الباحث القرآني
﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نارًا كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهم بَدَّلْناهم جُلُودًا غَيْرَها لِيَذُوقُوا العَذابَ إنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ ﴿والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَنُدْخِلُهم جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها أبَدًا لَهم فِيها أزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ ونُدْخِلُهم ظِلًّا ظَلِيلًا﴾ تَهْدِيدٌ ووَعِيدٌ لِجَمِيعِ الكافِرِينَ، فَهي أعَمُّ مِمّا قَبْلَها، فَلَها حُكْمُ التَّذْيِيلِ، ولِذَلِكَ فُصِلَتْ. والإصْلاءُ: مَصْدَرُ ”أصْلاهُ“، ويُقالُ: صَلاهُ صَلْيًا، ومَعْناهُ شَيُّ اللَّحْمِ عَلى النّارِ، (p-٩٠)وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى (صَلى) عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [النساء: ١٠] وقَوْلُهُ: ﴿فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نارًا﴾ [النساء: ٣٠] في هَذِهِ السُّورَةِ. وتَقَدَّمَ أيْضًا الكَلامُ عَلى (سَوْفَ) في الآيَةِ الأخِيرَةِ. و(نُصْلِيهِمْ) بِضَمِّ النُّونِ مِنَ الإصْلاءِ. و(نَضِجَتْ) بَلَغَتْ نِهايَةَ الشَّيِّ، يُقالُ: نَضِجَ الشِّواءُ: إذا بَلَغَ حَدَّ الشَّيِّ، ويُقالُ: نَضِجَ الطَّبِيخُ: إذا بَلَغَ حَدَّ الطَّبْخِ، والمَعْنى: كُلَّما احْتَرَقَتْ جُلُودُهم، فَلَمْ يَبْقَ فِيها حَياةٌ وإحْساسٌ، بَدَّلْناهم، أيْ عَوَّضْناهم جُلُودًا غَيْرَها، والتَّبْدِيلُ يَقْتَضِي المُغايَرَةَ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ في سُورَةِ البَقَرَةِ ﴿أتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هو أدْنى﴾ [البقرة: ٦١] . فَقَوْلُهُ ”غَيْرَها“ تَأْكِيدٌ لِما دَلَّ عَلَيْهِ فِعْلُ التَّبْدِيلِ. وانْتَصَبَ ”نارًا“ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ ثانٍ لِأنَّهُ مِن بابِ ”أعْطى“ .
وقَوْلُهُ: ﴿لِيَذُوقُوا العَذابَ﴾ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: ﴿بَدَّلْناهُمْ﴾ لِأنَّ الجِلْدَ هو الَّذِي يُوَصِّلُ إحْساسَ العَذابِ إلى النَّفْسِ بِحَسَبِ عادَةِ خَلْقِ اللَّهِ تَعالى. فَلَوْ لَمْ يُبَدَّلِ الجِلْدُ بَعْدَ احْتِراقِهِ لَما وصَلَ عَذابُ النّارِ إلى النَّفْسِ. وتَبْدِيلُ الجِلْدِ مَعَ بَقاءِ نَفْسِ صاحِبِهِ لا يُنافِي العَدْلَ لِأنَّ الجِلْدَ وسِيلَةُ إبْلاغِ العَذابِ ولَيْسَ هو المَقْصُودُ بِالتَّعْذِيبِ، ولِأنَّهُ ناشِئٌ عَنِ الجِلْدِ الأوَّلِ كَما أنَّ إعادَةَ الأجْسامِ في الحَشْرِ بَعْدَ اضْمِحْلالِها لا يُوجِبُ أنْ تَكُونَ أُناسًا غَيْرَ الَّذِينَ اسْتَحَقُّوا الثَّوابَ والعِقابَ لِأنَّها لَمّا أُودِعَتِ النُّفُوسُ الَّتِي اكْتَسَبَتِ الخَيْرَ والشَّرَّ فَقَدْ صارَتْ هي هي ولا سِيَّما إذا كانَتْ إعادَتُها عَنْ إنْباتٍ مِن أعْجابِ الأذْنابِ. حَسْبَما ورَدَ بِهِ الأثَرُ، لِأنَّ النّاشِئَ عَنِ الشَّيْءِ هو مِنهُ كالنَّخْلَةِ مِنَ النَّواةِ.
وقَوْلُهُ: ﴿إنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ واقِعٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِما قَبْلَهُ، فالعِزَّةُ يَتَأتّى بِها تَمامُ القُدْرَةِ في عُقُوبَةِ المُجْتَرِئِ عَلى اللَّهِ، والحِكْمَةُ يَتَأتّى بِها تِلْكَ الكَيْفِيَّةُ في إصْلائِهِمُ النّارَ.
وقَوْلُهُ: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ ذُكِرَ هُنا لِلْمُقابَلَةِ وزِيادَةِ الغَيْظِ لِلْكافِرِينَ. واقْتَصَرَ مِن نَعِيمِ الآخِرَةِ عَلى لَذَّةِ الجَنّاتِ والأزْواجِ الصّالِحاتِ، لِأنَّهُما أحَبُّ اللَّذّاتِ المُتَعارَفَةِ لِلسّامِعِينَ، فالزَّوْجَةُ الصّالِحَةُ آنَسُ شَيْءٍ لِلْإنْسانِ، والجَنّاتُ مَحَلُّ النَّعِيمِ وحُسْنِ النَّظَرِ.
وقَوْلُهُ: ﴿ونُدْخِلُهم ظِلًّا ظَلِيلًا﴾ هو مِن تَمامِ مَحاسِنِ الجَنّاتِ، لِأنَّ الظِّلَّ إنَّما يَكُونُ مَعَ الشَّمْسِ، وذَلِكَ جَمالُ الجَنّاتِ ولَذَّةُ التَّنْعِيمِ بِرُؤْيَةِ النُّورِ مَعَ انْتِفاءِ حَرِّهِ. ووُصِفَ بِالظَّلِيلِ وصْفًا مُشْتَقًّا " مِنِ اسْمِ المَوْصُوفِ لِلدَّلالَةِ عَلى بُلُوغِهِ الغايَةَ في جِنْسِهِ، فَقَدْ يَأْتُونَ بِمِثْلِ هَذا الوَصْفِ بِوَزْنِ فَعِيلٍ كَما هُنا، وقَوْلُهم: داءٌ دَوِيٌّ، ويَأْتُونَ بِهِ بِوَزْنِ (p-٩١)أفْعَلِ: كَقَوْلِهِمْ: لَيْلٌ ألْيَلُ، ويَوْمٌ أيْوَمُ، ويَأْتُونَ بِوَزْنِ فاعِلٍ: كَقَوْلِهِمْ: شِعْرٌ شاعِرٌ، ونَصَبٌ ناصِبٌ.
{"ayahs_start":56,"ayahs":["إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِیهِمۡ نَارࣰا كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَـٰهُمۡ جُلُودًا غَیۡرَهَا لِیَذُوقُوا۟ ٱلۡعَذَابَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِیزًا حَكِیمࣰا","وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ أَبَدࣰاۖ لَّهُمۡ فِیهَاۤ أَزۡوَ ٰجࣱ مُّطَهَّرَةࣱۖ وَنُدۡخِلُهُمۡ ظِلࣰّا ظَلِیلًا"],"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِیهِمۡ نَارࣰا كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَـٰهُمۡ جُلُودًا غَیۡرَهَا لِیَذُوقُوا۟ ٱلۡعَذَابَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِیزًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق