الباحث القرآني
﴿ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنّاسِ مِن رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وهْوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ هَذا مِن بَقِيَّةِ تَصْدِيرِ السُّورَةِ بِـ ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ [فاطر: ١]، وهو عَطْفٌ عَلى ﴿فاطِرِ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ [فاطر: ١] الَخْ. والتَّقْدِيرُ: وفاتِحِ الرَّحْمَةِ لِلنّاسِ ومُمْسِكِها عَنْهم فَلا يَقْدِرُ أحَدٌ عَلى إمْساكِ ما فَتَحَهُ ولا عَلى فَتْحِ ما أمْسَكَهُ.
و”ما“ شَرْطِيَّةٌ، أيِ اسْمٌ فِيهِ مَعْنى الشَّرْطِ. وأصْلُها اسْمٌ مَوْصُولٌ ضُمِّنَ مَعْنى الشَّرْطِ. فانْقَلَبَتْ صِلَتُهُ إلى جُمْلَةٍ شَرْطِيَّةٍ وانْقَلَبَتْ جُمْلَةُ الخَبَرِ جَوابًا واقْتَرَنَتْ بِالفاءِ لِذَلِكَ، فَأصْلُ ”ما“ الشَّرْطِيَّةِ هو المَوْصُولَةُ. ومَحَلُّ ”ما“ الِابْتِداءُ وجَوابُ الشَّرْطِ أغْنى مِنَ الخَبَرِ.
و”﴿مِن رَحْمَةٍ﴾“ بَيانٌ لِإبْهامِ ”ما“ والرّابِطُ مَحْذُوفٌ لِأنَّهُ ضَمِيرٌ مَنصُوبٌ.
و”الفَتْحُ“: تَمْثِيلِيَّةٌ لِإعْطاءِ الرَّحْمَةِ إذْ هي مِنَ النَّفائِسِ الَّتِي تُشْبِهُ المُدَّخَراتِ المُتَنافَسِ فِيها فَكانَتْ حالَةُ إعْطاءِ اللَّهِ الرَّحْمَةَ شَبِيهَةً بِحالَةِ فَتْحِ الخَزائِنِ لِلْعَطاءِ، فَأُشِيرَ إلى هَذا التَّمْثِيلِ بِفِعْلِ الفَتْحِ، وبَيانُهُ بِقَوْلِهِ ”﴿مِن رَحْمَةٍ﴾“ قَرِينَةُ الِاسْتِعارَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ.
والإمْساكُ حَقِيقَتُهُ: أخْذُ الشَّيْءِ بِاليَدِ مَعَ الشَّدِّ عَلَيْهِ بِها لِئَلّا يَسْقُطَ أوْ يَنْفَلِتَ، وهو يَتَعَدّى بِنَفْسِهِ، أوْ هو هُنا مَجازٌ عَنِ الحَبْسِ والمَنعِ ولِذَلِكَ قُوبِلَ بِهِ الفَتْحُ.
وأمّا قَوْلُهم: أمْسَكَ بِكَذا، فالباءُ إمّا لِتَوْكِيدِ لُصُوقِ المَفْعُولِ بِفِعْلِهِ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿ولا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوافِرِ﴾ [الممتحنة: ١٠]، وإمّا لِتَضْمِينِهِ مَعْنى الِاعْتِصامِ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقى﴾ [البقرة: ٢٥٦] .
وقَدْ أُوهِمَ النّاسُ في القامُوسِ واللِّسانِ والتّاجِ أنَّهُ لا يَتَعَدّى بِنَفْسِهِ.
(p-٢٥٣)فَقَوْلُهُ هُنا ﴿وما يُمْسِكْ﴾ حُذِفَ مَفْعُولُهُ لِدَلالَةِ قَوْلِهِ ﴿ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنّاسِ مِن رَحْمَةٍ﴾ عَلَيْهِ والتَّقْدِيرُ: وما يُمْسِكُهُ مِن رَحْمَةٍ، ولَمْ يُذْكَرْ لَهُ بَيانٌ اسْتِغْناءً بِبَيانِهِ مِن فِعْلٍ.
والإرْسالُ: ضِدُّ الإمْساكِ، وتَعْدِيَةُ الإرْسالِ بِاللّامِ لِلتَّقْوِيَةِ لِأنَّ العامِلَ هُنا فَرْعٌ في العَمَلِ.
و﴿مِن بَعْدِهِ﴾ بِمَعْنى: مِن دُونِهِ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ﴾ [الجاثية: ٢٣] ﴿فَبِأيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ﴾ [الجاثية: ٦]، أيْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ دُونَ اللَّهِ، أيْ لا يَقْدِرُ أحَدٌ عَلى إبْطالِ ما أرادَ اللَّهُ مِن إعْطاءٍ أوْ مَنعٍ ”﴿واللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ﴾ [الرعد: ٤١]“ . وتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ في قَوْلِهِ ﴿فَلا مُرْسِلَ لَهُ﴾ مُراعاةٌ لِلَفْظِ ”ما“ لِأنَّها لا بَيانَ لَها، وتَأْنِيثُهُ في قَوْلِهِ ﴿فَلا مُمْسِكَ لَها﴾ لِمُراعاةِ بَيانِ ”ما“ في قَوْلِهِ مِن رَحْمَةٍ لِقُرْبِهِ.
وعَطْفُ ﴿وهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ تَذْيِيلٌ رُجِّحَ فِيهِ جانِبُ الإخْبارِ فَعُطِفَ، وكانَ مُقْتَضى الظّاهِرِ أنْ يَكُونَ مَفْصُولًا لِإفادَةِ أنَّهُ يَفْتَحُ ويُمْسِكُ لِحِكْمَةٍ يَعْلَمُها، وأنَّهُ لا يَسْتَطِيعُ أحَدٌ نَقْضَ ما أبْرَمَهُ في فَتْحِ الرَّحْمَةِ وغَيْرِهِ مِن تَصَرُّفاتِهِ لِأنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ لا يُمْكِنُ لِغَيْرِهِ أنْ يَغْلِبَهُ، فَإنَّ نَقْضَ ما أبْرَمَ ضَرْبٌ مِنَ الهَوانِ والمَذَلَّةِ. ولِذَلِكَ كانَ مِن شِعارِ صاحِبِ السُّؤْدُدِ أنَّهُ يُبْرِمُ ويَنْقُضُ قالَ الأعْشى:
؎عَلْقَمَ ما أنْتَ إلى عامِرٍ النّاقِضِ الأوْتارِ والواتِرِ
وضَمِيرُ ”لَها“ وضَمِيرُ ”لَهُ“ عائِدانِ إلى ”ما“ مِن قَوْلِهِ ﴿ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنّاسِ مِن رَحْمَةٍ﴾، رُوعِيَ في تَأْنِيثِ أحَدِ الضَّمِيرَيْنِ مَعْنى ”ما“ فَإنَّهُ اسْمٌ صادِقٌ عَلى ”رَحْمَةٍ“ وقَدْ بُيِّنَ بِها، ورَوْعِيَ في تَذْكِيرِ الضَّمِيرِ الآخَرِ لَفْظُ ”ما“ لِأنَّهُ لَفْظٌ لا عَلامَةُ تَأْنِيثٍ فِيهِ. وهُما اعْتِبارانِ كَثِيرانِ في مِثْلِهِ في فَصِيحِ الكَلامِ، فالمُتَكَلِّمُ بِالخِيارِ بَيْنَ أيِّ الِاعْتِبارَيْنِ شاءَ. والجَمْعُ بَيْنَهُما في هَذِهِ الآيَةِ تَفَنُّنٌ. وأُوثِرَ بِالتَّأْنِيثِ ضَمِيرُ ”ما“ لِأنَّها مُبَيَّنَةٌ بِلَفْظٍ مُؤَنَّثٍ وهو مِن رَحْمَةٍ.
{"ayah":"مَّا یَفۡتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحۡمَةࣲ فَلَا مُمۡسِكَ لَهَاۖ وَمَا یُمۡسِكۡ فَلَا مُرۡسِلَ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق