الباحث القرآني
﴿فَلَمّا أسْلَما وتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ ﴿ونادَيْناهُ أنْ يا إبْراهِيمُ﴾ ﴿قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إنّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ﴾ ﴿إنَّ هَذا لَهْوَ البَلاءُ المُبِينُ﴾ ﴿وفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ ”أسْلَما“ اسْتَسْلَما. يُقالُ: سَلَّمَ واسْتَسْلَمَ وأسْلَمَ بِمَعْنى: انْقادَ وخَضَعَ، وحُذِفَ المُتَعَلِّقُ لِظُهُورِهِ مِنَ السِّياقِ، أيْ أسْلَما لِأمْرِ اللَّهِ فاسْتِسْلامُ إبْراهِيمَ بِالتَّهَيُّؤِ (p-١٥٣)لِذَبْحِ ابْنِهِ، واسْتِسْلامُ الغُلامِ بِطاعَةِ أبِيهِ فِيما بَلَغَهُ عَنْ رَبِّهِ.
و”تَلَّهُ“: صَرَعَهُ عَلى الأرْضِ، وهو فِعْلٌ مُشْتَقٌّ مِنِ اسْمِ التَّلِّ وهو الصُّبْرَةُ مِنَ التُّرابِ كالكُدْيَةِ، وأمّا قَوْلُهُ في حَدِيثِ الشُّرْبِ ”فَتَلَّهُ في يَدِهِ“ أيِ القَدَحِ، فَلِذَلِكَ عَلى تَشْبِيهِ شِدَّةِ التَّمْكِينِ كَأنَّهُ ألْقاهُ في يَدِهِ.
واللّامُ في ”لِلْجَبِينِ“ بِمَعْنى (عَلى) كَقَوْلِهِ ”﴿يَخِرُّونَ لِلْأذْقانِ سُجَّدًا﴾ [الإسراء: ١٠٧]“، وقَوْلِهِ تَعالى ”﴿دَعانا لِجَنْبِهِ﴾ [يونس: ١٢]“، ومَعْناها أنَّ مَدْخُولَها هو أسْفَلُ جُزْءٍ مِن صاحِبِهِ.
والجَبِينُ: أحَدُ جانِبَيِ الجَبْهَةِ، ولِلْجَبْهَةِ جَبِينانِ، ولَيْسَ الجَبِينُ هو الجَبْهَةَ ولِهَذا خَطَّأُوا المُتَنَبِّي في قَوْلِهِ:
؎وخَلِّ زِيًّا لِمَن يُحَقِّقُهُ ما كَلُّ دامٍ جَبِينُهُ عابِدْ
وتَبِعَ المُتَنَبِّي إطْلاقَ العامَّةِ وهو خَطَأٌ، وقَدْ نَبَّهَ عَلى ذَلِكَ ابْنُ قُتَيْبَةَ في أدَبِ الكاتِبِ ولَمْ يَتَعَقَّبْهُ ابْنُ السَّيِّدِ البَطْلَيُوسِيُّ في الِاقْتِضابِ، ولَكِنَّ الحَرِيرِيَّ لَمْ يَعُدَّهُ في أوْهامِ الخَواصِّ فَلَعَلَّهُ أنْ يَكُونَ غَفَلَ عَنْهُ، وذَكَرَ مُرْتَضى في تاجِ العَرُوسِ عَنْ شَيْخِهِ تَصْحِيحَ إطْلاقِ الجَبِينِ عَلى الجَبْهَةِ مَجازًا بِعَلاقَةِ المُجاوَرَةِ، وأنْشَدَ قَوْلَ زُهَيْرٍ:
؎يَقِينِي بِالجَبِينِ ومَنكِبَيْهِ ∗∗∗ وأدْفَعُهُ بِمُطَّرِدِ الكُعُوبِ
وزَعَمَ أنَّ شارِحَ دِيوانِ زُهَيْرٍ ذَكَرَ ذَلِكَ.
وهَذا لا يُصَحِّحُ اسْتِعْمالَهُ إلّا عِنْدَ قِيامِ القَرِينَةِ لِأنَّ المَجازَ إذا لَمْ يَكْثُرْ لا يَسْتَحِقُّ أنْ يُعَدَّ في مَعانِي الكَلِمَةِ، عَلى أنّا لا نُسَلِّمُ أنَّ زُهَيْرًا أرادَ مِنَ الجَبِينِ الجَبْهَةَ. ولَمْ يَذْكُرْ هَذا في الأساسِ.
والمَعْنى: أنَّهُ ألْقاهُ عَلى الأرْضِ عَلى جانِبٍ بِحَيْثُ يُباشِرُ جَبِينُهُ الأرْضَ مِن شِدَّةِ الِاتِّصالِ.
ومُناداةُ اللَّهِ إبْراهِيمَ بِطَرِيقِ الوَحْيِ بِإرْسالِ المَلَكِ، أُسْنِدَتِ المُناداةُ إلى اللَّهِ تَعالى لِأنَّهُ الآمِرُ بِها.
وتَصْدِيقُ الرُّؤْيا: تَحْقِيقُها في الخارِجِ بِأنْ يَعْمَلَ صُورَةَ العَمَلِ الَّذِي رَآهُ، يُقالُ: رُؤْيا صادِقَةٌ، إذا حَصَلَ بَعْدَها في الواقِعِ ما يُماثِلُ صُورَةَ ما رَآهُ الرّائِي، قالَ اللَّهُ تَعالى: (p-١٥٤)﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالحَقِّ﴾ [الفتح: ٢٧] . وفي حَدِيثِ عائِشَةَ «أوَّلُ ما بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيا الصّادِقَةُ، فَكانَ لا يَرى رُؤْيا إلّا جاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ»، وبِضِدِّ ذَلِكَ يُقالُ: كَذَبَتِ الرُّؤْيا، إذا حَصَلَ خِلافُ ما رَأى. وفي الحَدِيثِ «إذا اقْتَرَبَ الزَّمانُ لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ رُؤْيا المُؤْمِنِ»، فَمَعْنى ﴿قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا﴾ قَدْ فَعَلْتَ مِثْلَ صُورَةِ ما رَأيْتَ في النَّوْمِ أنَّكَ تَفْعَلُهُ. وهَذا ثَناءٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى عَلى إبْراهِيمَ بِمُبادَرَتِهِ لِامْتِثالِ الأمْرِ ولَمْ يَتَأخَّرْ ولا سَألَ مِنَ اللَّهِ نَسْخَ ذَلِكَ.
والمُرادُ: أنَّهُ صَدَّقَ ما رَآهُ إلى حَدِّ إمْرارِ السِّكِّينِ عَلى رَقَبَةِ ابْنِهِ، فَلَمّا ناداهُ جِبْرِيلُ بِأنْ لا يَذْبَحَهُ كانَ ذَلِكَ الخِطابُ نَسْخًا لِما في الرُّؤْيا مِن إيقاعِ الذَّبْحِ، وذَلِكَ جاءَ مِن قِبَلِ اللَّهِ لا مِن تَقْصِيرِ إبْراهِيمَ، فَإبْراهِيمُ صَدَّقَ الرُّؤْيا إلى أنْ نَهاهُ اللَّهُ عَنْ إكْمالِ مِثالِها، فَأُطْلِقَ عَلى تَصْدِيقِهِ أكْثَرَها أنَّهُ صَدَّقَها، وجُعِلَ ذَبْحُ الكَبْشِ تَأْوِيلًا لِذَبْحِ الوَلَدِ الواقِعِ في الرُّؤْيا.
وجُمْلَةُ ﴿إنّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ﴾ تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ ”ونادَيْناهُ“ لِأنَّ نِداءَ اللَّهِ إيّاهُ تَرْفِيعٌ لِشَأْنِهِ فَكانَ ذَلِكَ النِّداءُ جَزاءً عَلى إحْسانِهِ.
وهَذِهِ الجُمْلَةُ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ مِن خِطابِ اللَّهِ تَعالى إبْراهِيمَ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مُعْتَرِضَةً بَيْنَ جُمَلِ خِطابِ إبْراهِيمَ، والإشارَةُ في قَوْلِهِ ”كَذَلِكَ“ إلى المَصْدَرِ المَأْخُوذِ مَن فِعْلِ ”صَدَّقْتَ“ مِنَ المَصْدَرِ وهو التَّصْدِيقُ، مِثْلَ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلى المَصْدَرِ المَأْخُوذِ مَنِ ”﴿اعْدِلُوا هو أقْرَبُ لِلتَّقْوى﴾ [المائدة: ٨]“، أيْ إنّا نَجْزِي المُحْسِنِينَ كَذَلِكَ التَّصْدِيقُ، أيْ مِثْلَ عَظَمَةِ ذَلِكَ التَّصْدِيقِ نَجْزِي جَزاءً عَظِيمًا لِلْمُحْسِنِينَ، أيِ الكامِلِينَ في الإحْسانِ، أيْ وأنْتَ مِنهم.
ولِما يَتَضَمَّنُهُ لَفْظُ الجَزاءِ مِن مَعْنى المُكافَأةِ ومُماثَلَةِ المَجْزِيِّ عَلَيْهِ عَظُمَ شَأْنُ الجَزاءِ بِتَشْبِيهِهِ بِمُشَبَّهٍ مُشارٍ إلَيْهِ بِإشارَةِ البَعِيدِ المُفِيدِ بُعْدًا اعْتِبارِيًّا وهو الرِّفْعَةُ وعِظَمُ القَدْرِ في الشَّرَفِ، فالتَّقْدِيرُ: إنّا نَجْزِي المُحْسِنِينَ جَزاءً كَذَلِكَ الإحْسانُ الَّذِي أحْسَنْتَ بِهِ بِتَصْدِيقِكَ الرُّؤْيا، مُكافَأةً عَلى مِقْدارِ الإحْسانِ، فَإنَّهُ بَذَلَ أعَزَّ الأشْياءِ عَلَيْهِ في طاعَةِ رَبِّهِ فَبَذَلَ اللَّهُ إلَيْهِ مِن أحْسَنِ الخَيْراتِ الَّتِي بِيَدِهِ تَعالى، فالمُشَبَّهُ والمُشَبَّهُ بِهِ مَعْقُولانِ إذْ لَيْسَ واحِدٌ مِنهُما بِمُشاهَدٍ ولَكِنَّهُما مُتَخَيِّلانِ بِما يَتَّسِعُ لَهُ التَّخَيُّلُ المَعْهُودُ عِنْدَ المُحْسِنِينَ مِمّا يَقْتَضِيهِ اعْتِقادُهم في وعْدِ الصّادِقِ مِن جَزاءِ (p-١٥٥)القادِرِ العَظِيمِ، قالَ تَعالى ﴿هَلْ جَزاءُ الإحْسانِ إلّا الإحْسانُ﴾ [الرحمن: ٦٠] .
ولِما أفادَ اسْمُ الإشارَةِ مِن عَظَمَةِ الجَزاءِ أُكِّدَ الخَبَرُ بِ (إنَّ) لِدَفْعِ تَوَهُّمِ المُبالَغَةِ، أيْ هو فَوْقَ ما تَعْهَدُهُ في العَظَمَةِ وما تُقَدِّرُهُ العُقُولُ.
وفُهِمَ مِن ذِكْرِ المُحْسِنِينَ أنَّ الجَزاءَ إحْسانٌ بِمِثْلِ الإحْسانِ، فَصارَ المَعْنى: إنّا كَذَلِكَ الإحْسانَ العَظِيمَ الَّذِي أحْسَنْتَهُ نَجْزِي المُحْسِنِينَ، فَهَذا وعْدٌ بِمَراتِبَ عَظِيمَةٍ مِنَ الفَضْلِ الرَّبّانِيِّ، وتَضَمَّنَ وعْدُ ابْنِهِ بِإحْسانٍ مِثْلِهِ مِن جِهَةِ نَوْطِ الجَزاءِ بِالإحْسانِ، وقَدْ كانَ إحْسانُ الِابْنِ عَظِيمًا بِبَذْلِ نَفْسِهِ.
وقَدْ أُكِّدَ ذَلِكَ بِمَضْمُونِ جُمْلَةِ ﴿إنَّ هَذا لَهو البَلاءُ المُبِينُ﴾ أيْ هَذا التَّكْلِيفُ الَّذِي كَلَّفْناكَ هو الِاخْتِبارُ البَيِّنُ، أيِ الظّاهِرُ دَلالَةً عَلى مَرْتَبَةٍ عَظِيمَةٍ مِنَ امْتِثالِ أمْرِ اللَّهِ.
واسْتُعْمِلَ لَفْظُ البَلاءِ مَجازًا في لازِمِهِ وهو الشَّهادَةُ بِمَرْتَبَةِ مَن لَوِ اخْتُبِرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ التَّكْلِيفِ لَعُلِمَتْ مَرْتَبَتُهُ في الطّاعَةِ والصَّبْرِ وقُوَّةِ اليَقِينِ.
وجُمْلَةُ ﴿إنَّ هَذا لَهو البَلاءُ المُبِينُ﴾ في مَحَلِّ العِلَّةِ لِجُمْلَةِ ﴿إنّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ﴾ عَلى نَحْوِ ما تَقَدَّمَ في مَوْقِعِ جُمْلَةِ ﴿إنَّهُ مِن عِبادِنا المُؤْمِنِينَ﴾ [الصافات: ٨١] في قِصَّةِ نُوحٍ.
وجَوابُ ﴿فَلَمّا أسْلَما﴾ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ”ونادَيْناهُ“ وإنَّما جِيءَ بِهِ في صُورَةِ العَطْفِ إيثارًا لِما في ذَلِكَ مِن مَعْنى القِصَّةِ عَلى أنْ يَكُونَ جَوابًا؛ لِأنَّ الدَّلالَةَ عَلى الجَوابِ تَحْصُلُ بِعَطْفِ بَعْضِ القِصَّةِ دُونَ العَكْسِ، وحَذْفُ الجَوابِ في مِثْلِ هَذا كَثِيرٌ في القُرْآنِ وهو مِن أسالِيبِهِ، ومِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعالى ”﴿فَلَمّا ذَهَبُوا بِهِ وأجْمَعُوا أنْ يَجْعَلُوهُ في غَياباتِ الجُبِّ وأوْحَيْنا إلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهم بِأمْرِهِمْ هَذا وهم لا يَشْعُرُونَ وجاءُوا أباهم عِشاءً يَبْكُونَ﴾ [يوسف: ١٥]“ .
وجُمْلَةُ ”وفَدَيْناهُ“ يَظْهَرُ أنَّها مِنَ الكَلامِ الَّذِي خاطَبَ اللَّهُ بِهِ إبْراهِيمَ.
والمَعْنى: وقَدْ فَدَيْنا ابْنَكَ بِذَبْحٍ عَظِيمٍ، ولَوْلا هَذا التَّقْدِيرُ تَكُونُ حِكايَةُ نِداءِ اللَّهِ إبْراهِيمَ غَيْرَ مُشْتَمِلَةٍ عَلى المَقْصُودِ مِنَ النِّداءِ وهو إبْطالُ الأمْرِ بِذَبْحِ الغُلامِ.
(p-١٥٦)والفِدى والفِداءُ: إعْطاءُ شَيْءٍ بَدَلًا عَنْ حَقٍّ لِلْمُعْطى، ويُطْلَقُ عَلى الشَّيْءِ المُفَدّى بِهِ مِن إطْلاقِ المَصْدَرِ عَلى المَفْعُولِ.
وأُسْنِدَ الفِداءُ إلى اللَّهِ لِأنَّهُ الآذِنُ بِهِ، فَهو مَجازٌ عَقْلِيٌّ، فَإنَّ اللَّهَ أوْحى إلى إبْراهِيمَ أنْ يَذْبَحَ الكَبْشَ فِداءً عَنْ ذَبْحِ ابْنِهِ، وإبْراهِيمُ هو الفادِي بِإذْنِ اللَّهِ، وابْنُ إبْراهِيمَ مُفْدًى.
والذِّبْحُ بِكَسْرِ الذّالِ: المَذْبُوحُ، ووَزْنُ فِعْلٍ بِكَسْرِ الفاءِ وسُكُونِ عَيْنِ الكَلِمَةِ يُكْثِرُ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى المَفْعُولِ مِمّا اشْتُقَّ مِنهُ، مِثْلَ: الحِبُّ والطِّحْنُ والعِدْلُ.
ووَصْفُهُ بِ ”عَظِيمٍ“ بِمَعْنى شَرُفَ قَدْرُ هَذا الذِّبْحِ، وهو أنَّ اللَّهَ فَدى بِهِ ابْنَ رَسُولٍ وأبْقى بِهِ مَن سَيَكُونُ رَسُولًا فَعَظَّمَهُ بِعِظَمِ أثَرِهِ، ولِأنَّهُ سَخَّرَهُ اللَّهُ لِإبْراهِيمَ في ذَلِكَ الوَقْتِ وذَلِكَ المَكانِ.
وقَدْ أشارَتْ هَذِهِ الآياتُ إلى قِصَّةِ الذَّبِيحِ ولَمْ يُسَمِّهِ القُرْآنُ لِعِلَّةٍ لِئَلّا يُثِيرَ خِلافًا بَيْنَ المُسْلِمِينَ وأهْلِ الكِتابِ في تَعْيِينِ الذَّبِيحِ مِن ولَدَيْ إبْراهِيمَ، وكانَ المَقْصِدُ تَألُّفَ أهْلِ الكِتابِ لِإقامَةِ الحُجَّةِ عَلَيْهِمْ في الِاعْتِرافِ بِرِسالَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ وتَصْدِيقِ القُرْآنِ، ولَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَقْصِدٌ مُهِمٌّ يَتَعَلَّقُ بِتَعْيِينِ الذَّبِيحِ ولا في تَخْطِئَةِ أهْلِ الكِتابِ في تَعْيِينِهِ، وأمارَةُ ذَلِكَ أنَّ القُرْآنَ سَمّى إسْماعِيلَ في مَواضِعَ غَيْرَ قِصَّةِ الذَّبْحِ، وسَمّى إسْحاقَ في مَواضِعَ، ومِنها بِشارَةُ أُمِّهِ عَلى لِسانِ المَلائِكَةِ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إلى قَوْمِ لُوطٍ، وذَكَرَ اسْمَيْ إسْماعِيلَ وإسْحاقَ أنَّهُما وُهِبا لَهُ عَلى الكِبَرِ، ولَمْ يُسَمِّ أحَدًا في قِصَّةِ الذَّبْحِ قَصْدًا لِلْإبْهامِ مَعَ عَدَمِ فَواتِ المَقْصُودِ مِنَ الفَضْلِ لِأنَّ المَقْصُودَ مِنَ القِصَّةِ التَّنْوِيهُ بِشَأْنِ إبْراهِيمَ، فَأيُّ ولَدَيْهِ كانَ الذَّبِيحَ كانَ في ابْتِلائِهِ بِذَبْحِهِ وعَزْمِهِ عَلَيْهِ، وما ظَهَرَ في ذَلِكَ مِنَ المُعْجِزَةِ تَنْوِيهٌ عَظِيمٌ بِشَأْنِ إبْراهِيمَ، وقالَ اللَّهُ تَعالى ﴿ولا تُجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ إلّا بِالَّتِي هي أحْسَنُ﴾ [العنكبوت: ٤٦] وقالَ النَّبِيءُ ﷺ «لا تُصَدِّقُوا أهْلَ الكِتابِ ولا تُكَذِّبُوهم» . رَوى الحاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ أبِي سُفْيانَ «أنَّ أحَدَ الأعْرابِ قالَ لِلنَّبِيءِ ﷺ: يا ابْنَ الذَّبِيحَيْنِ، فَتَبَسَّمَ النَّبِيءُ» ﷺ وهو يَعْنِي أنَّهُ مِن ولَدِ إسْماعِيلَ وهو الذَّبِيحُ، وأنَّ أباهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ كانَ أبُوهُ عَبْدُ المُطَّلِبِ نَذَرَ: لَئِنْ رَزَقَهُ اللَّهُ بِعَشَرَةِ بَنِينَ أنْ يَذْبَحَ العاشِرَ لِلْكَعْبَةِ، فَلَمّا وُلِدَ عَبْدُ اللَّهِ وهو العاشِرُ عَزَمَ عَبْدُ المُطَّلِبِ عَلى الوَفاءِ بِنَذْرِهِ، فَكَلَّمَهُ كَبَراءُ أهْلِ البِطاحِ أنْ يَعْدِلَهُ (p-١٥٧)بِعَشَرَةٍ مِنَ الإبِلِ وأنْ يَسْتَقْسِمَ بِالأزْلامِ عَلَيْهِ وعَلى الإبِلِ فَإنْ خَرَجَ سَهْمُ الإبِلِ نَحَرَها، فَفَعَلَ فَخَرَجَ سَهْمُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقالُوا: أرْضِ الآلِهَةَ، أيِ الآلِهَةَ الَّتِي في الكَعْبَةِ يَوْمَئِذٍ، فَزادَ عَشَرَةً مِنَ الإبِلِ واسْتَقْسَمَ فَخَرَجَ سَهْمُ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَمْ يَزالُوا يَقُولُونَ: أرْضِ الآلِهَةَ ويَزِيدُ عَبْدُ المُطَّلِبِ عَشَرَةً مِنَ الإبِلِ، ويُعِيدُ الِاسْتِقْسامَ ويَخْرُجُ سَهْمُ عَبْدِ اللَّهِ إلى أنْ بَلَغَ مائَةً مِنَ الإبِلِ واسْتَقْسَمَ عَلَيْهِ فَخَرَجَ سَهْمُ الإبِلِ فَقالُوا: رَضِيَتِ الآلِهَةُ فَذَبَحَها فِداءً عَنْهُ.
وكانَتْ مَنقَبَةً لِعَبْدِ المُطَّلِبِ ولِابْنِهِ أبِي النَّبِيءِ ﷺ تُشْبِهُ مَنقَبَةَ جَدِّهِ إبْراهِيمَ، وإنْ كانَتْ جَرَتْ عَلى أحْوالِ الجاهِلِيَّةِ فَإنَّها يُسْتَخْلَصُ مِنها غَيْرُ ما حَفَّ بِها مِنَ الأعْراضِ الباطِلَةِ، وكانَ الزَّمانُ زَمانَ فَتْرَةٍ لا شَرِيعَةَ فِيهِ ولَمْ يَرِدْ في السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ ما يُخالِفُ هَذا.
إلّا أنَّهُ شاعَ مِن أخْبارِ أهْلِ الكِتابِ أنَّ الذَّبِيحَ هو إسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ بِناءً عَلى ما جاءَ في سِفْرِ التَّكْوِينِ في الإصْحاحِ الثّانِي والعِشْرِينَ وعَلى ما كانَ يَقُصُّهُ اليَهُودُ عَلَيْهِمْ، ولَمْ يَكُنْ فِيما عَلِمُوهُ مِن أقْوالِ الرَّسُولِ ﷺ ما يُخالِفُهُ ولا كانُوا يَسْألُونَهُ.
والتَّأمُّلُ في هَذِهِ الآيَةِ يُقَوِّي الظَّنَّ بِأنَّ الذَّبِيحَ إسْماعِيلُ، فَإنَّهُ ظاهِرٌ قَوِيٌّ في أنَّ المَأْمُورَ بِذَبْحِهِ هو الغُلامُ الحَلِيمُ في قَوْلِهِ ﴿فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ﴾ [الصافات: ١٠١]، وأنَّهُ هو الَّذِي سَألَ إبْراهِيمُ رَبَّهَ أنْ يَهَبَ لَهُ فَساقَتِ الآيَةُ قِصَّةَ الِابْتِلاءِ بِذَبْحِ هَذا الغُلامِ الحَلِيمِ المَوْهُوبِ لِإبْراهِيمَ، ثُمَّ أعْقَبَتْ قِصَّتَهُ بِقَوْلِهِ تَعالى ”﴿وبَشَّرْناهُ بِإسْحاقَ نَبِيئًا مِنَ الصّالِحِينَ﴾ [الصافات: ١١٢]“، وهَذا قَرِيبٌ مِن دَلالَةِ النَّصِّ عَلى أنَّ إسْحاقَ هو غَيْرُ الغُلامِ الحَلِيمِ الَّذِي مَضى الكَلامُ عَلى قِصَّتِهِ؛ لِأنَّ الظّاهِرَ أنَّ قَوْلَهُ ”وبَشَّرْناهُ“ بِشارَةٌ ثانِيَةٌ وأنَّ ذِكْرَ اسْمِ إسْحاقَ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ غَيْرُ الغُلامِ الحَلِيمِ الَّذِي أُجْرِيَتْ عَلَيْهِ الضَّمائِرُ المُتَقَدِّمَةُ. فَهَذا دَلِيلٌ أوَّلُ.
الدَّلِيلُ الثّانِي: أنَّ اللَّهَ لَمّا ابْتَلى إبْراهِيمَ بِذَبْحِ ولَدِهِ كانَ الظّاهِرُ أنَّ الِابْتِلاءَ وقَعَ حِينَ لَمْ يَكُنْ لِإبْراهِيمَ ابْنٌ غَيْرُهُ لِأنَّ ذَلِكَ أكْمَلُ في الِابْتِلاءِ كَما تَقَدَّمَ.
الدَّلِيلُ الثّالِثُ: أنَّ اللَّهَ تَعالى ذَكَرَ ﴿فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ﴾ [الصافات: ١٠١] عَقِبَ ما ذَكَرَ مِن قَوْلِ إبْراهِيمَ ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصّالِحِينَ﴾ [الصافات: ١٠٠]، فَدَلَّ عَلى أنَّ هَذا الغُلامَ الحَلِيمَ الَّذِي أُمِرَ (p-١٥٨)بِذَبْحِهِ هو المُبَشَّرُ بِهِ اسْتِجابَةً لِدَعْوَتِهِ، وقَدْ ظَهَرَ أنَّ المَقْصُودَ مِنَ الدَّعْوَةِ أنْ لا يَكُونَ عَقِيمًا يَرِثُهُ عَبِيدُ بَيْتِهِ كَما جاءَ في سِفْرِ التَّكْوِينِ وتَقَدَّمَ آنِفًا.
الدَّلِيلُ الرّابِعُ: أنَّ إبْراهِيمَ بَنى بَيْتًا لِلَّهِ بِمَكَّةَ قَبْلَ أنْ يَبْنِيَ بَيْتًا آخَرَ بِنَحْوِ أرْبَعِينَ سَنَةً كَما في حَدِيثِ أبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيءِ ﷺ ومِن شَأْنِ بُيُوتِ العِبادَةِ في ذَلِكَ الزَّمانِ أنْ تُقَرَّبَ فِيها القَرابِينُ، فَقُرْبانُ أعَزِّ شَيْءٍ عَلى إبْراهِيمَ هو المُناسِبُ لِكَوْنِهِ قُرْبانًا لِأشْرَفِ هَيْكَلٍ. وقَدْ بَقِيَتْ في العَرَبِ سُنَةُ الهَدايا في الحَجِّ كُلَّ عامٍ وما تِلْكَ إلّا تَذْكِرَةٌ لِأوَّلِ عامٍ أُمِرَ فِيهِ إبْراهِيمُ بِذَبْحِ ولَدِهِ وأنَّهُ الوَلَدُ الَّذِي بِمَكَّةَ.
الدَّلِيلُ الخامِسُ: «أنَّ أعْرابِيًّا قالَ لِلنَّبِيءِ ﷺ: يا ابْنَ الذَّبِيحَيْنِ، فَعَلِمَ مُرادَهَ وتَبَسَّمَ»، ولَيْسَ في آباءِ النَّبِيءِ ﷺ ذَبِيحٌ غَيْرَ عَبْدِ اللَّهِ وإسْماعِيلَ.
الدَّلِيلُ السّادِسُ: ما وقَعَ في سِفْرِ التَّكْوِينِ في الإصْحاحِ الثّانِي والعِشْرِينَ أنَّ اللَّهَ امْتَحَنَ إبْراهِيمَ فَقالَ لَهُ: ”خُذِ ابْنَكَ وحِيدَكَ الَّذِي تُحِبُّهُ إسْحاقَ واذْهَبْ إلى أرْضِ المُرَيّا، وأصْعِدْهُ هُنالِكَ مُحْرَقَةٌ عَلى أحَدِ الجِبالِ الَّذِي أقُولُ لَكَ“ إلى آخِرِ القِصَّةِ. ولَمْ يَكُنْ إسْحاقُ ابْنًا وحِيدًا لِإبْراهِيمَ فَإنَّ إسْماعِيلَ وُلِدَ قَبْلَهُ بِثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً. ولَمْ يَزَلْ إبْراهِيمُ وإسْماعِيلُ مُتَواصِلَيْنِ، وقَدْ ذُكِرَ في الإصْحاحِ الخامِسِ والعِشْرِينَ مِنَ التَّكْوِينِ عِنْدَ ذِكْرِ مَوْتِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - ”ودَفَنَهُ إسْحاقُ وإسْماعِيلُ ابْناهُ“، فَإقْحامُ اسْمِ إسْحاقَ بَعْدَ قَوْلِهِ: ابْنَكَ وحِيدَكَ، مِن زِيادَةِ كاتِبِ التَّوْراةِ.
الدَّلِيلُ السّابِعُ: قالَ صاحِبُ الكَشّافِ: ”ويَدُلُّ عَلَيهِ أنَّ قَرْنَيِ الكَبْشِ كانا مَنُوطَيْنِ في الكَعْبَةَ في أيْدِي بَنِي إسْماعِيلَ إلى أنِ احْتَرَقَ البَيْتُ في حِصارِ ابْنِ الزُّبَيْرِ“ اهـ. وقالَ القُرْطُبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ”والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ كانَ أوَّلَ الإسْلامِ وأنَّ رَأْسَ الكَبْشِ لَمُعَلَّقٌ بِقَرْنَيْهِ مِن مِيزابِ الكَعْبَةَ وقَدْ يَبِسَ. قُلْتُ: وفي صِحَّةِ كَوْنِ ذَلِكَ الرَّأْسِ رَأْسَ كَبْشِ الفِداءِ مِن زَمَنِ إبْراهِيمَ نَظَرٌ.
الدَّلِيلُ الثّامِنُ: أنَّهُ ورَدَتْ رِواياتٌ في حِكْمَةِ تَشْرِيعِ الرَّمْيِ في الجَمَراتِ مِن عَهْدِ الحَنِيفِيَّةِ، أنَّ الشَّيْطانَ تَعَرَّضَ لِإبْراهِيمَ لِيَصُدَّهُ عَنِ المُضِيِّ في ذَبْحِ ولَدِهِ، وذَلِكَ مِن مَناسِكَ الحَجِّ لِأهْلِ مَكَّةَ ولَمْ تَكُنْ لِلْيَهُودِ سُنَّةُ ذَبْحٍ مُعَيَّنٍ.
(p-١٥٩)وذَكَرَ القُرْطُبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أنَّ الشَّيْطانَ عَرَضَ لِإبْراهِيمَ عِنْدَ الجَمَراتِ ثَلاثَ مَرّاتٍ فَرَجَمَهُ في كُلِّ مَرَّةٍ بِحَصَياتٍ حَتّى ذَهَبَ مِن عِنْدِ الجَمْرَةِ الأُخْرى. وعَنْهُ: أنَّ مَوْضِعَ مُعالَجَةِ الذَّبْحِ كانَ عِنْدَ الجِمارِ، وقِيلَ عِنْدَ الصَّخْرَةِ الَّتِي في أصْلِ جَبَلِ ثَبِيرٍ بِمِنًى.
الدَّلِيلُ التّاسِعُ: أنَّ القُرْآنَ صَرِيحٌ في أنَّ اللَّهَ لَمّا بَشَّرَ إبْراهِيمَ بِإسْحاقَ قَرَنَ تِلْكَ البِشارَةَ بِأنَّهُ يُولَدُ لِإسْحاقَ يَعْقُوبُ، قالَ تَعالى ﴿فَبَشَّرْناها بِإسْحاقَ ومِن وراءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ﴾ [هود: ٧١] وكانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرِ إبْراهِيمَ فَلَوِ ابْتَلاهُ اللَّهُ بِذَبْحِ إسْحاقَ لَكانَ الِابْتِلاءُ صُورِيًّا؛ لِأنَّهُ واثِقٌ بِأنَّ إسْحاقَ يَعِيشُ حَتّى يُولَدَ لَهُ يَعْقُوبُ لِأنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ. ولَمّا بَشَّرَهُ بِإسْماعِيلَ لَمْ يَعِدْهُ بِأنَّهُ سَيُولَدُ لَهُ، وما ذَلِكَ إلّا تَوْطِئَةٌ لِابْتِلائِهِ بِذَبْحِهِ فَقَدْ كانَ إبْراهِيمُ يَدْعُو لِحَياةِ ابْنِهِ إسْماعِيلَ. فَقَدْ جاءَ في سِفْرِ التَّكْوِينِ الإصْحاحِ السّابِعِ عَشَرَ“ وقالَ إبْراهِيمُ لِلَّهِ: لَيْتَ إسْماعِيلَ يَعِيشُ أمامَكَ، فَقالَ اللَّهُ: بَلْ سارَةُ تَلِدُ لَكَ ابْنًا وتَدْعُو اسْمَهُ إسْحاقَ، وأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْدًا أبَدِيًّا لِنَسْلِهِ مِن بَعْدِهِ ”، ويَظْهَرُ أنَّ هَذا وقَعَ بَعْدَ الِابْتِلاءِ بِذَبْحِهِ.
الدَّلِيلُ العاشِرُ: أنَّهُ لَوْ كانَ المُرادُ بِالغُلامِ الحَلِيمِ إسْحاقَ لَكانَ قَوْلُهُ تَعالى بَعْدَ هَذا“ ﴿وبَشَّرْناهُ بِإسْحاقَ نَبِيئًا مِنَ الصّالِحِينَ﴾ [الصافات: ١١٢] ”تَكْرِيرًا؛ لِأنَّ فِعْلَ: بَشَّرْناهُ بِفُلانٍ، غالِبٌ في مَعْنى التَّبْشِيرِ بِالوُجُودِ.
واخْتَلَفَ عُلَماءُ السَّلَفِ في تَعْيِينِ الذَّبِيحِ فَقالَ جَماعَةٌ مِنَ الصَّحابَةِ والتّابِعِينَ: هو إسْماعِيلُ، ومِمَّنْ قالَهُ أبُو هُرَيْرَةَ، وأبُو الطُّفَيْلِ عامِرُ بْنُ واثِلَةَ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وابْنُ عَبّاسٍ، ومُعاوِيَةُ بْنُ أبِي سُفْيانَ. وقالَهُ مِنَ التّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، والشَّعْبِيُّ، ومُجاهِدٌ، وعَلْقَمَةُ، والكَلْبِيُّ، والرَّبِيعُ بْنُ أنَسٍ، ومُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ، وأحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وقالَ جَماعَةٌ: هو إسْحاقُ ونُقِلَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، والعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وجابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وعُمَرَ، وعَلِيٍّ، مِنَ الصَّحابَةِ، وقالَهُ جَمْعٌ مِنَ التّابِعِينَ مِنهم: عَطاءٌ وعِكْرِمَةُ والزُّهْرِيُّ والسُّدِّيُّ.
وفِي جامِعِ العَتَبِيَّةِ أنَّهُ قَوْلُ مالِكِ بْنِ أنَسٍ.
فَإنْ قُلْتَ: فَعَلامَ جَنَحْتَ إلَيْهِ واسْتَدْلَلْتَ عَلَيهِ مِنِ اخْتِيارِكَ أنْ يَكُونَ (p-١٦٠)الِابْتِلاءُ بِذَبْحِ إسْماعِيلَ دُونَ إسْحاقَ، فَكَيْفَ تَتَأوَّلُ ما وقَعَ في سِفْرِ التَّكْوِينِ ؟ قُلْتُ: أرى أنَّ ما في سِفْرِ التَّكْوِينِ نُقِلَ مُشَتَّتًا غَيْرَ مُرَتَّبَةٍ فِيهِ أزْمانُ الحَوادِثِ بِضَبْطٍ يُعَيِّنُ الزَّمَنَ بَيْنَ الذَّبْحِ وبَيْنَ أخْبارِ إبْراهِيمَ، فَلَمّا نَقَلَ النَّقَلَةُ التَّوْراةَ بَعْدَ ذَهابِ أصْلِها عَقِبَ أسْرِ بَنِي إسْرائِيلَ في بِلادِ أشُورَ زَمَنَ بُخْتُنَصَّرَ، سَجَّلَتْ قَضِيَّةَ الذَّبِيحِ في جُمْلَةِ أحْوالِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وأُدْمِجَ فِيها ما اعْتَقَدَهُ بَنُو إسْرائِيلَ في غُرْبَتِهِمْ مِن ظَنِّهِمُ الذَّبِيحَ إسْحاقَ. ويَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الإصْحاحِ الثّانِي والعِشْرِينَ“ وحَدَثَ بَعْدَ هَذِهِ الأُمُورِ أنَّ اللَّهَ امْتَحَنَ إبْراهِيمَ فَقالَ: خُذِ ابْنَكَ وحِيدَكَ " إلَخْ، فَهَلِ المُرادُ مِن قَوْلِها: بَعْدَ هَذِهِ الأُمُورِ، بَعْدَ جَمِيعِ الأُمُورِ المُتَقَدِّمَةِ أوْ بَعْدَ بَعْضِ ما تَقَدَّمَ.
{"ayahs_start":103,"ayahs":["فَلَمَّاۤ أَسۡلَمَا وَتَلَّهُۥ لِلۡجَبِینِ","وَنَـٰدَیۡنَـٰهُ أَن یَـٰۤإِبۡرَ ٰهِیمُ","قَدۡ صَدَّقۡتَ ٱلرُّءۡیَاۤۚ إِنَّا كَذَ ٰلِكَ نَجۡزِی ٱلۡمُحۡسِنِینَ","إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلۡبَلَـٰۤؤُا۟ ٱلۡمُبِینُ","وَفَدَیۡنَـٰهُ بِذِبۡحٍ عَظِیمࣲ"],"ayah":"قَدۡ صَدَّقۡتَ ٱلرُّءۡیَاۤۚ إِنَّا كَذَ ٰلِكَ نَجۡزِی ٱلۡمُحۡسِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق