الباحث القرآني
﴿ومِن آياتِهِ أنْ تَقُومَ السَّماءُ والأرْضُ بِأمْرِهِ ثُمَّ إذا دَعاكم دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إذا أنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ خُتِمَتِ الآياتُ بِهَذِهِ الآيَةِ السّادِسَةِ وهي الَّتِي دَلَّتْ عَلى عَظِيمِ القُدْرَةِ عَلى (p-٨٠)حِفْظِ نِظامِ المَخْلُوقاتِ العَظِيمَةِ بَعْدَ خَلْقِها؛ فَخَلْقُ السَّماواتِ والأرْضِ آيَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ تَقَدَّمَتْ، وبَقاءُ نِظامِهِما عَلى مَمَرِّ القُرُونِ آيَةٌ أُخْرى. ومَوْقِعُ العِبْرَةِ مِن هاتِهِ الآيَةِ هو أوَّلُها وهو أنْ تَقُومَ السَّماءُ والأرْضُ هَذا القِيامَ المُتْقَنَ بِأمْرِ اللَّهِ دُونَ غَيْرِهِ.
فَمَعْنى القِيامِ هُنا: البَقاءُ الكامِلُ الَّذِي يُشْبِهُ بَقاءَ القائِمِ غَيْرِ المُضْطَجِعِ وغَيْرِ القاعِدِ مِن قَوْلِهِمْ: قامَتِ السُّوقُ، إذا عَظُمَ فِيها البَيْعُ والشِّراءُ، وهَذا هو المُعَبَّرُ عَنْهُ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ والأرْضَ أنْ تَزُولا﴾ [فاطر: ٤١] وقَوْلِهِ ﴿ويُمْسِكُ السَّماءَ أنْ تَقَعَ عَلى الأرْضِ إلّا بِإذْنِهِ﴾ [الحج: ٦٥] .
والأمْرُ المُضافُ إلى اللَّهِ هو أمْرُهُ التَّكْوِينِيُّ وهو مَجْمُوعُ ما وضَعَهُ اللَّهُ مِن نِظامِ العالَمِ العُلْوِيِّ والسُّفْلِيِّ، ذَلِكَ النِّظامُ الحارِسُ لَهُما مِن تَطَرُّقِ الِاخْتِلالِ بِإيجادِ ذَلِكَ النِّظامِ.
وبِأمْرِهِ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ تَقُومُ، والباءُ لِلسَّبَبِيَّةِ.
وثُمَّ عاطِفَةٌ الجُمْلَةَ عَلى الجُمْلَةِ، والمَقْصُودُ مِنَ الجُمْلَةِ المَعْطُوفَةِ الِاحْتِراسُ عَمًّا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِن قَوْلِهِ ﴿أنْ تَقُومَ السَّماءُ والأرْضُ بِأمْرِهِ﴾ مِن أبَدِيَّةِ وُجُودِ السَّماواتِ والأرْضِ، فَأفادَتِ الجُمْلَةُ أنَّ هَذا النِّظامَ الأرْضِيَّ يَعْتَوِرُهُ الِاخْتِلالُ إذا أرادَ اللَّهُ انْقِضاءَ العالَمِ الأرْضِيِّ وإحْضارَ الخَلْقِ إلى الحَشْرِ تَسْجِيلًا عَلى المُشْرِكِينَ بِإثْباتِ البَعْثِ.
فَمَضْمُونُ جُمْلَةِ ﴿إذا دَعاكم دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إذا أنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ لَيْسَ مِن تَمامِ هَذِهِ الآيَةِ السّادِسَةِ ولَكِنَّهُ تَكْمِلَةٌ وإدْماجٌ مُوَجَّهٌ إلى مُنْكِرِي البَعْثِ.
وفِي مُتَعَلِّقِ المَجْرُورِ في قَوْلِهِ (﴿مِنَ الأرْضِ﴾) اضْطِرابٌ؛ فالَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ صاحِبُ الكَشّافِ أنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِـ (دَعاكم) لِأنَّ دَعاكم لِما اشْتَمَلَ عَلى فاعِلٍ ومَفْعُولٍ فالمُتَعَلِّقُ بِالفِعْلِ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن شُئُونِ الفاعِلِ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن شُئُونِ المَفْعُولِ عَلى حَسَبِ القَرِينَةِ، كَما تَقُولُ: دَعَوْتُ فَلانًا مِن أعْلى الجَبَلِ فَنَزَلَ إلَيَّ، أيْ دَعْوَتُهُ وهو في أعْلى الجَبَلِ. وهَذا الِاسْتِعْمالُ خِلافُ الغالِبِ ولَكِنْ دَلَّتْ عَلَيْهِ القَرِينَةُ مَعَ التَّفَصِّي مِن أنْ يَكُونَ المَجْرُورُ مُتَعَلِّقًا بِـ (تَخْرُجُونَ) لِأنَّ ما بَعْدَ حَرْفِ المُفاجَأةِ لا يَعْمَلُ فِيما قَبْلَها، عَلى أنَّ في هَذا المَنعِ نَظَرًا. ولا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ (p-٨١)بِـ (دَعْوَةً) لِعَدَمِ اشْتِمالِ المَصْدَرِ عَلى فاعِلٍ ومَفْعُولٍ، وهو وجِيهٌ وكَفاكَ بِذَوْقِ قائِلِهِ. وأقُولُ: قَرِيبٌ مِنهُ قَوْلُهُ تَعالى أُولَئِكَ يُنادَوْنَ مِن مَكانٍ بَعِيدٍ.
ومِن لِابْتِداءِ المَكانِ، والمَجْرُورُ ظَرْفُ لَغْوٍ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَجْرُورُ حالًا مِن ضَمِيرِ النَّصْبِ في دَعاكم فَهو ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِنَ الأرْضِ مُتَعَلِّقًا بِـ (تَخْرُجُونَ) قُدِّمَ عَلَيْهِ. وهَذا ذُكِرَ في مُغْنِي اللَّبِيبِ أنَّهُ حَكاهُ عَنْهم أبُو حاتِمٍ في كِتابِ الوَقْفِ، وهَذا أحْسَنُ وأبْعَدُ عَنِ التَّكَلُّفِ، وعَلَيْهِ فَتَقْدِيمُ المَجْرُورِ لِلِاهْتِمامِ تَعْرِيضًا بِخَطَئِهِمْ إذْ أحالُوا أنْ يَكُونَ لَهم خُرُوجٌ مِنَ الأرْضِ عَنْ بُعْدِ صَيْرُورَتِهِمْ فِيها في قَوْلِهِمُ المَحْكِيِّ عَنْهم بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿وقالُوا أإذا ضَلَلْنا في الأرْضِ أئِنّا لَفي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [السجدة: ١٠] وقَوْلِهِمْ ﴿أإذا كُنّا تُرابًا وآباؤُنا أئِنّا لَمُخْرَجُونَ﴾ [النمل: ٦٧] .
وأمّا قَضِيَّةُ تَقْدِيمِ المَعْمُولِ عَلى (إذا) الفُجائِيَّةِ فَإذا سَلِمَ عَدَمُ جَوازِهِ فَإنَّ التَّوَسُّعَ في المَجْرُورِ والمَظْرُوفِ مِن حَدِيثِ البَحْرِ، فَمِنَ العَجَبِ كَيْفَ سَدَّ بابَ التَّوَسُّعِ فِيهِ صاحِبُ مُغْنِي اللَّبِيبِ في الجِهَةِ الثّانِيَةِ مِنَ البابِ الخامِسِ.
وجِيءَ بِحَرْفِ المُفاجَأةِ في قَوْلِهِ ﴿إذا أنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ لِإفادَةِ سُرْعَةِ خُرُوجِهِمْ إلى الحَشْرِ كَقَوْلِهِ ﴿فَإنَّما هي زَجْرَةٌ واحِدَةٌ﴾ [النازعات: ١٣] ﴿فَإذا هم بِالسّاهِرَةِ﴾ [النازعات: ١٤] .
وإذا الفُجائِيَّةُ تَقْتَضِي أنْ يَكُونَ ما بَعْدَها مُبْتَدَأً. وجِيءَ بِخَبَرِ المُبْتَدَأِ جُمْلَةً فِعْلِيَّةً لِإفادَةِ التَّقَوِّي الحاصِلِ مِن تَحَمُّلِ الفِعْلِ ضَمِيرَ المُبْتَدَأِ فَكَأنَّهُ أُعِيدَ ذِكْرُهُ كَما أشارَ إلَيْهِ صاحِبُ المِفْتاحِ.
وجِيءَ بِالمُضارِعِ لِاسْتِحْضارِ الصُّورَةِ العَجِيبَةِ في ذَلِكَ الخُرُوجِ كَقَوْلِهِ ﴿فَإذا هم مِنَ الأجْداثِ إلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ﴾ [يس: ٥١] .
{"ayah":"وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِۦۤ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَاۤءُ وَٱلۡأَرۡضُ بِأَمۡرِهِۦۚ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمۡ دَعۡوَةࣰ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ إِذَاۤ أَنتُمۡ تَخۡرُجُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











