الباحث القرآني
﴿ومَن يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الهُدى ويَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّى ونُصْلِهِ جَهَنَّمَ وساءَتْ مَصِيرًا﴾ .
عَطْفٌ عَلى ﴿ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاةِ اللَّهِ﴾ [النساء: ١١٤] بِمُناسَبَةِ تَضادِّ الحالَيْنِ. والمُشاقَّةُ: المُخالَفَةُ المَقْصُودَةُ، مُشْتَقَّةٌ مِنَ الشِّقِّ لِأنَّ المُخالِفَ كَأنَّهُ يَخْتارُ شِقًّا يَكُونُ فِيهِ غَيْرَ شِقِّ الآخَرِ.
فَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ ﴿مِن بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الهُدى﴾ أنْ يَكُونَ أرادَ بِهِ مِن بَعْدِ ما آمَنَ بِالرَّسُولِ فَتَكُونُ الآيَةُ وعِيدًا لِلْمُرْتَدِّ. ومُناسَبَتُها هُنا أنَّ بَشِيرَ بْنَ أُبَيْرِقٍ صاحِبَ القِصَّةِ المُتَقَدِّمَةِ، (p-٢٠١)لَمّا افْتَضَحَ أمْرُهُ ارْتَدَّ ولَحِقَ بِمَكَّةَ، ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ مُرادًا بِهِ مِن بَعْدِ ما ظَهَرَ صِدْقُ الرَّسُولِ بِالمُعْجِزاتِ، ولَكِنَّهُ شاقَّهُ عِنادًا ونِواءً لِلْإسْلامِ.
وسَبِيلُ كُلِّ قَوْمٍ طَرِيقَتُهُمُ الَّتِي يَسْلُكُونَها في وصْفِهِمُ الخاصِّ، فالسَّبِيلُ مُسْتَعارٌ لِلِاعْتِقاداتِ والأفْعالِ والعاداتِ، الَّتِي يُلازِمُها أحَدٌ ولا يَبْتَغِي التَّحَوُّلَ عَنْها، كَما يُلازِمُ قاصِدُ المَكانِ طَرِيقًا يُبَلِّغُهُ إلى قَصْدِهِ، قالَ تَعالى ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي﴾ [يوسف: ١٠٨] . ومَعْنى هَذِهِ الآيَةِ نَظِيرُ مَعْنى قَوْلِهِ ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وشاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وسَيُحْبِطُ أعْمالَهُمْ﴾ [محمد: ٣٢]، فَمَنِ اتَّبَعَ سَبِيلَ المُؤْمِنِينَ في الإيمانِ واتَّبَعَ سَبِيلَ غَيْرِهِمْ في غَيْرِ الكُفْرِ مِثْلَ اتِّباعِ سَبِيلِ يَهُودِ خَيْبَرَ في غِراسَةِ النَّخِيلِ، أوْ بِناءِ الحُصُونِ، لا يَحْسُنُ أنْ يُقالَ فِيهِ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ.
وكَأنَّ فائِدَةَ عَطْفِ اتِّباعِ غَيْرِ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ عَلى مُشاقَّةِ الرَّسُولِ الحَيْطَةُ لِحِفْظِ الجامِعَةِ الإسْلامِيَّةِ بَعْدَ الرَّسُولِ، فَقَدِ ارْتَدَّ بَعْضُ العَرَبِ بَعْدَ الرَّسُولِ ﷺ .
وقالَ الحُطَيْئَةُ في ذَلِكَ:
؎أطَعْنا رَسُولَ اللَّهِ إذْ كانَ بَيْنَنا فَيا لِعِبادِ اللَّهِ ما لِأبِي بَكْرِ
فَكانُوا مِمَّنِ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ ولَمْ يُشاقُّوا الرَّسُولَ.
ومَعْنى قَوْلِهِ ﴿نُوَلِّهِ ما تَوَلّى﴾ الإعْراضُ عَنْهُ، أيْ نَتْرُكُهُ وشَأْنَهُ لِقِلَّةِ الِاكْتِراثِ بِهِ، كَما ورَدَ في الحَدِيثِ: وأمّا الآخَرُ فَأعْرَضَ فَأعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ. وقَدْ شاعَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِن عُلَماءِ أُصُولِ الفِقْهِ الِاحْتِجاجُ بِهَذِهِ الآيَةِ، لِكَوْنِ إجْماعِ عُلَماءِ الإسْلامِ عَلى حُكْمٍ مِنَ الأحْكامِ حُجَّةً، وأوَّلُ مَنِ احْتَجَّ بِها عَلى ذَلِكَ الشّافِعِيُّ.
قالَ الفَخْرُ: رُوِيَ أنَّ الشّافِعِيَّ سُئِلَ عَنْ آيَةٍ في كِتابِ اللَّهِ تَدُلُّ عَلى أنَّ الإجْماعَ حُجَّةٌ فَقَرَأ القُرْآنَ ثَلاثَمِائَةِ مَرَّةٍ حَتّى وجَدَ هَذِهِ الآيَةَ.
وتَقْرِيرُ الِاسْتِدْلالِ أنَّ اتِّباعَ غَيْرِ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ حَرامٌ، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ اتِّباعُ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ واجِبًا. بَيانُ المُقَدِّمَةِ الأُولى: أنَّهُ تَعالى ألْحَقَ الوَعِيدَ بِمَن يُشاقِقِ الرَّسُولَ ويَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ، ومُشاقَّةُ الرَّسُولِ وحْدَها مُوجِبَةٌ لِهَذا الوَعِيدِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ اتِّباعُ غَيْرِ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ مُوجِبًا لَهُ، لَكانَ ذَلِكَ ضَمًّا لِما لا أثَرَ لَهُ في الوَعِيدِ إلى ما هو مُسْتَقِلٌّ بِاقْتِضاءِ ذَلِكَ الوَعِيدِ، وأنَّهُ غَيْرُ جائِزٍ، فَثَبَتَ أنَّ اتِّباعَ غَيْرِ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ حَرامٌ، فَإذا ثَبَتَ هَذا لَزِمَ أنْ يَكُونَ اتِّباعُ سَبِيلِهِمْ واجِبًا.
وقَدْ قَرَّرَ (p-٢٠٢)غَيْرُهُ الِاسْتِدْلالَ بِالآيَةِ عَلى حُجِّيَّةِ الإجْماعِ بِطُرُقٍ أُخْرى، وكُلُّها عَلى ما فِيها مِن ضَعْفٍ في التَّقْرِيبِ، وهو اسْتِلْزامُ الدَّلِيلِ لِلْمُدَّعِي، قَدْ أُورِدَتْ عَلَيْها نُقُوضٌ أشارَ إلَيْها ابْنُ الحاجِبِ في المُخْتَصَرِ. واتَّفَقَتْ كَلِمَةُ المُحَقِّقِينَ: الغَزالِيِّ، والإمامِ في المَعالِمِ، وابْنِ الحاجِبِ، عَلى تَوْهِينِ الِاسْتِدْلالِ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى حُجِّيَّةِ الإجْماعِ.
{"ayah":"وَمَن یُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَیَتَّبِعۡ غَیۡرَ سَبِیلِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَاۤءَتۡ مَصِیرًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق