الباحث القرآني

﴿هَذا عَطاؤُنا فامْنُنْ أوْ أمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ والإشارَةُ إلى التَّسْخِيرِ المُسْتَفادِ مِن ﴿سَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ﴾ [ص: ٣٦] إلى قَوْلِهِ تَعالى والشَّياطِينَ؛ أيْ: هَذا التَّسْخِيرُ عَطاؤُنا. والإضافَةُ لِتَعْظِيمِ شَأْنِ المُضافِ لِانْتِسابِهِ إلى المُضافِ إلَيْهِ؛ فَكَأنَّهُ قِيلَ: هَذا عَطاءٌ عَظِيمٌ أعْطَيْناكَهُ. والعَطاءُ: مَصْدَرٌ بِمَعْنى المُعْطى؛ مِثْلُ الخَلْقِ بِمَعْنى المَخْلُوقِ. وامْنُنْ: أمْرٌ مُسْتَعْمَلٌ في الإذْنِ والإباحَةِ، وهو مُشْتَقٌّ مِنَ المَنِّ المُكَنّى بِهِ عَنِ الأنْعامِ، أيْ: فَأنْعِمْ عَلى مَن شِئْتَ بِالإطْلاقِ، أوْ أمْسِكْ في الخِدْمَةِ مَن شِئْتَ. فالمَنُّ: كِنايَةٌ عَنِ الإطْلاقِ بِلازِمِ اللّازِمِ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿فَإمّا مَنًّا بَعْدُ وإمّا فِداءً﴾ [محمد: ٤] . وجَمُلَتا فامْنُنْ أوْ أمْسِكْ: مُعْتَرِضَتانِ بَيْنَ قَوْلِهِ عَطاؤُنا وقَولِهِ بِغَيْرِ حِسابٍ، وهو تَفْرِيعٌ مُقَدَّمٌ مِن تَأْخِيرٍ. والتَّقْدِيمُ لِتَعْجِيلِ المَسَرَّةِ بِالنِّعْمَةِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى مِن بَعْدُ ﴿هَذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وغَسّاقٌ﴾ [ص: ٥٧] وقَولُ عَنْتَرَةَ: ؎ولَقَدْ نَزَلْتِ فَلا تَظُنِّي غَيْرَهُ مِنِّي بِمَنزِلَةِ المُحَبِّ المُكْرَمِ وقَولُ بَشّارٍ: ؎كَقائِلَةٍ إنَّ الحِمَـارَ فـَنَـحِّـهِ ∗∗∗ عَنِ القَتِّ أهلُ السِّمْسِمِ المُتَهَذِّبِ مَجازًا وكِنايَةً في التَّحْدِيدِ والتَّقْدِيرِ، أيْ: هَذا عَطاؤُنا غَيْرَ مُحَدَّدٍ ولا مُقَتَّرٍ فِيهِ، أيْ: عَطاؤُنا واسِعًا وافِيًا لا تَضْيِيقَ فِيهِ عَلَيْكَ. (p-٢٦٨)ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ بِغَيْرِ حِسابٍ حالًا مِن ضَمِيرِ امْنُنْ أوْ أمْسِكْ، ويَكُونَ الحِسابُ بِمَعْنى المُحاسَبَةِ المُكَنّى بِها عَنِ المُؤاخَذَةِ. والمَعْنى: امْنُنْ أوْ أمْسِكْ لا مُؤاخَذَةَ عَلَيْكَ فِيمَن مَنَنْتَ عَلَيْهِ بِالإطْلاقِ إنْ كانَ مُفْسِدًا، ولا فِيمَن أمْسَكْتَهُ في الخِدْمَةِ إنْ كانَ صالِحًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب