الباحث القرآني
﴿ومِن آياتِهِ مَنامُكم بِاللَّيْلِ والنَّهارِ وابْتِغاؤُكم مِن فَضْلِهِ إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ هَذِهِ آيَةٌ رابِعَةٌ وهي كائِنَةٌ في أعْراضٍ مِن أعْراضِ النّاسِ لا يَخْلُو عَنْها أحَدٌ مِن (p-٧٦)أفْرادِهِمْ، إلّا أنَّها أعْراضٌ مُفارِقَةٌ غَيْرُ مُلازِمَةٍ فَكانَتْ دُونَ الأعْراضِ الَّتِي أُقِيمَتْ عَلَيْها الآيَةُ الثّالِثَةُ ولِذَلِكَ ذُكِرَتْ هَذِهِ الآيَةُ بَعْدَها.
وحالَةُ النَّوْمِ حالَةٌ عَجِيبَةٌ مِن أحْوالِ الإنْسانِ والحَيَوانِ إذْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ في نِظامِ أعْصابِ دِماغِهِ قانُونًا يَسْتَرِدُّ بِهِ قُوَّةَ مَجْمُوعِهِ العَصَبِيِّ بَعْدَ أنْ يَعْتَرِيَهُ فَشَلُ الإعْياءِ مِن إعْمالِ عَقْلِهِ وجَسَدِهِ فَيَعْتَرِيَهُ شِبْهُ مَوْتٍ يُخَدِّرُ إدْراكَهُ ولا يُعَطِّلُ حَرَكاتِ أعْضائِهِ الرَّئِيسِيَّةَ ولَكِنَّهُ يُثَبِّطُها حَتّى يَبْلُغَ مِنَ الزَّمَنِ مِقْدارًا كافِيًا لِاسْتِرْجاعِ قُوَّتِهِ فَيُفِيقُ مِن نَوْمَتِهِ وتَعُودُ إلَيْهِ حَياتُهُ كامِلَةً، وقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَوْمٌ﴾ [البقرة: ٢٥٥] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
والمَنامُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ لِلنَّوْمِ أوْ هو اسْمُ مَصْدَرٍ.
وقَوْلُهُ ﴿بِاللَّيْلِ والنَّهارِ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِـ (﴿مَنامُكُمْ﴾) . والباءُ لِلظَّرْفِيَّةِ بِمَعْنى (في) فالنّاسُ يَنامُونَ بِاللَّيْلِ ومِنهم مَن يَنامُ بِالنَّهارِ في القائِلَةِ وبِخاصَّةٍ أهْلُ الأعْمالِ المُضْنِيَةِ إذا اسْتَراحُوا مِنها في مُنْتَصَفِ النَّهارِ خُصُوصًا في البِلادِ الحارَّةِ أوْ في فَصْلِ الحَرِّ.
والِابْتِغاءُ مِن فَضْلِ اللَّهِ: طَلَبُ الرِّزْقِ بِالعَمَلِ لِأنَّ فَضْلَ اللَّهِ الرِّزْقُ، وجُعِلَ هَذا كِنايَةً عَنِ الهُبُوبِ إلى العَمَلِ لِأنَّ الِابْتِغاءَ يَسْتَلْزِمُ الهُبُوبَ مِنَ النَّوْمِ، وذَلِكَ آيَةٌ أُخْرى لِأنَّهُ نَشاطُ القُوَّةِ بَعْدَ أنْ خارَتْ وفَشِلَتْ. ولِكَوْنِ ابْتِغاءِ الرِّزْقِ مِن خَصائِصِ النَّهارِ أُطْلِقَ هُنا فَلَمْ يُقَيَّدْ بِاللَّيْلِ والنَّهارِ. ولَكَ أنْ تَجْعَلَ عَدَمَ تَقْيِيدِهِ بِمِثْلِ ما قَيَّدَ بِهِ مَنامُكم لِلِاسْتِغْناءِ بِدَلالَةِ القَيْدِ الَّذِي قَبْلَهُ بِتَقْدِيرِ: وابْتِغاؤُكم مِن فَضْلِهِ فِيهِما. وقَدْ تَكَلَّفَ صاحِبُ الكَشّافِ فَجَعَلَ الكَلامَ مِن قَبِيلِ اللَّفِّ والنَّشْرِ؛ عَلى أنَّ اللَّفَّ وقَعَ فِيهِ تَفْرِيقٌ، ووَجَّهَهُ مُحَشِّيهِ القَزْوِينِيُّ بِأنَّ التَّقْدِيمَ لِلِاهْتِمامِ بِآيَةِ اللَّيْلِ والنَّهارِ.
وقَدْ جُعِلَتْ دَلالاتُ المَنامِ والِابْتِغاءِ مِن فَضْلِ اللَّهِ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ لِوَجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّ هَذَيْنِ حالَتانِ مُتَعاوِرَتانِ عَلى النّاسِ قَدِ اعْتادُوهُما فَقَلَّ مَن يَتَدَبَّرُ في دَلالَتِهِما عَلى دَقِيقِ صُنْعِ اللَّهِ تَعالى؛ فَمُعْظَمُ النّاسِ في حاجَةٍ إلى مَن يُوقِفُهم عَلى هَذِهِ الدَّلالَةِ ويُرْشِدُهم إلَيْها.
وثانِيهُما: أنَّ في ما يَسْمَعُهُ النّاسُ مِن أحْوالِ النَّوْمِ ما هو أشَدُّ دَلالَةً عَلى عَظِيمِ (p-٧٧)صُنْعِ اللَّهِ تَعالى مِمّا يَشْعُرُ بِهِ صاحِبُ النَّوْمِ مِن أحْوالِ نَوْمِهِ، لِأنَّ النّائِمَ لا يَعْرِفُ مِن نَوْمِهِ إلّا الِاسْتِعْدادَ لَهُ وإلّا أنَّهُ حِينَ يَهُبُّ مَن نَوْمِهِ يَعْلَمُ أنَّهُ كانَ نائِمًا؛ فَأمّا حالَةُ النّائِمِ في حِينِ نَوْمِهِ ومِقْدارُ تَنَبُّهِهِ لِمَن يُوقِظُهُ، وشُعُورُهُ بِالأصْواتِ الَّتِي تَقَعُ بِقُرْبِهِ، والأضْواءِ الَّتِي تَنْتَشِرُ عَلى بَصَرِهِ فَتُنَبِّهُهُ أوْ لا تُنَبِّهُهُ، كُلُّ ذَلِكَ لا يَتَلَقّاهُ النّائِمُ إلّا بِطَرِيقِ الخَبَرِ مِنَ الَّذِينَ يَكُونُونَ أيْقاظًا في وقْتِ نَوْمِهِ. فَطَرِيقُ العِلْمِ بِتَفاصِيلِ أحْوالِ النّائِمِينَ واخْتِلافِها السَّمْعُ، وقَدْ يُشاهِدُ المَرْءُ حالَ نَوْمِ غَيْرِهِ إلّا أنَّ عِبْرَتَهُ بِنَوْمِهِ الخاصِّ بِهِ أشَدُّ، فَطَرِيقُ السَّمْعِ هو أعَمُّ الطُّرُقِ لِمَعْرِفَةِ تَفاصِيلِ أحْوالِ النَّوْمِ، فَلِذَلِكَ قِيلَ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ.
وأيْضًا لِأنَّ النَّوْمَ يَحُولُ دُونَ الشُّعُورِ بِالمَسْمُوعاتِ بادِئَ ذِي بَدْءٍ قَبْلَ أنْ يَحُولَ دُونَ الشُّعُورِ بِالمُبْصَراتِ.
وأُجْرِيَتْ صِفَةُ يَسْمَعُونَ عَلى قَوْمٍ لِلْإيماءِ إلى أنَّ السَّمْعَ مُتَمَكِّنٌ مِنهم حَتّى كَأنَّهُ مِن مُقَوِّماتِ قَوْمِيَّتِهِمْ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ١٦٤] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
ووَجْهُ جَعْلِ ذَلِكَ آياتٍ لِما يَنْطَوِي عَلَيْهِ مِن تَعَدُّدِ الدَّلالاتِ بِتَعَدُّدِ المُسْتَدِلِّينَ وتَوَلُّدِ دَقائِقِ تِلْكَ الآيَةِ بَعْضِها عَنْ بَعْضٍ كَما تَقَدَّمَ آنِفًا.
ومَعْنى اللّامِ في قَوْلِهِ ﴿لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ كَما تَقَدَّمَ في مَعْناهُ عِنْدَ قَوْلِهِ ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: ٢١] .
{"ayah":"وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِۦ مَنَامُكُم بِٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبۡتِغَاۤؤُكُم مِّن فَضۡلِهِۦۤۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَسۡمَعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق