الباحث القرآني
﴿إنّا جَعَلْنا في أعْناقِهِمْ أغْلالًا فَهْيَ إلى الأذْقانِ فَهم مُقْمَحُونَ﴾ هَذِهِ الجُمْلَةُ بَدَلُ اشْتِمالٍ مِن جُمْلَةِ ﴿لَقَدْ حَقَّ القَوْلُ عَلى أكْثَرِهِمْ فَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ [يس: ٧] فَإنَّ انْتِفاءَ إيمانِهِمْ يَشْتَمِلُ عَلى ما تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الآيَةُ مِن جَعْلِ أغْلالٍ في أعْناقِهِمْ حَقِيقَةً أوْ تَمْثِيلًا.
والجَعْلُ: تَكْوِينُ الشَّيْءِ، أيْ جَعَلْنا حالَهم كَحالِ مَن في أعْناقِهِمْ أغْلالٌ فَهي إلى الأذْقانِ فَهم مُقْمِحُونَ، فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ تَمْثِيلًا بِأنْ شُبِّهَتْ حالَةُ إعْراضِهِمْ عَنِ التَّدَبُّرِ في القُرْآنِ ودَعْوَةِ الإسْلامِ والتَّأمُّلِ في حُجَجِهِ الواضِحَةِ بِحالِ قَوْمٍ جُعِلَتْ في أعْناقِهِمْ أغْلالٌ غَلِيظَةٌ تَرْتَفِعُ إلى أذْقانِهِمْ فَيَكُونُونَ كالمُقْمَحِينَ، أيِ الرّافِعِينَ رُءُوسَهُمُ الغاضِّينَ أبْصارَهم لا يَلْتَفِتُونَ يَمِينًا ولا شِمالًا فَلا يَنْظُرُونَ إلى شَيْءٍ مِمّا حَوْلَهم فَتَكُونُ تَمْثِيلِيَّةً.
وذَكَرَ ﴿فَهِيَ إلى الأذْقانِ﴾ لِتَحْقِيقِ كَوْنِ الأغْلالِ مَلْزُوزَةً إلى عِظامِ الأذْقانِ بَحَيْثُ إذا أرادَ المَغْلُولُ مِنهُمُ الِالتِفاتَ أوْ أنْ يُطَأْطِئَ رَأْسَهُ وجِعَهُ ذَقَنُهُ فَلازَمَ السُّكُونَ، وهَذِهِ حالَةُ تَخْيِيلِ هَذِهِ الأغْلالِ ولَيْسَ كُلُّ الأغْلالِ مِثْلَ هَذِهِ الحالَةِ.
وهَذا التَّمْثِيلُ قابِلٌ لِتَوْزِيعِ أجْزاءِ المَرْكَّبِ التَّمْثِيلِيِّ إلى تَشْبِيهِ كُلِّ جُزْءٍ مِنَ الحالَيْنِ بِجُزْءٍ مِنَ الحالَةِ الأُخْرى بِأنْ يُشَبَّهَ ما في نُفُوسِهِمْ مِنَ النُّفُورِ عَنِ الخَيْرِ بِالأغْلالِ، ويُشَبَّهُ إعْراضُهم عَنِ التَّأمُّلِ والإنْصافِ بِالإقْماحِ.
(p-٣٥٠)فالفاءُ في قَوْلِهِ ﴿فَهِيَ إلى الأذْقانِ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿جَعَلْنا في أعْناقِهِمْ أغْلالًا﴾، أيْ جَعَلْنا أغْلالًا، أيْ فَأبْلَغْناها إلى الأذْقانِ.
والجَعْلُ: هُنا حَقِيقَةٌ وهو ما خُلِقَ في نُفُوسِهِمْ مِن خُلُقِ التَّكَبُّرِ والمُكابَرَةِ.
والأغْلالُ: جَمَعُ غُلٍّ بِضَمِّ الغَيْنِ، وهو حَلْقَةٌ عَرِيضَةٌ مِن حَدِيدٍ كالقِلادَةِ ذاتُ أضْلاعٍ مِن إحْدى جِهاتِها وطَرَفَيْنِ يُقابِلانِ أضْلاعَهُما فِيهِما أثْقابٌ مُتَوازِيَةٌ تَشُدُّ الحَلْقَةُ مِن طَرَفَيْها عَلى رَقَبَةِ المَغْلُولِ بِعَمُودٍ مِن حَدِيدٍ لَهُ رَأْسٌ كالكُرَةِ الصَّغِيرَةِ يَسْقُطُ ذَلِكَ العَمُودُ في الأثْقابِ فَإذا انْتَهى إلى رَأْسِهِ الَّذِي كالكُرَةِ اسْتَقَرَّ لِيَمْنَعَ الغُلَّ مِنَ الِانْحِلالِ والتَّفَلُّتِ، وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وأُولَئِكَ الأغْلالُ في أعْناقِهِمْ﴾ [الرعد: ٥] في سُورَةِ الرَّعْدِ.
والفاءُ في قَوْلِهِ ﴿فَهم مُقْمَحُونَ﴾ تَفْرِيعٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿فَهِيَ إلى الأذْقانِ﴾ .
والمُقْمَحُ: بِصِيغَةِ اسْمِ المَفْعُولِ المَجْعُولِ قامِحًا، أيْ رافِعًا رَأْسَهُ ناظِرًا إلى فَوْقِهِ يُقالُ: قَمَحَهُ الغِلُّ، إذْ جَعَلَ رَأسَهُ مَرْفُوعًا وغَضَّ بَصَرَهُ، فَمَدْلُولُهُ مُرَكَّبٌ مِن شَيْئَيْنِ. والأذْقانُ: جَمَعُ ذَقَنٍ بِالتَّحْرِيكِ، وهو مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ. وتَقَدَّمَ في الإسْراءِ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ ﴿إنّا جَعَلْنا في أعْناقِهِمْ أغْلالًا﴾ إلَخْ وعِيدًا بِما سَيَحِلُّ بِهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ حِينَ يُساقُونَ إلى جَهَنَّمَ في الأغْلالِ كَما أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿إذِ الأغْلالُ في أعْناقِهِمْ والسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ في الحَمِيمِ ثُمَّ في النّارِ يُسْجَرُونَ﴾ [غافر: ٧١] في سُورَةِ غافِرٍ، فَيَكُونُ فِعْلُ ”جَعَلْنا“ مُسْتَقْبَلًا وعُبِّرَ عَنْهُ بِصِيغَةِ الماضِي لِتَحْقِيقِ وُقُوعِهِ كَقَوْلِهِ تَعالى ”﴿أتى أمْرُ اللَّهِ﴾ [النحل: ١]“ أيْ: سَنَجْعَلُ في أعْناقِهِمْ أغْلالًا.
{"ayah":"إِنَّا جَعَلۡنَا فِیۤ أَعۡنَـٰقِهِمۡ أَغۡلَـٰلࣰا فَهِیَ إِلَى ٱلۡأَذۡقَانِ فَهُم مُّقۡمَحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق