الباحث القرآني
(p-٢٩٨)﴿وإنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جاءَتْهم رُسُلُهم بِالبَيِّناتِ وبِالزُّبُرِ وبِالكِتابِ المُنِيرِ﴾ ﴿ثُمَّ أخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ﴾
أُعَقِبَ الثَّناءُ عَلى النَّبِيءِ ﷺ بِتَسْلِيَتِهِ عَلى تَكْذِيبِ قَوْمِهِ وتَأْنِيسِهِ بِأنَّ تِلْكَ سُنَّةُ الرُّسُلِ مَعَ أُمَمِهِمْ.
وإذْ قَدْ كانَ سِياقُ الحَدِيثِ في شَأْنِ الأُمَمِ جُعِلَتِ التَّسْلِيَةُ في هَذِهِ الآيَةِ بِحالِ الأُمَمِ مَعَ رُسُلِهِمْ عَكْسَ ما في آيَةِ آلِ عِمْرانَ فَإنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِن قَبْلِكَ جاءُوا بِالبَيِّناتِ والزُّبُرِ والكِتابِ المُنِيرِ لِأنَّ سِياقَ آيَةِ (آلِ عِمْرانَ) كانَ في رَدِّ مُحاوَلَةِ أهْلِ الكِتابِ إفْحامَ الرَّسُولِ لِأنَّ قَبْلَها الَّذِينَ قالُوا إنَّ اللَّهَ عَهِدَ إلَيْنا أنْ لا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النّارُ.
وقَدْ خُولِفَ أيْضًا في هَذِهِ الآيَةِ أُسْلُوبُ آيَةِ (آلِ عِمْرانَ) إذْ قُرِنَ كُلٌّ مِنَ الزُّبُرِ والكِتابِ المُنِيرِ هُنا بِالباءِ، وجُرِّدا مِنها في آيَةِ (آلِ عِمْرانَ) وذَلِكَ لِأنَّ آيَةَ (آلِ عِمْرانَ) جَرَتْ في سِياقِ زَعْمِ اليَهُودِ أنْ لا تُقْبَلَ مُعْجِزَةُ رَسُولٍ إلّا مُعْجِزَةَ قُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النّارُ، فَقِيلَ في التَّفَرُّدِ بِبُهْتانِهِمْ: قَدْ كُذِّبَتِ الرُّسُلُ الَّذِينَ جاءَ الواحِدُ مِنهم بِأصْنافِ المُعْجِزاتِ مِثْلَ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - ومِن مُعْجِزاتِهِمْ قَرابِينُ تَأْكُلُها النّارُ فَكَذَّبْتُمُوهم، فَتَرْكُ إعادَةِ الباءِ هُنالِكَ إشارَةٌ إلى أنَّ الرُّسُلَ جاءُوا بِالأنْواعِ الثَّلاثَةِ.
ولَمّا كانَ المَقامُ هُنا لِتَسْلِيَةِ الرَّسُولِ ﷺ ناسَبَ أنْ يُذْكَرَ ابْتِلاءُ الرُّسُلِ بِتَكْذِيبِ أُمَمِهِمْ عَلى اخْتِلافِ أحْوالِ الرُّسُلِ، فَمِنهُمُ الَّذِينَ أتَوْا بِآياتٍ، أيْ خَوارِقِ عاداتٍ فَقَطْ مِثْلُ صالِحٍ وهُودٍ ولُوطٍ، ومِنهم مَن أتَوْا بِالزُّبُرِ وهي المَواعِظُ الَّتِي يُؤْمَرُ بِكِتابَتِها وزَبْرِها، أيْ تَخْطِيطِها لِتَكُونَ مَحْفُوظَةً وتُرَدَّدَ عَلى الألْسُنِ كَزَبُورِ داوُدَ وكُتُبِ أصْحابِ الكُتُبِ مِن أنْبِياءِ بَنِي إسْرائِيلَ مِثْلَ أرْمِياءَ وإيلِياءَ، ومِنهم مَن جاءُوا بِالكِتابِ المُنِيرِ، يَعْنِي كِتابَ الشَّرائِعِ مِثْلَ إبْراهِيمَ ومُوسى وعِيسى، فَذَكَرَ الباءَ مُشِيرًا إلى تَوْزِيعِ أصْنافِ المُعْجِزاتِ عَلى أصْنافِ الرُّسُلِ.
فَزَبُورُ إبْراهِيمَ صُحُفُهُ المَذْكُورَةُ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿صُحُفِ إبْراهِيمَ ومُوسى﴾ [الأعلى: ١٩] .
وزَبُورُ مُوسى كَلامُهُ في المَواعِظِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَبْلِيغٌ عَنِ اللَّهِ مِثْلَ دُعائِهِ الَّذِي (p-٢٩٩)دَعا بِهِ في قادِشَ المَذْكُورِ في الإصْحاحِ التّاسِعِ مِن سِفْرِ التَّثْنِيَةِ، ووَصِيَّتِهِ في عَبْرِ الأُرْدُنِ الَّتِي في الإصْحاحِ السّابِعِ والعِشْرِينَ مِنَ السِّفْرِ المَذْكُورِ، ومِثْلَ نَشِيدِهِ الوَعْظِيِّ الَّذِي نَطَقَ بِهِ وأمَرَ بَنِي إسْرائِيلَ بِحِفْظِهِ والتَّرَنُّمِ بِهِ في الإصْحاحِ الثّانِي والثَّلاثِينَ مِنهُ، ومِثْلَ الدُّعاءِ الَّذِي بارَكَ بِهِ أسْباطَ إسْرائِيلَ في عَرَباتِ مُؤابَ في آخِرِ حَياتِهِ في الإصْحاحِ الثّالِثِ والثَّلاثِينَ مِنهُ.
وزَبُورُ عِيسى أقْوالُهُ المَأْثُورَةُ في الأناجِيلِ مِمّا لَمْ يَكُنْ مَنسُوبًا إلى الوَحْيِ.
فالضَّمِيرُ في ”جاءُوا“ لِلرُّسُلِ وهو عَلى التَّوْزِيعِ، أيْ جاءَ مَجْمُوعُهم بِهَذِهِ الأصْنافِ مِنَ الآياتِ، ولا يَلْزَمُ أنْ يَجِيءَ كُلُّ فَرْدٍ مِنهم بِجَمِيعِها كَما يُقالُ: بَنُو فُلانٍ قَتَلُوا فُلانًا.
وجَوابُ ”إنْ يُكَذِّبُوكَ“ مَحْذُوفٌ دَلَّتْ عَلَيْهِ عِلَّتُهُ وهي قَوْلُهُ: ﴿فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِن قَبْلِكَ﴾ [فاطر: ٤]، والتَّقْدِيرُ: إنْ يُكَذِّبُوكَ فَلا تَحْزَنْ، ولا تَحْسَبْهم مُفْلِتِينَ مِنَ العِقابِ عَلى ذَلِكَ إذْ قَدْ كَذَّبَ الأقْوامُ الَّذِينَ جاءَتْهم رُسُلٌ مِن قَبْلِ هَؤُلاءِ وقَدْ عاقَبْناهم عَلى تَكْذِيبِهِمْ.
فالفاءُ في قَوْلِهِ: ”﴿فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾“ فاءٌ فَصِيحَةٌ أوْ تَفْرِيعٌ عَلى المَحْذُوفِ.
وجُمْلَةُ ”جاءَتْهم“ صِلَةُ ”الَّذِينَ“ و”مِن قَبْلِهِمْ“ في مَوْضِعِ الحالِ مِنِ اسْمِ المَوْصُولِ مُقَدَّمٍ عَلَيْهِ أوْ مُتَعَلِّقٍ بِـ ”جاءَتْهم“ .
و”ثُمَّ“ عاطِفَةٌ جُمْلَةَ ”أخَذْتُ“ عَلى جُمْلَةِ ”جاءَتْهم“ أيْ ثُمَّ أخَذْتُهم، وأُظْهِرَ ”الَّذِينَ كَفَرُوا“ في مَوْضِعِ ضَمِيرِ الغَيْبَةِ لِلْإيماءِ إلى أنَّ أخْذَهم لِأجْلِ ما تَضَمَّنَتْهُ صِلَةُ المَوْصُولِ مِن أنَّهم كَفَرُوا.
والأخْذُ مُسْتَعارٌ لِلِاسْتِئْصالِ والإفْناءِ، شُبِّهَ إهْلاكُهم جَزاءً عَلى تَكْذِيبِهِمْ بِإتْلافِ المُغِيرِينَ عَلى عَدُوِّهِمْ يَقْتُلُونَهم ويَغْنَمُونَ أمْوالَهم فَتَبْقى دِيارُهم بَلْقَعًا كَأنَّهم أُخِذُوا مِنها.
و”كَيْفَ“ اسْتِفْهامٌ مُسْتَعْمَلٌ في التَّعْجِيبِ مِن حالِهِمْ وهو مُفَرَّعٌ بِالفاءِ عَلى ”﴿أخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾“، والمَعْنى: أخَذْتُهم أخْذًا عَجِيبًا كَيْفَ تَرَوْنَ أُعْجُوبَتَهُ.
(p-٣٠٠)وأصْلُ ”كَيْفَ“ أنْ يُسْتَفْهَمَ بِهِ عَنِ الحالِ فَلَمّا اسْتُعْمِلَ في التَّعْجِيبِ مِن حالِ أخْذِهِمْ لَزِمَ أنْ يَكُونَ حالُهم مَعْرُوفًا، أيْ يَعْرِفُهُ النَّبِيءُ ﷺ وكُلُّ مَن بَلَغَتْهُ أخْبارُهم فَعَلى تِلْكَ المَعْرِفَةِ المَشْهُورَةِ بُنِيَ التَّعْجِيبُ.
والنَّكِيرُ: اسْمٌ لِشِدَّةِ الإنْكارِ، وهو هُنا كِنايَةٌ عَنْ شِدَّةِ العِقابِ لِأنَّ الإنْكارَ يَسْتَلْزِمُ الجَزاءَ عَلى الفِعْلِ المُنْكَرِ بِالعِقابِ.
وحُذِفَتْ ياءُ المُتَكَلِّمِ تَخْفِيفًا ولِرِعايَةِ الفَواصِلِ في الوَقْفِ لِأنَّ الفَواصِلَ يُعْتَبَرُ فِيها الوَقْفُ، وتَقَدَّمَ في سَبَأٍ.
{"ayahs_start":25,"ayahs":["وَإِن یُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كَذَّبَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ جَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَبِٱلزُّبُرِ وَبِٱلۡكِتَـٰبِ ٱلۡمُنِیرِ","ثُمَّ أَخَذۡتُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ۖ فَكَیۡفَ كَانَ نَكِیرِ"],"ayah":"ثُمَّ أَخَذۡتُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ۖ فَكَیۡفَ كَانَ نَكِیرِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











