الباحث القرآني
﴿ادْعُوهم لِآبائِهِمْ هو أقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهم فَإخْوانُكم في الدِّينِ ومَوالِيكُمْ﴾ اسْتِئْنافٌ بِالشُّرُوعِ في المَقْصُودِ مِنَ التَّشْرِيعِ لِإبْطالِ التَّبَنِّي وتَفْصِيلٌ لِما يَحِقُّ أنْ يُجْرِيَهُ المُسْلِمُونَ في شَأْنِهِ.
وهَذا الأمْرُ إيجابٌ أُبْطِلَ بِهِ ادِّعاءُ المُتَبَنِّي مُتَبَنّاهُ ابْنًا لَهُ. والمُرادُ بِالدُّعاءِ النَّسَبُ.
والمُرادُ مِن دَعَوْتِهِمْ بِآبائِهِمْ تُرَتُّبُ آثارِ ذَلِكَ، وهي أنَّهم أبْناءُ آبائِهِمْ لا أبْناءُ مَن تَبَنّاهم.
واللّامُ في لِآبائِهِمْ لامُ الِانْتِسابِ، وأصْلُها لامُ الِاسْتِحْقاقِ. يُقالُ: فُلانٌ لِفُلانٍ، أيْ هو ابْنُهُ، أيْ يَنْتَسِبُ لَهُ، ومِنهُ قَوْلُهم: فُلانٌ لِرِشْدَةٍ وفُلانٌ لِغَيَّةٍ، أيْ نَسَبَهُ لَها، أيْ مِن نِكاحٍ أوْ مِن زِنًى، وقالَ النّابِغَةُ:
لَئِنْ
؎كانَ لِلْقَبْرَيْنِ قَبْرٌ بِجِلِّقٍ وقَبْرٌ بِصَيْداءَ الَّذِي عِنْدَ حارِبِ
أيْ مِن أبْناءِ صاحِبَيِ القَبْرَيْنِ. وقالَ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبْدٍ يَمْدَحُ المَلِكَ الحارِثَ:
؎فَلَسْتَ لِإنْسِيٍّ ولَكِنْ لِمَلْأكٍ ∗∗∗ تَنَزَّلَ مِن جَوِّ السَّماءِ يُصَوِّبُ
وفِي حَدِيثِ أبِي قَتادَةَ («صَلّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حامِلًا أُمامَةَ ابْنَةَ بِنْتِهِ زَيْنَبَ ولِأبِي العاصِ بْنِ رَبِيعَةَ» ) فَكانَتِ اللّامُ مُغْنِيَةً عَنْ أنْ يَقُولَ وابْنَةَ
أبِي العاصِ.
وضَمِيرُ هو أقْسَطُ عائِدٌ إلى المَصْدَرِ المَفْهُومِ مِن فِعْلِ ﴿ادْعُوهم لِآبائِهِمْ﴾ أيِ الدُّعاءَ لِلْآباءِ.
وجُمْلَةُ ﴿هُوَ أقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ كَأنَّ سائِلًا قالَ: لِماذا لا نَدْعُوهم (p-٢٦٢)لِلَّذِينَ تَبَنَّوْهم ؟ فَأُجِيبَ بِبَيانِ أنَّ ذَلِكَ القِسْطُ؛ فاسْمُ التَّفْضِيلِ مَسْلُوبُ المُفاضَلَةِ، أيْ هو قِسْطٌ كامِلٌ وغَيْرُهُ جَوْرٌ عَلى الآباءِ الحَقِّ والأدْعِياءِ، لِأنَّ فِيهِ إضاعَةَ أنْسابِهِمُ الحَقِّ. والغَرَضُ مِن هَذا الِاسْتِئْنافِ تَقْرِيرُ ما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﴿وما جَعَلَ أدْعِياءَكم أبْناءَكم ذَلِكم قَوْلُكم بِأفْواهِكم واللَّهُ يَقُولُ الحَقَّ وهو يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب: ٤] لِتَعْلَمَ عِنايَةَ اللَّهِ تَعالى: بِإبْطالِ أحْكامِ الجاهِلِيَّةِ في التَّبَنِّي، ولِتَطْمَئِنَ نُفُوسُ المُسْلِمِينَ مِنَ المُتَبَنِّينَ والأدْعِياءِ ومَن يَتَعَلَّقُ بِهِمْ بِقَبُولِ هَذا التَّشْرِيعِ الَّذِي يَشُقُّ عَلَيْهِمْ إذْ يَنْزِعُ مِنهم إلْفًا ألِفُوهُ.
ولِهَذا المَعْنى الدَّقِيقِ فُرِّعَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﴿فَإنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهم فَإخْوانُكم في الدِّينِ ومَوالِيكُمْ﴾، فَجَمَعَ فِيهِ تَأْكِيدًا لِلتَّشْرِيعِ بِعَدَمِ التَّساهُلِ في بَقاءِ ما كانُوا عَلَيْهِ بِعُذْرِ أنَّهم لا يَعْلَمُونَ آباءَ بَعْضِ الأدْعِياءِ، وتَأْنِيسًا لِلنّاسِ أنْ يَعْتاضُوا عَنْ ذَلِكَ الِانْتِسابِ المَكْذُوبِ اتِّصالًا حَقًّا لا يَفُوتُ بِهِ ما في الِانْتِسابِ القَدِيمِ مِنَ الصِّلَةِ، ويَتَجافى بِهِ عَمّا فِيهِ مِنَ المَفْسَدَةِ فَصارُوا يَدْعُونَ سالِمًا مُتَبَنّى أبِي حُذَيْفَةَ: سالِمًا مَوْلى أبِي حُذَيْفَةَ، وغَيْرُهُ، ولَمْ يَشِذَّ عَنْ ذَلِكَ إلّا قَوْلُ النّاسِ لِلْمِقْدادِ بْنِ عَمْرٍو: المِقْدادُ بْنُ الأسْوَدِ، نِسْبَةً لِلْأسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ الَّذِي كانَ قَدْ تَبَنّاهُ في الجاهِلِيَّةِ كَما تَقَدَّمَ.
قالَ القُرْطُبِيُّ: لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قالَ المِقْدادُ: أنا المِقْدادُ بْنُ عَمْرٍو، ومَعَ ذَلِكَ بَقِيَ الإطْلاقُ عَلَيْهِ ولَمْ يُسْمَعْ فِيمَن مَضى مَن عَصّى مُطْلِقَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ولَوْ كانَ مُتَعَمِّدًا اهـ. وفي قَوْلِ القُرْطُبِيِّ
ولَوْ كانَ مُتَعَمِّدًا، نَظَرٌ، إذْ لا تُمْكِنُ مُعْرِفَةُ تَعَمُّدِ مَن يُطْلِقُ ذَلِكَ عَلَيْهِ. ولَعَلَّهُ جَرى عَلى ألْسِنَةِ النّاسِ المِقْدادُ بْنُ الأسْوَدِ فَكانَ داخِلًا في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ فِيما أخْطَأْتُمْ بِهِ﴾ لِأنَّ ما جَرى عَلى الألْسِنَةِ مَظِنَّةُ النِّسْيانِ، والمُؤاخَذَةُ بِالنِّسْيانِ مَرْفُوعَةٌ.
وارْتِفاعُ إخْوانُكم عَلى الإخْبارِ عَنْ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ هو ضَمِيرُ الأدْعِياءِ، أيْ فَهم لا يَعْدُونَ أنْ يُوصَفُوا بِالإخْوانِ في الإسْلامِ إنْ لَمْ يَكُونُوا مَوالِيَ أوْ يُوصَفُوا بِالمَوالِي إنْ كانُوا مَوالِيَ بِالحِلْفِ أوْ بِوِلايَةِ العَتاقَةِ وهَذا اسْتِقْراءٌ تامٌّ. والإخْبارُ بِأنَّهم إخْوانٌ ومَوالٍ كِنايَةً عَنِ الإرْشادِ إلى دَعْوَتِهِمْ بِأحَدِ هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ.
والواوُ لِلتَّقْسِيمِ وهي بِمَعْنى (أوْ) فَتَصْلُحُ لِمَعْنى التَّخْيِيرِ، أيْ فَإنْ لَمْ تَعْلَمُوا (p-٢٦٣)آباءَهم فادْعُوهم إنْ شِئْتُمْ بِإخْوانٍ وإنْ شِئْتُمُ ادْعُوهم مَوالِيَ إنْ كانُوا كَذَلِكَ. وهَذا تَوْسِعَةٌ عَلى النّاسِ.
وفي لِلظَّرْفِيَّةِ المَجازِيَّةِ، أيْ إخْوانُكم أُخُوَّةً حاصِلَةً بِسَبَبِ الدِّينِ كَما يَجْمَعُ الظَّرْفُ مُحْتَوَياتِهِ، أوْ تُجْعَلُ في لِلتَّعْلِيلِ والتَّسَبُّبِ، أيْ إخْوانُكم بِسَبَبِ الإسْلامِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعالى: ”﴿فَإذا أُوذِيَ في اللَّهِ﴾ [العنكبوت: ١٠]“، أيْ لِأجْلِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ﴾ [الحجرات: ١٠] .
ولَيْسَ في دَعْوَتِهِمْ بِوَصْفِ الأُخُوَّةِ رِيبَةٌ أوِ التِباسٌ مِثْلَ الدَّعْوَةِ بِالبُنُوَّةِ لِأنَّ الدَّعْوَةَ بِالأُخُوَّةِ في أمْثالِهِمْ ظاهِرَةٌ لِأنَّ لِوَصْفِ الأُخُوَّةِ فِيهِمْ تَأْوِيلًا بِإرادَةِ الِاتِّصالِ الدِّينِيِّ بِخِلافِ وصْفِ البُنُوَّةِ فَإنَّما هو ولاءٌ وتَحالُفٌ فالحَقُّ أنْ يُدْعَوْا بِذَلِكَ الوَصْفِ، وفي ذَلِكَ جَبْرٌ لِخَواطِرِ الأدْعِياءِ ومَن تَبَنَّوْهم.
والمُرادُ بِالوَلاءِ في قَوْلِهِ ”ومَوالِيكم“ ولاءُ المُحالَفَةِ لا ولاءُ العِتْقِ، فالمُحالَفَةُ مِثْلَ الأُخُوَّةِ. وهَذِهِ الآيَةُ ناسِخَةٌ لِما كانَ جارِيًا بَيْنَ المُسْلِمِينَ ومِنَ النَّبِيءِ ﷺ مِن دَعْوَةِ المُتَبَنِّينَ إلى الَّذِينَ تَبَنَّوْهم فَهو مِن نَسْخِ السُّنَّةِ الفِعْلِيَّةِ والتَّقْرِيرِيَّةِ بِالقُرْآنِ. وذَلِكَ مُرادُ مَن قالَ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَسَخَتْ حُكْمَ التَّبَنِّي. قالَ في الكَشّافِ: وفي فَصْلِ هَذِهِ الجُمَلِ ووَصْلِها مِنَ الحُسْنِ والفَصاحَةِ ما لا يَغْبى عَنْ عالَمٍ بِطُرُقِ النَّظْمِ.
وبَيَّنَهُ الطَّيْبِيُّ فَقالَ: يَعْنِي في إخْلاءِ العاطِفِ وإثْباتِهِ مِنَ الجُمَلِ مِن مُفْتَتَحِ السُّورَةِ إلى هُنا. وبَيانُهُ: أنَّ الأوامِرَ والنَّهْيَ في (اتَّقِ - ولا تُطِعْ - واتَّبِعْ - وتَوَكَّلْ)، فَإنَّ الِاسْتِهْلالَ بِقَوْلِهِ (﴿يا أيُّها النَّبِيءُ اتَّقِ اللَّهَ﴾ [الأحزاب: ١]) دالٌّ عَلى أنَّ الخِطابَ مُشْتَمِلٌ عَلى أمْرٍ مَعْنِيٍّ شَأْنُهُ لائِحٌ مِنهُ الإلْهابُ، ومِن ثَمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ ”ولا تُطِعْ“ كَما يُعْطَفُ الخاصُّ عَلى العامِ، وأرْدَفَ بِهِ النَّهْيَ، ثُمَّ أمَرَ بِالتَّوَكُّلِ تَشْجِيعًا عَلى مُخالَفَةِ أعْداءِ الدِّينِ، ثُمَّ عَقَّبَ كُلًّا مِن تِلْكَ الأوامِرِ بِما يُطابِقُهُ عَلى سَبِيلِ التَّتْمِيمِ، وعَلَّلَ ﴿ولا تُطِعِ الكافِرِينَ﴾ [الأحزاب: ١] بِقَوْلِهِ ﴿إنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الأحزاب: ١] تَتْمِيمًا لِلِارْتِداعِ، وعَلَّلَ قَوْلَهُ ﴿واتَّبِعْ ما يُوحى إلَيْكَ﴾ [الأحزاب: ٢] بِقَوْلِهِ ﴿إنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [الأحزاب: ٢] تَتْمِيمًا، وذَيَّلَ قَوْلَهُ ﴿وتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ﴾ [الأحزاب: ٣] بِقَوْلِهِ ﴿وكَفى بِاللَّهِ وكِيلًا﴾ [الأحزاب: ٣] تَقْرِيرًا (p-٢٦٤)وتَوْكِيدًا عَلى مِنوالِ: فُلانٌ يَنْطِقُ بِالحَقِّ والحَقُّ أبْلَجُ، وفَصَّلَ قَوْلَهُ ﴿ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِن قَلْبَيْنِ في جَوْفِهِ﴾ [الأحزاب: ٤] عَلى سَبِيلِ الِاسْتِئْنافِ تَنْبِيهًا عَلى بَعْضٍ مِن أباطِيلِهِمْ. وقَوْلُهُ ﴿ذَلِكم قَوْلُكم بِأفْواهِكُمْ﴾ [الأحزاب: ٤] فَذْلَكَةٌ لِتِلْكَ الأحْوالِ آذَنَتْ بِأنَّها مِنَ البُطْلانِ وحَقِيقٌ بِأنْ يُذَمَّ قائِلُهُ. ووَصَلَ قَوْلَهُ ﴿واللَّهُ يَقُولُ الحَقَّ وهو يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب: ٤] عَلى هَذِهِ الفَذْلَكَةِ بِجامِعِ التَّضادِّ عَلى مِنوالِ ما سَبَقَ في المُحْمَلِ في ”ولا تُطِعْ“ و”اتَّبِعْ“، وفَصَّلَ قَوْلَهُ ﴿ادْعُوهم لِآبائِهِمْ هو أقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾، وقَوْلَهُ ﴿النَّبِيُّ أوْلى بِالمُؤْمِنِينَ﴾ [الأحزاب: ٦]، وهَلُمَّ جَرًّا إلى آخِرِ السُّورَةِ تَفْصِيلًا لِقَوْلِ الحَقِّ والِاهْتِداءِ إلى السَّبِيلِ القَوِيمِ اهـ.
* * *
﴿ولَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ فِيما أخْطَأْتُمْ بِهِ ولَكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكم وكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ادْعُوهم لِآبائِهِمْ لِأنَّ الأمْرَ فِيها لِلْوُجُوبِ فَهو نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ لِتَحْرِيمِهِ كَأنَّهُ قِيلَ: ولا تَدْعُوهم لِلَّذِينَ تَبَنَّوْهم إلّا خَطَأً.
والجُناحُ: الإثْمُ، وهو صَرِيحٌ في أنَّ الأمْرَ في قَوْلِهِ ادْعُوهم لِآبائِهِمْ أمْرُ وُجُوبٍ.
ومَعْنى فِيما أخْطَأْتُمْ بِهِ ما يَجْرِي عَلى الألْسِنَةِ خارِجًا مَخْرَجَ الغالِبِ فِيما اعْتادُوهُ أنْ يَقُولُوا: فُلانُ بْنُ فُلانٍ لِلدَّعِيِّ ومُتَبَنِّيهِ، ولِذَلِكَ قابَلَهُ بِقَوْلِهِ ولَكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكم أيْ ما تَعَمَّدَتْهُ عَقائِدُكم بِالقَصْدِ والإرادَةِ إلَيْهِ.
وبِهَذا تَقَرَّرَ إبْطالُ حُكْمِ التَّبَنِّي وأنْ لا يَقُولَ أحَدٌ لِدَعِيِّهِ: هو ابْنِي، ولا يَقُولَ: تَبَنَّيْتُ فُلانًا، ولَوْ قالَهُ أحَدٌ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ أثَرٌ ولا يُعْتَبَرُ وصِيَّةً وإنَّما يُعْتَبَرُ قَوْلُ الرَّجُلِ: أنْزَلْتُ فُلانًا مَنزِلَةَ ابْنٍ لِي يَرِثُ ما يَرِثُهُ ابْنِي. وهَذا هو المُسَمّى بِالتَّنْزِيلِ وهو خارِجٌ مَخْرَجَ الوَصِيَّةِ بِمَنابِ وارِثٍ إذا حَمَّلَهُ ثُلُثَ المَيِّتِ. وأمّا إذا قالَ لِمَن لَيْسَ بِابْنِهِ: هو ابْنِي، عَلى مَعْنى الِاسْتِلْحاقِ فَيَجْرِي عَلى حُكْمِهِ إنْ كانَ المَنسُوبُ مَجْهُولَ النَّسَبِ ولَمْ يَكُنِ النّاسِبُ مُرِيدًا التَّطَلُّفَ والتَّقْرِيبَ. وعِنْدَ أبِي حَنِيفَةَ وأصْحابِهِ مَن قالَ: هو ابْنِي، وكانَ أصْغَرَ مِنَ القائِلِ وكانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ سِنًّا ثَبَتَ (p-٢٦٥)نَسَبُهُ مِنهُ، وإنْ كانَ عَبْدُهُ عَتَقَ أيْضًا، وإنْ كانَ لا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ لَمْ يَثْبُتِ النَّسَبُ ولَكِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ عِنْدَ أبِي حَنِيفَةَ خِلافًا لِصاحِبَيْهِ فَقالا: لا يَعْتِقُ عَلَيْهِ.
وأمّا مَعْرُوفُ النَّسَبِ فَلا يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِالقائِلِ فَإنْ كانَ عَبْدًا يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِأنَّ إطْلاقَهُ مَمْنُوعٌ إلّا مِن جِهَةِ النَّسَبِ فَلَوْ قالَ لِعَبْدِهِ: هو أخِي، لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ إذا قالَ: لَمْ أُرِدْ بِهِ أُخُوَّةَ النَّسَبِ لِأنَّ ذَلِكَ يُطْلَقُ في أُخُوَّةِ الإسْلامِ بِنَصِّ الآيَةِ وإذا قالَ أحَدٌ لِدَعِيِّهِ: يا بُنَيَّ، عَلى وجْهِ التَّلَطُّفِ فَهو مُلْحَقٌ بِالخَطَأِ ولا يَنْبَغِي التَّساهُلُ فِيهِ إذا كانَتْ فِيهِ رِيبَةٌ.
وقَوْلُهُ ادْعُوهم لِآبائِهِمْ يَعُودُ ضَمِيرُ أمْرِهِ إلى الأدْعِياءِ فَلا يَشْمَلُ الأمْرُ دُعاءَ الحَفَدَةِ أبْناءً لِأنَّهم أبْناءٌ. وقَدْ «قالَ النَّبِيءُ ﷺ في الحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ ابْنِي هَذا سَيِّدٌ» وقالَ: «لا تُزْرِمُوا ابْنِي» أيْ لا تَقْطَعُوا عَلَيْهِ بَوْلَهُ. وكَذَلِكَ لا يَشْمَلُ ما يَقُولُهُ أحَدٌ لِآخَرَ غَيْرِ دَعِيٍّ لَهُ: يا ابْنِي، تَلَطُّفًا وتَقَرُّبًا، فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ لِأنَّ المَدْعُوَّ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ دَعِيًّا لِلْقائِلِ ولَمْ يَزَلِ النّاسُ يَدْعُونَ لِداتِهِمْ بِالأخِ أوِ الأُخْتِ، قالَ الشّاعِرُ:
أنْتِ أُخْتِي وأنْتِ حُرْمَةُ جارِي وحَرامٌ عَلَيَّ خَوْنُ الجِوارِ ويَدْعُونَ مَن هو أكْبَرُ باسِمِ العَمِّ كَثِيرًا، قالَ النَّمِرُ بْنُ تَوْلَبٍ:
؎دَعانِي الغَوانِي عَمَّهُنَّ ∗∗∗ وخِلْتُنِي لِيَ اسْمٌ فَلا أُدْعى بِهِ
وهْوَ أوَّلُ يُرِيدُ أنَّهُنَّ كُنَّ يَدْعُونَهُ: يا أخِي.
ووُقُوعُ ”جُناحٌ“ في سِياقِ النَّفْيِ بِـ ”لَيْسَ“ يَقْتَضِي العُمُومَ فَيُفِيدُ تَعْمِيمَ انْتِفاءِ الإثْمِ عَنِ العَمَلِ الخَطَأِ بِناءً عَلى قاعِدَةِ عَدَمِ تَخْصِيصِ العامِّ بِخُصُوصِ سَبَبِهِ الَّذِي ورَدَ لِأجْلِهِ وهو أيْضًا مَعْضُودٌ بِتَصَرُّفاتٍ كَثِيرَةٍ في الشَّرِيعَةِ، مِنها قَوْلُهُ تَعالى: ﴿رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا﴾ [البقرة: ٢٨٦]، وقَوُلُ النَّبِيءِ ﷺ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ والنِّسْيانُ وما أُكْرِهُوا عَلَيْهِ» .
ويُفْهَمُ مِن قَوْلِهِ ادْعُوهم لِآبائِهِمُ النَّهْيُ عَنْ أنْ يُنْسَبَ أحَدٌ إلى غَيْرِ أبِيهِ بِطَرِيقِ لَحْنِ الخِطابِ. وفي الحَدِيثِ: «مَنِ انْتَسَبَ إلى غَيْرِ أبِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ والمَلائِكَةِ والنّاسِ أجْمَعِينَ لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنهُ صَرْفًا ولا عَدْلًا» .
(p-٢٦٦)ويَخْرُجُ مِنَ النَّهْيِ قَوْلُ الرَّجُلِ لِآخَرَ: أنْتَ أبِي وأنا ابْنُكَ عَلى قَصْدِ التَّعْظِيمِ والتَّقْرِيبِ وذَلِكَ عِنْدَ انْتِفاءِ اللَّبْسِ، كَقَوْلِ أبِي الطَّيِّبِ يُرَقِّقُ سَيْفَ الدَّوْلَةِ:
؎إنَّما أنْتَ والِدٌ والأبُ القا ∗∗∗ طِعُ أحَنى مِن واصَلِ الأوْلادِ
وجُمْلَةُ ﴿إنَّ اللَّهَ كانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: ٢٤] تَعْلِيلُ نَفْيِ الجُناحِ عَنِ الخَطَأِ بِأنَّ نَفْيَ الجُناحِ مِن آثارِ اتِّصافِ اللَّهِ تَعالى بِالمَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ بِخَلْقِهِ.
{"ayah":"ٱدۡعُوهُمۡ لِـَٔابَاۤىِٕهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِۚ فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوۤا۟ ءَابَاۤءَهُمۡ فَإِخۡوَ ٰنُكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَمَوَ ٰلِیكُمۡۚ وَلَیۡسَ عَلَیۡكُمۡ جُنَاحࣱ فِیمَاۤ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق