الباحث القرآني

﴿قُلْ إنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلّامُ الغُيُوبِ﴾ لا جَرَمَ إذِ انْتَهى الِاسْتِدْلالُ والمُجادَلَةُ أنْ يُنْتَقَلَ إلى النِّداءِ بَيْنَ ظَهْرانِيهِمْ بِظُهُورِ الحَقِّ فَيُسْتَغْنى عَنْ مُجادَلَتِهِمْ. وأُعِيدَ فِعْلُ ”قُلْ“ لِلِاهْتِمامِ بِالمَقُولِ كَما أشَرْنا إلَيْهِ آنِفًا. والتَّأْكِيدُ لِتَحْقِيقِ هَذا الخَبَرِ. والتَّعْبِيرُ عَنِ اسْمِ اللَّهِ بِلَفْظِ الرَّبِّ وإضافَتُهُ إلى ضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ لِلْإشارَةِ أنَّ الحَقَّ في جانِبِهِ وأنَّهُ تَأْيِيدٌ مِن رَبِّهِ فَإنَّ الرَّبَّ يَنْصُرُ مَرْبُوبَهُ ويُؤَيِّدُهُ. فالمُرادُ بِالرُّبُوبِيَّةِ هُنا رُبُوبِيَّةُ الوَلاءِ والِاخْتِصاصِ لا مُطْلَقُ الرُّبُوبِيَّةِ لِأنَّها تَعُمُّ النّاسَ كُلَّهم. وتَقْدِيمُ المُسْنَدِ إلَيْهِ عَلى المُسْنَدِ الفِعْلِيِّ لِلدَّلالَةِ عَلى الِاخْتِصاصِ دُونَ التَّقَوِّي لِأنَّ تَقَوِّيَ الجُمْلَةِ حَصَلَ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ. وهَذا الِاخْتِصاصُ بِاعْتِبارِ ما في يَقْذِفُ (p-٢٣٨)بِالحَقِّ مِن مَعْنى النّاصِرِ لِي دُونَكم فَماذا يَنْفَعُكُمُ اعْتِزازُكم بِأمْوالِكم وأوْلادِكم وقُوَّتِكم. والقَذْفُ: إلْقاءُ الشَّيْءِ مِنَ اليَدِ، وأُطْلِقَ عَلى إظْهارِ الحَقِّ قَذْفٌ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِعارَةِ، شَبَّهَ إعْلانَ الحَقِّ بِإلْقاءِ الحَجَرِ ونَحْوِهِ. والمَعْنى: أنَّ رَبِّي يَقْذِفُكم بِالحَقِّ. أوْ هو إشارَةٌ إلى قَوْلِهِ ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلى الباطِلِ﴾ [الأنبياء: ١٨] وعَلى كُلٍّ فَهو تَعْرِيضٌ بِالتَّهْدِيدِ والتَّخْوِيفِ مِن نَصْرِ اللَّهِ المُؤْمِنِينَ عَلى المُشْرِكِينَ. وتَخْصِيصُ وصْفِ ”﴿عَلّامُ الغُيُوبِ﴾“ مِن بَيْنِ الأوْصافِ الإلَهِيَّةِ لِلْإشارَةِ إلى أنَّهُ عالِمٌ بِالنَّوايا، وأنَّ القائِلَ يَعْلَمُ ذَلِكَ فالَّذِي يَعْلَمُ هَذا لا يَجْتَرِئُ عَلى اللَّهِ بِادِّعائِهِ باطِلًا أنَّهُ أرْسَلَهُ إلَيْكم، فالإعْلامُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ هُنا يُشْبِهُ اسْتِعْمالَ الخَبَرِ في لازِمِ فائِدَتِهِ وهو العِلْمُ بِالحُكْمِ الخَبَرِيِّ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَعْنى (﴿يَقْذِفُ بِالحَقِّ﴾) يُرْسِلُ الوَحْيَ، أيْ عَلى مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿يُلْقِي الرُّوحَ مِن أمْرِهِ عَلى مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ﴾ [غافر: ١٥] ويَكُونَ قَوْلُهُ (﴿عَلّامُ الغُيُوبِ﴾) إشارَةً إلى أنَّهُ أعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالاتِهِ لِأنَّ المُشْرِكِينَ كانُوا يَقُولُونَ: لَوْلا أُنْزِلَتْ عَلَيْنا المَلائِكَةُ دُونَ مُحَمَّدٍ. وارْتَفَعَ (عَلّامُ) عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ هو عَلّامُ الغُيُوبِ، أوْ عَلى أنَّهُ نَعْتٌ لِاسْمِ ”إنَّ“ إمّا مَقْطُوعٌ، وإمّا لِمُراعاةِ مَحَلِّ اسْمِ إنَّ حَيْثُ إنَّها اسْتَوْفَتْ خَبَرَها لِأنَّ حُكْمَ الصِّفَةِ حُكْمُ عَطْفِ النَّسَقِ عِنْدَ أكْثَرِ النُّحاةِ وهو الحَقُّ. وقالَ الفَرّاءُ: رَفْعُ الِاسْمِ هَذا هو غالِبُ كَلامِ العَرَبِ. ومِثْلُهُ بِالبَدَلِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أهْلِ النّارِ﴾ [ص: ٦٤] . وقَرَأ الجُمْهُورُ (الغُيُوبِ) بِضَمِّ الغَيْنِ. وقَرَأهُ أبُو بَكْرٍ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ بِكَسْرِ الغَيْنِ كَما جاءَ الوَجْهانِ في باءِ بُيُوتٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب