الباحث القرآني
﴿وجَعَلُوا بَيْنَهُ وبَيْنَ الجِنَّةِ نَسَبًا ولَقَدْ عَلِمَتِ الجِنَّةُ إنَّهم لَمُحْضَرُونَ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ”لَيَقُولُونَ“ أيْ شَفَّعُوا قَوْلَهم ”ولَدَ اللَّهُ“، فَجَعَلُوا بَيْنَ اللَّهِ وبَيْنَ الجِنِّ نَسَبًا بِتِلْكَ الوِلادَةِ، أيْ بَيَّنُوا كَيْفَ حَصَلَتْ تِلْكَ الوِلادَةُ بِأنْ جَعَلُوها بَيْنَ اللَّهِ تَعالى وبَيْنَ الجِنَّةِ نَسَبًا.
(p-١٨٦)والجِنَّةُ: الجَماعَةُ مِنَ الجِنِّ، فَتَأْنِيثُ اللَّفْظِ بِتَأْوِيلِ الجَماعَةِ مِثْلُ تَأْنِيثِ رَجْلَةَ، الطّائِفَةُ مِنَ الرِّجالِ، ذَلِكَ لِأنَّ المُشْرِكِينَ زَعَمُوا أنَّ المَلائِكَةَ بَناتُ اللَّهِ مِن سَرَواتِ الجِنِّ، أيْ مِن فَرِيقِ نِساءٍ مِنَ الجِنِّ مِن أشْرافِ الجِنِّ، وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿أوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِن جِنَّةٍ﴾ [الأعراف: ١٨٤] في سُورَةِ الأعْرافِ.
والنَّسَبُ: القَرابَةُ العَمُودِيَّةُ أوِ الأُفُقِيَّةُ أيْ مِنَ الأطْرافِ، والكَلامُ عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيْ ذَوِي نَسَبٍ لِلَّهِ تَعالى وهو نَسَبُ النُّبُوَّةِ لِزَعْمِهِمْ أنَّ المَلائِكَةَ بَناتُ اللَّهِ تَعالى، أيْ جَعَلُوا لِلَّهِ تَعالى نَسَبًا لِلْجِنَّةِ ولِلْجِنَّةِ نَسَبًا لِلَّهِ.
وقَوْلُهُ ﴿بَيْنَهُ وبَيْنَ الجِنَّةِ﴾ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ حالًا مِن ”نَسَبًا“ أيْ كائِنًا بَيْنَهُ وبَيْنَ الجِنَّةِ، أيْ أنَّ نَسَبَهُ تَعالى، أيْ نَسْلَهُ سُبْحانَهُ، ناشِئٌ مِن بَيْنِهِ وبَيْنِ الجِنِّ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِ ”جَعَلُوا“، أيْ جَعَلُوا في الِاقْتِرانِ بَيْنَهُ وبَيْنَ الجِنِّ نَسَبًا لَهُ، أيْ جَعَلُوا مِن ذَلِكَ نَسَبًا يَتَوَلَّدُ لَهُ، فَقَوْلُهُ ﴿بَيْنَهُ وبَيْنَ الجِنَّةِ نَسَبًا﴾ هو كَقَوْلِكَ: بَيْنَ فُلانٍ وفُلانَةٍ بَنُونَ، أيْ لَهُ مِنها ولَها مِنهُ بَنُونَ، وهَذا المَعْنى هو مُرادُ مَن فَسَّرَهُ بِأنْ جَعَلُوا الجِنَّ أصْهارًا لِلَّهِ تَعالى، فَتَفْسِيرُهُ النَّسَبَ بِالمُصاهَرَةِ تَفْسِيرٌ بِالمَعْنى ولَيْسَ المُرادُ أنَّ النَّسَبَ يُطْلَقُ عَلى المُصاهَرَةِ كَما تَوَهَّمَهُ كَثِيرٌ؛ لِأنَّ هَذا الإطْلاقَ غَيْرُ مَوْجُودٍ في دَواوِينِ اللُّغَةِ فَلا تَغْتَرِرْ بِهِ.
ولِعَدَمِ الغَوْصِ في مَعْنى الآيَةِ ذَهَبَ مَن ذَهَبَ إلى أنَّ المُرادَ بِالجِنَّةِ المَلائِكَةُ، أيْ جَعَلُوا بَيْنَ اللَّهِ وبَيْنَ المَلائِكَةِ نَسَبَ الأُبُوَّةِ والبُنُوَّةِ، وهَذا تَفْسِيرٌ فاسِدٌ لِأنَّهُ يَصِيرُ قَوْلُهُ ﴿وجَعَلُوا بَيْنَهُ وبَيْنَ الجِنَّةِ نَسَبًا﴾ إعادَةً لِما تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ ﴿ألا إنَّهم مِن إفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ ولَدَ اللَّهُ﴾ [الصافات: ١٥١] ومِن قَوْلِهِ ﴿أمْ خَلَقْنا المَلائِكَةَ إناثًا وهم شاهِدُونَ﴾ [الصافات: ١٥٠] .
ومَن ذَهَبَ إلى أنَّ المُرادَ مِنَ الجِنَّةِ أصْلُ الجِنَّةِ وهو الشَّيْطانُ وأنَّ مَعْنى الآيَةِ: أنَّهم جَعَلُوا اللَّهَ نَسِيبًا لِلشَّيْطانِ نَسَبَ الأُخُوَّةِ، تَعالى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. عَلى أنَّهُ إشارَةٌ إلى قَوْلِ الثَّنَوِيَّةِ مِنَ المَجُوسِ بِوُجُودِ إلَهٍ لِلْخَيْرِ هو اللَّهُ، وإلَهٍ لِلشَّرِّ هو الشَّيْطانُ، وهم مِن مِلَلِ مَجُوسِ فارِسَ وسَمَّوْا إلَهَ الخَيْرِ (يَزْدانَ) وإلَهَ الشَّرِّ (أهْرُمُنْ)، وقالُوا: كانَ إلَهُ الخَيْرِ وحْدَهُ فَخَطَرَ لَهُ خاطِرٌ في نَفْسِهِ مِنَ الشَّرِّ فَنَشَأ مِنهُ إلَهُ الشَّرِّ هو (أهْرُمُنْ) وهو ما نَعاهُ المَعَرِّيُّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ:(p-١٨٧)
؎قالَ أُناسٌ باطِلٌ زَعْمُهم فَراقِبُوا اللَّهَ ولا تَزْعُمُنْ
؎فَكَّرَ (يَزْدانُ) عَلى غِرَّةٍ ∗∗∗ فَصِيغَ مِن تَفْكِيرِهِ أهْرُمُنْ
وهَذا الدِّينُ كانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ بَعْضِ العَرَبِ في الجاهِلِيَّةِ مِن عَرَبِ العِراقِ المُجاوِرِينَ لِبِلادِ فارِسَ والخاضِعِينَ لِسُلْطانِهِمْ، ولَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بَيْنَ أهْلِ مَكَّةَ المُخاطَبِينَ بِهَذِهِ الآياتِ، ولِأنَّ الجِنَّةَ لا يَشْمَلُ الشَّياطِينَ إذا أُطْلِقَ فَإنَّ الشَّيْطانَ كانَ مِنَ الجِنِّ إلّا أنَّهُ تَمَيَّزَ بِهِ صِنْفٌ خاصٌّ مِنهم.
وجُمْلَةُ ﴿ولَقَدْ عَلِمَتِ الجِنَّةُ إنَّهم لَمُحْضَرُونَ﴾ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ ﴿وجَعَلُوا بَيْنَهُ وبَيْنَ الجِنَّةِ نَسَبًا﴾ وبَيْنَ جُمْلَةِ ﴿سُبْحانَ اللَّهِ عَمّا يَصِفُونَ﴾ [الصافات: ١٥٩]، ”وجَعَلُوا بَيْنَهُ“ إلَخْ. . . حالٌ والواوُ حالِيَّةٌ، وضَمِيرُ ”إنَّهم“ عائِدٌ إلى المُشْرِكِينَ أوْ إلى الجِنَّةِ، والوَجْهانِ مُرادانِ فَإنَّ الفَرِيقَيْنِ مُتَعاقِبانِ. والمُحْضَرُونَ: المَجْلُوبُونَ لِلْحُضُورِ، والمُرادُ: مُحَضَرُونَ لِلْعِقابِ، بِقَرِينَةِ مَقامِ التَّوْبِيخِ فَإنَّ التَّوْبِيخَ يَتْبَعُهُ التَّهْدِيدُ، والغالِبُ في فِعْلِ الإحْضارِ أنْ يُرادَ بِهِ إحْضارُ سُوءٍ، قالَ تَعالى: ”﴿ولَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ المَحْضَرَيْنَ﴾ [الصافات: ٥٧]“ ولِذَلِكَ حَذَفَ مُتَعَلِّقَ ”مُحْضَرُونَ“، فَأمّا الإتْيانُ بِأحَدٍ لِإكْرامِهِ فَيُطْلَقُ عَلَيْهِ المَجِيءُ.
والمَعْنى: أنَّ الجِنَّ تَعْلَمُ كَذِبَ المُشْرِكِينَ في ذَلِكَ كَذِبًا فاحِشًا يُجازَوْنَ عَلَيْهِ بِالإحْضارِ لِلْعَذابِ، فَجُعِلَ ”مُحْضَرُونَ“ كِنايَةً عَنْ كَذِبِهِمْ لِأنَّهم لَوْ كانُوا صادِقِينَ ما عُذِّبُوا عَلى قَوْلِهِمْ ذَلِكَ.
وظاهِرُهُ أنَّ هَذا العِلْمَ حاصِلٌ لِلْجِنِّ فِيما مَضى، ولَعَلَّ ذَلِكَ حَصَلَ لَهم مِن زَمانِ تَمَكُّنِهِمْ مِنِ اسْتِراقِ السَّمْعِ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِنَ اسْتِعْمالِ الماضِي في مَوْضِعِ المُسْتَقْبَلِ لِتَحْقِيقِ وُقُوعِهِ مِثْلَ ﴿أتى أمْرُ اللَّهِ﴾ [النحل: ١]، أيْ سَتَعْلَمُ الجِنَّةُ ذَلِكَ يَوْمَ القِيامَةِ. والمَقْصُودُ: أنَّهم يَتَحَقَّقُونَ ذَلِكَ ولا يَسْتَطِيعُونَ دَفْعَ العَذابِ عَنْهم فَقَدْ كانُوا يَعْبُدُونَ الجِنَّ لِاعْتِقادِ وجاهَتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ بِالصَّهْرِ الَّذِي لَهم.
{"ayah":"وَجَعَلُوا۟ بَیۡنَهُۥ وَبَیۡنَ ٱلۡجِنَّةِ نَسَبࣰاۚ وَلَقَدۡ عَلِمَتِ ٱلۡجِنَّةُ إِنَّهُمۡ لَمُحۡضَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











