الباحث القرآني
﴿كَمْ أهْلَكْنا مِن قَبْلِهِمْ مِن قَرْنٍ فَنادَوْا ولاتَ حِينَ مَناصٍ﴾ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ لِأنَّ العِزَّةَ عَنِ الحَقِّ والشِّقاقَ لِلَّهِ ولِرَسُولِهِ ﷺ مِمّا يُثِيرُ في خاطِرِ السّامِعِ أنْ يَسْألَ عَنْ جَزاءِ ذَلِكَ فَوَقَعَ هَذا بَيانًا لَهُ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا في عِزَّةٍ وشِقاقٍ﴾ [ص: ٢]، وبَيْنَ جُمْلَةِ ﴿وعَجِبُوا أنْ جاءَهم مُنْذِرٌ مِنهُمْ﴾ [ص: ٤] .
وكانَ هَذا البَيانُ إخْبارًا مُرْفَقًا بِحُجَّةٍ مِن قَبِيلِ قِياسِ تَمْثِيلٍ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ ”مِن قَبْلِهِمْ“ يُؤْذِنُ بِأنَّهم مِثْلُهم في العِزَّةِ والشِّقاقِ، ومُتَضَمِّنًا تَحْذِيرًا مِنَ التَّرَيُّثِ عَنْ إجابَةِ دَعْوَةِ الحَقِّ، أيْ يَنْزِلُ بِهِمُ العَذابُ فَلا يَنْفَعُهم نَدَمٌ ولا مَتابٌ كَما لَمْ يَنْفَعِ القُرُونَ مِن قَبْلِهِمْ. فالتَّقْدِيرُ: سَيُجازَوْنَ عَلى عِزَّتِهِمْ وشِقاقِهِمْ بِالهَلاكِ كَما جُوزِيَتْ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ مِن قَبْلِهِمْ في ذَلِكَ، فَلْيَحْذَرُوا ذَلِكَ فَإنَّهم إنْ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ العَذابِ لَمْ يَنْفَعْهم مَتابٌ كَما لَمْ يَنْفَعِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مَتابٌ عِنْدَ رُؤْيَةِ العَذابِ.
و(كَمْ) اسْمٌ دالٌّ عَلى عَدَدٍ كَثِيرٍ. و”مِن قَرْنٍ“ تَمْيِيزٌ لِإبْهامِ العَدَدِ، أيْ: عَدَدًا كَثِيرًا مِنَ القُرُونِ، وهي في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالمَفْعُولِيَّةِ لِ ”أهْلَكْنا“ .
والقَرْنُ: الأُمَّةُ كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ثُمَّ أنْشَأْنا مِن بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ﴾ [المؤمنون: ٤٢]، و”مِن قَبْلِهِمْ“ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ظَرْفًا مُسْتَقِرًّا جُعِلَ صِفَةً لِ ”قَرْنٍ“ مُقَدَّمَةً عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ حالًا، وإنَّما قُدِّمَ لِلِاهْتِمامِ بِمَضْمُونِهِ لِيُفِيدَ الِاهْتِمامَ إيماءً إلى أنَّهم أُسْوَةٌ لَهم في العِزَّةِ والشِّقاقِ وأنَّ ذَلِكَ سَبَبُ إهْلاكِهِمْ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِ ”أهْلَكْنا“ عَلى أنَّهُ ظَرْفُ لَغْوٍ، وقُدِّمَ عَلى مَفْعُولِ فِعْلِهِ (p-٢٠٧)مَعَ أنَّ المَفْعُولَ أوْلى بِالسَّبْقِ مِن بَقِيَّةِ مَعْمُولاتِ الفِعْلِ لِيَكُونَ تَقْدِيمُهُ اهْتِمامًا بِهِ إيماءً إلى الإهْلاكِ كَما في الوَجْهِ الأوَّلِ.
وفَرَّعَ عَلى الإهْلاكِ أنَّهم نادَوْا فَلَمْ يَنْفَعْهم نِداؤُهم، تَحْذِيرًا مِن أنْ يَقَعَ هَؤُلاءِ في مِثْلِ ما وقَعَتْ فِيهِ القُرُونُ مِن قَبْلِهِمْ إذْ أضاعُوا الفُرْصَةَ فَنادَوْا بَعْدَ فَواتِها فَلَمْ يُفِدْهم نِداؤُهم ولا دُعاؤُهم.
والمُرادُ بِالنِّداءِ في ”فَنادَوْا“ نِداؤُهُمُ اللَّهَ تَعالى تَضَرُّعًا، وهو الدُّعاءُ كَما حُكِيَ عَنْهم في قَوْلِهِ تَعالى ﴿رَبَّنا اكْشِفْ عَنّا العَذابَ إنّا مُؤْمِنُونَ﴾ [الدخان: ١٢] .
وقَوْلِهِ ﴿حَتّى إذا أخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالعَذابِ إذا هم يَجْأرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٤] .
وجُمْلَةُ ﴿ولاتَ حِينَ مَناصٍ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ، والواوُ واوُ الحالِ، أيْ نادَوْا في حالٍ لا حِينَ مَناصٍ لَهم.
و(لاتَ) حَرْفُ نَفْيٍ بِمَعْنى لا المُشَبَّهَةِ بِ (لَيْسَ)، و(لاتَ) حَرْفٌ مُخْتَصٌّ بِنَفْيِ أسْماءِ الأزْمانِ وما يَتَضَمَّنُ مَعْنى الزَّمانِ مِن إشارَةٍ ونَحْوِها.
وهِيَ مُرَكَّبَةٌ مِن (لا) النّافِيَةِ وُصِلَتْ بِها تاءٌ زائِدَةٌ لا تُفِيدُ تَأْنِيثًا لِأنَّها لَيْسَتْ هاءً وإنَّما هي كَزِيادَةِ التّاءِ في قَوْلِهِمْ: رُبَّتْ وثُمَّتْ.
والنَّفْيُ بِها لِغَيْرِ الزَّمانِ ونَحْوِهِ خَطَأٌ في اللُّغَةِ وقَعَ فِيهِ أبُو الطَّيِّبِ إذْ قالَ:
؎لَقَدْ تَصَبَّرْتُ حَتّى لاتَ مُصْطَبَرٍ والآنَ أُقْحِمُ حَتّى لاتَ مُقْتَحَمِ
وأغْفَلَ شارِحُو دِيوانِهِ كُلُّهم وقَدْ أدْخَلَ (لاتَ) عَلى غَيْرِ اسْمِ زَمانٍ.
وأيًّا ما كانَ فَقَدْ صارَتْ (لا) بِلُزُومِ زِيادَةِ التّاءِ في آخِرِها حَرْفًا مُسْتَقِلًّا خاصًّا بِنَفْيِ أسْماءِ الزَّمانِ فَخَرَجَتْ عَنْ نَحْوِ: رُبَّتْ وثُمَّتْ.
وزَعَمَ أبُو عُبَيدٍ القاسِمُ بْنُ سَلامٍ أنَّ التّاءَ في ﴿ولاتَ حِينَ مَناصٍ﴾ مُتَّصِلَةٌ بِ ”حِينَ“ وأنَّهُ رَآها في مَصاحِفَ عُثْمانَ مُتَّصِلَةً بِ ”حِينَ“ وزَعَمَ أنَّ هَذِهِ التّاءَ (p-٢٠٨)تَدْخُلُ عَلى: حِينٍ وأوانٍ وآنٍ، يُرِيدُ أنَّ التّاءَ لاحِقَةٌ لِأوَّلِ الِاسْمِ الَّذِي بَعْدَ (لا) ولَكِنَّهُ لَمْ يُفَسِّرْ لِدُخُولِها مَعْنًى. وقَدِ اعْتَذَرَ الأيِمَّةُ عَنْ وُقُوعِ التّاءِ مُتَّصِلَةً بِ (حِينَ) في بَعْضِ نُسَخِ المُصْحَفِ الإمامِ بِأنَّ رَسْمَ المُصْحَفِ قَدْ يُخالِفُ القِياسَ، عَلى أنَّ ذَلِكَ لا يُوجَدُ في غَيْرِ المُصْحَفِ الَّذِي رَآهُ أبُو عُبَيدٍ مِنَ المَصاحِفِ المُعاصِرَةِ لِذَلِكَ المُصْحَفِ والمَرْسُومَةِ بَعْدَهُ.
والمَناصُ: النَّجاءُ والفَوْتُ، وهو مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ، يُقالُ: ناصَّهُ، إذا فاتَهُ.
والمَعْنى: فَنادَوْا مُبْتَهِلِينَ في حالٍ لَيْسَ وقْتَ نَجاءٍ وفَوْتٍ، أيْ قَدْ حَقَّ عَلَيْهِمُ الهَلاكُ كَما قالَ تَعالى ﴿فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهم إيمانُهم لَمّا رَأوْا بَأْسَنا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ في عِبادِهِ﴾ [غافر: ٨٥] .
{"ayah":"كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنࣲ فَنَادَوا۟ وَّلَاتَ حِینَ مَنَاصࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق