الباحث القرآني
(p-٣٥٧)﴿قُلْ إنِّيَ أُمِرْتُ أنْ أعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ ﴿وأُمِرْتُ لِأنْ أكُونَ أوَّلَ المُسْلِمِينَ﴾ بَعْدَ أنْ أمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ ﷺ بِخِطابِ المُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ ﴿قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا﴾ [الزمر: ١٠] أمَرَ رَسُولَهُ ﷺ بَعْدَ ذَلِكَ أنْ يَقُولَ قَوْلًا يَتَعَيَّنُ أنَّهُ مَقُولٌ لِغَيْرِ المُسْلِمِينَ.
نَقَلَ الفَخْرُ عَنْ مُقاتِلٍ: «أنَّ كُفّارَ قُرَيْشٍ قالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ: ما يَحْمِلُكَ عَلى هَذا الدِّينِ الَّذِي أتَيْتَنا بِهِ، ألا تَنْظُرُ إلى مِلَّةِ أبِيكَ وجِدِّكَ وساداتِ قَوْمِكَ يَعْبُدُونَ اللّاتَ والعُزّى، فَأنْزَلَ اللَّهُ ﴿قُلْ إنِّي أُمِرْتُ أنْ أعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ»﴾ .
وحَقًّا فَإنَّ إخْبارَ النَّبِيءِ بِذَلِكَ إذا حُمِلَ عَلى صَرِيحِهِ إنَّما يُناسِبُ تَوْجِيهَهُ إلى المُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ صَرْفَهُ عَنْ ذَلِكَ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُوَجَّهًا إلى المُسْلِمِينَ الَّذِينَ أذِنَ اللَّهُ لَهم بِالهِجْرَةِ إلى الحَبَشَةِ عَلى أنَّهُ تَوْجِيهٌ لِبَقائِهِ بِمَكَّةَ لا يُهاجِرُ مَعَهم لِأنَّ الإذْنَ لَهم بِالهِجْرَةِ لِلْأمْنِ عَلى دِينِهِمْ مِنَ الفِتَنِ، فَلَعَلَّهم تَرَقَّبُوا أنْ يُهاجِرَ الرَّسُولُ ﷺ مَعَهم إلى الحَبَشَةِ فَآذَنَهُمُ الرَّسُولُ ﷺ بِأنَّ اللَّهَ أمَرَهُ أنْ يَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ، أيْ: أنَّ يُوَحِّدُهُ في مَكَّةَ فَتَكُونُ الآيَةُ ناظِرَةً إلى قَوْلِهِ تَعالى ﴿فاصْدَعْ بِما تُؤْمَرْ وأُعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ إنّا كَفَيْناكَ المُسْتَهْزِئِينَ﴾ [الحجر: ٩٤] أيْ: أنَّ اللَّهَ أمَرَهُ بِأنْ يُقِيمَ عَلى التَّبْلِيغِ بِمَكَّةَ فَإنَّهُ لَوْ هاجَرَ إلى الحَبَشَةِ لانْقَطَعَتِ الدَّعْوَةُ وإنَّما كانَتْ هِجْرَتُهم إلى الحَبَشَةِ رُخْصَةً لَهم إذْ ضَعُفُوا عَنْ دِفاعِ المُشْرِكِينَ عَنْ دِينِهِمْ ولَمْ يُرَخَّصْ ذَلِكَ لِلنَّبِيءِ ﷺ .
وقَدْ جاءَ قَرِيبٌ مِن هَذِهِ الآيَةِ بَعْدَ ذِكْرِ أنَّ حَياةَ الرَّسُولِ ﷺ ومَماتَهُ لِلَّهِ، أيْ: فَلا يَفْرَقَ مِنَ المَوْتِ في سَبِيلِ الدِّينِ وذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى في سُورَةِ الأنْعامِ ﴿قُلْ إنَّ صَلاتِي ونُسُكِي ومَحْيايَ ومَماتِي لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأنا أوَّلُ المُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام: ١٦٢] .
(p-٣٥٨)فَكانَ قَوْلُهُ ﴿لِأنْ أكُونَ أوَّلَ المُسْلِمِينَ﴾ عِلَّةً لِـ ﴿أعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ فالتَّقْدِيرُ: وأُمِرْتُ بِذَلِكَ لِأنْ أكُونَ أوَّلَ المُسْلِمِينَ، فَمُتَعَلِّقُ أُمِرْتُ مَحْذُوفٌ لِدَلالَةِ قَوْلِهِ ﴿أنْ أعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ عَلَيْهِ.
فَـ ”أوَّلَ“ هُنا مُسْتَعْمَلٌ في مَجازِهِ فَقَطْ إذْ لَيْسَ المَقْصُودُ مِنَ الأوَّلِيَّةِ مُجَرَّدُ السَّبْقِ في الزَّمانِ فَإنَّ ذَلِكَ حَصَلَ فَلا جَدْوى في الإخْبارِ بِهِ، وإنَّما المَقْصُودُ أنَّهُ مَأْمُورٌ بِأنْ يَكُونَ أقْوى المُسْلِمِينَ إسْلامًا بِحَيْثُ أنَّ ما يَقُومُ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ مِن أُمُورِ الإسْلامِ أعْظَمُ مِمّا يَقُومُ بِهِ كُلُّ مُسْلِمٍ كَما قالَ «إنِّي لِأتْقاكم لِلَّهِ وأعْلَمُكم بِهِ» .
وعَطْفُ ”وأُمِرْتُ“ الثّانِي عَلى ”أُمِرْتُ“ الأوَّلِ لِلتَّنْوِيهِ بِهَذا الأمْرِ الثّانِي ولِأنَّهُ غايَرَ الأمْرَ الأوَّلَ بِضَمِيمَةِ قَيْدِ التَّعْلِيلِ فَصارَ ذِكْرُ الأمْرِ الأوَّلِ لِبَيانِ المَأْمُورِ، وذِكْرُ الأمْرِ الثّانِي لِبَيانِ المَأْمُورِ لِأجْلِهِ، لِيُشِيرَ إلى أنَّهُ أمَرَ بِأمْرَيْنِ عَظِيمَيْنِ: أحَدُهُما يُشارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ وهو أنْ يَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ، والثّانِي يَخْتَصُّ بِهِ وهو أنْ يَعْبُدَهُ كَذَلِكَ لِيَكُونَ بِعِبادَتِهِ أوَّلَ المُسْلِمِينَ، أيْ: أمَرَهُ اللَّهُ بِأنْ يَبْلُغَ الغايَةَ القُصْوى في عِبادَةِ اللَّهِ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ، فَجَعَلَ وجُودَهُ مُتَمَحَّضًا لِلْإخْلاصِ عَلى أيِّ حالٍ كانَ؛ كَما قالَ في الآيَةِ الأُخْرى ﴿قُلْ إنَّ صَلاتِي ونُسُكِي ومَحْيايَ ومَماتِي لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾ [الأنعام: ١٦٢] ﴿لا شَرِيكَ لَهُ وبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأنا أوَّلُ المُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام: ١٦٣] .
واعْلَمْ أنَّهُ لَمّا كانَ الإسْلامُ هو دِينُ الأنْبِياءِ في خاصَّتِهِمْ كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَلا تَمُوتُنَّ إلّا وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: ١٣٢] في سُورَةِ البَقَرَةِ؛ ونَظائِرِها كَثِيرَةٌ، كانَتْ في هَذِهِ الآيَةِ دَلالَةً عَلى أنَّ مُحَمَّدًا ﷺ أفْضَلُ الرُّسُلِ لِشُمُولِ لَفْظِ المُسْلِمِينَ لِلرُّسُلِ السّابِقِينَ.
{"ayahs_start":11,"ayahs":["قُلۡ إِنِّیۤ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱللَّهَ مُخۡلِصࣰا لَّهُ ٱلدِّینَ","وَأُمِرۡتُ لِأَنۡ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلۡمُسۡلِمِینَ"],"ayah":"قُلۡ إِنِّیۤ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱللَّهَ مُخۡلِصࣰا لَّهُ ٱلدِّینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق