الباحث القرآني
”﴿وقالُوا إنْ هَذا إلّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ ﴿أئِذا مِتْنا وكُنّا تُرابًا وعِظامًا إنّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ ﴿أوْ آباؤُنا الأوَّلُونَ﴾ ﴿قُلْ نَعَمْ وأنْتُمْ داخِرُونَ﴾ ﴿فَإنَّما هي زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإذا هم يَنْظُرُونَ﴾“ .
عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿فاسْتَفْتِهِمْ أهم أشَدُّ خَلْقًا﴾ [الصافات: ١١] الآيَةَ. والإشارَةُ في قَوْلِهِ ﴿إنْ هَذا إلّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ إلى مَضْمُونِ قَوْلِهِ ﴿فاسْتَفْتِهِمْ أهم أشَدُّ خَلْقًا﴾ [الصافات: ١١] وهو إعادَةُ الخَلْقِ عِنْدَ البَعْثِ، ويُبَيِّنُهُ قَوْلُهُ ”أئِذا مِتْنا وكُنّا تُرابًا وعِظامًا إنّا لَمَبْعُوثُونَ“، أيْ وقالُوا في رَدِّ الدَّلِيلِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ ﴿أهم أشَدُّ خَلْقًا أمْ مَن خَلَقْنا﴾ [الصافات: ١١] أيْ أجابُوا بِأنَّ ادِّعاءَ إعادَةِ الحَياةِ بَعْدَ البِلى كَلامُ سِحْرٍ مُبِينٍ، أيْ: كَلامٌ لا يُفْهَمُ، قُصِدَ بِهِ سِحْرُ السّامِعِ. هَذا وجْهُ تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ تَفْسِيرًا يَلْتَئِمُ بِهِ نَظْمُها خِلافًا لِما دَرَجَ عَلَيْهِ المُفَسِّرُونَ.
وقَرَأ نافِعٌ وحْدَهُ ”إنّا لَمَبْعُوثُونَ“ بِهَمْزَةٍ واحِدَةٍ هي هَمْزَةُ ”إنَّ“ بِاعْتِبارِ أنَّهُ جَوابُ ”إذا“ الواقِعَةِ في حَيِّزِ الِاسْتِفْهامِ فَهو مِن حَيِّزِ الِاسْتِفْهامِ.
وقَرَأ غَيْرُ نافِعٍ أئِنّا بِهَمْزَتَيْنِ: إحْداهُما هَمْزَةُ الِاسْتِفْهامِ مُؤَكِّدَةٌ لِلْهَمْزَةِ الدّاخِلَةِ عَلى (إذا) .
وقَوْلُهُ ”أوْ آباؤُنا“ قَرَأهُ قالُونُ عَنْ نافِعٍ وابْنُ عامِرٍ وأبُو جَعْفَرٍ بِسُكُونِ واوِ (أوْ) عَلى أنَّ الهَمْزَةَ مَعَ الواوِ حَرْفٌ واحِدٌ هو (أوْ) العاطِفَةُ المُفِيدَةُ لِلتَّقْسِيمِ هُنا، (p-٩٩)ووَجْهُ العَطْفِ بِـ ”أوْ“ هو جَعْلُهُمُ الآباءَ الأوَّلِينَ قِسْمًا آخَرَ فَكانَ عَطْفُهُ ارْتِقاءً في إظْهارِ اسْتِحالَةِ إعادَةِ هَذا القِسْمِ لِأنَّ آباءَهَمْ طالَتْ عُصُورُ فَنائِهِمْ فَكانَتْ إعادَةُ حَياتِهِمْ أوْغَلَ في الِاسْتِحالَةِ.
وقَرَأ الباقُونَ بِفَتْحِ الواوِ عَلى أنَّ الواوَ واوُ العَطْفِ والهَمْزَةَ هَمْزَةُ اسْتِفْهامٍ فَهُما حَرْفانِ. وقُدِّمَتْ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهامِ عَلى حَرْفِ العَطْفِ حَسَبِ الِاسْتِعْمالِ الكَثِيرِ. والتَّقْدِيرُ: وأآباؤُنا الأوَّلُونَ مِثْلُنا.
وعَلى كِلْتا القِراءَتَيْنِ فَرَفْعُهُ بِالعَطْفِ عَلى مَحَلِّ اسْمِ ”إنَّ“ الَّذِي كانَ مُبْتَدَأً قَبْلَ دُخُولِ ”إنَّ“، والغالِبُ في العَطْفِ عَلى اسْمِ ”إنَّ“ يَرْفَعُ المَعْطُوفَ اعْتِبارًا بِالمَحَلِّ كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿أنَّ اللَّهَ بَرِيءُ مِنَ المُشْرِكِينَ ورَسُولُهُ﴾ [التوبة: ٣] أوْ يُجْعَلُ مَعْطُوفًا عَلى الضَّمِيرِ المُسْتَتِرِ في خَبَرِ ”إنَّ“ وهو هُنا مَرْفُوعٌ بِالنِّيابَةِ عَنِ الفاعِلِ ولا يَضُرُّ الفَصْلُ بَيْنَ المَعْطُوفِ عَلَيْهِ الَّذِي هو ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ وبَيْنَ حَرْفِ العَطْفِ، أوْ بَيْنَ المَعْطُوفِ عَلَيْهِ والمَعْطُوفِ بِالهَمْزَةِ المُفْضِي إلى إعْمالِ ما قَبْلَ الهَمْزَةِ فِيما بَعْدَها، وذَلِكَ يُنافِي صَدارَةَ الِاسْتِفْهامِ؛ لِأنَّ صَدارَةَ الِاسْتِفْهامِ بِالنِّسْبَةِ إلى جُمْلَتِهِ فَلا يُنافِيها عَمَلُ عامِلٍ مِن جُمْلَةٍ قَبْلَهُ؛ لِأنَّ الإعْمالَ اعْتِبارٌ يَعْتَبِرُهُ المُتَكَلِّمُ ويَفْهَمُهُ السّامِعُ فَلا يُنافِي التَّرْتِيبَ اللَّفْظِيَّ.
والِاسْتِفْهامُ في قَوْلِهِ ”﴿أئِذا مِتْنا﴾“ إنْكارِيٌّ كَما تَقَدَّمَ فَلِذَلِكَ كانَ قَوْلُهُ تَعالى ”﴿قُلْ نَعَمْ﴾“ جَوابًا لِقَوْلِهِمْ ”﴿أئِذا مِتْنا﴾“ عَلى طَرِيقَةِ الأُسْلُوبِ الحَكِيمِ بِصَرْفِ قَصْدِهِمْ مِنَ الِاسْتِفْهامِ إلى ظاهِرِ الِاسْتِفْهامِ فَجُعِلُوا كالسّائِلِينَ: أيُبْعَثُونَ ؟ فَقِيلَ لَهم: نَعَمْ، تَقْرِيرًا لِلْبَعْثِ المُسْتَفْهَمِ عَنْهُ، أيْ نَعَمْ تُبْعَثُونَ. وجِيءَ بِـ ”قُلْ“ غَيْرَ مَعْطُوفٍ لِأنَّهُ جارٍ عَلى طَرِيقَةِ الِاسْتِعْمالِ في حِكايَةِ المُحاوَراتِ كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿قالُوا أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها﴾ [البقرة: ٣٠] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
وأنْتُمْ ”داخِرُونَ“ جُمْلَةٌ في مَوْضِعِ الحالِ. والدّاخِرُ: الصّاغِرُ الذَّلِيلُ، أيْ تُبْعَثُونَ بَعْثَ إهانَةٍ مُؤْذِنَةٍ بِتَرَقُّبِ العِقابِ لا بَعْثَ كَرامَةٍ.
وفُرِّعَ عَلى إثْباتِ البَعْثِ الحاصِلِ بِقَوْلِهِ ”نَعَمْ“؛ أنَّ بَعْثَهم وشِيكُ الحُصُولِ لا يَقْتَضِي مُعالَجَةً ولا زَمَنًا إنْ هي إلّا إعادَةٌ تَنْتَظِرُ زَجْرَةً واحِدَةً.
(p-١٠٠)والزَّجْرَةُ: الصَّيْحَةُ، وقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا قَوْلُهُ تَعالى ﴿فالزّاجِراتِ زَجْرًا﴾ [الصافات: ٢] .
و(واحِدَةٌ) تَأْكِيدٌ لِما تُفِيدُهُ صِيغَةُ الفَعْلَةِ مِن مَعْنى المَرَّةِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنَ الصَّيْحَةِ الجِنْسَ دُونَ الوُجُودِ؛ لِأنَّ وزْنَ الفَعْلَةِ يَجِيءُ لِمَعْنى المَصْدَرِ دُونَ المَرَّةِ.
وضَمِيرُ ”هي“ ضَمِيرُ القِصَّةِ والشَّأْنِ، وهو لا مُعادَ لَهُ، إنَّما تُفَسِّرُهُ الجُمْلَةُ الَّتِي بَعْدَهُ.
وفُرِّعَ عَلَيْهِ ”﴿فَإذا هم يَنْظُرُونَ﴾“ ودَلَّ فاءُ التَّفْرِيعِ عَلى تَعْقِيبِ المُفاجَأةِ، ودَلَّ حَرْفُ المُفاجَأةِ عَلى سُرْعَةِ حُصُولِ ذَلِكَ. وقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنْ كانَتْ إلّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإذا هم جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ﴾ [يس: ٥٣] في سُورَةِ يس.
وكُنِيَ عَنِ الحَياةِ الكامِلَةِ الَّتِي لا دَهْشَ يُخالِطُها بِالنَّظَرِ في قَوْلِهِ ”يَنْظُرُونَ“ لِأنَّ النَّظَرَ لا يَكُونُ إلّا مَعَ تَمامِ الحَياةِ.
وأُوثِرَ النَّظَرُ مِن بَيْنِ بَقِيَّةِ الحَواسِّ لِمَزِيدِ اخْتِصاصِهِ بِالمَقامِ؛ وهو التَّعْرِيضُ بِما اعْتَراهم مِنَ البَهْتِ لِمُشادَّةِ الحَشْرِ.
{"ayahs_start":15,"ayahs":["وَقَالُوۤا۟ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا سِحۡرࣱ مُّبِینٌ","أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابࣰا وَعِظَـٰمًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ","أَوَءَابَاۤؤُنَا ٱلۡأَوَّلُونَ","قُلۡ نَعَمۡ وَأَنتُمۡ دَ ٰخِرُونَ","فَإِنَّمَا هِیَ زَجۡرَةࣱ وَ ٰحِدَةࣱ فَإِذَا هُمۡ یَنظُرُونَ"],"ayah":"أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابࣰا وَعِظَـٰمًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق