الباحث القرآني
﴿اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ واذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذا الأيْدِ إنَّهُ أوّابٌ﴾ ﴿إنّا سَخَّرْنا الجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالعَشِيِّ والإشْراقِ﴾ ﴿والطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أوّابٌ﴾ ﴿وشَدَدْنا مُلْكَهُ وآتَيْناهُ الحِكْمَةَ وفَصْلَ الخِطابِ﴾ أُعْقِبَتْ حِكايَةُ أقْوالِهِمْ مِنَ التَّكْذِيبِ ابْتِداءً مِن قَوْلِهِ ﴿وقالَ الكافِرُونَ هَذا ساحِرٌ كَذّابٌ﴾ [ص: ٤] إلى هُنا، بِأمْرِ اللَّهِ رَسُولَهَ ﷺ بِالصَّبْرِ عَلى أقوالِهِمْ إذْ كانَ جَمِيعُها أذًى: إمّا صَرِيحًا كَما قالُوا ”ساحِرٌ كَذّابٌ“ وقالُوا ﴿إنْ هَذا إلّا اخْتِلاقٌ﴾ [ص: ٧] ﴿إنَّ هَذا لَشَيْءٌ يُرادُ﴾ [ص: ٦]، وإمّا ضِمْنًا وذَلِكَ ما في سائِرِ أقْوالِهِمْ مِن إنْكارِ ما جاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ والِاسْتِهْزاءِ بِقَوْلِهِمْ ﴿رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا﴾ [ص: ١٦] مِن إثْباتِ أنَّ الإلَهَ واحِدٌ، ويَشْمَلُ ما يَقُولُونَهُ مِمّا لَمْ يُحْكَ في أوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ.
وقَوْلُهُ ﴿واذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ﴾ إلى آخِرِهِ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلى قَوْلِهِ ﴿اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ﴾ بِأنْ أتْبَعَ أمْرَهُ بِالصَّبْرِ وبِالِائْتِساءِ بِبَعْضِ الأنْبِياءِ السّابِقِينَ فِيما لَقُوهُ مِنَ النّاسِ ثُمَّ كانَتْ لَهم عاقِبَةُ النَّصْرِ وكَشْفُ الكَرْبِ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلى مَجْمُوعِ ما تَقَدَّمَ عَطْفَ القِصَّةِ، والغَرَضُ هو هو.
وابْتُدِئَ بِذِكْرِ داوُدَ لِأنَّ اللَّهَ أعْطاهُ مُلْكًا وسُلْطانًا لَمْ يَكُنْ لِآبائِهِ، فَفي ذِكْرِهِ إيماءٌ إلى أنَّ شَأْنَ مُحَمَّدٍ ﷺ سَيَصِيرُ إلى العِزَّةِ والسُّلْطانِ، ولَمْ يَكُنْ لَهُ سَلَفٌ ولا جُنْدٌ فَقَدْ كانَ حالُ النَّبِيءِ ﷺ أشْبَهَ بِحالِ داوُدَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - .
وأُدْمِجَ في خِلالِ ذَلِكَ الإيماءُ إلى التَّحْذِيرِ مِنَ الضَّجَرِ في ذاتِ اللَّهِ تَعالى واتِّقاءِ (p-٢٢٧)مُراعاةِ حُظُوظِ النَّفْسِ في سِياسَةِ الأُمَّةِ إبْعادًا لِرَسُولِهِ ﷺ عَنْ مَهاوِي الخَطَأِ والزَّلَلِ وتَأْدِيبًا لَهُ في أوَّلِ أمْرِهِ وآخِرِهِ مِمّا أنْ يَتَلَقّى بِالعَذَلِ. وكانَ داوُدُ أيْضًا قَدْ صَبَرَ عَلى ما لَقِيَهُ مِن حَسَدِ شاوِلَ (طالُوتَ) مَلِكِ إسْرائِيلَ إيّاهُ عَلى انْتِصارِهِ عَلى جالُوتَ مَلِكِ فِلَسْطِينَ.
فالمَصْدَرُ المُتَصَرِّفُ مِنهُ ﴿واذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ﴾ هو الذُّكْرُ بِضَمِّ الذّالِ وهو التَّذَكُّرُ، ولَيْسَ هو ذِكْرَ اللِّسانِ لِأنَّهُ إنَّما أمَرَ النَّبِيءَ ﷺ بِذَلِكَ لِتَسْلِيَتِهِ وحِفْظِ كَمالِهِ لا لِيُعْلِمَهُ المُشْرِكِينَ ولا لِيُعْلِمَهُ المُسْلِمِينَ عَلى أنَّ كِلا الأمْرَيْنِ حاصِلٌ تَبَعًا حِينَ إبْلاغِ المُنَزَّلِ في شَأْنِ داوُدَ إلَيْهِمْ وقِراءِتِهِ عَلَيْهِمْ.
ومَعْنى الأمْرِ بِتَذَكُّرِ ذَلِكَ تَذَكُّرُ ما سَبَقَ إعْلامُ النَّبِيءِ ﷺ بِهِ مِن فَضائِلِهِ، وتَذْكِيرُ ما عَسى أنْ يَكُونَ لَمْ يَعْلَمْهُ مِمّا يُعْلَمُ بِهِ في هَذِهِ الآيَةِ.
ووَصْفُ داوُدَ بِـ ”عَبْدَنا“ وصْفُ تَشْرِيفٍ بِالإضافَةِ بِقَرِينَةِ المَقامِ كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ ﴿إلّا عِبادَ اللَّهِ المُخْلَصِينَ﴾ [الصافات: ٤٠] في سُورَةِ الصّافّاتِ.
والأيْدُ: القُوَّةُ والشِّدَّةُ، مَصْدَرُ: آدَ يَئِيدُ، إذا اشْتَدَّ وقَوِيَ، ومِنهُ التَّأْيِيدُ والتَّقْوِيَةُ، قالَ تَعالى ﴿فَآواكم وأيَّدَكم بِنَصْرِهِ﴾ [الأنفال: ٢٦] في سُورَةِ الأنْفالِ.
وكانَ داوُدُ قَدْ أُعْطِيَ قُوَّةً نادِرَةً وشَجاعَةً وإقْدامًا عَجِيبَيْنِ وكانَ يَرْمِي الحَجَرَ بِالمِقْلاعِ فَلا يُخْطِئُ الرَّمْيَةَ، وكانَ يَلْوِي الحَدِيدَ لِيَصْنَعَهُ سَرْدًا لِلدُّرُوعِ بِأصابِعِهِ، وهَذِهِ القُوَّةُ مَحْمُودَةٌ لِأنَّهُ اسْتَعْمَلَها في نَصْرِ دِينِ التَّوْحِيدِ.
وجُمْلَةُ ”إنَّهُ أوّابٌ“ تَعْلِيلٌ لِلْأمْرِ بِذِكْرِهِ إيماءً إلى أنَّ الأمْرَ لِقَصْدِ الِاقْتِداءِ بِهِ، كَما قالَ تَعالى ﴿فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: ٩٠]، فالجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ ”واذْكُرْ“ وجُمْلَةِ بَيانِها وهي ﴿إنّا سَخَّرْنا الجِبالَ مَعَهُ﴾ .
والأوّابُ: الكَثِيرُ الأوْبِ، أيِ الرُّجُوعِ. والمُرادُ: الرُّجُوعُ إلى ما أمَرَ اللَّهُ بِهِ والوُقُوفُ عِنْدَ حُدُودِهِ وتَدارُكُ ما فَرَّطَ فِيهِ.
والتّائِبُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ الأوّابُ، وهو غالِبُ اسْتِعْمالِ القُرْآنِ وهو مَجازٌ ولا تُسَمّى التَّوْبَةُ أوْبًا، وزَبُورُ داوُدَ المُسَمّى عِنْدَ اليَهُودِ بِالمَزامِيرِ مُشْتَمِلٌ عَلى كَثِيرٍ مِنَ الِاسْتِغْفارِ وما في مَعْناهُ مِنَ التَّوْبَةِ.
(p-٢٢٨)وجُمْلَةُ ﴿إنّا سَخَّرْنا الجِبالَ مَعَهُ﴾ بَيانٌ لِجُمْلَةِ ”واذْكُرْ عَبْدَنا“ أيِ اذْكُرْ فَضائِلَهُ وما أنْعَمْنا عَلَيْهِ مِن تَسْخِيرِ الجِبالِ وكَيْتَ وكَيْتَ، و”مَعَهُ“ ظَرْفٌ لِـ ”يُسَبِّحْنَ“، وقُدِّمَ عَلى مُتَعَلَّقِهِ لِلِاهْتِمامِ بِمَعِيَّتِهِ المَذْكُورَةِ، ولَيْسَ ظَرْفًا لِـ ”سَخَّرْنا“ لِاقْتِضائِهِ، وتَقَدَّمَ تَسْخِيرُ الجِبالِ والطَّيْرِ لِداوُدَ في سُورَةِ الأنْبِياءِ.
وجُمْلَةُ ”يُسَبِّحْنَ“ حالٌ. واخْتِيرَ الفِعْلُ المُضارِعُ دُونَ الوَصْفِ الَّذِي هو الشَّأْنُ في الحالِ لِأنَّهُ أُرِيدَ الدَّلالَةُ عَلى تَجَدُّدِ تَسْبِيحِ الجِبالِ مَعَهُ كُلَّما حَضَرَ فِيها، ولِما في المُضارِعِ مِنِ اسْتِحْضارِهِ تِلْكَ الحالَةَ الخارِقَةَ لِلْعادَةِ.
والتَّسْبِيحُ أصْلُهُ قَوْلُ: سُبْحانَ اللَّهِ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلى الذِّكْرِ وعَلى الصَّلاةِ، ومِنهُ حَدِيثُ عائِشَةَ «لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُسَبِّحُ سُبْحَةَ الصُّبْحِ وإنِّي لَأُسَبِّحُها»، ولَيْسَ هَذا المَعْنى مُرادًا هُنا لِأنَّ الجِبالَ لا تُصَلِّي والطَّيْرُ كَذَلِكَ، ولِأنَّ داوُدَ لا يُصَلِّي في الجِبالِ إذِ الصَّلاةُ في شَرِيعَتِهِمْ لا تَقَعُ إلّا في المَسْجِدِ، وأمّا الصَّلاةُ في الأرْضِ فَهي مِن خَصائِصِ الإسْلامِ.
والعَشِيُّ: ما بَعْدَ العَصْرِ. يُقالُ: عَشِيٌّ وعَشِيَّةٌ.
والإشْراقُ: وقْتُ ظُهُورِ ضَوْءِ الشَّمْسِ واضِحًا عَلى الأرْضِ وهو وقْتُ الضُّحى، يُقالُ: أشْرَقَتِ الأرْضُ ولا يُقالُ: أشْرَقَتِ الشَّمْسُ، وإنَّما يُقالُ: شَرَقَتِ الشَّمْسُ وهو مِن بابِ قَعَدَ، ولِذَلِكَ كانَ قِياسُ المَكانِ مِنهُ المَشْرَقَ بِفَتْحِ الرّاءِ ولَكِنَّهُ لَمْ يَجِئْ إلّا بِكَسْرِ الرّاءِ. ووَقْتُ طُلُوعِ الشَّمْسِ هو الشُّرُوقُ ووَقْتُ الإشْراقِ الضُّحى، يُقالُ: شَرَقَتِ الشَّمْسُ ولَمّا تُشْرِقْ، ويُقالُ: كُلَّما ذَرَّ شارِقٌ، أيْ كُلَّما طَلَعَتِ الشَّمْسُ.
والباءُ في بِ ”بِالعَشِيِّ“ لِلظَّرْفِيَّةِ فَتَعَيَّنَ أنَّ المُرادَ بِالإشْراقِ وقْتُ الإشْراقِ.
والمَحْشُورَةُ: المُجْتَمِعَةُ حَوْلَهُ عِنْدَ قِراءَتِهِ الزَّبُورَ. وانْتَصَبَ ”مَحْشُورَةً“ عَلى الحالِ مِنَ ”الطَّيْرِ“ . ولَمْ يُؤْتَ في صِفَةِ الطَّيْرِ بِالحَشْرِ بِالمُضارِعِ كَما جِيءَ بِهِ في ”يُسَبِّحْنَ“ إذِ الحَشْرُ يَكُونُ دُفْعَةً فَلا يَقْتَضِي المَقامُ دَلالَةً عَلى تَجَدُّدٍ ولا عَلى اسْتِحْضارِ الصُّورَةِ.
وتَنْوِينُ ”﴿كُلٌّ لَهُ أوّابٌ﴾“ عِوَضٌ عَنِ المُضافِ إلَيْهِ. والتَّقْدِيرُ: كُلُّ المَحْشُورَةِ لَهُ (p-٢٢٩)أوّابٌ، أيْ كَثِيرُ الرُّجُوعِ إلَيْهِ، أيْ يَأْتِيهِ مِن مَكانٍ بَعِيدٍ. وهَذِهِ مُعْجِزَةٌ لَهُ لِأنَّ شَأْنَ الطَّيْرِ النُّفُورُ مِنَ الإنْسِ. وكَلِمَةُ (كُلٍّ) عَلى أصْلِ مَعْناها مِنَ الشُّمُولِ.
و”أوّابٌ“ هَذا غَيْرُ ”أوّابٍ“ في قَوْلِهِ ”﴿إنَّهُ أوّابٌ﴾“ فَلَمْ تَتَكَرَّرِ الفاصِلَةُ.
واللّامُ في ”لَهُ أوّابٌ“ لامُ التَّقْوِيَةِ، وتَقْدِيمُ المَجْرُورِ عَلى مُتَعَلَّقِهِ لِلِاهْتِمامِ بِالضَّمِيرِ المَجْرُورِ.
والشَّدُّ: الإمْساكُ وتَمَكُّنُ اليَدِ مِمّا تَمْسِكُهُ، فَيَكُونُ لِقَصْدِ النَّفْعِ كَما هُنا، ويَكُونُ لِقَصْدِ الضُّرِّ كَقَوْلِهِ ﴿واشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ [يونس: ٨٨] في سُورَةِ الأعْرافِ.
فَشَدُّ المَلِكِ هو تَقْوِيَةُ مُلْكِهِ وسَلامَتُهُ مِن أضْرارِ ثَوْرَةٍ لَدَيْهِ ومِن غَلَبَةِ أعْدائِهِ عَلَيْهِ في حُرُوبِهِ. وقَدْ مَلَكَ داوُدُ أرْبَعِينَ سَنَةً وماتَ وعُمُرُهُ سَبْعُونَ سَنَةً في ظِلِّ مُلْكٍ ثابِتٍ.
والحِكْمَةُ: النُّبُوءَةُ.
والحِكْمَةُ في الأعَمِّ: العِلْمُ بِالأشْياءِ كَما هي والعَمَلُ بِالأُمُورِ عَلى ما يَنْبَغِي، وقَدِ اشْتَمَلَ كِتابُ الزَّبُورِ عَلى حِكَمٍ جَمَّةٍ.
وفَصْلُ الخِطابِ: بَلاغَةُ الكَلامِ وجَمْعُهُ لِلْمَعْنى المَقْصُودِ بِحَيْثُ لا يَحْتاجُ سامِعُهُ إلى زِيادَةِ تِبْيانٍ، ووَصْفُ القَوْلِ بِـ ”الفَصْلِ“ وصْفُ المَصْدَرِ، أيْ فاصِلٍ. والفاصِلُ: الفارِقُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، وهو ضِدُّ الواصِلِ، ويُطْلَقُ مَجازًا عَلى ما يُمَيِّزُ شَيْئًا عَنِ الِاشْتِباهِ بِضِدِّهِ.
وعَطْفُهُ هُنا عَلى الحِكْمَةِ قَرِينَةٌ عَلى أنَهُ اسْتُعْمِلَ في مَعْناهُ المَجازِيِّ كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّ يَوْمَ الفَصْلِ كانَ مِيقاتًا﴾ [النبإ: ١٧] .
والمَعْنى: أنَّ داوُدَ أُوتِيَ مِن أصالَةِ الرَّأْيِ وفَصاحَةِ القَوْلِ ما إذا تَكَلَّمَ جاءَ بِكَلامٍ فاصْلٍ بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ شَأْنُ كَلامِ الأنْبِياءِ والحُكَماءِ، وحَسْبُكَ بِكِتابِهِ الزَّبُورِ المُسَمّى عِنْدَ اليَهُودِ بِالمَزامِيرِ فَهو مَثَلٌ في بَلاغَةِ القَوْلِ في لُغَتِهِمْ.
وعَنْ أبِي الأسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ: فَصْلُ الخِطابِ هو قَوْلُهُ في خُطَبِهِ ”أمّا بَعْدُ“ قالَ: وداوُدُ أوَّلُ مَن قالَ ذَلِكَ، ولا أحْسَبُ هَذا صَحِيحًا لِأنَّها كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ ولا (p-٢٣٠)يُعْرَفُ في كِتابِ داوُدَ أنَّهُ قالَ ما هو بِمَعْناها في اللُّغَةِ العِبْرِيَّةِ، وسُمِّيَتْ تِلْكَ الكَلِمَةُ فَصْلَ الخِطابِ عِنْدَ العَرَبِ لِأنَّها تَقَعُ بَيْنَ مُقَدِّمَةِ المَقْصُودِ وبَيْنَ المَقْصُودِ. فالفَصْلُ فِيهِ عَلى المَعْنى الحَقِيقِيِّ وهو مِنَ الوَصْفِ بِالمَصْدَرِ، والإضافَةُ حَقِيقِيَّةٌ. وأوَّلُ مَن قالَ ”أمّا بَعْدُ“ هو سُحْبانُ وائِلٍ خَطِيبُ العَرَبِ، وقِيلَ: فَصْلُ الخِطابِ القَضاءُ بَيْنَ الخُصُومِ، وهَذا بَعِيدٌ إذْ لا وجْهَ لِإضافَتِهِ إلى الخِطابِ.
واعْلَمْ أنَّ مُحَمَّدًا ﷺ قَدْ أُعْطِيَ مِن كُلِّ ما أُعْطِيَ داوُدُ فَكانَ أوّابًا، وهو القائِلُ: ”«إنِّي لَيُغانُ عَلى قَلْبِي فَأسْتَغْفِرُ اللَّهَ في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً» “، وسَخَّرَ لَهُ جَبَلَ حِراءٍ عَلى صُعُوبَةِ مَسالِكِهِ فَكانَ يَتَحَنَّثُ فِيهِ إلى أنْ نَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ وهو في غارِ ذَلِكَ الجَبَلِ، وعُرِضَتْ عَلَيْهِ جِبالُ مَكَّةَ أنْ تَصِيرَ لَهُ ذَهَبًا فَأبى واخْتارَ العُبُودِيَّةَ، وسُخِّرَتْ لَهُ مِنَ الطَّيْرِ الحَمامُ فَبَنَتْ وكْرَها عَلى غارِ ثَوْرٍ مُدَّةَ اخْتِفائِهِ بِهِ مَعَ الصِّدِّيقِ في مَسِيرِهِما في الهِجْرَةِ. وشَدَّ اللَّهُ مُلْكَ الإسْلامِ لَهُ، وكَفاهُ عَدُوَّهُ مِن قَرابَتِهِ مِثْلَ أبِي لَهَبٍ وابْنِهِ عُتْبَةَ ومِن أعْدائِهِ مِثْلَ أبِي جَهْلٍ، وآتاهُ الحِكْمَةَ، وآتاهُ فَصْلَ الخِطابِ، قالَ: «أُوتِيتُ جَوامِعَ الكَلِمِ واخْتُصِرَ لِيَ الكَلامُ اخْتِصارًا» بَلْهَ ما أُوتِيَهُ الكِتابِ المُعْجِزِ بُلَغاءَ العَرَبِ عَنْ مُعارَضَتِهِ، قالَ تَعالى في وصْفِ القُرْآنِ ﴿إنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وما هو بِالهَزْلِ﴾ [الطارق: ١٣] .
{"ayahs_start":17,"ayahs":["ٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا یَقُولُونَ وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ ذَا ٱلۡأَیۡدِۖ إِنَّهُۥۤ أَوَّابٌ","إِنَّا سَخَّرۡنَا ٱلۡجِبَالَ مَعَهُۥ یُسَبِّحۡنَ بِٱلۡعَشِیِّ وَٱلۡإِشۡرَاقِ","وَٱلطَّیۡرَ مَحۡشُورَةࣰۖ كُلࣱّ لَّهُۥۤ أَوَّابࣱ","وَشَدَدۡنَا مُلۡكَهُۥ وَءَاتَیۡنَـٰهُ ٱلۡحِكۡمَةَ وَفَصۡلَ ٱلۡخِطَابِ"],"ayah":"وَشَدَدۡنَا مُلۡكَهُۥ وَءَاتَیۡنَـٰهُ ٱلۡحِكۡمَةَ وَفَصۡلَ ٱلۡخِطَابِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق