الباحث القرآني
﴿أمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هو الحَقُّ مِن رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا ما أتاهم مِن نَذِيرٍ مِن قَبْلِكَ لَعَلَّهم يَهْتَدُونَ﴾
جاءَتْ أمْ لِلْإضْرابِ عَنِ الكَلامِ السّابِقِ إضْرابَ انْتِقالٍ، وهي أمِ المُنْقَطِعَةُ الَّتِي بِمَعْنى (بَلْ) الَّتِي لِلِاضْطِرابِ.
(p-٢٠٧)وحَيْثُما وقَعَتْ (أمْ) فَهي مُؤْذِنَةٌ بِاسْتِفْهامٍ بِالهَمْزَةِ بَعْدَها المُلْتَزِمُ حَذْفُها بَعْدَ (أمْ) . والِاسْتِفْهامُ المُقَدَّرُ بَعْدَها هُنا تَعْجِيبِيٌّ لِأنَّهم قالُوا هَذا القَوْلَ الشَّنِيعَ وعَلِمَهُ النّاسُ عَنْهم فَلا جَرَمَ كانُوا أحِقّاءَ بِالتَّعْجِيبِ مِن حالِهِمْ ومَقالِهِمْ لِأنَّهم أبْدَوْا بِهِ أمْرًا غَرِيبًا يَقْضِي مِنهُ العَجَبَ لَدى العُقَلاءِ وذَوِي الأحْلامِ الرّاجِحَةِ والنُّفُوسِ المُنْصِفَةِ، إذْ دَلائِلُ انْتِفاءِ الرَّيْبِ عَنْ كَوْنِهِ مِن رَبِّ العالَمِينَ واضِحَةٌ بَلْهَ الجَزْمَ بِأنَّهُ مُفْتَرًى عَلى اللَّهِ تَعالى.
وصِيَغُ الخَبَرِ عَنْ قَوْلِهِمُ العَجِيبِ بِصِيغَةِ المُضارِعِ لِاسْتِحْضارِ حالَةِ ذَلِكَ القَوْلِ تَحْقِيقًا لِلتَّعْجِيبِ مِنهُ حَتّى لا تَغْفَلَ عَنْ حالِ قَوْلِهِمْ أذْهانُ السّامِعِينَ كَلَفْظِ (تَقُولُ) في بَيْتِ هُذْلُولٍ العَنْبَرِيِّ مِن شُعَراءِ الحَماسَةِ:
؎تَقُولُ وصَكَّتْ صَدْرَها بِيَمِينِها أبَعْلِيَ هَذا بِالرَّحى المُتَقاعِسِ
وفِي المُضارِعِ مَعَ ذَلِكَ إيذانٌ بِتَجَدُّدِ مَقالَتِهِمْ هَذِهِ وأنَّهم لا يُقْلِعُونَ عَنْها عَلى الرَّغْمِ مِمّا جاءَهم مِنَ البَيِّناتِ ورَغْمَ افْتِضاحِهِمْ بِالعَجْزِ عَنْ مُعارَضَتِهِ.
والضَّمِيرُ المَرْفُوعُ في افْتَراهُ عائِدٌ إلى النَّبِيءِ ﷺ لِأنَّهُ مَعْلُومٌ مِن مَقامِ حِكايَةِ مَقالِهِمُ المُشْتَهَرِ بَيْنَ النّاسِ، والضَّمِيرُ المَنصُوبُ عائِدٌ إلى الكِتابِ.
وأُضْرِبَ عَلى قَوْلِهِمُ افْتَراهُ إضْرابَ إبْطالٍ بِـ ﴿بَلْ هو الحَقُّ مِن رَبِّكَ﴾ لِإثْباتِ أنَّ القُرْآنَ حَقٌّ، ومَعْنى الحَقِّ: الصِّدْقُ، أيْ فِيما اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الَّذِي مِنهُ أنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى. وتَعْرِيفُ الحَقِّ تَعْرِيفُ الجِنْسِ المُفِيدِ تَحْقِيقَ الجِنْسِيَّةِ فِيهِ.
أيْ هو حَقٌّ ذَلِكَ الحَقُّ المَعْرُوفَةُ ماهِيَّتُهُ مِن بَيْنِ الأجْناسِ والمُفارِقُ لِجِنْسِ الباطِلِ. وفي تَعْرِيفِ المُسْنَدِ بِلامِ الجِنْسِ ذَرِيعَةٌ إلى اعْتِبارِ كَمالِ هَذا الجِنْسِ في المُسْنَدِ إلَيْهِ وهو مَعْنى القَصْرِ الِادِّعائِي لِلْمُبالَغَةِ نَحْوَ:
؎أنْتَ الحَبِيبُ وعَمْرٌو الفارِسُ
.
ومِن رَبِّكَ في مَوْضِعِ حالٍ مِنَ الحَقِّ، والحَقُّ الوارِدُ مِن قِبَلِ اللَّهِ لا جَرَمَ أنَّهُ أكْمَلُ جِنْسِ الحَقِّ. وكافُ الخِطابِ لِلنَّبِيءِ ﷺ . واسْتُحْضِرَتِ الذّاتُ العَلِيَّةُ هُنا بِعُنْوانِ رَبِّكَ لِأنَّ الكَلامَ جاءَ رَدًّا عَلى قَوْلِهِمُ افْتَراهُ يَعْنُونَ النَّبِيءَ ﷺ فَكانَ مَقامُ الرَّدِّ مُقْتَضِيًا تَأْيِيدَ مَن ألْصَقُوا بِهِ ما هو بَرِيءٌ مِنهُ بِإثْباتِ أنَّ الكِتابَ حَقٌّ مِن رَبِّ مَن ألْصَقُوا بِهِ الِافْتِراءَ تَنْوِيهًا بِشَأْنِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ (p-٢٠٨)وتَخَلُّصًا إلى تَصْدِيقِهِ لِأنَّهُ إذا كانَ الكِتابُ الَّذِي جاءَ بِهِ حَقًّا مِن عِنْدِ اللَّهِ فَهو رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا.
وقَدْ جاءَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى أُسْلُوبٍ بَدِيعِ الإحْكامِ إذْ ثَبَتَ أنَّ الكِتابَ تَنْزِيلٌ مِن رَبِّ جَمِيعِ الكائِناتِ، وأنَّهُ يَحِقُّ أنْ لا يَرْتابَ فِيهِ مُرْتابٌ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلى الإنْكارِ والتَّعْجِيبِ مِنَ الَّذِينَ جَزَمُوا بِأنَّ الجائِيَ بِهِ مُفْتَرٍ عَلى اللَّهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِمْ بِإثْباتِ أنَّهُ الحَقُّ الكامِلُ مِن رَبِّ الَّذِي نَسَبُوا إلَيْهِ افْتِراءَهُ فَلَوْ كانَ افْتَراهُ لَقَدِرَ اللَّهُ عَلى إظْهارِ أمْرِهِ كَما قالَ تَعالى ﴿ولَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الأقاوِيلِ﴾ [الحاقة: ٤٤] ﴿لَأخَذْنا مِنهُ بِاليَمِينِ﴾ [الحاقة: ٤٥] ﴿ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنهُ الوَتِينَ﴾ [الحاقة: ٤٦] ﴿فَما مِنكم مِن أحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ﴾ [الحاقة: ٤٧] .
ثُمَّ جاءَ بِما هو أنْكى لِلْمُكَذِّبِينَ وأبْلَغُ في تَسْفِيهِ أحْلامِهِمْ وأوْغَلُ في النِّداءِ عَلى إهْمالِهِمُ النَّظَرَ في دَقائِقِ المَعانِي، فَبَيَّنَ ما فِيهِ تَذْكِرَةٌ لَهم بِبَعْضِ المَصالِحِ الَّتِي جاءَ لِأجْلِها هَذا الكِتابُ بِقَوْلِهِ ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا ما أتاهم مِن نَذِيرٍ مِن قَبْلِكَ لَعَلَّهم يَهْتَدُونَ﴾ فَقَدْ جَمَعُوا مِنَ الجَهالَةِ ما هو ضِغْثٌ عَلى إبّالَةٍ، فَإنَّ هَذا الكِتابَ، عَلى أنَّ حَقِّيَّتَهُ مُقْتَضِيَةُ المُنافَسَةِ في الِانْتِفاعِ بِهِ ولَوْ لَمْ يَلْفِتُوا إلى تَقَلُّدِهِ وعَلى أنَّهم دَعَوْا إلى الأخْذِ بِهِ وذَلِكَ مِمّا يَتَوَجَّبُ التَّأمُّلُ في حَقِّيَّتِهِ؛ عَلى ذَلِكَ كُلِّهِ فَهم كانُوا أحْوَجَ إلى اتِّباعِهِ مِنَ اليَهُودِ والنَّصارى والمَجُوسِ لِأنَّ هَؤُلاءِ لَمْ تَسْبِقْ لَهم رِسالَةُ مُرْسَلٍ فَكانُوا أبْعَدَ عَنْ طُرُقِ الهُدى بِما تَعاقَبَ عَلَيْهِمْ مِنَ القُرُونِ دُونَ دَعْوَةِ رَسُولٍ فَكانَ ذَلِكَ كافِيًا في حِرْصِهِمْ عَلى التَّمَسُّكِ بِهِ وشُعُورِهِمْ بِمَزِيدِ الحاجَةِ إلَيْهِ رَجاءً مِنهم أنْ يَهْتَدُوا، قالَ تَعالى﴿وهَذا كِتابٌ أنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فاتَّبِعُوهُ واتَّقُوا لَعَلَّكم تَرْحَمُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٥] ﴿أنْ تَقُولُوا إنَّما أُنْزِلَ الكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنا وإنْ كُنّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ﴾ [الأنعام: ١٥٦] ﴿أوْ تَقُولُوا لَوْ أنّا أُنْزِلَ عَلَيْنا الكِتابُ لَكُنّا أهْدى مِنهم فَقَدْ جاءَكم بَيِّنَةٌ مِن رَبِّكم وهُدًى ورَحْمَةٌ فَمَن أظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وصَدَفَ عَنْها﴾ [الأنعام: ١٥٧]، فَمَثَلُ هَؤُلاءِ المُكَذِّبِينَ كَمَثَلِ قَوْلِ المَعَرِّيِّ:
؎هَلْ تَزْجُرَنَّكُمُ رِسالَةُ مُرْسَلٍ ∗∗∗ أمْ لَيْسَ يَنْفَعُ في أُولاكِ أُلُوكُ
والقَوْمُ: الجَماعَةُ العَظِيمَةُ الَّذِينَ يَجْمَعُهم أمْرٌ هو كالقِوامِ لَهم مِن نَسَبٍ أوْ مَوْطِنٍ أوْ غَرَضٍ تَجَمَّعُوا بِسَبَبِهِ، وأكْثَرُ إطْلاقِهِ عَلى الجَماعَةِ الَّذِينَ يَرْجِعُونَ في (p-٢٠٩)النَّسَبِ إلى جَدٍّ اخْتَصُّوا بِالِانْتِسابِ إلَيْهِ. وتَمَيَّزُوا بِذَلِكَ عَمَّنْ يُشارِكُهم في جَدٍّ هو أعْلى مِنهُ، فَقُرَيْشٌ مَثَلًا قَوْمٌ اخْتَصُّوا بِالِانْتِسابِ إلى فِهْرِ بْنِ مالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنانَةَ فَتَمَيَّزُوا عَمَّنْ عَداهم مِن عَقِبِ كِنانَةَ فَيُقالُ: فُلانٌ قُرَشِيٌّ وفُلانٌ كِنانِيٌّ ولا يُقالُ لِمَن هو مِن أبْناءِ قُرَيْشٍ كِنانِيٌّ.
ووُصِفَ القَوْمُ بِأنَّهم ﴿ما أتاهم مِن نَذِيرٍ﴾ [القصص: ٤٦] قَبْلَ النَّبِيءِ ﷺ والنَّبِيُّ حِينَئِذٍ يَدْعُو أهْلَ مَكَّةَ ومَن حَوْلَها إلى الإسْلامِ ورُبَّما كانَتِ الدَّعْوَةُ شَمِلَتْ أهْلَ يَثْرِبَ وكُلُّهم مِنَ العَرَبِ فَظَهَرَ أنَّ المُرادَ بِالقَوْمِ العَرَبُ الَّذِينَ لَمْ يَأْتِهِمْ رَسُولٌ قَبْلَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَإمّا أنْ يَكُونَ المُرادُ قُرَيْشًا خاصَّةً، أوْ عَرَبَ الحِجازِ أهْلَ مَكَّةَ والمَدِينَةِ وقَبائِلُ الحِجازِ، وعَرَبُ الحِجازِ جِذْمانٌ عَدْنانِيُّونَ وقَحْطانِيُّونَ؛ فَأمّا العَدْنانِيُّونَ فَهم أبْناءُ عَدْنانَ وهم مِن ذُرِّيَّةِ إسْماعِيلَ وإنَّما تَقَوَّمَتْ قَوْمِيَّتُهم في أبْناءِ عَدْنانَ: وهم مُضَرُ، ورَبِيعَةُ، وأنْمارٌ، وإيادٌ. وهَؤُلاءِ لَمْ يَأْتِهِمْ رَسُولٌ مُنْذُ تَقَوَّمَتْ قَوْمِيَّتُهم.
وأمّا جَدُّهم إسْماعِيلُ بْنُ إبْراهِيمَ عَلَيْهِما السَّلامُ فَإنَّهُ وإنْ كانَ رَسُولًا نَبِيئًا كَما وصَفَهُ اللَّهُ تَعالى في سُورَةِ مَرْيَمَ فَإنَّما كانَتْ رِسالَتُهُ خاصَّةً بِأهْلِهِ وأصْهارِهِ مِن جُرْهُمٍ ولَمْ يَكُنْ مُرْسَلًا إلى الَّذِينَ وُجِدُوا بَعْدَهُ لِأنَّ رِسالَتَهُ لَمْ تَكُنْ دائِمَةً ولا مُنْتَشِرَةً، قالَ تَعالى ﴿وكانَ يَأْمُرُ أهْلَهُ بِالصَّلاةِ والزَّكاةِ﴾ [مريم: ٥٥] .
وأمّا القَحْطانِيُّونَ القاطِنُونَ بِالحِجازِ مِثْلُ الأوْسِ والخَزْرَجِ وطَيِّئٍ فَإنَّهم قَدْ تَغَيَّرَتْ فِرَقُهم ومَواطِنُهم بَعْدَ سَيْلِ العَرِمِ وانْقَسَمُوا أقْوامًا جُدُدًا ولَمْ يَأْتِهِمْ نَذِيرٌ مُنْذُ ذَلِكَ الزَّمَنِ وإنْ كانَ المُنْذِرُونَ قَدْ جاءُوا أسْلافَهم مِثْلَ هُودٍ وصالِحٍ وتُبَّعٍ، فَذَلِكَ كانَ قَبْلَ تَقَوُّمِ قَوْمِيَّتِهِمُ الجَدِيدَةِ.
وإمّا أنْ يَكُونَ المُرادُ العَرَبَ كُلَّهم بِما يَشْمَلُ أهْلَ اليَمَنِ واليَمامَةِ والبَحْرَيْنِ وغَيْرَهم مِمَّنْ شَمِلَتْهم جَزِيرَةُ العَرَبِ وكُلُّهم لا يَعْدُونَ أنْ يَرْجِعُوا إلى ذَيْنِكَ الجِذْمَيْنِ، وقَدْ كانَ انْقِسامُهم أقْوامًا ومَواطِنَ بَعْدَ سَيْلِ العَرِمِ ولَمْ يَأْتِهِمْ نَذِيرٌ بَعْدَ ذَلِكَ الِانْقِسامِ كَما تَقَدَّمَ في حالِ القَحْطانِيِّينَ مِن أهْلِ الحِجازِ. وأمّا ما ورَدَ مِن ذِكْرِ حَنْظَلَةَ بْنِ صَفْوانَ صاحِبِ أهْلِ الرَّسِّ، وخالِدِ بْنِ سِنانٍ صاحِبِ بَنِي عَبْسَ فَلَمْ يَثْبُتْ أنَّهُما رَسُولانِ واخْتُلِفَ في نُبُوَّتِهِما. وقَدْ «رُوِيَ أنَّ ابْنَةَ خالِدِ بْنِ سِنانٍ وفَدَتْ إلى النَّبِيءِ ﷺ (p-٢١٠)وهِيَ عَجُوزٌ وأنَّهُ قالَ لَها مَرْحَبًا بِابْنَةِ نَبِيٍّ ضَيَّعَهُ قَوْمُهُ» . ولَيْسَ لِذَلِكَ سَنَدٌ صَحِيحٌ.
وأيًّا ما كانَ فالعَرَبُ كُلُّهم أوِ الَّذِينَ شَمِلَتْهم دَعْوَةُ الإسْلامِ يَوْمَئِذٍ يَحِقُّ عَلَيْهِمْ وصْفُ ﴿ما أتاهم مِن نَذِيرٍ﴾ [القصص: ٤٦] مِن وقْتِ تَحَقُّقِ قَوْمِيَّتِهِمْ.
والمَقْصُودُ بِهِ تَذْكِيرُهم بِأنَّهم أحْوَجُ الأقْوامِ إلى نَذِيرٍ، إذْ لَمْ يَكُونُوا عَلى بَقِيَّةٍ مِن هُدًى، وأثارَةُ هِمَمِهِمْ لِاغْتِباطِ أهْلِ الكِتابِ لِيَتَقَبَّلُوا الكِتابَ الَّذِي أُنْزِلَ إلَيْهِمْ ويَسْبِقُوا أهْلَ الكِتابِ إلى اتِّباعِهِ؛ فَيَكُونُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنهُ السَّبْقُ في الشَّرْعِ الأخِيرِ كَما كانَ لِمَن لَمْ يُسْلِمْ مِن أهْلِ الكِتابِ السَّبْقُ بِبَعْضِ الِاهْتِداءِ ومُمارَسَةِ الكِتابِ السّابِقِ. وقَدِ اهْتَمَّ بَعْضُ أهْلِ الأحْلامِ مِنَ العَرَبِ بِتَطَلُّبِ الدِّينِ الحَقِّ فَتَهَوَّدَ كَثِيرٌ مِن عَرَبِ اليَمَنِ، وتَنَصَّرَتْ طَيِّئٌ، وكَلْبٌ، وتَغْلِبُ وغَيْرُهم مِن نَصارى العَرَبِ، وتَتَّبَعَ الحَنِيفِيَّةَ نَفَرٌ مِثْلُ قُسِّ بْنِ ساعِدَةَ وزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وأُمَيَّةَ بْنِ أبِي الصَّلْتِ، وكانَ ذَلِكَ تَطَلُّبًا لِلْكَمالِ ولَمْ يَأْتِهِمْ رَسُولٌ بِذَلِكَ.
وهَذا التَّعْلِيلُ لا يَقْتَضِي اقْتِصارَ الرِّسالَةِ الإسْلامِيَّةِ عَلى هَؤُلاءِ القَوْمِ ولا يُنافِي عُمُومَ الرِّسالَةِ لِمَن أتاهم نَذِيرٌ، لِأنَّ لامَ العِلَّةِ لا تَقْتَضِي إلّا كَوْنَ ما بَعْدَها باعِثًا عَلى وُقُوعِ الفِعْلِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ دُونَ انْحِصارِ باعِثِ الفِعْلِ في تِلْكَ العِلَّةِ، فَإنَّ الفِعْلَ الواحِدَ قَدْ يَكُونُ لَهُ بَواعِثُ كَثِيرَةٌ، وأفْعالُ اللَّهِ تَعالى مَنُوطَةٌ بِحِكَمٍ عَدِيدَةٍ، ودَلائِلُ عُمُومِ الرِّسالَةِ مُتَواتِرَةٌ مِن صَرِيحِ القُرْآنِ والسُّنَّةِ ومِن عُمُومِ الدَّعْوَةِ.
وقِيلَ: أُرِيدَ بِالقَوْمِ الَّذِينَ لَمْ يَأْتِهِمْ نَذِيرٌ مِن قَبْلُ جَمِيعُ الأُمَمِ، وأنَّ المُرادَ بِأنَّهم لَمْ يَأْتِهِمْ نَذِيرٌ أنَّهم كُلَّهم لَمْ يَأْتِهِمْ نَذِيرٌ بَعْدَ أنْ ضَلُّوا، سَواءٌ مِنهم مَن ضَلَّ في شَرْعِهِ مِثْلُ أهْلِ الكِتابِ، ومَن ضَلَّ بِالخُلُوِّ عَنْ شَرْعٍ كالعَرَبِ. وهَذا الوَجْهُ بَعِيدٌ عَنْ لَفْظِ (قَوْمٍ) وعَنْ فِعْلِ أتاهم ومُفِيتٌ لِلْمَقْصُودِ مِن هَذا الوَصْفِ كَما قَدَّمْناهُ.
وأمّا قَضِيَّةُ عُمُومِ الدَّعْوَةِ المُحَمَّدِيَّةِ فَدَلائِلُها كَثِيرَةٌ مِن غَيْرِ هَذِهِ الآيَةِ.
ولَعَلَّ مُسْتَعارَةٌ تَمْثِيلًا لِإرادَةِ اهْتِدائِهِمْ والحِرْصِ عَلى حُصُولِهِ.
{"ayah":"أَمۡ یَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۚ بَلۡ هُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوۡمࣰا مَّاۤ أَتَىٰهُم مِّن نَّذِیرࣲ مِّن قَبۡلِكَ لَعَلَّهُمۡ یَهۡتَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق