الباحث القرآني
(p-٢٣١)﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهم ولا لِيَهْدِيَهم سَبِيلًا﴾ اسْتِئْنافٌ عَنْ قَوْلِهِ ﴿ومَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ﴾ [النساء: ١٣٦] الآيَةَ، لِأنَّهُ إذا كانَ الكُفْرُ كَما عَلِمْتَ، فَما ظَنُّكَ بِكُفْرٍ مُضاعَفٍ يُعاوِدُهُ صاحِبُهُ بَعْدَ أنْ دَخَلَ في الإيمانِ، وزالَتْ عَنْهُ عَوائِقُ الِاعْتِرافِ بِالصِّدْقِ، فَكُفْرُهُ بِئْسَ الكُفْرُ.
وقَدْ قِيلَ: إنَّ الآيَةَ أشارَتْ إلى اليَهُودِ لِأنَّهم آمَنُوا بِمُوسى ثُمَّ كَفَرُوا بِهِ، إذْ عَبَدُوا العِجْلَ، ثُمَّ آمَنُوا بِمُوسى ثُمَّ كَفَرُوا بِعِيسى ثُمَّ ازْدادُوا كُفْرًا بِمُحَمَّدٍ، وعَلَيْهِ فالآيَةُ تَكُونُ مِنَ الذَّمِّ المُتَوَجِّهِ إلى الأُمَّةِ بِاعْتِبارِ فِعْلِ سَلَفِها، وهو بَعِيدٌ، لِأنَّ الآيَةَ حُكْمٌ لا ذَمٌّ، لِقَوْلِهِ ﴿لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ﴾ .
فَإنَّ الأوَّلِينَ مِنَ اليَهُودِ كَفَرُوا إذْ عَبَدُوا العِجْلَ، ولَكِنَّهم تابُوا فَما اسْتَحَقُّوا عَدَمَ المَغْفِرَةِ وعَدَمَ الهِدايَةِ، كَيْفَ وقَدْ قِيلَ لَهم ﴿فَتُوبُوا إلى بارِئِكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤] إلى قَوْلِهِ ﴿فَتابَ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤]، ولِأنَّ المُتَأخِّرِينَ مِنهم ما عَبَدُوا العِجْلَ حَتّى يُعَدَّ عَلَيْهِمُ الكُفْرُ الأوَّلُ، عَلى أنَّ اليَهُودَ كَفَرُوا غَيْرَ مَرَّةٍ في تارِيخِهِمْ فَكَفَرُوا بَعْدَ مَوْتِ سُلَيْمانَ وعَبَدُوا الأوْثانَ، وكَفَرُوا في زَمَنِ بُخْتُنَصَّرَ.
والظّاهِرُ عَلى هَذا التَّأْوِيلِ أنْ لا يَكُونَ المُرادُ بِقَوْلِهِ ﴿ثُمَّ ازْدادُوا كُفْرًا﴾ أنَّهم كَفَرُوا كَفْرَةً أُخْرى، بَلِ المُرادُ الإجْمالُ، أيْ ثُمَّ كَفَرُوا بَعْدَ ذَلِكَ، كَما يَقُولُ الواقِفُ: وأوْلادُهم وأوْلادُ أوْلادِهِمْ وأوْلادُ أوْلادِ أوْلادِهِمْ لا يُرِيدُ بِذَلِكَ الوُقُوفَ عِنْدَ الجِيلِ الثّالِثِ، ويَكُونُ المُرادُ مِنَ الآيَةِ أنَّ الَّذِينَ عُرِفَ مِن دَأْبِهِمُ الخِفَّةُ إلى تَكْذِيبِ الرُّسُلِ، وإلى خَلْعِ رِبْقَةِ الدِّيانَةِ، هم قَوْمٌ لا يُغْفَرُ لَهم صُنْعُهم، إذْ كانَ ذَلِكَ عَنِ اسْتِخْفافٍ بِاللَّهِ ورُسُلِهِ.
وقِيلَ: نَزَلَتْ في المُنافِقِينَ إذْ كانُوا يُؤْمِنُونَ إذا لَقُوا المُؤْمِنِينَ، فَإذا رَجَعُوا إلى قَوْمِهِمْ كَفَرُوا، ولا قَصْدَ حِينَئِذٍ إلى عَدَدِ الإيماناتِ والكَفَراتِ. وعِنْدِي: أنَّهُ يَعْنِي أقْوامًا مِنَ العَرَبِ مِن أهْلِ مَكَّةَ كانُوا يَتَّجِرُونَ إلى المَدِينَةِ فَيُؤْمِنُونَ، فَإذا رَجَعُوا إلى مَكَّةَ كَفَرُوا وتَكَرَّرَ مِنهم ذَلِكَ، وهُمُ الَّذِينَ ذُكِرُوا عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ ﴿فَما لَكم في المُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾ [النساء: ٨٨] .
(p-٢٣٢)وعَلى الوُجُوهِ كُلِّها فاسْمُ المَوْصُولِ مِن قَوْلِهِ إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُرادٌ مِنهُ فَرِيقٌ مَعْهُودٌ، فالآيَةُ وعِيدٌ لَهم ونِذارَةٌ بِأنَّ اللَّهَ حَرَمَهُمُ الهُدى فَلَمْ يَكُنْ لِيَغْفِرَ لَهم، لِأنَّهُ حَرَمَهم سَبَبَ المَغْفِرَةِ، ولِذَلِكَ لَمْ تَكُنِ الآيَةُ دالَّةً عَلى أنَّ مِن أحْوالِ الكُفْرِ ما لا يَنْفَعُ الإيمانُ بَعْدَهُ. فَقَدْ أجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلى أنَّ الإيمانَ يَجُبُّ ما قَبْلَهُ، ولَوْ كَفَرَ المَرْءُ مِائَةَ مَرَّةٍ، وأنَّ التَّوْبَةَ مِنَ الذُّنُوبِ كَذَلِكَ، وقَدْ تَقَدَّمَ شِبْهُ هَذِهِ الآيَةِ في آلِ عِمْرانَ وهو قَوْلُهُ ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ [آل عمران: ٩٠] .
فَإنْ قُلْتَ: إذا كانَ كَذَلِكَ فَهَؤُلاءِ القَوْمُ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ أنَّهم لا يُؤْمِنُونَ وأخْبَرَ بِنَفْيِ أنْ يَهْدِيَهم وأنْ يَغْفِرَ لَهم، فَإذَنْ لا فائِدَةَ في الطَّلَبِ مِنهم أنْ يُؤْمِنُوا بَعْدَ هَذا الكَلامِ، فَهَلْ هم مَخْصُوصُونَ مِن آياتِ عُمُومِ الدَّعْوَةِ.
قُلْتُ: الأشْخاصُ الَّذِينَ عَلِمَ اللَّهُ أنَّهم لا يُؤْمِنُونَ، كَأبِي جَهْلٍ، ولَمْ يُخْبِرْ نَبِيئَهُ بِأنَّهم لا يُؤْمِنُونَ فَهم مُخاطَبُونَ بِالإيمانِ مَعَ عُمُومِ الأُمَّةِ، لِأنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعالى بِعَدَمِ إيمانِهِمْ لَمْ يُنْصَبْ عَلَيْهِ أمارَةٌ، كَما عُلِمَ مِن مَسْألَةِ التَّكْلِيفِ بِالمُحالِ لِعارِضٍ في أُصُولِ الفِقْهِ، وأمّا هَؤُلاءِ فَلَوْ كانُوا مَعْرُوفِينَ بِأعْيانِهِمْ لَكانَتْ هَذِهِ الآيَةُ صارِفَةً عَنْ دَعْوَتِهِمْ إلى الإيمانِ بَعْدُ، وإنْ لَمْ يَكُونُوا مَعْرُوفِينَ بِأعْيانِهِمْ فالقَوْلُ فِيهِمْ كالقَوْلِ فِيمَن عَلِمَ اللَّهُ عَدَمَ إيمانِهِ ولَمْ يُخْبِرْ بِهِ، ولَيْسَ ثَمَّةَ ضابِطٌ يَتَحَقَّقُ بِهِ أنَّهم دُعُوا بِأعْيانِهِمْ إلى الإيمانِ بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ ونَحْوِها.
والنَّفْيُ في قَوْلِهِ ﴿لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ﴾ أبْلَغُ مِن: لا يَغْفِرُ اللَّهُ لَهم، لِأنَّ أصْلَ وضْعِ هَذِهِ الصِّيغَةِ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ اسْمَ كانَ لَمْ يُجْعَلْ لِيَصْدُرَ مِنهُ خَبَرُها، ولا شَكَّ أنَّ الشَّيْءَ الَّذِي لَمْ يُجْعَلُ لِشَيْءٍ يَكُونُ نابِيًا عَنْهُ، لِأنَّهُ ضِدُّ طَبْعِهِ، ولَقَدْ أبْدَعَ النُّحاةُ في تَسْمِيَةِ اللّامِ، الَّتِي بَعْدَ كانَ المَنفِيَّةِ لامَ الجُحُودِ.
{"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ثُمَّ كَفَرُوا۟ ثُمَّ ءَامَنُوا۟ ثُمَّ كَفَرُوا۟ ثُمَّ ٱزۡدَادُوا۟ كُفۡرࣰا لَّمۡ یَكُنِ ٱللَّهُ لِیَغۡفِرَ لَهُمۡ وَلَا لِیَهۡدِیَهُمۡ سَبِیلَۢا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق