الباحث القرآني
(p-١٨)﴿واذْكُرْنَ ما يُتْلى في بِيُوتِكُنَّ مِن آياتِ اللَّهِ والحِكْمَةِ إنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾
لَمّا ضَمِنَ اللَّهُ لَهُنَّ العَظَمَةَ أمَرَهُنَّ بِالتَّحَلِّي بِأسْبابِها، والتَّمَلِّي مِن آثارِها، والتَّزَوُّدِ مِن عِلْمِ الشَّرِيعَةِ بِدِراسَةِ القُرْآنِ لِيَجْمَعَ ذَلِكَ اهْتِداءَهُنَّ في أنْفُسِهِنَّ ازْدِيادًا في الكَمالِ والعِلْمِ، وإرْشادَهُنَّ الأُمَّةَ إلى ما فِيهِ صَلاحٌ لَها مِن عِلْمِ النَّبِيِّ ﷺ .
وفِعْلُ اذْكُرْنَ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِنَ الذُّكْرِ بِضَمِّ الذّالِ وهو التَّذَكُّرُ، وهَذِهِ كَلِمَةٌ جامِعَةٌ تَشْمَلُ المَعْنى الصَّرِيحَ مِنهُ، وهو أنْ لا يَنْسَيْنَ ما جاءَ في القُرْآنِ ولا يَغْفَلْنَ عَنِ العَمَلِ بِهِ، ويَشْمَلُ المَعْنى الكِنائِيَّ وهو أنْ يُرادَ مُراعاةُ العَمَلِ بِما يُتْلى في بُيُوتِهِنَّ مِمّا يَنْزِلُ فِيها وما يَقْرَأُهُ النَّبِيُّ ﷺ فِيها، وما يُبَيِّنُ فِيها مِنَ الدِّينِ، ويَشْمَلُ مَعْنًى كِنائِيًّا ثانِيًا وهو تَذَكُّرُ تِلْكَ النِّعْمَةِ العَظِيمَةِ أنْ كانَتْ بُيُوتُهُنَّ مَوْقِعَ تِلاوَةِ القُرْآنِ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِنَ الذِّكْرِ بِكَسْرِ الذّالِ، وهو إجْراءُ الكَلامِ عَلى اللِّسانِ، أيْ بَلِّغْنَهُ لِلنّاسِ، بِأنْ يَقْرَأْنَ القُرْآنَ ويُبَلِّغْنَ أقْوالَ النَّبِيءِ ﷺ وسِيرَتَهُ. وفِيهِ كِنايَةٌ عَنِ العَمَلِ بِهِ. والتِّلاوَةُ: القِراءَةُ، أيْ إعادَةُ كَلامٍ مَكْتُوبٍ أوْ مَحْفُوظٍ، أيْ ما يَتْلُوهُ الرَّسُولُ ﷺ . و(﴿مِن آياتِ اللَّهِ والحِكْمَةِ﴾): بَيانٌ لِما يُتْلى فَكُلُّ ذَلِكَ مَتْلُوٌّ، وذَلِكَ القُرْآنُ، وقَدْ بَيَّنَ المَتْلُوَّ بِشَيْئَيْنِ: هَمّا آياتُ اللَّهِ، والحِكْمَةُ، فَآياتُ اللَّهِ يَعُمُّ القُرْآنَ كُلَّهُ،؛ لِأنَّهُ مُعْجِزٌ عَنْ مُعارَضَتِهِ فَكانَ آيَةً عَلى أنَّهُ مِن عِنْدِ اللَّهِ.
وعَطْفُ والحِكْمَةِ عَطْفُ خاصٍّ عَلى عامٍّ وهو ما كانَ مِنَ القُرْآنِ مَواعِظَ وأحْكامًا شَرْعِيَّةً قالَ تَعالى بَعْدَ ذِكْرِ الأحْكامِ الَّتِي في سُورَةِ الإسْراءِ ﴿ذَلِكَ مِمّا أوْحى إلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الحِكْمَةِ﴾ [الإسراء: ٣٩]، أيْ ما يُتْلى في بُيُوتِهِنَّ عِنْدَ نُزُولِهِ، أوْ بِقِراءَةِ النَّبِيِّ ﷺ ودِراسَتِهِنَّ القُرْآنَ، لِيَتَجَدَّدَ ما عَلِمْنَهُ ويَلْمَعَ لَهُنَّ مِن أنْوارِهِ ما هو مَكْنُونٌ لا يَنْضُبُ مَعِينُهُ، ولِيَكُنَّ مُشارِكاتٍ في تَبْلِيغِ القُرْآنِ وتَواتُرِهِ ولَمْ يَزَلْ أصْحابُ الرَّسُولِ ﷺ والتّابِعُونَ بَعْدَهم يَرْجِعُونَ إلى أُمَّهاتِ المُؤْمِنِينَ في كَثِيرٍ مِن أحْكامِ النِّساءِ ومِن أحْكامِ الرَّجُلِ مَعَ أهْلِهِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾ [يوسف: ٤٢]، أيْ بَلِّغْ خَبَرَ سَجْنِي وبَقائِي فِيهِ.
(p-١٩)ومَوْقِعُ مادَّةِ الذِّكْرِ هُنا مُوَقِعٌ شَرِيفٌ لِتَحَمُّلِها هَذِهِ المَحامِلَ ما لا يَتَحَمَّلُهُ غَيْرُها إلّا بِإطْنابٍ. قالَ ابْنُ العَرَبِيِّ: إنَّ اللَّهَ أمَرَ نَبِيئَهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - بِتَبْلِيغِ ما أُنْزَلَ إلَيْهِ فَكانَ إذا قَرَأ عَلى واحِدٍ أوْ ما اتَّفَقَ سَقَطَ عَنْهُ الفَرْضُ، وكانَ عَلى مَن تَبِعَهُ أنْ يُبَلِّغَهُ إلى غَيْرِهِ ولا يَلْزَمُهُ أنْ يَذْكُرَهُ لِجَمِيعِ الصَّحابَةِ.
وقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الحِكْمَةِ في القُرْآنِ في مَواضِعَ كَثِيرَةٍ وبَيَّنّاهُ في سُورَةِ البَقَرَةِ وتَقَدَّمَ قَرِيبًا اخْتِلافُ القُرّاءِ في كَسْرِ باءِ (بِيُوتٍ) أوْ ضَمِّها.
وجُمْلَةُ ﴿إنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ تَعْلِيلٌ لِلْأمْرِ وتَذْيِيلٌ لِلْجُمَلِ السّابِقَةِ. والتَّعْلِيلُ صالِحٌ لِمَحامِلِ الأمْرِ كُلِّها لِأنَّ اللُّطْفَ يَقْتَضِي إسْداءَ النَّفْعِ بِكَيْفِيَّةٍ لا تَشُقُّ عَلى المُسْدى إلَيْهِ.
وفِيما وُجِّهَ إلى نِساءِ النَّبِيِّ ﷺ مِنَ الأمْرِ والنَّهْيِ ما هو صَلاحٌ لَهُنَّ وإجْراءٌ لِلْخَيْرِ بِواسِطَتِهِنَّ، وكَذَلِكَ في تَيْسِيرِهِ إيّاهُنَّ لِمُعاشَرَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - وجَعْلِهِنَّ أهْلَ بُيُوتِهِ، وفي إعْدادِهِنَّ لِسَماعِ القُرْآنِ وفَهْمِهِ، ومُشاهَدَةِ الهَدْيِ النَّبَوِيِّ، كُلُّ ذَلِكَ لُطْفٌ لَهُنَّ هو الباعِثُ إلى ما وجَّهَهُ إلَيْهِنَّ مِنَ الخِطابِ لِيَتَلَقَّيْنَ الخَبَرَ ويُبَلِّغْنَهُ، ولِأنَّ الخَبِيرَ، أيِ العَلِيمَ إذا أرادَ أنْ يُذْهِبَ عَنْهُنَّ الرِّجْسَ ويُطَهِّرُهُنَّ حَصَلَ مُرادُهُ تامًّا لا خَلَلَ ولا غَفْلَةَ.
فَمَعْنى الجُمْلَةِ أنَّهُ تَعالى مَوْصُوفٌ بِاللُّطْفِ والعِلْمِ كَما دَلَّ عَلَيْهِ فِعْلُ (كانَ) فَيَشْمَلُ عُمُومُ لُطْفِهِ بِهِنَّ وعِلْمِهِ لُطْفَهُ بِهِنَّ وعِلْمَهُ بِما فِيهِ نَفْعُهُنَّ.
{"ayah":"وَٱذۡكُرۡنَ مَا یُتۡلَىٰ فِی بُیُوتِكُنَّ مِنۡ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ وَٱلۡحِكۡمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِیفًا خَبِیرًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق