الباحث القرآني

﴿وآتَيْناهُما الكِتابَ المُسْتَبِينَ﴾ ﴿وهَدَيْناهُما الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ﴾ ﴿وتَرَكْنا عَلَيْهِما في الآخِرِينَ﴾ ﴿سَلامٌ عَلى مُوسى وهارُونَ﴾ ﴿إنّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ﴾ ﴿إنَّهُما مِن عِبادِنا المُؤْمِنِينَ﴾ . ﴿الكِتابَ المُسْتَبِينَ﴾ ”هو التَّوْراةُ، والمُسْتَبِينُ القَوِيُّ الوُضُوحِ، فالسِّينُ والتّاءُ لِلْمُبالَغَةِ، يُقالُ: اسْتَبانَ الشَّيْءُ إذا ظَهَرَ ظُهُورًا شَدِيدًا. وتَعْدِيَةُ فِعْلِ الإيتاءِ إلى ضَمِيرِ مُوسى وهارُونَ مَعَ أنَّ الَّذِي أُوتِيَ التَّوْراةَ هو مُوسى كَما قالَ تَعالى:“ ﴿ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى الكِتابَ﴾ [البقرة: ٨٧] ”مِن حَيْثُ إنَّ هارُونَ كانَ مُعاضِدًا لِمُوسى في رِسالَتِهِ، فَكانَ لَهُ حَظٌّ مِن إيتاءِ التَّوْراةِ كَما قالَ اللَّهُ في الآيَةِ الأُخْرى:“ ﴿ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى وهارُونَ الفُرْقانَ وضِياءً﴾ [الأنبياء: ٤٨] ”وهَذا مِنِ اسْتِعْمالِ الإيتاءِ في مَعْنَيَيْهِ الحَقِيقِيِّ والمَجازِيِّ. و“ ﴿الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ﴾ ”: الدِّينَ الحَقَّ كَما تَقَدَّمَ في سُورَةِ الفاتِحَةِ، وقَدْ كانَتْ شَرِيعَةُ التَّوْراةِ يَوْمَ أُوتِيها مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - هي الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ، فَلَمّا نُسِخَتْ (p-١٦٥)بِالقُرْآنِ صارَ القُرْآنُ هو الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ لِلْأبَدِ وتَعَطَّلَ صِراطُ التَّوْراةِ. ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِ“ ﴿الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ﴾ ”أُصُولُ الدِّيانَةِ الَّتِي لا تَخْتَلِفُ فِيها الشَّرائِعُ وهي التَّوْحِيدُ وكُلِّيّاتُ الشَّرائِعِ الَّتِي أشارَ إلَيْها قَوْلُهُ تَعالى“ ﴿شَرَعَ لَكم مِنَ الدِّينِ ما وصّى بِهِ نُوحًا﴾ [الشورى: ١٣] ”إلى قَوْلِهِ“ ومُوسى وعِيسى ”. والقَوْلُ في تَفْسِيرِ“ ﴿وتَرَكْنا عَلَيْهِما في الآخِرِينَ﴾ ”إلى آخِرِ الآياتِ الأرْبَعِ كالقَوْلِ في نَظائِرِهِ عِنْدَ ذِكْرِ نُوحٍ في هَذِهِ السُّورَةِ، إلّا أنَّ احْتِمالَ أنْ تَكُونَ جُمْلَةُ ﴿سَلامٌ عَلى مُوسى وهارُونَ﴾ مَفْعُولًا لِفِعْلِ“ ﴿وتَرَكْنا عَلَيْهِما﴾ " عَلى إرادَةِ حِكايَةِ اللَّفْظِ هُنا أضْعَفُ مِنهُ فِيما تَقَدَّمَ، إذْ لَيْسَ يَطَّرِدُ أنْ يَكُونَ تَسْلِيمُ الآخَرِينَ عَلى مُوسى وهارُونَ مَعًا لِأنَّ الَّذِي ذَكَرَ مُوسى يَقُولُ: السَّلامُ عَلى مُوسى، والَّذِي يَجْرِي عَلى لِسانِهِ ذِكْرُ هارُونَ يَقُولُ: السَّلامُ عَلى هارُونَ، ولا يَجْمَعُ اسْمَيْهِما في السَّلامِ إلّا الَّذِي يَجْرِي عَلى لِسانِهِ ذِكْرُهُما مَعًا كَما يَقُولُ المُحَدِّثُ عَنْ جابِرٍ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ويَقُولُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَرامٍ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإذا قالَ: عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قالَ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما. وفِي ذِكْرِ قِصَّةِ مُوسى وهارُونَ عِبْرَةُ مَثَلٍ كامِلٍ لِلنَّبِيءِ ﷺ في رِسالَتِهِ وإنْزالِ القُرْآنِ عَلَيْهِ وهِدايَتِهِ وانْتِشارِ دِينِهِ وسُلْطانِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِن دِيارِ المُشْرِكِينَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب