الباحث القرآني
﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولَئِكَ لَهم مَغْفِرَةٌ ورِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ ﴿والَّذِينَ سَعَوْا في آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهم عَذابٌ مِن رِجْزٍ ألِيمٍ﴾ لامُ التَّعْلِيلِ تَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ (لَتَأْتِيَنَّكم) دُونَ تَقْيِيدِ الإتْيانِ بِخُصُوصِ المُخاطَبِينَ بَلِ المُرادُ ما شَمَلَهم وغَيْرَهم لِأنَّ جَزاءَ الَّذِينَ آمَنُوا لا عَلاقَةَ لَهُ بِالمُخاطَبِينَ فَكَأنَّهُ قِيلَ: لَتَأْتِيَنَّ السّاعَةُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا ويَجْزِيَ الَّذِينَ سَعَوْا في آياتِنا مُعاجِزِينَ، وهُمُ المُخاطَبُونَ، وضَمِيرُ (يَجْزِيَ) عائِدٌ إلى عالِمِ الغَيْبِ.
والمَعْنى: أنَّ الحِكْمَةَ في إيجادِ السّاعَةِ لِلْبَعْثِ والحَشْرِ هي جَزاءُ الصّالِحِينَ عَلى صَلاحِ اعْتِقادِهِمْ وأعْمالِهِمْ، أيْ جَزاءً صالِحًا مُماثِلًا، وجَزاءُ المُفْسِدِينَ جَزاءً سَيِّئًا، وعُلِمَ نَوْعُ الجَزاءِ مِن وصْفِ الفَرِيقَيْنِ مِن أصْحابِهِ. والإتْيانُ بِاسْمِ الإشارَةِ لِكُلِّ فَرِيقٍ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ المُشارَ إلَيْهِ جَدِيرٌ بِما سَيَرِدُ بَعْدَ اسْمِ الإشارَةِ مِنَ الحُكْمِ لِأجْلِ ما قَبْلَ اسْمِ الإشارَةِ مِنَ الأوْصافِ.
فَجُمْلَةُ ﴿أُولَئِكَ لَهم مَغْفِرَةٌ﴾ ابْتِدائِيَّةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ المُتَعاطِفَيْنِ.
وجُمْلَةُ ﴿أُولَئِكَ لَهم عَذابٌ مِن رِجْزٍ﴾ ابْتِدائِيَّةٌ أيْضًا.
(p-١٤٣)وقَوْلُهُ ﴿والَّذِينَ سَعَوْا﴾ عَطَفٌ عَلى الَّذِينَ آمَنُوا وتَقْدِيرُ الكَلامِ. لِيُجْزى الَّذِينَ آمَنُوا والَّذِينَ سَعَوْا بِما يَلِيقُ بِكُلِّ فَرِيقٍ.
والمَعْنى: أنَّ عالَمَ الإنْسانِ يَحْتَوِي عَلى صالِحِينَ مُتَفاوِتٍ صَلاحُهم، وفاسِدِينَ مُتَفاوِتٍ فَسادُهم، وقَدِ انْتَفَعَ النّاسُ بِصَلاحِ الصّالِحِينَ، واسْتَضَرُّوا بِفَسادِ المُفْسِدِينَ، ورُبَّما عَطَّلَ هَؤُلاءِ مَنافِعَ أُولَئِكَ، وهَذَّبَ أُولَئِكَ مِن إفْسادِ هَؤُلاءِ، وانْقَضى كُلُّ فَرِيقٍ بِما عَمِلَ، لَمْ يَلْقَ المُحْسِنُ جَزاءً عَلى إحْسانِهِ ولا المُفْسِدُ جَزاءَ إفْسادِهِ، فَكانَتْ حِكْمَةُ خالِقِ النّاسِ مُقْتَضِيَةً إعْلامَهم بِما أرادَ مِنهم وتَكْلِيفَهم أنْ يَسْعَوْا في الأرْضِ صَلاحًا، ومُقْتَضِيَةً ادِّخارَ جَزاءِ الفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِما، فَكانَ مِن مُقْتَضاها إحْضارُ الفَرِيقَيْنِ لِلْجَزاءِ عَلى أعْمالِهِمْ. وإذْ قَدْ شُوهِدَ أنَّ ذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ في هَذِهِ الحَياةِ عَلِمْنا أنَّ بَعْدَ هَذِهِ الحَياةِ حَياةً أبَدِيَّةً يُقارِنُها الجَزاءُ العادِلُ؛ لِأنَّ ذَلِكَ هو اللّائِقُ بِحِكْمَةِ مُرْشِدِ الحُكَماءِ تَعالى، فَهَذا مِمّا يَدُلُّ عَلَيْهِ العَقْلُ السَّلِيمُ وقَدْ أعْلَمَنا خالِقُ الخَلْقِ عَلى ذَلِكَ بِلِسانِ رَسُولِهِ ورُسُلِهِ ﷺ فَتَوافَقَ العَقْلُ والنَّقْلُ، وبَطَلَ الدَّجْلُ والدَّخْلُ.
وجُعِلَ جَزاءُ الَّذِينَ آمَنُوا مَغْفِرَةً، أيْ تَجاوَزُوا عَنْ آثامِهِمْ، ورِزْقًا كَرِيمًا وهو ما يُرْزَقُونَ مِنَ النَّعِيمِ عَلى اخْتِلافِ دَرَجاتِهِمْ في النَّعِيمِ وابْتِداءِ مُدَّتِهِ فَإنَّهم آيِلُونَ إلى المَغْفِرَةِ والرِّزْقِ الكَرِيمِ.
ووُصِفَ بِالكَرِيمِ، أيِ النَّفِيسِ في نَوْعِهِ كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿كِتابٌ كَرِيمٌ﴾ [النمل: ٢٩] في سُورَةِ النَّمْلِ.
وقُوبِلَ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ بِـ ﴿والَّذِينَ سَعَوْا في آياتِنا﴾ لِأنَّ السَّعْيَ في آياتِ اللَّهِ يُساوِي مَعْنى كَفَرُوا بِها وبِذَلِكَ يَشْمَلُ عَمَلَ السَّيِّئاتِ وهو سَيِّئَةٌ مِنَ السَّيِّئاتِ، ألا تَرى أنَّهُ عَبَّرَ عَنْهم بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ﴿وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكم عَلى رَجُلٍ﴾ [سبإ: ٧] الخَ.
ومَعْنى ﴿سَعَوْا في آياتِنا﴾ اجْتَهَدُوا بِالصَّدِّ عَنْها ومُحاوَلَةِ إبْطالِها: فالسَّعْيُ مُسْتَعارٌ لِلْجِدِّ في فِعْلٍ ما، وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿والَّذِينَ سَعَوْا في آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولَئِكَ أصْحابُ الجَحِيمِ﴾ [الحج: ٥١] في سُورَةِ الحَجِّ. وآياتُ اللَّهِ هُنا: القُرْآنُ كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ ﴿الَّذِي أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ هو الحَقُّ﴾ [سبإ: ٦] . (p-١٤٤)و(مُعاجِزِينَ) مُبالَغَةٌ في مُعْجِزِينَ، وهو تَمْثِيلٌ: شُبَّهَتْ حالُهم في مَكْرِهِمْ بِالنَّبِيءِ ﷺ بِحالِ مَن يَمْشِي مَشْيًا سَرِيعًا لِيَسْبِقَ غَيْرَهُ ويُعْجِزَهُ. والعَذابُ: عَذابُ جَهَنَّمَ. والرِّجْزُ: أسْوَأُ العَذابِ وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَأنْزَلْنا عَلى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [البقرة: ٥٩] في سُورَةِ البَقَرَةِ. و(مِن) بَيانِيَّةٌ فَإنَّ العَذابَ نَفْسَهُ رِجْزٌ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ (مُعاجِزِينَ) بِصِيغَةِ المُفاعَلَةِ تَمْثِيلًا لِحالِ ظَنِّهِمُ النَّجاةَ والِانْفِلاتَ مِن تَعْذِيبِ اللَّهِ إيّاهم بِإنْكارِهِمُ البَعْثَ والرِّسالَةَ بِحالِ مَن يُسابِقُ غَيْرَهُ ويُعاجِزُهُ، أيْ يُحاوِلُ عَجْزَهُ عَنْ لِحاقِهِ.
وقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو وحْدَهُ (مُعَجِّزِينَ) بِصِيغَةِ اسْمِ الفاعِلِ مِن عَجَّزَ بِتَشْدِيدِ الجِيمِ، ومَعْناهُ: مُثَبِّطِينَ النّاسَ عَنِ اتِّباعِ آياتِ اللَّهِ أوْ مُعَجِّزِينَ مَن آمَنَ بِآياتِ اللَّهِ بِالطَّعْنِ والجِدالِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ (ألِيمٍ) بِالجَرِّ صِفَةً لِ - رِجْزٍ. وقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ وحَفْصٌ ويَعْقُوبُ بِالرَّفْعِ صِفَةً لِ - (عَذابٌ)، وهُما سَواءٌ في المَعْنى.
{"ayahs_start":4,"ayahs":["لِّیَجۡزِیَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُم مَّغۡفِرَةࣱ وَرِزۡقࣱ كَرِیمࣱ","وَٱلَّذِینَ سَعَوۡ فِیۤ ءَایَـٰتِنَا مُعَـٰجِزِینَ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ عَذَابࣱ مِّن رِّجۡزٍ أَلِیمࣱ"],"ayah":"لِّیَجۡزِیَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُم مَّغۡفِرَةࣱ وَرِزۡقࣱ كَرِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق