الباحث القرآني
﴿فَنَبَذْناهُ بِالعَراءِ وهْوَ سَقِيمٌ﴾ ﴿وأنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِن يَقْطِينٍ﴾ الفاءُ فَصِيحَةٌ لِأنَّها تُفْصِحُ عَنْ كَلامٍ مُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَلَوْلا أنَّهُ كانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ في بَطْنِهِ. فالتَّقْدِيرُ: يُسَبِّحُ رَبَّهُ في بَطْنِ الحُوتِ أنْ لا إلَهَ إلّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ، فاسْتَجابَ اللَّهُ لَهُ ونَجّاهُ، كَما في سُورَةِ الأنْبِياءِ. والمَعْنى: فَلَفَظَهُ الحُوتُ وقاءَهُ، وحَمَلَهُ المَوْجُ إلى الشّاطِئِ.
والنَّبْذُ: الإلْقاءُ، وأُسْنِدَ نَبْذُهُ إلى اللَّهِ لِأنَّ اللَّهَ هو الَّذِي سَخَّرَ الحُوتَ لِقَذْفِهِ مِن بَطْنِهِ إلى شاطِئٍ لا شَجَرَ فِيهِ.
والعَراءُ: الأرْضُ الَّتِي لا شَجَرَ فِيها ولا ما يُغَطِّيها.
وكانَ يُونُسُ قَدْ خَرَجَ مِن بَطْنِ الحُوتِ سَقِيمًا لِأنَّ أمْعاءَ الحُوتِ أضَرَّتْ بِجِلْدِهِ بِحَرَكَتِها حَوْلَهُ، فَإنَّهُ كانَ قَدْ نَزَعَ ثِيابَهُ عِنْدَما أُرِيدَ رَمْيُهُ في البَحْرِ لِيَخِفَّ لِلسِّباحَةِ، ولَعَلَّ اللَّهَ أصابَ الحُوتَ بِشِبْهِ الإغْماءِ فَتَعَطَّلَتْ حَرَكَةُ هَضْمِهِ تَعْطِيلًا ما فَبَقِيَ كالخَدِرِ لِئَلّا تَضُرَّ أمْعاؤُهُ لَحْمَ يُونُسَ.
وأنْبَتَ اللَّهُ شَجَرَةً مِن يَقْطِينٍ لِتُظَلِّلَهُ وتَسْتُرَهُ. واليَقْطِينُ: الدُّبّاءُ وهي كَثِيرَةُ الوَرَقِ تَتَسَلَّقُ أغْصانُها في الشَّيْءِ المُرْتَفِعِ، فالظّاهِرُ أنَّ أغْصانَ اليَقْطِينَةِ تَسَلَّقَتْ عَلى جَسَدِ يُونُسَ فَكَسَتْهُ وأظَلَّتْهُ. واخْتِيرَ لَهُ اليَقْطِينُ لِيُمْكِنَ لَهُ أنْ يَقْتاتَ مِن غَلَّتِهِ (p-١٧٨)فَيَصْلُحُ جَسَدُهُ لُطْفًا مِن رَبِّهِ بِهِ بَعْدَ أنْ أجْرى لَهُ حادِثًا لِتَأْدِيبِهِ، شَأْنُ الرَّبِّ مَعَ عَبِيدِهِ أنْ يُعْقِبَ الشِّدَّةَ بِاليُسْرِ.
وهَذا حَدَثٌ لَمْ يَعْهَدْ مَثِيلَهُ مِنَ الرُّسُلِ، ولِأجْلِهِ قالَ النَّبِيءُ ﷺ: «ما يَنْبَغِي لِأحَدٍ أنْ يَقُولَ أنا خَيِرٌ مِن يُونُسَ بْنِ مَتّى، يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَفْسَهُ»، إذْ لا يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ أرادَ أحَدًا آخَرَ إذْ لا يَخْطُرُ بِالبالِ أنْ يَقُولَهُ أحَدٌ غَيْرُ الأنْبِياءِ.
والمَعْنى نَفْيُ الأخْيَرِيَّةِ في وصْفِ النُّبُوءَةِ، أيْ لا يَظُنَّنَّ أحَدٌ أنَّ فِعْلَةَ يُونُسَ تَسْلُبُ عَنْهُ النُّبُوءَةَ.
فَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ ﷺ: «لا تُفَضِّلُوا بَيْنَ الأنْبِياءِ»، أيْ في أصْلِ النُّبُوءَةِ لا في دَرَجاتِها فَقَدْ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ مِنهم مَن كَلَّمَ اللَّهُ ورَفَعَ بَعْضَهم دَرَجاتٍ﴾ [البقرة: ٢٥٣] وقالَ: ”﴿ولَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيئِينَ عَلى بَعْضٍ﴾ [الإسراء: ٥٥]“ .
واعْلَمْ أنَّ الغَرَضَ مِن ذِكْرِ يُونُسَ هُنا تَسْلِيَةُ النَّبِيءِ ﷺ فِيما يَلْقاهُ مَن ثِقَلِ الرِّسالَةِ، بِأنَّ ذَلِكَ قَدْ أثْقَلَ الرُّسُلَ مِن قَبْلِهِ فَظَهَرَتْ مَرْتَبَةُ النَّبِيءِ ﷺ في صَبْرِهِ عَلى ذَلِكَ وعَدَمِ تَذَمُّرِهِ وإعْلامِ جَمِيعِ النّاسِ بِأنَّهُ مَأْمُورٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى بِمُداوَمَةِ الدَّعْوَةِ لِلدِّينِ؛ لِأنَّ المُشْرِكِينَ كانُوا يَلُومُونَهُ عَلى إلْحاحِهِ عَلَيْهِمْ ودَعْوَتِهِ إيّاهم في مُخْتَلَفِ الأزْمانِ والأحْوالِ ويَقُولُونَ: لا تَغْشَنا في مَجالِسِنا، فَمَن جاءَكَ مِنّا فاسْمَعْهُ، كَما قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، قالَ تَعالى ﴿يا أيُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ وإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالاتِهِ﴾ [المائدة: ٦٧] . فَلِذِكْرِ قِصَّةِ يُونُسَ أثَرٌ مِن مَوْعِظَةِ التَّحْذِيرِ مِنَ الوُقُوعِ فِيما وقَعَ فِيهِ مِن غَضَبِ رَبِّهِ، ألا تَرى إلى قَوْلِهِ تَعالى ﴿فاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ولا تَكُنْ كَصاحِبِ الحُوتِ إذْ نادى وهو مَكْظُومٌ﴾ [القلم: ٤٨] ﴿لَوْلا أنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِن رَبِّهِ لِنُبِذَ بِالعَراءِ وهو مَذْمُومٌ﴾ [القلم: ٤٩] .
ولْيَعْلَمِ النّاسُ أنَّ اللَّهَ إذا اصْطَفى أحَدًا لِلرِّسالَةِ لا يُرَخِّصُ لَهُ في الفُتُورِ عَنْها ولا يَنْسَخُ أمْرَهُ بِذَلِكَ لِأنَّ اللَّهَ أعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالاتِهِ.
{"ayahs_start":145,"ayahs":["۞ فَنَبَذۡنَـٰهُ بِٱلۡعَرَاۤءِ وَهُوَ سَقِیمࣱ","وَأَنۢبَتۡنَا عَلَیۡهِ شَجَرَةࣰ مِّن یَقۡطِینࣲ"],"ayah":"وَأَنۢبَتۡنَا عَلَیۡهِ شَجَرَةࣰ مِّن یَقۡطِینࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق