الباحث القرآني
﴿قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ تَعالَوْا إلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وبَيْنَكم ألّا نَعْبُدَ إلّا اللَّهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ولا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضًا أرْبابًا مِن دُونِ اللَّهِ فَإنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأنّا مُسْلِمُونَ﴾ .
رُجُوعٌ إلى المُجادَلَةِ، بَعْدَ انْقِطاعِها بِالدُّعاءِ إلى المُباهَلَةِ، بَعَثَ عَلَيْهِ الحِرْصُ عَلى إيمانِهِمْ، وإشارَةٌ إلى شَيْءٍ مِن زَيْغِ أهْلِ الكِتابَيْنِ عَنْ حَقِيقَةِ إسْلامِ الوَجْهِ لِلَّهِ كَما تَقَدَّمَ بَيانُهُ. وقَدْ جِيءَ في هَذِهِ المُجادَلَةِ بِحُجَّةٍ لا يَجِدُونَ عَنْها مَوْئِلًا، وهي دَعْوَتُهم إلى تَخْصِيصِ اللَّهِ بِالعِبادَةِ ونَبْذِ عَقِيدَةِ إشْراكِ غَيْرِهِ في الإلَهِيَّةِ. فَجُمْلَةُ قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ بِمَنزِلَةِ التَّأْكِيدِ لِجُمْلَةِ ﴿فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أبْناءَنا﴾ [آل عمران: ٦١] لِأنَّ مَدْلُولَ الأُولى احْتِجاجٌ عَلَيْهِمْ بِضِعْفِ ثِقَتِهِمْ بِأحَقِّيَّةِ اعْتِقادِهِمْ، ومَدْلُولَ هَذِهِ احْتِجاجٌ عَلَيْهِمْ بِصِحَّةِ عَقِيدَةِ الإسْلامِ، ولِذَلِكَ لَمْ تُعْطَفْ هَذِهِ الجُمْلَةُ. والمُرادُ بِأهْلِ الكِتابِ هُنا النَّصارى: لِأنَّهم هُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا المَخْلُوقَ رَبًّا وعَبَدُوهُ مَعَ اللَّهِ.
وتَعالَوْا هُنا مُسْتَعْمَلَةٌ في طَلَبِ الِاجْتِماعِ عَلى كَلِمَةٍ سَواءٍ وهو تَمْثِيلٌ: جُعِلَتِ الكَلِمَةُ المُجْتَمَعُ عَلَيْها بِشِبْهِ المَكانِ المُرادِ الِاجْتِماعُ عِنْدَهُ. وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى ”تَعالَوْا“ قَرِيبًا.
والكَلِمَةُ هُنا أُطْلِقَتْ عَلى الكَلامِ الوَجِيزِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كَلّا إنَّها كَلِمَةٌ هو قائِلُها﴾ [المؤمنون: ١٠٠] .
(p-٢٦٩)و”سَواءٌ“ هُنا اسْمُ مَصْدَرِ الِاسْتِواءِ، قِيلَ بِمَعْنى العَدْلِ، وقِيلَ بِمَعْنى قَصْدٍ لا شَطَطَ فِيها، وهَذانِ يَكُونانِ مِن قَوْلِهِمْ: مَكانٌ سَواءٌ وسِوًى وسَوًى بِمَعْنى مُتَوَسِّطٍ قالَ تَعالى: ﴿فَرَآهُ في سَواءِ الجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٥٥] . وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: بِمَعْنى ما يَسْتَوِي فِيهِ جَمِيعُ النّاسِ، فَإنَّ اتِّخاذَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا أرْبابًا، لا يَكُونُ عَلى اسْتِواءِ حالٍ، وهو قَوْلٌ حَسَنٌ. وعَلى كُلِّ مَعْنًى فالسَّواءُ غَيْرُ مُؤَنَّثٍ، وُصِفَ بِهِ ”كَلِمَةٍ“ وهو لَفْظٌ مُؤَنَّثٌ، لِأنَّ الوَصْفَ بِالمَصْدَرِ واسْمِ المَصْدَرِ لا مُطابَقَةَ فِيهِ.
وألّا نَعْبُدَ بَدَلٌ مِن ”كَلِمَةٍ“ وقالَ جَماعَةٌ: هو بَدَلٌ مِن ”سَواءٍ“ ورَدَّهُ ابْنُ هِشامٍ، في النَّوْعِ الثّانِي مِنَ الجِهَةِ السّادِسَةِ مِن جِهاتِ قَواعِدِ الإعْرابِ مِن مُغْنِي اللَّبِيبِ، واعْتَرَضَهُ الدَّمامِينِيُّ وغَيْرُهُ.
والحَقُّ أنَّهُ مَرْدُودٌ مِن جِهَةِ مُراعاةِ الِاصْطِلاحِ لا مِن جِهَةِ المَعْنى؛ لِأنَّ ”سَواءٍ“ وصْفٌ لِـ ”كَلِمَةٍ“ و”ألّا نَعْبُدَ“ لَوْ جُعِلَ بَدَلًا مِن ”سَواءٍ“ آلَ إلى كَوْنِهِ في قُوَّةِ الوَصْفِ لِـ ”كَلِمَةٍ“ ولا يَحْسُنُ وصْفُ ”كَلِمَةٍ“ بِهِ.
وضَمِيرُ ”بَيْنَنا“ عائِدٌ عَلى مَعْلُومٍ مِنَ المَقامِ: وهو النَّبِيءُ ﷺ والمُسْلِمُونَ، ولِذَلِكَ جاءَ بَعْدَهُ ﴿فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأنّا مُسْلِمُونَ﴾ .
ويُسْتَفادُ مِن قَوْلِهِ ألّا نَعْبُدَ إلّا اللَّهَ إلى آخِرِهِ، التَّعْرِيضُ بِالَّذِينَ عَبَدُوا المَسِيحَ كُلِّهِمْ.
وقَوْلُهُ فَإنْ تَوَلَّوْا جِيءَ في هَذا الشَّرْطِ بِحَرْفِ ”إنْ“ لِأنَّ التَّوَلِّيَ بَعْدَ نُهُوضِ هَذِهِ الحُجَّةِ وما قَبْلَها مِنَ الأدِلَّةِ غَرِيبُ الوُقُوعِ، فالمَقامُ مُشْتَمِلٌ عَلى ما هو صالِحٌ لِاقْتِلاعِ حُصُولِ هَذا الشَّرْطِ، فَصارَ فِعْلُ الشَّرْطِ مِن شَأْنِهِ أنْ يَكُونَ نادِرَ الوُقُوعِ مَفْرُوضًا، وذَلِكَ مِن مَواقِعِ ”إنِ“ الشَّرْطِيَّةِ فَإنْ كانَ ذَلِكَ مِنهم فَقَدْ صارُوا بِحَيْثُ يُؤْيَسُ مِن إسْلامِهِمْ فَأعْرِضُوا عَنْهم، وأمْسِكُوا أنْتُمْ بِإسْلامِكم، وأشْهِدُوهم أنَّكم عَلى إسْلامِكم. ومَعْنى هَذا الإشْهادِ التَّسْجِيلُ عَلَيْهِمْ لِئَلّا يُظْهِرُوا إعْراضَ المُسْلِمِينَ عَنِ الِاسْتِرْسالِ في مُحاجَّتِهِمْ في صُورَةِ العَجْزِ والتَّسْلِيمِ بِأحَقِّيَّةِ ما عَلَيْهِ أهْلُ الكِتابِ فَهَذا مَعْنى الإشْهادِ عَلَيْهِمْ بِأنّا مُسْلِمُونَ.
{"ayah":"قُلۡ یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ تَعَالَوۡا۟ إِلَىٰ كَلِمَةࣲ سَوَاۤءِۭ بَیۡنَنَا وَبَیۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَیۡـࣰٔا وَلَا یَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابࣰا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَقُولُوا۟ ٱشۡهَدُوا۟ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق