الباحث القرآني
﴿ومَن أحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أسْلَمَ وجْهَهُ لِلَّهِ وهو مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إبْراهِيمَ حَنِيفًا واتَّخَذَ اللَّهُ إبْراهِيمَ خَلِيلًا﴾ ﴿ولِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ وكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا﴾ .
الأظْهَرُ أنَّ الواوَ لِلْحالِ مِن ضَمِيرِ ﴿يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ﴾ [النساء: ١٢٤] الَّذِي ماصَدَقُهُ المُؤْمِنُونَ الصّالِحُونَ، فَلَمّا ذَكَرَ ثَوابَ المُؤْمِنِينَ أعْقَبَهُ بِتَفْضِيلِ دِينِهِمْ. والِاسْتِفْهامُ إنْكارِيٌّ. وانْتَصَبَ دِينًا عَلى التَّمْيِيزِ.
وإسْلامُ الوَجْهِ كِنايَةٌ عَنْ تَمامِ الطّاعَةِ والِاعْتِرافِ بِالعُبُودِيَّةِ، وهو أحْسَنُ الكِناياتِ، لِأنَّ الوَجْهَ أشْرَفُ الأعْضاءِ، وفِيهِ ما كانَ بِهِ الإنْسانُ إنْسانًا، وفي القُرْآنِ ﴿فَقُلْ أسْلَمْتُ وجْهِيَ لِلَّهِ ومَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [آل عمران: ٢٠] . والعَرَبُ تَذْكُرُ أشْياءَ مِن هَذا القَبِيلِ كَقَوْلِهِ ﴿لَنَسْفَعًا بِالنّاصِيَةِ﴾ [العلق: ١٥]، ويَقُولُونَ: أخَذَ بِساقِهِ، أيْ تَمَكَّنَ مِنهُ، وكَأنَّهُ تَمْثِيلٌ لِإمْساكِ الرُّعاةِ الأنْعامَ.
وفِي الحَدِيثِ «الطَّلاقُ لِمَن أخَذَ بِالسّاقِ» . ويَقُولُونَ: ألْقى إلَيْهِ القِيادَ، وألْقى إلَيْهِ الزِّمامَ، وقالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ:
؎يَقُولُ أنْفِي لَكَ عانٍ راغِمُ
ويَقُولُونَ: يَدِي رَهْنٌ لِفُلانٍ. وأرادَ بِإسْلامِ الوَجْهِ الِاعْتِرافَ بِوُجُودِ اللَّهِ ووَحْدانِيَّتِهِ. وقَدْ تَقَدَّمَ ما فِيهِ بَيانٌ لِهَذا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ﴾ [آل عمران: ١٩] وقَوْلِهِ ﴿وأوْصى بِها إبْراهِيمُ بَنِيهِ﴾ [البقرة: ١٣٢] .
(p-٢١١)وجُمْلَةُ ﴿وهُوَ مُحْسِنٌ﴾ حالٌ قُصِدَ مِنها اتِّصافُهُ بِالإحْسانِ حِينَ إسْلامِهِ وجْهَهُ لِلَّهِ، أيْ خَلَعَ الشِّرْكَ قاصِدًا الإحْسانَ، أيْ راغِبًا في الإسْلامِ لِما رَأى فِيهِ مِنَ الدَّعْوَةِ إلى الإحْسانِ. ومَعْنى ﴿واتَّبَعَ مِلَّةَ إبْراهِيمَ حَنِيفًا﴾ أنَّهُ اتَّبَعَ شَرِيعَةَ الإسْلامِ الَّتِي هي عَلى أُسُسِ مِلَّةِ إبْراهِيمَ. فَهَذِهِ ثَلاثَةُ أوْصافٍ بِها يَكْمُلُ مَعْنى الدُّخُولِ في الإسْلامِ، ولَعَلَّها هي: الإيمانُ، والإحْسانُ، والإسْلامُ. ولَكَ أنْ تَجْعَلَ مَعْنى ﴿أسْلَمَ وجْهَهُ لِلَّهِ﴾ أنَّهُ دَخَلَ في الإسْلامِ، وأنَّ قَوْلَهُ ﴿وهُوَ مُحْسِنٌ﴾ مُخْلِصٌ راغِبٌ في الخَيْرِ، وأنَّ اتِّباعَ مِلَّةِ إبْراهِيمَ عَنى بِهِ التَّوْحِيدَ. وتَقَدَّمَ أنَّ حَنِيفًا مَعْناهُ مائِلًا عَنِ الشِّرْكِ أوْ مُتَعَبِّدًا. وإذا جَعَلْتَ مَعْنى قَوْلِهِ ﴿وهُوَ مُحْسِنٌ﴾ أيْ عامِلٌ الصّالِحاتِ كانَ قَوْلُهُ ﴿واتَّبَعَ مِلَّةَ إبْراهِيمَ حَنِيفًا﴾ بِمَنزِلَةِ عَطْفِ المُرادِفِ وهو بَعِيدٌ.
وقَوْلُهُ ﴿واتَّخَذَ اللَّهُ إبْراهِيمَ خَلِيلًا﴾ عَطَفَ ثَناءَ إبْراهِيمَ عَلى مَدْحِ مَنِ اتَّبَعَ دِينَهُ: زِيادَةَ تَنْوِيهٍ بِدِينِ إبْراهِيمَ، فَأخْبَرَ أنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ إبْراهِيمَ خَلِيلًا. والخَلِيلُ في كَلامِ العَرَبِ الصّاحِبُ المُلازِمُ الَّذِي لا يَخْفى عَنْهُ شَيْءٌ مِن أُمُورِ صاحِبِهِ، مُشْتَقٌّ مِنَ الخِلالِ، وهو النَّواحِي المُتَخَلِّلَةُ لِلْمَكانِ ﴿فَتَرى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِن خِلالِهِ﴾ [النور: ٤٣] ﴿وفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَرًا﴾ [الكهف: ٣٣] . هَذا أظْهَرُ الوُجُوهِ في اشْتِقاقِ الخَلِيلِ. ويُقالُ: خِلٌّ وخُلٌّ بِكَسْرِ الخاءِ وضَمِّها ومُؤَنَّثُهُ: خُلَّةٌ بِضَمِّ الخاءِ، ولا يُقالُ بِكَسْرِ الخاءِ، قالَ كَعْبٌ:
؎أكْرِمْ بِها خُلَّةً لَوْ أنَّها صَدَقَتْ
وجَمْعُها خَلائِلُ. وتُطْلَقُ الخُلَّةُ - بِضَمِّ الخاءِ - عَلى الصُّحْبَةِ الخالِصَةِ ﴿لا بَيْعٌ فِيهِ ولا خُلَّةٌ ولا شَفاعَةٌ﴾ [البقرة: ٢٥٤]، وجَمْعُها خِلالٌ ﴿مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ ولا خِلالٌ﴾ [إبراهيم: ٣١] . ومَعْنى اتِّخاذِ اللَّهِ إبْراهِيمَ خَلِيلًا شِدَّةُ رِضا اللَّهِ عَنْهُ، إذْ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أحَدٍ أنَّ الخُلَّةَ الحَقِيقِيَّةَ تَسْتَحِيلُ عَلى اللَّهِ فَأُرِيدَ لَوازِمُها وهي الرِّضا، واسْتِجابَةُ الدَّعْوَةِ، وذِكْرُهُ بِخَيْرٍ، ونَحْوُ ذَلِكَ.
وجُمْلَةُ ﴿ولِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ إلَخْ تَذْيِيلٌ جُعِلَ كالِاحْتِراسِ، عَلى أنَّ المُرادَ بِالخَلِيلِ لازِمُ مَعْنى الخُلَّةِ، ولَيْسَتْ هي كَخُلَّةِ النّاسِ مُقْتَضِيَةً المُساواةَ أوِ التَّفْضِيلَ. فالمُرادُ مِنها الكِنايَةُ عَنْ عُبُودِيَّةِ إبْراهِيمَ في جُمْلَةِ ﴿ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ . والمُحِيطُ: العَلِيمُ.
{"ayahs_start":125,"ayahs":["وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِینࣰا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنࣱ وَٱتَّبَعَ مِلَّةَ إِبۡرَ ٰهِیمَ حَنِیفࣰاۗ وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَ ٰهِیمَ خَلِیلࣰا","وَلِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءࣲ مُّحِیطࣰا"],"ayah":"وَلِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءࣲ مُّحِیطࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق