الباحث القرآني
﴿وما أرْسَلْناكَ إلّا كافَّةً لِلنّاسِ بَشِيرًا ونَذِيرًا ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ انْتِقالٌ مِن إبْطالِ ضَلالِ المُشْرِكِينَ في أمْرِ الرُّبُوبِيَّةِ إلى إبْطالِ ضَلالِهِمْ في شَأْنِ صِدْقِ الرَّسُولِ ﷺ .
وغَيَّرَ أُسْلُوبَ الكَلامِ مِنَ الأمْرِ بِمُحاجَّةِ المُشْرِكِينَ إلى الإخْبارِ بِرِسالَةِ النَّبِيءِ ﷺ تَشْرِيفًا لَهُ بِتَوْجِيهِ هَذا الإخْبارِ بِالنِّعْمَةِ العَظِيمَةِ إلَيْهِ، ويَحْصُلُ إبْطالُ مَزاعِمِ المُشْرِكِينَ بِطَرِيقِ التَّعْرِيضِ.
(p-١٩٨)وفِي هَذِهِ الآيَةِ إثْباتُ رِسالَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ وإثْباتُ عُمُومِها عَلى مُنْكِرِيها مِنَ اليَهُودِ.
فَإنَّ ”كافَّةً“ مِن ألْفاظِ العُمُومِ ووَقَعَتْ هُنا حالًا مِنَ النّاسِ مُسْتَثْنًى مِن عُمُومِ الأحْوالِ وهي حالٌ مُقَدَّمَةٌ عَلى صاحِبِها المَجْرُورِ بِالحَرْفِ، وقَدْ مَضى الكَلامُ عَلَيْها عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا في السِّلْمِ كافَّةً﴾ [البقرة: ٢٠٨] في سُورَةِ البَقَرَةِ، وعِنْدَ قَوْلِهِ ﴿وقاتِلُوا المُشْرِكِينَ كافَّةً﴾ [التوبة: ٣٦] في سُورَةِ ”بَراءَةٌ“ . وذَكَرْنا أنَّ التَّحْقِيقَ: أنَّ كافَّةً يُوصَفُ بِهِ العاقِلُ وغَيْرُهُ وأنَّهُ تَعْتَوِرُهُ وُجُوهُ الإعْرابِ كَما هو مُخْتارُ الزَّمَخْشَرِيِّ وشَهِدَ لَهُ القُرْآنُ والِاسْتِعْمالُ خِلافًا لِابْنِ هِشامٍ في مُغْنِي اللَّبِيبِ، وأنَّ ما شُدِّدَ بِهِ التَّنْكِيرُ عَلى الزَّمَخْشَرِيِّ تَهْوِيلٌ وتَضْيِيقٌ في الجَوازِ. والتَّقْدِيرُ في هَذِهِ الآيَةِ: وما أرْسَلْناكَ لِلنّاسِ إلّا كافَّةً. وقَدَّمَ الحالَ عَلى صاحِبِهِ لِلِاهْتِمامِ بِها لِأنَّها تَجْمَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرِسالَتِهِ كُلِّهِمْ.
وتَقْدِيمُ الحالِ عَلى المَجْرُورِ جائِزٌ عَلى رَأْيِ المُحَقِّقِينَ مِن أهْلِ العَرَبِيَّةِ وإنْ أباهُ الزَّمَخْشَرِيُّ هُنا وجَعَلَهُ بِمَنزِلَةِ تَقْدِيمِ المَجْرُورِ عَلى حَرْفِ الجَرِّ فَجَعَلَ ”كافَّةً“ نَعْتًا لِمَحْذُوفٍ، أيْ إرْسالَهُ كافَّةً، أيْ عامَّةً. وقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ مالِكٍ في التَّسْهِيلِ وقالَ: قَدْ جَوَّزَهُ في هَذِهِ الآيَةِ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ وابْنُ كَيْسانَ. وقُلْتُ: وجَوَّزَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ والرَّضِيُّ. وجَعَلَ الزَّجّاجُ ”كافَّةً“ هُنا حالًا مِنَ الكافِ في أرْسَلْناكَ وفَسَّرَهُ بِمَعْنى جامِعٍ لِلنّاسِ في الإنْذارِ والإبْلاغِ، وتَبِعَهُ أبُو البَقاءِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وحَقُّ التّاءِ عَلى هَذا التَّفْسِيرِ أنْ تَكُونَ لِلْمُبالَغَةِ كَتاءِ العَلّامَةِ والرّاوِيَةِ وكَذَلِكَ تَقْدِيمُ المُسْتَثْنى لِلْغَرَضِ أيْضًا.
وقَدِ اشْتَرَكَ الزَّجّاجُ والزَّمَخْشَرِيُّ هُنا في إخْراجِ ”كافَّةً“ عَنْ مَعْنى الوَصْفِ بِإفادَةِ الشُّمُولِ الَّذِي هو شُمُولٌ جُزْئِيٌّ في غَرَضٍ مُعَيَّنٍ إلى مَعْنى الجَمْعِ الكُلِّيِّ المُسْتَفادِ مِن وراءِ ذَلِكَ. وهَذا كَمَن يَعْمِدُ إلى كُلٍّ فَيَقُولُ: إنَّكَ كُلٌّ لِلنّاسِ، أيْ جامِعٌ لِلنّاسِ، أوْ يَعْمِدُ إلى ”عَلى“ الدّالَّةِ عَلى الِاسْتِعْلاءِ الجُزْئِيِّ فَيَسْتَعْمِلُها بِمَعْنى الِاسْتِعْلاءِ الكُلِّيِّ فَيَقُولُ: إيّاكَ وعَلى، يُرِيدُ إيّاكَ والِاسْتِعْلاءَ.
و”البَشِيرُ النَّذِيرُ“ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنّا أرْسَلْناكَ بِالحَقِّ بَشِيرًا ونَذِيرًا﴾ [فاطر: ٢٤] في البَقَرَةِ.
(p-١٩٩)وأفادَ تَرْكِيبُ وما أرْسَلْناكَ إلّا كافَّةً لِلنّاسِ قَصْرَ حالَةِ عُمُومِ الرِّسالَةِ عَلى كافِ الخِطابِ في قَوْلِهِ أرْسَلْناكَ وهو قَصْرٌ إضافِيٌّ، أيْ دُونَ تَخْصِيصِ إرْسالِكَ بِأهْلِ مَكَّةَ أوْ بِالعَرَبِ أوْ بِمَن يَجِيئُكَ يَطْلُبُ الإيمانَ والإرْشادَ كَما قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ لِلنَّبِيءِ ﷺ حِينَ جاءَ مَجْلِسًا هو فِيهِ وقَرَأ عَلَيْهِمُ القُرْآنَ فَقالَ ابْنُ أُبَيٍّ: لا أُحْسِنَ مِمّا تَقُولُ أيُّها المَرْءُ ولَكِنِ اقْعُدْ في رَحْلِكَ فَمَن جاءَ فاقْرَأْ عَلَيْهِ، ويَقْتَضِي ذَلِكَ إثْباتَ رِسالَتِهِ بِدَلالَةِ الِاقْتِضاءِ إذْ لا يَصْدُقُ ذَلِكَ القَصْرُ إلّا إذا ثَبَتَ أصْلُ رِسالَتِهِ فاقْتَضى ذَلِكَ الرَّدَّ عَلى المُنْكِرِينَ كُلِّهِمْ سَواءً مَن أنْكَرَ رِسالَتَهُ مِن أصْلِها ومَن أنْكَرَ عُمُومَها وزَعَمَ تَخْصِيصَها.
ومَوْقِعُ الِاسْتِدْراكِ بِقَوْلِهِ ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ رَفْعُ ما يُتَوَهَّمُ مِنِ اغْتِرارِ المُغْتَرِّينَ بِكَثْرَةِ عَدَدِ المُنْكِرِينَ رِسالَتَهُ بِأنَّ كَثْرَتَهم تَغُرُّ المُتَأمِّلَ لِأنَّهم لا يَعْلَمُونَ.
ومَفْعُولُ يَعْلَمُونَ مَحْذُوفٌ لِدَلالَةِ ما قَبْلَهُ عَلَيْهِ، أيْ لا يَعْلَمُونَ ما بَشَّرْتَ بِهِ المُؤْمِنِينَ وما أنْذَرْتَ بِهِ الكافِرِينَ، أيْ يَحْسَبُونَ البِشارَةَ والنِّذارَةَ غَيْرَ صادِقَتَيْنِ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ فِعْلُ يَعْلَمُونَ مُنَزَّلًا مَنزِلَةَ اللّامِ مَقْصُودًا مِنهُ نَفْيُ صِفَةِ العِلْمِ عَنْهم عَلى حَدِّ قَوْلِهِ تَعالى ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٩] أيْ ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ جاهِلُونَ قَدْرَ البِشارَةِ والنِّذارَةِ.
{"ayah":"وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا كَاۤفَّةࣰ لِّلنَّاسِ بَشِیرࣰا وَنَذِیرࣰا وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق