الباحث القرآني
﴿واللَّهُ الَّذِي أرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحابًا فَسُقْناهُ إلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأحْيَيْنا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذَلِكَ النُّشُورُ﴾
لَمّا قُدِّمَ في أوَّلِ السُّورَةِ الِاسْتِدْلالُ بِأنَّ اللَّهَ فَطَرَ السَّماواتِ والأرْضَ وما في السَّماواتِ مِن أهْلِها، وذَلِكَ أعْظَمُ دَلِيلٍ عَلى تَفَرُّدِهِ بِالإلَهِيَّةِ ثَنّى هُنا بِالِاسْتِدْلالِ بِتَصْرِيفِ الأحْوالِ بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ وذَلِكَ بِإرْسالِ الرِّياحِ وتَكْوِينِ السَّحابِ وإنْزالِ المَطَرِ، فَهَذا عَطْفٌ عَلى قَوْلِهِ ﴿فاطِرِ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ [فاطر: ١] .
وإظْهارُ اسْمِ الجَلالَةِ في مَقامِ إضْمارٍ دُونَ أنْ يَقُولَ: وهو الَّذِي أرْسَلَ الرِّياحَ. فَيَعُودُ الضَّمِيرُ إلى اسْمِ اللَّهِ مِن قَوْلِهِ ﴿إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ﴾ [فاطر: ٨] .
واخْتِيرَ مِن دَلائِلِ الوَحْدانِيَّةِ دَلالَةُ تَجَمُّعِ أسْبابِ المَطَرِ لِيُفْضِيَ مِن ذَلِكَ إلى تَنْظِيرِ إحْياءِ الأمْواتِ بَعْدَ أحْوالِ الفَناءِ بِآثارِ ذَلِكَ الصُّنْعِ العَجِيبِ وأنَّ الَّذِي خَلَقَ وسائِلَ إحْياءِ الأرْضِ قادِرٌ عَلى خَلْقِ وسائِلِ إحْياءِ الَّذِينَ ضَمِنَتْهُمُ الأرْضُ عَلى سَبِيلِ الإدْماجِ.
(p-٢٦٨)وإذْ قَدْ كانَ القَصْدُ مِنَ الِاسْتِدْلالِ هو وُقُوعُ الإحْياءِ وتَقَرُّرُ وُقُوعِهِ جِيءَ بِفِعْلِ المُضِيِّ في قَوْلِهِ ”أرْسَلَ“، وأمّا تَغْيِيرُهُ إلى المُضارِعِ في قَوْلِهِ ﴿فَتُثِيرُ سَحابًا﴾ فَلِحِكايَةِ الحالِ العَجِيبَةِ الَّتِي تَقَعُ فِيها إثارَةُ الرِّياحِ السَّحابَ وهي طَرِيقَةٌ لِلْبُلَغاءِ في الفِعْلِ الَّذِي في خُصُوصِيَّتِهِ بِحالٍ تُسْتَغْرَبُ وتَهُمُّ السّامِعَ. وهو نَظِيرُ قَوْلِ تَأبَّطَ شَرًّا.
؎بِأنِّي قَدْ لَقِيتُ الغُولَ تَهْوِي بِسَهْبٍ كالصَّحِيفَةِ صَحْصَحانِ
؎فَأضْرِبُها بِلا دَهَشٍ فَخَرَّتْ ∗∗∗ صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ ولِلْجِرانِ
فابْتَدَأ بِـ ”لَقِيتُ“ لِإفادَةِ وُقُوعِ ذَلِكَ ثُمَّ ثَنّى بِـ ”أضْرِبُها“ لِاسْتِحْضارِ تِلْكَ الصُّورَةِ العَجِيبَةِ مِن إقْدامِهِ وثَباتِهِ حَتّى كَأنَّهم يُبْصِرُونَهُ في تِلْكَ الحالَةِ. ولَمْ يُؤْتَ بِفِعْلِ الإرْسالِ في هَذِهِ الآيَةِ بِصِيغَةِ المُضارِعِ بِخِلافِ قَوْلِهِ في سُورَةِ الرُّومِ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ الآيَةَ لِأنَّ القَصْدَ هُنا اسْتِدْلالٌ بِما هو واقِعٌ إظْهارًا لِإمْكانِ نَظِيرِهِ وأمّا آيَةُ سُورَةِ الرُّومِ فالمَقْصُودُ مِنها الِاسْتِدْلالُ عَلى تَجْدِيدِ صُنْعِ اللَّهِ ونِعَمِهِ.
والقَوْلُ في الرِّياحِ والسَّحابِ تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أوَّلُها في سُورَةِ البَقَرَةِ.
وفِي قَوْلِهِ ”فَسُقْناهُ“ بَعْدَ قَوْلِهِ واللَّهُ الَّذِي أرْسَلَ الرِّياحَ التِفاتٌ مِنَ الغَيْبَةِ إلى التَّكَلُّمِ.
وقَوْلُهُ ﴿كَذَلِكَ النُّشُورُ﴾ سَبِيلُهُ سَبِيلُ قَوْلِهِ ﴿يا أيُّها النّاسُ إنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ [فاطر: ٥] الآياتِ مِن إثْباتِ البَعْثِ مَعَ تَصْدِيقِ الرَّسُولِ ﷺ فِيما أخْبَرَ بِهِ عَنْهُ، إلّا أنَّ ما قَبْلَهُ كانَ مَأْخُوذًا مِن فَحْوى الدَّلالَةِ لَمّا ظَهَرَتْ في بُرْهانِ صِدْقِ الرَّسُولِ ﷺ فِيما أخْبَرَ بِهِ مِن تَوْحِيدٍ أُخِذَ مِن طَرِيقِ دَلالَةِ التَّقْرِيبِ لِوُقُوعِ البَعْثِ إذْ عَثُرَ عَلى عُقُولِهِمْ تَصْدِيقُ إمْكانِ الإعادَةِ بَعْدَ الفَناءِ لِيَحْصُلَ مِن بارِقَةِ صِدْقِ الرَّسُولِ ﷺ وبارِقَةِ الإمْكانِ ما يَسُوقُ أذْهانَهم إلى اسْتِقامَةِ التَّصْدِيقِ بِوُقُوعِ البَعْثِ.
والإشارَةُ في قَوْلِهِ ﴿كَذَلِكَ النُّشُورُ﴾ إلى المَذْكُورِ مِن قَوْلِهِ ﴿فَأحْيَيْنا بِهِ الأرْضَ﴾، والأظْهَرُ أنْ تَكُونَ الإشارَةُ إلى مَجْمُوعِ الحالَةِ المُصَوَّرَةِ أيْ مِثْلَ ذَلِكَ الصُّنْعِ المُحْكَمِ المُتْقَنِ نَصْنَعُ صُنْعًا يَكُونُ بِهِ النُّشُورُ بِأنْ يُهَيِّئَ اللَّهُ حَوادِثَ سَماوِيَّةً (p-٢٦٩)أوْ أرْضِيَّةً أوْ مَجْمُوعَةً مِنها حَتّى إذا اسْتَقامَتْ آثارُها وتَهَيَّأتْ أجْسامٌ لِقَبُولِ أرْواحِها أمَرَ اللَّهُ بِالنَّفْخَةِ الأُولى والثّانِيَةِ فَإذا الأجْسادُ قائِمَةٌ ماثِلَةٌ نَظِيرَ أمْرِ اللَّهِ بِنَفْخِ الأرْواحِ في الأجِنَّةِ عِنْدَ اسْتِكْمالِ تَهْيِئَتِها لِقَبُولِ الأرْواحِ.
وقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيءِ ﷺ تَقْرِيبُ ذَلِكَ بِمِثْلِ هَذا مِمّا رَواهُ أحْمَدُ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ وقَرِيبٌ مِنهُ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيءِ ﷺ «قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ: كَيْفَ يُحْيِي اللَّهُ المَوْتى وما آيَةُ ذَلِكَ في خَلْقِهِ ؟ فَقالَ: هَلْ مَرَرْتَ بِوادٍ أُهْلِكَ مُمَحَّلًا، ثُمَّ مَرَرْتَ بِهِ يَهْتَزُّ خَضِرًا ؟ قِيلَ نَعَمْ: فَكَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ المَوْتى وتِلْكَ آيَتُهُ في خَلْقِهِ»، وفي بَعْضِ الرِّواياتِ عَنِ ابْنِ رَزِينٍ العُقَيْلِيِّ أنَّ السّائِلَ رَزِينٌ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ الرِّياحَ بِصِيغَةِ الجَمْعِ. وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ ”الرِّيحَ“ بِالإفْرادِ، والمَعْرُوفُ بِلامِ الجِنْسِ يَسْتَوِي فِيهِ المُفْرَدُ والجَمْعُ.
{"ayah":"وَٱللَّهُ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ ٱلرِّیَـٰحَ فَتُثِیرُ سَحَابࣰا فَسُقۡنَـٰهُ إِلَىٰ بَلَدࣲ مَّیِّتࣲ فَأَحۡیَیۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ كَذَ ٰلِكَ ٱلنُّشُورُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق