُّ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، والعاصُ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ الحَجّاجِ؛ فَهَؤُلاءِ قُتِلُوا.
وكانَ العَبّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وعَقِيلٌ ونَوْفَلٌ ابْنا أبِي طالِبِ فِيمَن خَرَجَ مَعَهم، ولَكِنَّ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةَ أُسِرُوا وفَدَوْا أنْفُسَهم وأسْلَمُوا بَعْدَ ذَلِكَ، وهَذا أصَحُّ الأقْوالِ في هَذِهِ الآيَةِ.
وقِيلَ: أُرِيدَ بِالظُّلْمِ عَدَمُ الهِجْرَةِ إذْ كانَ قَوْمٌ مِن أهْلِ مَكَّةَ أسْلَمُوا وتَقاعَسُوا عَنِ الهِجْرَةِ. قالَ السُّدِّيُّ: كانَ مَن أسْلَمَ ولَمْ يُهاجِرْ يُعْتَبَرُ كافِرًا حَتّى يُهاجِرَ، يَعْنِي ولَوْ أظْهَرَ إسْلامَهُ وتَرَكَ حالَ الشِّرْكِ.
وقالَ غَيْرُهُ: بَلْ كانَتِ الهِجْرَةُ واجِبَةً ولا يَكْفُرُ تارِكُها. فَعَلى قَوْلِ السُّدِّيِّ فالظُّلْمُ مُرادٌ بِهِ أيْضًا الكُفْرُ لِأنَّهُ مُعْتَبَرٌ مِنَ الكُفْرِ في نَظَرِ الشَّرْعِ، أيْ أنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَكْتَفِ بِالإيمانِ إذا لَمْ يُهاجِرْ صاحِبُهُ مَعَ التَّمَكُّنِ مِن ذَلِكَ، وهَذا بِعِيدٌ فَقَدْ (p-١٧٥)قالَ تَعالى والَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يُهاجِرُوا ما لَكم مِن ولايَتِهِمْ مِن شَيْءٍ حَتّى يُهاجِرُوا وإنِ اسْتَنْصَرُوكم في الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ الآيَةَ؛ فَأوْجَبَ عَلى المُسْلِمِينَ نَصْرَهم في الدِّينِ إنِ اسْتَنْصَرُوهم، وهَذِهِ حالَةٌ تُخالِفُ حالَةَ الكُفّارِ.
وعَلى قَوْلِ غَيْرِهِ: فالظُّلْمُ المَعْصِيَةُ العَظِيمَةُ، والوَعِيدُ الَّذِي في هَذِهِ الآيَةِ صالِحٌ لِلْأمْرَيْنِ، عَلى أنَّ المُسْلِمِينَ لَمْ يَعُدُّوا الَّذِينَ لَمْ يُهاجِرُوا قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ في عِدادِ الصَّحابَةِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: لِأنَّهم لَمْ يَتَعَيَّنِ الَّذِينَ ماتُوا مِنهم عَلى الإسْلامِ والَّذِينَ ماتُوا عَلى الكُفْرِ فَلَمْ يَعْتَدُّوا بِما عَرَفُوا مِنهم قَبْلَ هِجْرَةِ النَّبِيءِ ﷺ .
وجُمْلَةُ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ خَبَرُ إنَّ، والمَعْنى: قالُوا لَهم قَوْلَ تَوْبِيخٍ وتَهْدِيدٍ بِالوَعِيدِ وتَمْهِيدٍ لِدَحْضِ مَعْذِرَتِهِمْ في قَوْلِهِمْ كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ في الأرْضِ، فَقالُوا لَهم ﴿ألَمْ تَكُنْ أرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها﴾ .
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ جُمْلَةُ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ مَوْضِعَ بَدَلِ الِاشْتِمالِ مِن جُمْلَةِ تَوَفّاهُمُ، فَإنَّ تَوَفِّيَ المَلائِكَةِ إيّاهُمُ المَحْكِيَّ هُنا يَشْتَمِلُ عَلى قَوْلِهِمْ لَهم فِيمَ كُنْتُمْ.
وأمّا جُمْلَةُ ﴿قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ في الأرْضِ﴾ فَهي مَفْصُولَةٌ عَنِ العاطِفِ جَرْيًا عَلى طَرِيقَةِ المُقاوَلَةِ في المُحاوَرَةِ، عَلى ما بَيَّناهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى قالُوا أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها في سُورَةِ البَقَرَةِ. وكَذَلِكَ جُمْلَةُ قالُوا ألَمْ تَكُنْ أرْضُ اللَّهِ واسِعَةً.
ويَكُونُ خَبَرُ إنَّ قَوْلَهُ ﴿فَأُولَئِكَ مَأْواهم جَهَنَّمُ وساءَتْ مَصِيرًا﴾ عَلى أنْ يَكُونَ دُخُولُ الفاءِ في الخَبَرِ لِكَوْنِ اسْمِ إنَّ مَوْصُولًا فَإنَّهُ يُعامَلُ مُعامَلَةَ أسْماءِ الشُّرُوطِ كَثِيرًا، وقَدْ تَقَدَّمَتْ نَظائِرُهُ. والإتْيانُ بِالفاءِ هُنا أوْلى لِطُولِ الفَصْلِ بَيْنَ اسْمِ إنَّ وخَبَرِها بِالمُقاوَلَةِ، بِحَيْثُ صارَ الخَبَرُ كالنَّتِيجَةِ لِتِلْكَ المُقاوَلَةِ كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ أيْضًا اسْمُ الإشارَةِ.
والِاسْتِفْهامُ في قَوْلِهِ فِيمَ كُنْتُمْ مُسْتَعْمَلٌ لِلتَّقْرِيرِ والتَّوْبِيخِ.
و(في) لِلظَّرْفِيَّةِ المَجازِيَّةِ. و(ما) اسْتِفْهامٌ عَنْ حالَةٍ كَما دَلَّ عَلَيْهِ (في) . وقَدْ عَلِمَ المَسْئُولُونَ أنَّ الحالَةَ المَسْئُولَ عَنْها حالَةُ بَقائِهِمْ عَلى الكُفْرِ أوْ عَدَمِ الهِجْرَةِ. فَقالُوا مُعْتَذِرِينَ كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ في الأرْضِ.
(p-١٧٦)والمُسْتَضْعَفُ: المَعْدُودُ ضَعِيفًا فَلا يَعْبَأُ بِما يُصْنَعُ بِهِ فَلَيْسَ هو في عِزَّةٍ تُمَكِّنُهُ مِن إظْهارِ إسْلامِهِ، فَلِذَلِكَ يَضْطَرُّ إلى كِتْمانِ إسْلامِهِ. والأرْضُ هي مَكَّةُ.
أرادُوا: كُنّا مُكْرَهِينَ عَلى الكُفْرِ ما أقَمْنا في مَكَّةَ، وهَذا جَوابٌ صادِقٌ إذْ لا مَطْمَعَ في الكَذِبِ في عالَمِ الحَقِيقَةِ، وقَدْ حَسِبُوا ذَلِكَ عُذْرًا يُبِيحُ البَقاءَ عَلى الشِّرْكِ، أوْ يُبِيحُ التَّخَلُّفَ عَنِ الهِجْرَةِ، عَلى اخْتِلافِ التَّفْسِيرَيْنِ، فَلِذَلِكَ رَدَّ المَلائِكَةُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِمْ ﴿ألَمْ تَكُنْ أرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها﴾، أيْ تَخْرُجُوا مِنَ الأرْضِ الَّتِي تُسْتَضْعَفُونَ فِيها، فَبِذَلِكَ تُظْهِرُونَ الإيمانَ، أوْ فَقَدِ اتَّسَعَتِ الأرْضُ فَلا تَعْدَمُونَ أرْضًا تَسْتَطِيعُونَ الإقامَةَ فِيها.
وظاهِرُ الآيَةِ أنَّ الخُرُوجَ إلى كُلِّ بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِ الفِتْنَةِ يُعَدُّ هِجْرَةً، لَكِنْ دَلَّ قَوْلُهُ مُهاجِرًا إلى اللَّهِ ورَسُولِهِ أنَّ المَقْصُودَ الهِجْرَةُ إلى المَدِينَةِ وهي الَّتِي كانَتْ واجِبَةً، وأمّا هِجْرَةُ المُؤْمِنِينَ إلى الحَبَشَةِ فَقَدْ كانَتْ قَبْلَ وُجُوبِ الهِجْرَةِ؛ لِأنَّ النَّبِيءَ وفَرِيقًا مِنَ المُؤْمِنِينَ، كانُوا بَعْدُ بِمَكَّةَ، وكانَتْ بِإذْنِ النَّبِيءِ ﷺ . وهَذا رَدٌّ مُفْحِمٌ لَهم.
والمُهاجَرَةُ: الخُرُوجُ مِنَ الوَطَنِ وتَرْكُ القَوْمِ، مُفاعَلَةٌ مِن هَجَرَ إذا تَرَكَ، وإنَّما اشْتُقَّ لِلْخُرُوجِ عَنِ الوَطَنِ اسْمُ المُهاجَرَةِ لِأنَّها في الغالِبِ تَكُونُ عَنْ كَراهِيَةٍ بَيْنَ الرّاحِلِ والمُقِيمِينَ، فَكُلُّ فَرِيقٍ يَطْلُبُ تَرْكَ الآخَرِ، ثُمَّ شاعَ إطْلاقُها عَلى مُفارَقَةِ الوَطَنِ بِدُونِ هَذا القَيْدِ.
والفاءُ في قَوْلِهِ ﴿فَأُولَئِكَ مَأْواهم جَهَنَّمُ﴾ تَفْرِيعٌ عَلى ما حَكى مِن تَوْبِيخِ المَلائِكَةِ إيّاهم وتَهْدِيدِهِمْ.
وجِيءَ بِاسْمِ الإشارَةِ في قَوْلِهِ ﴿فَأُولَئِكَ مَأْواهم جَهَنَّمُ﴾ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّهم أحْرِياءُ بِالحُكْمِ الوارِدِ بَعْدَ اسْمِ الإشارَةِ مِن أجْلِ الصِّفاتِ المَذْكُورَةِ قَبْلَهُ، لِأنَّهم كانُوا قادِرِينَ عَلى التَّخَلُّصِ مِن فِتْنَةِ الشِّرْكِ بِالخُرُوجِ مِن أرْضِهِ.
وقَوْلُهُ إلّا المُسْتَضْعَفِينَ اسْتِثْناءٌ مِنَ الوَعِيدِ، والمَعْنى إلّا المُسْتَضْعَفِينَ حَقًّا، أيِ العاجِزِينَ عَنِ الخُرُوجِ مِن مَكَّةَ لِقِلَّةِ جُهْدٍ، أوْ لِإكْراهِ المُشْرِكِينَ إيّاهم وإيثاقِهِمْ عَلى البَقاءِ: مِثْلَ عَيّاشِ بْنِ أبِي رَبِيعَةَ المُتَقَدِّمِ خَبَرِهِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وما كانَ لِمُؤْمِنٍ أنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلّا خَطَأً﴾ [النساء: ٩٢]، ومِثْلَ سَلَمَةَ بْنِ هِشامٍ، والوَلِيدِ بْنِ الوَلِيدِ.
وفِي البُخارِيِّ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ كانَ يَدْعُو (p-١٧٧)فِي صَلاةِ العِشاءِ: اللَّهُمَّ نَجِّ عَيّاشَ بْنَ أبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ نَجِّ الوَلِيدَ بْنَ الوَلِيدِ، اللَّهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشامٍ اللَّهُمَّ نَجِّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ» . وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: كُنْتُ أنا وأُمِّي مِنَ المُسْتَضْعَفِينَ.
والتَّبْيِينُ بِقَوْلِهِ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ والوِلْدانِ لِقَصْدِ التَّعْمِيمِ. والمَقْصِدُ التَّنْبِيهُ عَلى أنَّ مِنَ الرِّجالِ مُسْتَضْعَفِينَ، فَلِذَلِكَ ابْتُدِئَ بِذِكْرِهِمْ ثُمَّ أُلْحِقَ بِذِكْرِهِمُ النِّساءُ والصِّبْيانُ لِأنَّ وُجُودَهم في العائِلَةِ يَكُونُ عُذْرًا لِوَلِيِّهِمْ إذا كانَ لا يَجِدُ حِيلَةً. وتَقَدَّمَ ذِكْرُهم بِقَوْلِهِ تَعالى وما لَكم لا تُقاتِلُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ والمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ والوِلْدانِ، وإعادَةُ ذِكْرِهِمْ هُنا مِمّا يُؤَكِّدُ أنْ تَكُونَ الآياتُ كُلُّها نَزَلَتْ في التَّهْيِئَةِ لِفَتْحِ مَكَّةَ.
وجُمْلَةُ ﴿لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً ولا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا﴾ حالٌ مِنَ المُسْتَضْعَفِينَ مُوَضِّحَةٌ لِلِاسْتِضْعافِ لِيَظْهَرَ أنَّهُ غَيْرُ الِاسْتِضْعافِ الَّذِي يَقُولُهُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنْفُسَهم ﴿كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ في الأرْضِ﴾، أيْ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً في الخُرُوجِ إمّا لِمَنعِ أهْلِ مَكَّةَ إيّاهم، أوْ لِفَقْرِهِمْ؛ ولا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا أيْ مَعْرِفَةً لِلطَّرِيقِ كالأعْمى.
وجُمْلَةُ ﴿فَأُولَئِكَ عَسى اللَّهُ أنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ﴾ الفاءُ فِيها لِلْفَصِيحَةِ، والإتْيانُ بِالإشارَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّهم جَدِيرُونَ بِالحُكْمِ المَذْكُورِ مِنَ المَغْفِرَةِ.
وفِعْلُ عَسى في قَوْلِهِ ﴿فَأُولَئِكَ عَسى اللَّهُ أنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ﴾ يَقْتَضِي أنَّ اللَّهَ يَرْجُو أنْ يَعْفُوَ عَنْهم، وإذْ كانَ اللَّهُ هو فاعِلُ العَفْوِ وهو عالِمٌ بِأنَّهُ يَعْفُو عَنْهم أوْ عَنْ بَعْضِهِمْ بِالتَّعْيِينِ تَعَيَّنَ أنْ يَكُونَ مَعْنى الرَّجاءِ المُسْتَفادِ مِن عَسى هُنا مَعْنًى مَجازِيًّا بِأنَّ عَفْوَهُ عَنْ ذَنْبِهِمْ عَفْوٌ عَزِيزُ المَنالِ، فَمُثِّلَ حالُ العَفْوِ عَنْهم بِحالِ مَن لا يُقْطَعُ بِحُصُولِ العَفْوِ عَنْهُ.
والمَقْصُودُ مِن ذَلِكَ تَضْيِيقُ تَحَقُّقِ عُذْرِهِمْ، لِئَلّا يَتَساهَلُوا في شُرُوطِهِ اعْتِمادًا عَلى عَفْوِ اللَّهِ، فَإنَّ عُذْرَ اللَّهِ لَهم بِاسْتِضْعافِهِمْ رُخْصَةٌ وتَوْسِعَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى، لِأنَّ البَقاءَ عَلى إظْهارِ الشِّرْكِ أمْرٌ عَظِيمٌ، وكانَ الواجِبُ العَزِيمَةُ أنْ يُكَلَّفُوا بِإعْلانِ الإيمانِ بَيْنَ ظَهْرانَيِ المُشْرِكِينَ ولَوْ جَلَبَ لَهُمُ التَّعْذِيبَ والهَلاكَ، كَما فَعَلَتْ سُمَيَّةُ أُمُّ عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ.
وهَذا الِاسْتِعْمالُ هو مَحْمَلُ مَوارِدِ (عَسى) و(لَعَلَّ) إذا أُسْنِدا إلى اسْمِ اللَّهِ تَعالى كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وإذْ آتَيْنا مُوسى الكِتابَ والفُرْقانَ لَعَلَّكم تَهْتَدُونَ﴾ [البقرة: ٥٣] في سُورَةِ البَقَرَةِ، (p-١٧٨)وهُوَ مَعْنى قَوْلِ أبِي عُبَيْدَةَ: عَسى مِنَ اللَّهِ إيجابٌ، وقَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ العُلَماءِ: أنَّ عَسى ولَعَلَّ في القُرْآنِ لِلْيَقِينِ، ومُرادُهم إذا أُسْنِدَ إلى اللَّهِ تَعالى بِخِلافِ نَحْوِ قَوْلِهِ وقُلْ عَسى أنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لِأقْرَبَ مِن هَذا رَشَدًا.
ومِثْلُ هَذا ما قالُوهُ في وُقُوعِ حَرْفِ (إنْ) الشَّرْطِيَّةِ في كَلامِ اللَّهِ تَعالى، مَعَ أنَّ أصْلَها أنْ تَكُونَ لِلشَّرْطِ المَشْكُوكِ في حُصُولِهِ.
وقَدِ اتَّفَقَ العُلَماءُ عَلى أنَّ حُكْمَ هَذِهِ الآيَةِ انْقَضى يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ لِأنَّ الهِجْرَةَ كانَتْ واجِبَةً لِمُفارَقَةِ أهْلِ الشِّرْكِ وأعْداءِ الدِّينِ، ولِلتَّمَكُّنِ مِن عِبادَةِ اللَّهِ دُونَ حائِلٍ يَحُولُ عَنْ ذَلِكَ، فَلَمّا صارَتْ مَكَّةُ دارَ إسْلامٍ ساوَتْ غَيْرَها، ويُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ «لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ ولَكِنْ جِهادٌ ونِيَّةٌ» فَكانَ المُؤْمِنُونَ يَبْقَوْنَ في أوْطانِهِمْ إلّا المُهاجِرِينَ يَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الرُّجُوعُ إلى مَكَّةَ.
وفِي الحَدِيثِ «اللَّهُمَّ أمْضِ لِأصْحابِي هِجْرَتَهم ولا تَرُدُّهم عَلى أعْقابِهِمْ» قالَهُ بَعْدَ أنْ فُتِحَتْ مَكَّةُ. غَيْرَ أنَّ القِياسَ عَلى حُكْمِ هَذِهِ الآيَةِ يَفْتَحُ لِلْمُجْتَهِدِينَ نَظَرًا في أحْكامِ وُجُوبِ الخُرُوجِ مِنَ البَلَدِ الَّذِي يُفْتَنُ فِيهِ المُؤْمِنُ في دِينِهِ، وهَذِهِ أحْكامٌ يَجْمَعُها سِتُّ أحْوالٍ.
الحالَةُ الأُولى: أنْ يَكُونَ المُؤْمِنُ بِبَلَدٍ يُفْتَنُ فِيهِ في إيمانِهِ فَيُرْغَمُ عَلى الكُفْرِ وهو يَسْتَطِيعُ الخُرُوجَ، فَهَذا حُكْمُهُ حُكْمُ الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمُ الآيَةُ، وقَدْ هاجَرَ مُسْلِمُونَ مِنَ الأنْدَلُسِ حِينَ أكْرَهَهُمُ النَّصارى عَلى التَّنَصُّرِ، فَخَرَجُوا عَلى وُجُوهِهِمْ في كُلِّ وادٍ تارِكِينَ أمْوالَهم ودِيارَهم ناجِينَ بِأنْفُسِهِمْ وإيمانِهِمْ، وهَلَكَ فَرِيقٌ مِنهم في الطَّرِيقِ وذَلِكَ في سَنَةِ ٩٠٢ وما بَعْدَها إلى أنْ كانَ الجَلاءُ الأخِيرُ سَنَةَ ١٠١٦ .
الحالَةُ الثّانِيَةُ: أنْ يَكُونَ بِبَلَدِ الكُفْرِ غَيْرَ مَفْتُونٍ في إيمانِهِ ولَكِنْ يَكُونُ عُرْضَةً لِلْإصابَةِ في نَفْسِهِ أوْ مالِهِ بِأسْرٍ أوْ قَتْلٍ أوْ مُصادَرَةِ مالٍ، فَهَذا قَدْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلضُّرِّ وهو حَرامٌ بِلا نِزاعٍ، وهَذا مُسَمّى الإقامَةِ بِبَلَدِ الحَرْبِ المُفَسَّرَةِ بِأرْضِ العَدُوِّ.
الحالَةُ الثّالِثَةُ: أنْ يَكُونَ بِبَلَدٍ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُ المُسْلِمِينَ إلّا أنَّهم لَمْ يَفْتِنُوا النّاسَ في إيمانِهِمْ ولا في عِباداتِهِمْ ولا في أنْفُسِهِمْ وأمْوالِهِمْ وأعْراضِهِمْ، ولَكِنَّهُ بِإقامَتِهِ تَجْرِي عَلَيْهِ أحْكامُ غَيْرِ المُسْلِمِينَ إذا عَرَضَ لَهُ حادِثٌ مَعَ واحِدٍ مِن أهْلِ ذَلِكَ البَلَدِ الَّذِينَ هم (p-١٧٩)غَيْرُ مُسْلِمِينَ، وهَذا مِثْلُ الَّذِي يُقِيمُ اليَوْمَ بِبِلادِ أُورُوبّا النَّصْرانِيَّةِ.
وظاهِرُ قَوْلِ مالِكٍ أنَّ المُقامَ في مِثْلِ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ كَراهَةً شَدِيدَةً مِن أجْلِ أنَّهُ تَجْرِي عَلَيْهِ أحْكامُ غَيْرِ المُسْلِمِينَ، وهو ظاهِرُ المُدَوَّنَةِ في كِتابِ التِّجارَةِ إلى أرْضِ الحَرْبِ والعُتْبِيَّةِ.
كَذَلِكَ تَأوَّلَ قَوْلَ مالِكٍ فُقَهاءُ القَيْرَوانِ، وهو ظاهِرُ الرِّسالَةِ، وصَرِيحُ كَلامِ اللَّخْمِيِّ في طالِعَةِ كِتابِ التِّجارَةِ إلى أرْضِ الحَرْبِ مِن تَبْصِرَتِهِ، وارْتَضاهُ ابْنُ مُحْرِزٍ وعَبْدُ الحَقِّ، وتَأوَّلَهُ سَحْنُونٌ وابْنُ حَبِيبٍ عَلى الحُرْمَةِ وكَذَلِكَ عَبْدُ الحَمِيدِ الصّائِغُ والمازِرِيُّ، وزادَ سَحْنُونٌ فَقالَ: إنَّ مُقامَهُ جَرْحَةٌ في عَدالَتِهِ، ووافَقَهُ المازِرِيُّ وعَبْدُ الحَمِيدِ، وعَلى هَذا يَجْرِي الكَلامُ في السَّفَرِ في سُفُنِ النَّصارى إلى الحَجِّ وغَيْرِهِ.
وقالَ البَرْزَلِيُّ عَنِ ابْنِ عَرَفَةَ: إنْ كانَ أمِيرُ تُونِسَ قَوِيًّا عَلى النَّصارى جازَ السَّفَرُ، وإلّا لَمْ يَجُزْ، لِأنَّهم يُهِينُونَ المُسْلِمِينَ.
الحالَةُ الرّابِعَةُ: أنْ يَتَغَلَّبَ الكُفّارُ عَلى بَلَدِ أهْلِهِ مُسْلِمُونَ ولا يَفْتِنُوهم في دِينِهِمْ ولا في عِبادَتِهِمْ ولا في أمْوالِهِمْ، ولَكِنَّهم يَكُونُ لَهم حُكْمُ القُوَّةِ عَلَيْهِمْ فَقَطْ، وتَجْرِي الأحْكامُ بَيْنَهم عَلى مُقْتَضى شَرِيعَةِ الإسْلامِ كَما وقَعَ في صِقِلِّيَّةَ حِينَ اسْتَوْلى عَلَيْها رُجَيْرٍ النَّرَمَندِيُّ.
وكَما وقَعَ في بِلادِ غَرْناطَةَ حِينَ اسْتَوْلى عَلَيْها طاغِيَةُ الجَلالِقَةِ عَلى شُرُوطٍ مِنها احْتِرامُ دِينِهِمْ، فَإنَّ أهْلَها أقامُوا بِها مُدَّةً وأقامَ مِنهم عُلَماؤُهم وكانُوا يَلُونَ القَضاءَ والفَتْوى والعَدالَةَ والأمانَةَ ونَحْوَ ذَلِكَ، وهاجَرَ فَرِيقٌ مِنهم فَلَمْ يَعِبِ المُهاجِرُ عَلى القاطِنِ، ولا القاطِنُ عَلى المُهاجِرِ.
الحالَةُ الخامِسَةُ: أنْ يَكُونَ لِغَيْرِ المُسْلِمِينَ نُفُوذٌ وسُلْطانٌ عَلى بَعْضِ بِلادِ الإسْلامِ، مَعَ بَقاءِ مُلُوكِ الإسْلامِ فِيها، واسْتِمْرارِ تَصَرُّفِهِمْ في قَوْمِهِمْ، ووِلايَةِ حُكّامِهِمْ مِنهم، واحْتِرامِ أدْيانِهِمْ وسائِرِ شَعائِرِهِمْ، ولَكِنَّ تَصَرُّفَ الأُمَراءِ تَحْتَ نَظَرِ غَيْرِ المُسْلِمِينَ وبِمُوافَقَتِهِمْ، وهو ما يُسَمّى بِالحِمايَةِ والِاحْتِلالِ والوِصايَةِ والِانْتِدابِ، كَما وقَعَ في مِصْرَ مُدَّةَ احْتِلالِ جَيْشِ الفَرَنْسِيسِ بِها، ثُمَّ مُدَّةَ احْتِلالِ الأنْقَلِيزِ، وكَما وقَعَ بِتُونِسَ والمَغْرِبِ الأقْصى مِن حِمايَةِ فَرَنْسا، وكَما وقَعَ في سُورْيا والعِراقِ أيّامَ الِانْتِدابِ، وهَذِهِ لا شُبْهَةَ في عَدَمِ وُجُوبِ الهِجْرَةِ مِنها.
الحالَةُ السّادِسَةُ: البَلَدُ الَّذِي تَكْثُرُ فِيهِ المَناكِرُ والبِدَعُ، وتَجْرِي فِيهِ أحْكامٌ كَثِيرَةٌ عَلى خِلافِ صَرِيحِ الإسْلامِ بِحَيْثُ يَخْلِطُ عَمَلًا صالِحًا وآخَرَ سَيِّئًا ولا يُجْبَرُ المُسْلِمُ فِيها عَلى (p-١٨٠)ارْتِكابِهِ خِلافَ الشَّرْعِ، ولَكِنَّهُ لا يَسْتَطِيعُ تَغْيِيرَها إلّا بِالقَوْلِ، أوْ لا يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ أصْلًا.
وهَذِهِ رُوِيَ عَنْ مالِكٍ وُجُوبُ الخُرُوجِ مِنها، رَواهُ ابْنُ القاسِمِ، غَيْرَ أنَّ ذَلِكَ قَدْ حَدَثَ في القَيْرَوانِ أيّامَ بَنِي عُبَيْدٍ فَلَمْ يُحْفَظْ أنَّ أحَدًا مِن فُقَهائِها الصّالِحِينَ دَعا النّاسَ إلى الهِجْرَةِ. وحَسْبُكَ بِإقامَةِ الشَّيْخِ أبِي مُحَمَّدِ بْنِ أبِي زَيْدٍ وأمْثالِهِ.
وحَدَثَ في مِصْرَ مُدَّةَ الفاطِمِيِّينَ أيْضًا فَلَمْ يُغادِرْها أحَدٌ مِن عُلَمائِها الصّالِحِينَ. ودُونَ هَذِهِ الأحْوالِ السِّتَّةِ أحْوالٌ كَثِيرَةٌ هي أوْلى بِجَوازِ الإقامَةِ، وأنَّها مَراتِبُ، وإنَّ لِبَقاءِ المُسْلِمِينَ في أوْطانِهِمْ إذا لَمْ يُفْتَنُوا في دِينِهِمْ مَصْلَحَةً كُبْرى لِلْجامِعَةِ الإسْلامِيَّةِ.
{"ayahs_start":97,"ayahs":["إِنَّ ٱلَّذِینَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ ظَالِمِیۤ أَنفُسِهِمۡ قَالُوا۟ فِیمَ كُنتُمۡۖ قَالُوا۟ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوۤا۟ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَ ٰسِعَةࣰ فَتُهَاجِرُوا۟ فِیهَاۚ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَاۤءَتۡ مَصِیرًا","إِلَّا ٱلۡمُسۡتَضۡعَفِینَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡوِلۡدَ ٰنِ لَا یَسۡتَطِیعُونَ حِیلَةࣰ وَلَا یَهۡتَدُونَ سَبِیلࣰا","فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن یَعۡفُوَ عَنۡهُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوًّا غَفُورࣰا"],"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ ظَالِمِیۤ أَنفُسِهِمۡ قَالُوا۟ فِیمَ كُنتُمۡۖ قَالُوا۟ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوۤا۟ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَ ٰسِعَةࣰ فَتُهَاجِرُوا۟ فِیهَاۚ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَاۤءَتۡ مَصِیرًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق