الباحث القرآني
﴿ولِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ ولَقَدْ وصَّيْنا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِن قَبْلِكم وإيّاكم أنِ اتَّقُوا اللَّهَ وإنْ تَكْفُرُوا فَإنَّ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ وكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا﴾ ﴿ولِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ وكَفى بِاللَّهِ وكِيلًا﴾ ﴿إنْ يَشَأْ يُذْهِبْكم أيُّها النّاسُ ويَأْتِ بِآخَرِينَ وكانَ اللَّهُ عَلى ذَلِكَ قَدِيرًا﴾ .
جُمْلَةُ ﴿ولِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الجُمَلِ الَّتِي قَبْلَها المُتَضَمِّنَةِ التَّحْرِيضِ عَلى التَّقْوى والإحْسانِ وإصْلاحِ الأعْمالِ مِن قَوْلِهِ ﴿وإنْ تُحْسِنُوا وتَتَّقُوا﴾ [النساء: ١٢٨] وقَوْلِهِ ﴿وإنْ تُصْلِحُوا وتَتَّقُوا﴾ [النساء: ١٢٩] وبَيْنَ جُمْلَةِ ﴿ولَقَدْ وصَّيْنا﴾ الآيَةَ.
فَهَذِهِ الجُمْلَةُ تَضَمَّنَتْ تَذْيِيلاتٍ لِتِلْكَ الجُمَلِ السّابِقَةِ، وهي مَعَ ذَلِكَ تَمْهِيدٌ لِما سَيُذْكَرُ بَعْدَها مِن قَوْلِهِ ﴿ولَقَدْ وصَّيْنا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ﴾ إلَخْ لِأنَّها دَلِيلٌ لِوُجُوبِ تَقْوى اللَّهِ.
والمُناسَبَةُ بَيْنَ هَذِهِ الجُمْلَةِ والَّتِي سَبَقَتْها: وهي جُمْلَةُ ﴿يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِن سَعَتِهِ﴾ [النساء: ١٣٠] أنَّ الَّذِي لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ قادِرٌ عَلى أنْ يُغْنِيَ كُلَّ أحَدٍ مِن سَعَتِهِ. وهَذا تَمْجِيدٌ لِلَّهِ تَعالى، وتَذْكِيرٌ بِأنَّهُ رَبُّ العالَمِينَ، وكِنايَةٌ عَنْ عَظِيمِ سُلْطانِهِ واسْتِحْقاقِهِ لِلتَّقْوى.
(p-٢٢٠)وجُمْلَةُ ﴿ولَقَدْ وصَّيْنا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: ١١٦] .
وجُعِلَ الأمْرُ بِالتَّقْوى وصِيَّةً: لِأنَّ الوَصِيَّةَ قَوْلٌ فِيهِ أمْرٌ بِشَيْءٍ نافِعٍ جامِعٍ لِخَيْرٍ كَثِيرٍ، فَلِذَلِكَ كانَ الشَّأْنُ في الوَصِيَّةِ إيجازَ القَوْلِ لِأنَّها يُقْصَدُ مِنها وعْيُ السّامِعِ، واسْتِحْضارُهُ كَلِمَةَ الوَصِيَّةِ في سائِرِ أحْوالِهِ. والتَّقْوى تَجْمَعُ الخَيْراتِ، لِأنَّها امْتِثالُ الأوامِرِ واجْتِنابُ المَناهِي، ولِذَلِكَ قالُوا: ما تَكَرَّرَ لَفْظٌ في القُرْآنِ ما تَكَرَّرَ لَفْظُ التَّقْوى، يَعْنُونَ غَيْرَ الأعْلامِ، كاسْمِ الجَلالَةِ.
وفِي الحَدِيثِ عَنِ العِرْباضِ بْنِ سارِيَةَ: «وعَظَنا رَسُولُ اللَّهِ مَوْعِظَةً وجِلَتْ مِنها القُلُوبُ، وذَرَفَتْ مِنها العُيُونُ، فَقُلْنا يا رَسُولَ اللَّهِ: كَأنَّها مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأوْصِنا، قالَ أُوصِيكم بِتَقْوى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ والسَّمْعِ والطّاعَةِ» .
فَذِكْرُ التَّقْوى في ﴿أنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ إلَخْ تَفْسِيرٌ لِجُمْلَةِ وصَّيْنا، فَأنْ فِيهِ تَفْسِيرِيَّةٌ. والإخْبارُ بِأنَّ اللَّهَ أوْصى الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِن قَبْلُ بِالتَّقْوى مَقْصُودٌ مِنهُ إلْهابُ هِمَمِ المُسْلِمِينَ لِلتَّهَمُّمِ بِتَقْوى اللَّهِ لِئَلّا تَفْضُلَهُمُ الأُمَمُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِن أهْلِ الكِتابِ، فَإنَّ لِلِائْتِساءِ أثَرًا بالِغًا في النُّفُوسِ، كَما قالَ تَعالى ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٣] .
والمُرادُ بِالَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ اليَهُودُ والنَّصارى، فالتَّعْرِيفُ في الكِتابِ تَعْرِيفُ الجِنْسِ فَيَصْدُقُ بِالمُتَعَدِّدِ.
والتَّقْوى المَأْمُورُ بِها هَنا مَنظُورٌ فِيها إلى أساسِها وهو الإيمانُ بِاللَّهِ ورُسُلِهِ ولِذَلِكَ قُوبِلَتْ بِجُمْلَةِ ﴿وإنْ تَكْفُرُوا فَإنَّ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ .
وبَيَّنَ بِها عَدَمَ حاجَتِهِ تَعالى إلى تَقْوى النّاسِ، ولَكِنَّها لِصَلاحِ أنْفُسِهِمْ، كَما قالَ ﴿إنْ تَكْفُرُوا فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكم ولا يَرْضى لِعِبادِهِ الكُفْرَ﴾ [الزمر: ٧] .
فَقَوْلُهُ ﴿فَإنَّ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ كِنايَةٌ عَنْ عَدَمِ التَّضَرُّرِ بِعِصْيانِ مَن يَعْصُونَهُ، ولِذَلِكَ جَعَلَها جَوابًا لِلشَّرْطِ، إذِ التَّقْدِيرُ فَإنَّهُ غَنِيٌّ عَنْكم. وتَأيَّدَ ذَلِكَ القَصْدُ بِتَذْيِيلِها بِقَوْلِهِ ﴿وكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا﴾ أيْ غَنِيًّا عَنْ طاعَتِكم، مَحْمُودًا لِذاتِهِ، سَواءٌ حَمِدَهُ الحامِدُونَ وأطاعُوهُ، أمْ كَفَرُوا وعَصَوْهُ.
وقَدْ ظَهَرَ بِهَذا أنَّ جُمْلَةَ ﴿وإنْ تَكْفُرُوا﴾ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿أنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ فَهي مِن تَمامِ الوَصِيَّةِ، أيْ مِن مَقُولِ القَوْلِ المُعَبَّرِ عَنْهُ بِـ ”وصَّيْنا“، فَيَحْسُنُ الوَقْفُ عَلى قَوْلِهِ ”حَمِيدًا.
(p-٢٢١)وأمّا جُمْلَةُ ﴿ولِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ وكَفى بِاللَّهِ وكِيلًا﴾ فَهي عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿ولَقَدْ وصَّيْنا﴾، أتى بِها تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ ﴿إنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾ فَهي مُرادٌ بِها مَعْناها الكِنائِيُّ الَّذِي هو التَّمَكُّنُ مِنَ التَّصَرُّفِ بِالإيجادِ والإعْدامِ، ولِذَلِكَ لا يَحْسُنُ الوَقْفُ عَلى قَوْلِهِ“ وكِيلًا ”.
فَقَدْ تَكَرَّرَتْ جُمْلَةُ ﴿ولِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ هُنا ثَلاثَ مَرّاتٍ مُتَتالِياتٍ مُتَّحِدَةً لَفْظًا ومَعْنًى أصْلِيًّا، ومُخْتَلِفَةَ الأغْراضِ الكِنائِيَّةِ المَقْصُودَةِ مِنها، وسَبَقَتْها جُمْلَةٌ نَظِيرَتُهُنَّ: وهي ما تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ ﴿ولِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ وكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا﴾ [النساء: ١٢٦]، فَحَصَلَ تَكْرارُها أرْبَعَ مَرّاتٍ في كَلامٍ مُتَناسِقٍ.
فَأمّا الأُولى السّابِقَةُ فَهي واقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِجُمْلَةِ ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشاءُ﴾ [النساء: ١١٦]، ولِقَوْلِهِ ﴿ومَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: ١١٦]، والتَّذْيِيلِ لَهُما، والِاحْتِراسِ لِجُمْلَةِ ﴿واتَّخَذَ اللَّهُ إبْراهِيمَ خَلِيلًا﴾ [النساء: ١٢٥]، كَما ذَكَرْناهُ آنِفًا.
وأمّا الثّانِيَةُ الَّتِي بَعْدَها فَواقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِجُمْلَةِ ﴿يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِن سَعَتِهِ﴾ [النساء: ١٣٠] .
وأمّا الثّالِثَةُ الَّتِي تَلِيها فَهي عِلَّةٌ لِلْجَوابِ المَحْذُوفِ، وهو جَوابُ قَوْلِهِ ﴿وإنْ تَكْفُرُوا﴾؛ فالتَّقْدِيرُ: وإنْ تَكْفُرُوا فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ تَقْواكم وإيمانِكم فَإنَّ لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ، وكانَ ولا يَزالُ غَنِيًّا حَمِيدًا.
وأمّا الرّابِعَةُ الَّتِي تَلِيها فَعاطِفَةٌ عَلى مُقَدَّرٍ مَعْطُوفٍ عَلى جَوابِ الشَّرْطِ تَقْدِيرُهُ: وإنْ تَكْفُرُوا بِاللَّهِ وبِرَسُولِهِ فَإنَّ اللَّهَ وكَيْلٌ عَلَيْكم ووَكِيلٌ عَنْ رَسُولِهِ وكَفى بِاللَّهِ وكِيلًا.
وجُمْلَةُ ﴿إنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾ واقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّفْرِيعِ عَنْ قَوْلِهِ ﴿غَنِيًّا حَمِيدًا﴾ . والخِطابُ بِقَوْلِهِ ﴿أيُّها النّاسُ﴾ لِلنّاسِ كُلِّهِمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الخِطابَ تَنْبِيهًا لَهم بِهَذا النِّداءِ. ومَعْنى ﴿ويَأْتِ بِآخَرِينَ﴾ يُوجِدُ ناسًا آخَرِينَ يَكُونُونَ خَيْرًا مِنكم في تَلَقِّي الدِّينِ.
وقَدْ عُلِمَ مِن مُقابَلَةِ قَوْلِهِ ﴿أيُّها النّاسُ﴾ بِقَوْلِهِ“ آخَرِينَ " أنَّ المَعْنى بِناسٍ آخَرِينَ غَيْرِ كافِرِينَ، عَلى ما هو الشّائِعُ في الوَصْفِ بِكَلِمَةِ آخَرَ أوْ أُخْرى، بَعْدَ ذِكْرِ مُقابِلٍ لِلْمَوْصُوفِ، أنْ يَكُونَ المَوْصُوفُ بِكَلِمَةِ آخَرَ بَعْضًا مِن جِنْسِ ما عُطِفَ هو عَلَيْهِ بِاعْتِبارِ ما جَعَلَهُ المُتَكَلِّمُ جِنْسًا في كَلامِهِ، بِالتَّصْرِيحِ أوِ التَّقْدِيرِ.
وقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ عُلَماءِ اللُّغَةِ إلى لُزُومِ ذَلِكَ، واحْتَفَلَ بِهَذِهِ المَسْألَةِ الحَرِيرِيُّ في دُرَّةِ الغَوّاصِ. وحاصِلُها: أنَّ الأخْفَشَ الصَّغِيرَ، والحَرِيرِيَّ، والرَّضِيَّ، وابْنَ يَسْعُونَ، والصِّقِلِّيَّ، وأبا حَيّانَ، ذَهَبُوا إلى اشْتِراطِ اتِّحادِ جِنْسِ المَوْصُوفِ بِكَلِمَةِ آخَرَ، وما تَصَرَّفَ مِنها، مَعَ جِنْسِ ما عُطِفَ هو (p-٢٢٢)عَلَيْهِ.
فَلا يَجُوزُ عِنْدَهم أنْ تَقُولَ: رَكِبْتُ فَرَسًا وحِمارًا آخَرَ، ومَثَّلُوا لِما اسْتَكْمَلَ الشَّرْطَ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿أيّامًا مَعْدُوداتٍ﴾ [البقرة: ١٨٤] ثُمَّ قالَ ﴿فَعِدَّةٌ مِن أيّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٤] وبِقَوْلِهِ ﴿أفَرَأيْتُمُ اللّاتَ والعُزّى﴾ [النجم: ١٩] ﴿ومَناةَ الثّالِثَةَ الأُخْرى﴾ [النجم: ٢٠] فَوَصَفَ مَناةَ بِالأُخْرى لِأنَّها مِن جِنْسِ اللّاتِ والعُزّى في أنَّها صَنَمٌ، قالُوا: ومِثْلُ كَلِمَةِ آخَرَ في هَذا كَلِماتُ: سائِرٍ، وبَقِيَّةٍ، وبَعْضٍ، فَلا تَقُولُ: أكْرَمْتُ رَجُلًا وتَرَكْتُ سائِرَ النِّساءِ. .
ولَقَدْ غَلا بَعْضُ هَؤُلاءِ النُّحاةِ فاشْتَرَطُوا الِاتِّحادَ بَيْنَ المَوْصُوفِ بِآخَرَ وبَيْنَ ما عُطِفَ هو عَلَيْهِ حَتّى في الإفْرادِ وضِدِّهِ.
قالَهُ ابْنُ يَسْعُونَ والصِّقِلِّيُّ، ورَدَّهُ ابْنُ هِشامٍ في التَّذْكِرَةِ مُحْتَجًّا بِقَوْلِ رَبِيعَةَ بْنِ مُكَدَّمٍ:
؎ولَقَدْ شَفَعْتُهُما بِآخَرَ ثالِثٍ وأبى الفِرارَ لِيَ الغَداةَ تَكَرُّمِي
وبِقَوْلِ أبِي حَيَّةَ النُّمَيْرِيِّ:
؎وكُنْتُ أمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ مُعْتَدِلًا ∗∗∗ فَصِرْتُ أمْشِي عَلى أُخْرى مِنَ الشَّجَرِ
.
وقالَ قَوْمٌ بِلُزُومِ الِاتِّحادِ في التَّذْكِيرِ وضِدِّهِ، واخْتارَهُ ابْنُ جِنِّي، وخالَفَهُمُ المُبَرِّدُ، واحْتَجَّ المُبَرِّدُ بِقَوْلِ عَنْتَرَةَ:
؎والخَيْلُ تَقْتَحِمُ الغُبارَ عَوابِسًا ∗∗∗ مِن بَيْنِ شَيْظَمَةٍ وآخَرَ شَيْظَمِ
وذَهَبَ الزَّمَخْشَرِيُّ وابْنُ عَطِيَّةَ إلى عَدَمِ اشْتِراطِ اتِّحادِ المَوْصُوفِ بِآخَرَ مَعَ ما عُطِفَ هو عَلَيْهِ، ولِذَلِكَ جَوَّزا في هَذِهِ الآيَةِ أنْ يَكُونَ المَعْنى: ويَأْتِ بِخَلْقٍ آخَرِينَ غَيْرِ الإنْسِ.
واتَّفَقُوا عَلى أنَّهُ لا يَجُوزُ أنْ يُوصَفَ بِكَلِمَةِ آخَرَ مَوْصُوفٌ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ ذِكْرُ مُقابِلٍ لَهُ أصْلًا، فَلا تَقُولُ: جاءَنِي آخَرُ، مِن غَيْرِ أنْ تَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ قَبْلُ، لِأنَّ مَعْنى آخَرَ مَعْنًى مُغايِرٌ في الذّاتِ مُجانِسٌ في الوَصْفِ. وأمّا قَوْلُ كُثَيِّرٍ:
؎صَلّى عَلى عَزَّةَ الرَّحْمَنُ وابْنَتِها ∗∗∗ لُبْنى وصَلّى عَلى جاراتِها الأُخَرِ
فَمَحْمُولٌ عَلى أنَّهُ جَعَلَ ابْنَتَها جارَةً، أوْ أنَّهُ أرادَ: صَلّى عَلى حَبائِبِي: عَزَّةَ وابْنَتِها وجاراتِها حَبائِبِي الأُخَرِ.
وقالَ أبُو الحَسَنِ لا يَجُوزُ ذَلِكَ إلّا في الشِّعْرِ، ولَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ بِشاهِدٍ.
(p-٢٢٣)قالَ أبُو الحَسَنِ: وقَدْ يَجُوزُ ما امْتَنَعَ مِن ذَلِكَ بِتَأْوِيلٍ، نَحْوِ: رَأيْتُ فَرَسًا وحِمارًا آخَرَ بِتَأْوِيلِ أنَّهُ دابَّةٌ. وقَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ:
؎إذا قُلْتُ هَذا صاحِبِي ورَضِيتُهُ ∗∗∗ وقَرَّتْ بِهِ العَيْنانِ بُدِّلْتُ آخَرا
قُلْتُ: وقَدْ يُجْعَلَ بَيْتُ كُثَيِّرٍ مِن هَذا، ويَكُونُ الِاعْتِمادُ عَلى القَرِينَةِ.
وقَدْ عُدَّ في هَذا القَبِيلِ قَوْلُ العَرَبِ: تَرِبَتْ يَمِينُ الآخَرِ، وفي الحَدِيثِ: «قالَ الأعْرابِيُّ لِلنَّبِيءِ ﷺ إنَّ الآخَرَ وقَعَ عَلى أهْلِهِ في رَمَضانَ» كِنايَةً عَنْ نَفْسِهِ، وكَأنَّهُ مِن قَبِيلِ التَّجْرِيدِ، أيْ جَرَّدَ مِن نَفْسِهِ شَخْصًا تَنْزِيهًا لِنَفْسِهِ مِن أنْ يَتَحَدَّثَ عَنْها بِما ذَكَرَهُ.
وفِي حَدِيثِ الأسْلَمِيِّ في المُوَطَّأِ: أنَّهُ قالَ لِأبِي بَكْرٍ إنَّ الآخَرَ قَدْ زَنى، وبَعْضُ أهْلِ الحَدِيثِ يَضْبُطُونَهُ بِالقَصْرِ وكَسْرِ الخاءِ، وصَوَّبَهُ المُحَقِّقُونَ.
وفِي الآيَةِ إشارَةٌ إلى أنَّ اللَّهَ سَيُخْلِفُ مِنَ المُشْرِكِينَ قَوْمًا آخَرِينَ مُؤْمِنِينَ، فَإنَّ اللَّهَ أهْلَكَ بَعْضَ المُشْرِكِينَ عَلى شِرْكِهِ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ، ولَمْ يَشَأْ إهْلاكَ جَمِيعِهِمْ. وفي الحَدِيثِ: «لَعَلَّ اللَّهَ أنْ يُخْرِجَ مِن أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُهُ» .
{"ayahs_start":131,"ayahs":["وَلِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۗ وَلَقَدۡ وَصَّیۡنَا ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَإِیَّاكُمۡ أَنِ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ وَإِن تَكۡفُرُوا۟ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَنِیًّا حَمِیدࣰا","وَلِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِیلًا","إِن یَشَأۡ یُذۡهِبۡكُمۡ أَیُّهَا ٱلنَّاسُ وَیَأۡتِ بِـَٔاخَرِینَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ ذَ ٰلِكَ قَدِیرࣰا"],"ayah":"وَلِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۗ وَلَقَدۡ وَصَّیۡنَا ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَإِیَّاكُمۡ أَنِ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ وَإِن تَكۡفُرُوا۟ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَنِیًّا حَمِیدࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق